ليس كل ما يحدث فى ملاعب كرة القدم سيئا، أحيانا هناك دروس وعبر جيدة وخلافًا للكارثة التى سببتها مواجهة مصر والجزائر، فإن مباريات كأس العالم المقامة حاليا فى جنوب أفريقيا تقدم لنا قيما وأسلحة فتاكة فى مواجهة الفكر العنصرى الذى يكتسب أرضية جديدة كل يوم فى أوروبا عموما والغرب خصوصا. وبعيدا عن حسرة عدم وجودنا هناك، ومن الذى فاز أو انهزم، وسوء مستوى الحكام وسقوط كثير من القوى الكبرى فى النظام الكروى العالمى، فإن لون بشرة اللاعبين خصوصا فى المنتخبات الأوروبية وجه لطمة قوية لكل العنصريين المتعلقين بأهداب نقاء الأعراق أو تفوق جنس على حساب آخر. ولسوء الحظ فإن كثيرا من النخب المثقفة لا تريد حتى الآن تصديق التداخل الكبير بين الرياضة وسائر المجالات خصوصا السياسة والاجتماع، ناهيك بالطبع عن الاقتصاد. تأملوا على سبيل المثال المنتخب الألمانى، سوف تكتشفون أن نصف الفريق لا تجرى فى عروقه «الدماء الآرية النقية».. ستجدون فيه خضيرة التونسى، وكاكاو البرازيلى وأوزيل التركى وبواتينج الغانى، إضافة إلى اثنين من أصول بولندية. هذه الدماء المختلطة غير الألمانية هى التى رسمت الفرحة على وجوه الشعب الألمانى يوم الأحد الماضى وهو «يذل» المنتخب الإنجليزى ويسحقه بأربعة أهداف. المثال الألمانى يتكرر فى منتخبات كثيرة، واللاعب الذى سجل هدف تعادل أمريكا مع إنجلترا أفريقى، واللاعبون ذوو البشرة السوداء والداكنة أصبحوا سمة فى الفريق الهولندى من رودخوليت وريكارد مرورا بادجار ديفيد وكلوفيرت وسيدروف ونهاية بالنجم الحالى إيليا، كما أن الذى سجل هدف فوز سويسرا على إسبانيا من الرأس الأخضر والبعض يتهكم على المنتخب السويسرى بوصفه بالمنتخب القطرى دلالة على تجنيسه للعديد من الأجانب، والمتابعون للدوريات الأوروبية يعرفون أن بعض الفرق الإيطالية والإسبانية لعبت بعض المباريات بلاعبين أجانب مائة فى المائة. هذه الحالة الكروية هى تطور جيد، وربما كانت أحد المظاهر الإيجابية للعولمة وسهولة الانتقال والاتصال، لأنها تكشف أن الإبداع ليس مقصورًا على عرق دون آخر، وأن الأصل فى الحياة هو التعاون والتلاقح وليس الصراع ونفى الآخر، وهو الأمر الذى ينبغى أن يدركه المتطرفون العرب والمسلمون أيضا. وقد لا يصدق كثيرون أن الضربة الأكبر التى تلقاها حزب «الجبهة الوطنية» الفرنسى العنصرى لم تكن فى صناديق الانتخابات، بل فى مدرجات الملاعب، حينما فازت فرنسا بكأس العالم عام 1998، والذين أسعدوا الشعب الفرنسى وقتها معظمهم كانوا من المهاجرين بزعامة زين الدين زيدان ذى الأصل الجزائرى. وجوههم لم تكن شقراء. وشعورهم ليست صفراء، كما أن عيونهم ليست زرقاء، كانوا من المهاجرين، المتهمين دائما من جانب لوبن وأمثاله العنصريين بأنهم سبب كل مشاكل فرنسا وأوروبا. هؤلاء المتطرفون يتناسون الآن دور «اللاعبين المهاجرين» ويحاولون تحميل خلفائهم فى الملاعب مسئولية الخروج المخزى قبل أيام للمنتخب الفرنسى من الدور الأول، لكن بإخراج مختلف. لم يتحدث العنصريون عن البشرة كثيرا هذه المرة، لكنهم تحدثوا عن الدين، قال بعضهم إن اللاعبين المسلمين فى الفريق الفرنسى مثل أنيلكا وريبيرى وأبيدال عمقوا روح الانقسام بسبب حرصهم على أداء الصلاة. يقولون أيضا إن بعض هؤلاء المهاجرين لا يحفظون النشيد الوطنى الفرنسى «المرسيليز» رمز فرنسا والثورة الفرنسية. والسؤال: وكم عدد الفرنسيين الأصليين الذين يحفظون هذا النشيد؟!.. فى كل الأحوال تحية لأقدام اللاعبين الأفارقة والكاريبيين وكل ذوى البشرة الداكنة التى هزمت كل عقول العنصريين.