الأزياء التقليدية التى ناسبت الفنانة الشعبية الفولكلورية أو تلك الكلاسيكية التى ناسبت المطربات لفترة طويلة لم تعد تناسب الفنانة الشعبية الحديثة التى تقدم عرضا بصريا على مسرح الفرح الشعبى، فتمزج بين عناصر مختلفة، ترتدى الكاجوال وتمزج بين الرقصات الشرقية والغربية وتقدم الألحان الشعبية الشهيرة. بعد فاصل طويل من السلامات والنقوط والتحيات، يعلن نوبتجى الفرح عن بدء الفقرات مع «نجمتى الغناء العربى ومسارح القاهرة»، على حد تعبيره. ترتفع الموسيقى باللحن الشعبى الشهير «زكى يا زكى» لفترة قبل أن تدخل الشقيقتان يارا وشيماء بخطوات سريعة راقصة إلى المسرح. يارا وشيماء ترتديان زيا متشابها: تى شيرت مع جيليه وجونلة عليها اسم الماركة العالمية الشهيرة D&G. تبدأ الشقيقتان فى الغناء، تمزجان الغناء الشعبى باستعراضات تؤديانها فى تزامن. تمزج حركاتهما بين الرقص الشرقى وبين بعض حركات الرقصات الفولكلورية الصعيدية أو السواحلية وبين الرقص الغربى.يتحمس الجمهور الممتد من أول ذلك الشارع من مدينة رشيد إلى آخره حيث ينتصب المسرح، ويعانى أهل الفرح بعد كل أغنية وهم يقنعون الشباب والصبيان بالنزول من على المسرح بعد أن صعدوا إليه متحمسين. القبول الذى تحظيان به يدل عليه ذلك الانتشار الكبير فى أفراح الدلتا على وجه الخصوص، تلك الليلة كان لدى الشقيقتان أكثر من فقرة فى أكثر من فرح فى رشيد وحدها، بالإضافة للفرق الموسيقية التى اشتركتا معها.قد يكون نموذج يارا وشيماء ثنائيا فريدا فى عالم الأفراح الشعبية، ولكن نموذج الفنانة الشعبية الذى تمثلانه فى المظهر والأداء له نماذج أخرى: المطربة منار محمود سعد وعازفة الأورج مها عبدالمؤمن وغيرهما، ومن عالم المشاهير هناك أمينة وهدى وأخريات. بدأت الشقيقتان عملهما فى سن مبكرة. دفعهما والدهما الممثل إلى قصر ثقافة بورسعيد حيث تقيم الأسرة فمارستا هناك التمثيل والغناء والرقص، ثم بدأتا تقدمان فقرات فى الأفراح فى سن الثالثة عشرة والخامسة عشرة. درستا الموسيقى على سبيل الهواية فى أوبرا الإسكندرية وتدربتا على الرقص مع وليد عونى فى مركز الإبداع بالقاهرة. اختار والدهما لهما شكل الثنائى لتكونا متميزتين، واختارا هما شكل ملابسهما مثل الملابس العادية اليومية للبنات فى سنهما. تحكى يارا: «فى الأول فيه ناس استغربتنا. لكن بعد كده بقينا محبوبين بالشكل ده ومطلوبين جدا». نموذج الفنانة الشعبية بزيها الفولكلورى الريفى يتراجع أمام الزحف الدينى وتغير المزاج. الجيوب الريفية للمدن التى تتحول إلى أحياء شعبية تتغير تركيبتها وتستمتع بالأغانى «الشعبى» التى قد تأخذ من الفولكلور الريفى ولكنها تعبر عن مزاج مختلف يناسب الحياة الجديدة. كذلك نموذج المطربة التى ترتدى «السواريه» يتراجع أمام المظهر الكاجوال الأكثر عصرية. تقول شيماء: «دلوقتى الناس متعودة على شكل المغنية الأجنبية وحركاتها زى شاكيرا وغيرها. وإحنا بنقدم شكل قريب من ده بس مع الأغانى الشعبية».مع تغير أزياء الأحياء الشعبية من التقليدى إلى «الكاجوال» أصبح من الطبيعى أن تتغير أزياء فنانيهم. ومع الغزو البصرى للفيديو كليب أصبح المظهر الجذاب للفتاة مختلفا عن ذى قبل. نموذج الموديل التى ترتدى الكاجوال يسيطر على الخيال. تحكى يارا أنهما عندما كانتا فى سن صغيرة كانتا تقدمان أغانى عادية، بعض الأغانى العربية القديمة أو بعض الأغانى الشبابية السريعة، «الفرانكو» كما تسميها. ولكن قبل 6 أو 7 سنوات بدأت الناس تطلب الأغانى «الشعبى» فى الأفراح وأصبحت كل فقراتهما منها. كوكتيل شعبى تقول شيماء: «لأننا درسنا الموسيقى يمكننا أن نمزج الأجزاء الجامدة من مجموعة من الأغانى الشعبية من مقامات متقاربة أو متناسقة ونتفق على الحركات التى نؤديها معا. نحاول دائما أن نغنى آخر الأغانى التى تعجب الناس، نغنى أغانى محمود الليثى ومحمود الحسينى وغيرهما». تقسم يارا الأغانى الشعبية إلى نوعين: الشعبى البحت والشعبى الشيك وتضيف: «نقيّم كل فرح حسب المكان ونوع الناس ونقدم ما يلائمهم، ولكن كل الناس فى كل الأفراح تحب اللون الشعبى حتى أفراح الفنادق الفاخرة».تحكى أنهما كانتا مؤخرا فى فرح حضره محافظ الإسماعيلية ومسئولون كبار. ولكن الكل استمتع بفقرتهما حتى عندما غنتا من «الشعبى البحت» مثل الأغنية التى ذاعت مؤخرا «شربت حجرين ع الشيشة»! فى الدلتا ومنطقة القناة لايزال الأهالى يقيمون الأفراح الشعبية الحاشدة التى تستضيف الفرق وفقرات الفنانين الشعبيين. وفى هذه المنطقة انتشر اسم يارا وشيماء، وهما تسافران دائما بين المدن لتقديم فقراتهما. اللون الشعبى أصبح أيضا مطلوبا فى المصايف الشعبية، ولذلك تؤكدان أن رأس البر كانت أهم محطات شهرتهما وجعلتهما مطلوبتين فى أفراح هذه المنطقة. تؤكد شيماء أنهما تحييان أفراحا فى القاهرة أيضا، حيث انتقلت الأسرة كلها حاليا، وأن لهما فى الشرابية والزاوية الحمراء جمهورا كبيرا، وتضيف أنهما قدمتا فقرات فى فنادق كبرى، فالطبقات الثرية أصبحت تحب اللون الشعبى أيضا إن تم تقديمه بشكل «شيك» على حد تعبيرها. يبدو أحيانا وكأن الغناء الشعبى ونجوم الأفراح الشعبية فى عالم ونجوم الطبقات الوسطى وما فوقها فى عالم آخر. هناك مساحة تقاطع، ولكن النجوم الأشهر للشعبى لا يهتمون بالفيديو كليب مطلقا، ربما يظهرون بأغنيتهم فى فيلم ما إن ذاع صيت الأغنية. كذلك يارا وشيماء تعتقدان أنه لا فائدة كبيرة بالنسبة لهما فى إنتاج فيديو كليب، فالانتشار فى الأفراح له قواعده الأخرى. وهما ترددان أغانى لنجوم عالم الشعبى مثل الليثى والحسينى ومنار محمود سعد وكلهم لم يهتموا بأمر الفيديو كليب. منار محمود سعد نموذج آخر. ترتدى دائما الجينز والتى شيرت. اشتهرت أغنيتها «آه يا نا يا تعبانة» فتم اقتباس لحنها وتيمتها الرئيسية لتتر مسلسل «الباطنية» الذى عرض فى رمضان الماضى.على موقع يوتيوب العديد من فيديوهات منار فى أفراح وحفلات شعبية حاشدة معظمها فى الدلتا أيضا. صوت منار وأداؤها يشترك مع باقى المطربات الشعبيات فى أن به بعض القوة والخشونة مع الدلال، لا يجب أن يكون رقيقا للغاية. قد يبدو ذلك متفقا مع روح الحى الشعبى التى تقدر فى الفتاة بعض الخشونة الكافية لردع المتطفلين أو ربما التى ترد الحبيب فتزيد شوقه. يتسق ذلك أيضا مع تفضيل المزاج الشعبى لبعض الخشونة فى صوت المطرب الذكر. يشترك معظم المطربين الشعبيين فى ذلك، وحتى غير المصريين الذين يحققون جماهيرية فى عالم الشعبى مثل جورج وسوف.على الرغم من المظهر العصرى لمنار أو يارا وشيماء فإنهن تغنين من هذه الطبقة التى تبدى بعض القوة. قد تبدو تلك القوة فى موضوع الأغنية نفسه أحيانا. كانت يارا وشيماء قد نزلتا من على المسرح وانتقلتا للغناء بين الجمهور وفوق الطاولات الموزعة فى الشارع. تقف شيماء على طاولة وتنادى على الفرقة الموسيقية التى يبدو أنها تعمل معها للمرة الأولى، تأمرهم بأن يضبطوا المقام على نهاوند السى. تنتظر لحظة ثم تبدأ مع الموسيقى وتغنى: «إنت يا عم الحلو. إنت يا عم الأمّور. شايف نفسك حلو. ما تلفش بينا وتدور».