حين قرأت أن تونى بلير أصبح مستشارا للعقيد القذافى، قلت إن هذا الخبر إذا صح فإنه ينضاف إلى مفاجآت الرئيس الليبى وغرائبه. ذلك أن آخر ما يمكن أن يخطر على البال أن يتخير الأخ العقيد قائد «الثورة» الليبية رجلا مثل تونى بلير مستشارا له. وهو السياسى سيئ السمعة، الذى دخل تاريخ منطقتنا من باب توظيف ذكائه ودهائه لصالح تنفيذ السياسات الأمريكية والإسرائيلية. صحيح أن الرئيس الليبى عودنا على المفاجآت بين الحين والآخر، لكن هناك مفاجآت من النوع المعقول المحتمل، وآخر من النوع غير المعقول والذى يتعذر احتماله أو ابتلاعه. وما نشرته صحيفة ديلى ميل البريطانية فى الأسبوع الماضى على لسان سيف الإسلام القذافى بخصوص تونى بلير يدخل فى هذا الصنف الأخير. أدرى أن مجلة «الإيكونوميست» وصفت صاحبنا هذا بأنه «عملاق السياسة الدولية» وأسبغت عليه هذا الوصف لترجيح كفته فى مواجهة منافسيه الذين كان على القمة الأوروبية أن تختار واحدا منهم لرئاسة أوروبا، إذ قدم آنذاك باعتباره صاحب المكانة الأرفع على الصعيد الدولى، حيث حكم بلدا مهما مثل بريطانيا، وقاد حزبه إلى النصر فى دورتين انتخابيتين، ولعب أدوارا سياسية بارزة على الصعيد العالمى. واختط طريقا مميزا لبريطانيا وصف بالطريق الثالث. لكن ذلك كله لم يشفع له. فحقق فشلا ذريعا فى انتخابات الرئاسة الأوروبية لأسباب عدة، منها أنه لم يكن ملتزما بالمشروع الأوروبى وأنه تبنى مواقف كان من شأنها إضعاف الاتحاد الأوروبى، فحال دون انضمام بلاده إلى منطقة اليورو، ودون انضمامها إلى اتفاق «شنجن» الذى يتجول بموجبه زوار أوروبا فى عدة دول بتأشيرة واحدة. وإذا كان ذلك مما يهم الأوروبى فى مواقفه، إلا أنه فيما يهمنا أخذت عليه محاباته لإدارة الرئيس السابق جورج بوش (صوره رسم كاريكاتورى نشر فى بريطانيا باعتباره كلب بوش)، وهو ما أدى إلى توريط بريطانيا فى حرب العراق. كذلك أخذ عليه كثيرون، منهم 50 دبلوماسيا بريطانيا خدموا فى الشرق الأوسط، محاباته لإسرائيل وسكوته على جرائمها. وقد وصفه تقرير لجنة لورد بتلر التى كانت حكومة بلير قد شكلتها بالمكر والخداع، لأنه تلاعب فى نتائج التحقيقات التى أجرتها المخابرات البريطانية حول الحرب فى العراق. كذلك استند الرأى السلبى الذى عارض ترشيحه لرئاسة أوروبا على ما جاء فى مذكرات روبن كوك وزير خارجية بريطانيا الراحل، الذى اتهم بلير بالكذب والتدليس عندما أكد أن هناك علاقة قوية بين العراق وتنظيم القاعدة. فى ذات الوقت فإن كثيرين انتقدوا ضعفه أمام أصحاب المال والسلطان، من أمثال روبرت ميردوخ صاحب الإمبراطورية الإعلامية وسيلفيو بيرلوسكونى رئيس الحكومة الإيطالية، والمليونير مايكل ليفى الذى جمع له ولحزب «العمال الجديد» الذى أعاد بلير إطلاقه الملايين لتغطية نفقات الحملات الانتخابية، هذه الاعتبارات دفعت نفرا من الشخصيات الأوروبية المرموقة إلى إطلاق حملة منظمة لمحاسبة الرجل، وتشكيل هيئة عالمية باسم «مؤسسة جرائم حرب تونى بلير».فى الوقت الراهن يشغل تونى بلير منصب مندوب الرباعية الدولية إلى مفاوضات الشرق الأوسط. وللعلم فإن الرباعية هى الصيغة الأوروبية التى تم ابتداعها لتنفيذ المخططات الأمريكية الإسرائيلية المتعلقة بالشأن الفلسطينى، وهى التى فرضت الحصار على غزة، وقاطعت حكومة حماس فور فوزها فى الانتخابات التشريعية. كما أنه صاحب فكرة السلام الاقتصادى الذى يتبناه رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو. وتقوم فكرته على التركيز على انعاش الاقتصاد فى رام الله والضفة الغربية، وتجاهل الشق السياسى فى القضية المتعلق بالانسحاب الإسرائيلى من الأراضى المحتلة، والهدف من ذلك اقناع الفلسطينيين بأن رخاءهم مرتبط بالتصالح مع إسرائيل والتعاون معها. والخضوع لها إن شئت الدقة. فيما نشرته ديلى ميل فإن بلير أصبح بقدرة قادر صديقا للعقيد القذافى وأسرته، وأن هذه الصداقة رشحته ليكون مستشارا لقائد الثورة بعد احتفاله بمرور أربعين عاما له فى السلطة.. تهانينا لليبيا الجديدة.