فجأة هذه الأيام، صرنا نشاهد أخبارًا يومية يبثها التليفزيون المصرى عن فتح معبر رفح، وأعداد الداخلين والخارجين منه، وهو ما تزامن مع نشر أخبار شبه يومية فى الصحف القومية عن استمرار فتح المعبر. ورغم أنها من الناحية المهنية لا تعد أخبارا، لأنها لا تقول أكثر من أنه لليوم الرابع عشر أو السادس عشر تواصل مصر فتح المعبر، بما يعنى أنه لا يوجد جديد يضاف إلى ما لا يعرفه الناس. من ثم فهو أقرب إلى الإعلان منه إلى الإعلام. هذا الإلحاح الإخبارى يثير الانتباه، إذ يوحى بأننا فى «موسم الفتح»، الذى تجاهلناه طويلا، فى حين ظلت التعبئة الإعلامية فى السابق موجهة صوب التحريض على الإنفاق والتخويف مما تمثله من «خطر» على أمن مصر القومى، الأمر الذى أريد به تبرير إقامة السور الفولاذى على الحدود بين سيناء وقطاع غزة. لم يقف الأمر عند حد الإلحاح اليومى على ترسيخ فكرة قيام مصر بفتح المعبر، وإنما لاحظت أن بث الخبر يستصحب فى كل مرة استطرادا ضروريا للحديث عن حرص مصر على رفع المعاناة عن «الإخوة الفلسطينيين»، ودفاعها المستمر عن القضية الفلسطينية، ومحاولاتها الدءوب لرأب الصدع وإنهاء الانقسام بينهم. أعنى أن الجهة التى حرصت على تكثيف نشر «أخبار» فتح المعبر لم تكتف بالإيحاء الكامن فيها، ولكنها حرصت على أن تضمن البث أو النشر إيضاحا مفصلا وصريحا لمضمون الرسالة المراد توصيلها، والتى خلاصتها أن مصر على الخط، وتؤدى ما عليها على أكمل وجه، وأنها لم تقصر فى حق «الأشقاء» الفلسطينيين. الملاحظ على هذه اللهجة الجديدة، أن إطلاقها تم بعد ما جرى لأسطول الحرية الذى خطف الأبصار وشغل الناس، فى حين أحرج الجميع فى المنطقة من حلفاء إسرائيل ومن لف لفهم من أهل «الاعتدال». ذلك أن قدوم الناشطين من 40 دولة من بلاد الفرنجة حاملين معهم معونات على ظهر القافلة البحرية. ثم استشهاد بعضهم وهم فى طريقهم لكسر الحصار وإغاثة المحاصرين، ذلك كله فضح مدى التقاعس والتواطؤ فى جانب الحلفاء والمعتدلين. إذ بدا أن الناشطين القادمين من موانئ الغرب يتوقدون حماسا ويضحون بأرواحهم فى سبيل هدفهم النبيل، فى حين أن إخواننا «المعتدلين» يتفرجون على ما يجرى ويشاركون فى الحصار بقلب جامد وأعصاب باردة وضمير مستريح. حين جرى ما جرى، ندد الجميع بالحصار وانتقدوا القائمين عليه، وكان لإسرائيل نصيبها الذى فضحها وزاد من عزلتها الدولية. وكان لمصر نصيبها باعتبارها الشريك الثانى فى الحصار، الذى يجرمه القانون الإنسانى الدولى. فى مواجهة هذا المأزق استخدمت مصر الإعلام وصوته العالى فى تغطية موقفها، ولجأت فى ذلك إلى أسلوبين، أحدهما دفاعى والآخر هجومى. على صعيد الدفاع، لجأت إلى الإعلان اليومى عن فتح المعبر بما ينفى تهمة المشاركة فى الحصار. وفى ذات الوقت ركبت مصر موجة المطالبة برفع الحصار الذى تشارك فيه. وفى مجال الهجوم، فتحت مصر ملف المصالحة الفلسطينية، حيث دعت حركة حماس إلى التوقيع على الورقة التى أعدتها بهذا الخصوص، وهى تعلم سلفا بأنها تضمنت شروطا تعجيزية تنهى المقاومة. وتطالب حماس بالخضوع والخروج من اللعبة السياسية. ولأن الأمر كذلك، فقد بدا أن فتح ملف المصالحة فى الوقت الراهن أريد به صرف الانتباه عن قصة وتداعيات موضوع أسطول الحرية من ناحية، وإحراج حماس وتصويرها بحسبانها تشكل عقبة فى طريق المصالحة التى يفترض أنها تمهد الطريق لرفع الحصار، من جهة ثانية. الطريف والمثير فى ذات الوقت، أن ذلك كله ظل مقصورا على السجال الإعلامى، ولا علاقة له بما يجرى على الأرض، فمعبر رفح فتح ولم يفتح، بمعنى أن القيود المفروضة على المرور منه ظلت كما كانت فى السابق، سواء تعلقت بالأفراد أو بالمعونات. كما أن مطلب رفع الحصار يظل من قبيل الفرقعة الإعلامية، لأن الأطراف المعنية لا تريد رفعه قبل إسقاط حركة حماس، أما موضوع المصالحة فهو رسالة للإحراج كما سبقت الإشارة. ولأن الضجيج الذى يشوش ويصرف الانتباه عن الحقيقة هو المطلوب فى نهاية المطاف، فإن الطنطنة التليفزيونية والإلحاح الإخبارى يصبحان لازمين لستر العورة والضحك على ذقون العوام، بعدما بدا أن المطلوب تحسين الصورة، وإبقاء «الأصل» على ما هو عليه. [email protected]