- سبعة ألقاب مصرية.. وخمس بطولات أخرى كانت فى متناول اليد والقدم - كرة القوة وقبائل البانتو وأشجار السنديان هزمت مهارات لاعبى مصر فى فترات من عمر البطولة - كيف حققنا معجزة الفوز بثلاثة ألقاب متتالية بأقل عدد من المحترفين فى أوروبا؟ - ثورة الأندية الأوروبية بسبب موعد البطولة.. وصعوبة إقامتها صيفا فى غرب إفريقيا نتيجة موسم الأمطار ** ما هى خريطة كرة القدم فى إفريقيا، كيف حركتها الجغرافيا والتاريخ والحضارة، والرياح؟ الكرة الإفريقية بدت مثل ريشة حركتها الرياح من شرق القارة الذى يضم 12 دولة فى البداية ثم حركتها الرياح، إلى الغرب الذى يضم 16، ثم هبت رياح اللعبة إلى الشمال العربى المكون من خمس دول. أما الوسط الذى يضم 9 دول، فإن مراكز القوى به هى الكاميرون صاحبة القوة المستمرة، والكونغو بشقيها. والدولتان توقفا كثيرا عند التاريخ، حتى عادا مؤخرا، ومن دول الوسط أنجولا والجابون وهما دولتان تمثلان كرة جديدة على الخريطة. مثلث النهر القوى ** هكذا فى خريطة الكرة الإفريقية جرت رياح، وهبطت فى الشرق أولا، ثم اتجهت إلى الغرب، والشمال، وظل الوسط مركز قوة بالكاميرون، بينما الجنوب هو زامبيا قبل جنوب إفريقيا التى ظلت الدولة اللامعة فى الرجبى، حتى استيقظت بها كرة القدم، على الرغم من أنها دولة ذات تاريخ فى نشأة اللعبة. ** فاز منتخب مصر بكأس الأمم الإفريقية 7 مرات، ومنها 3 مرات متتالية فى رقم قياسى نادر فى القارة، ولكنه تشارك مع أرقام قارية أخرى مماثلة، حققتها منتخبات المكسيك، والأرجنتين وإيران. وكان منتخب مصر قريبا من إضافة ألقاب أخرى، من واقع المستوى والظروف، وعدم التوفيق، ومنها بطولة 1962 فى إثيوبيا حين أثر ارتفاع هضبة أديس أبابا على لاعبى المنتخب وخسر الفريق المباراة النهائية 2/4 أمام إثيوبيا التى يصل ارتفاعها عن سطح البحر إلى 3000 متر، ومن تلك البطولة خرجت مداعبة تقول: «أن الإمبراطور هيلاسيلاسى تابع المباراة النهائية مع مصر كما تابع الافتتاح وجلس بجواره أسد فكان الأمر مخيفا»، باعتبار أننا نلعب فى أدغال إفريقيا، فتعثر الفريق المصرى أمام إثيوبيا بسبب نقص الأكسجين والأسد. ** (لم يكن أسدا بالطبع ولكنه كلب) وخرج تعبير «نقص الأكسجين» وتأثيره على لاعبى مصر. لكن من حسن حظ مصر أن نهرالنيل يجرى من هضبة الحبشة إلى شمال القارة حتى البحر المتوسط، بسبب هذا الارتفاع، والماء منذ ملايين السنين، يجرى فى دول الحوض ليمنح شعوبها الحياة والخير. إلا أن نقص الأكسجين ومعه أسد الإمبراطور صاحبتهما مبررات أخرى، فهناك السحر والسحرة، بدماء الماعز والفودو، وهناك سوء الملاعب وسوء التنظيم، وسوء التغذية، ورحلات الطيران الشاقة فكانت الفرق المصرية تطير إلى مدريد أو باريس كى تسافر إلى نيروبى، لعدم وجود رحلات مباشرة، وذلك قبل الرحلات الخاصة الآن. بطولتا 1974 و1984 ** فى 1974 كان المنتخب يلعب على أرضه ووسط جمهوره فى القاهرة، لكن إهدار أهداف مباراة حاسمة فى قبل النهائى أسفر عن الخسارة أمام زائير 2/3. وكان المنتخب يضم العديد من نجوم الكرة المصرية مثل على أبو جريشة وحسن شحاتة وفاروق جعفر وهانى مصطفى وسيد عبد الرازق، وتقدم منتخب مصر بهدفين إلا أن فريق زائير سجل ثلاثة أهداف وأهدر منتخب مصر أهدافا كانت كافية بأن يلعب المباراة النهائية ليتوج باللقب الثالث. ** بطولة 1984 فى ساحل العاج شهدت تألق طاهر أبوزيد هداف البطولة، ومنتخب مصر تحت قيادة الكابتن محمد عبد صالح الوحش، ولعب المنتخب فى قبل النهائى أمام نيجيريا واتسمت المباراة بالندية والقوة من الفريقين وانتهى الوقت بالتعادل 2/2 وفازت نيجيريا 8/ 7 بركلات الجزاء الترجيحية وفى تلك البطولة لم يحالف الحظ منتخب الذى كان جديرا بلعب المباراة النهائية بالمستوى الذى قدمه. وفى 2017 لعب المنتخب المباراة النهائية أمام الكاميرون سيدة وسط القارة، وخسر 1/2. وعلى الرغم من الأسلوب الدفاعى الذى اعتمده كوبر فى قيادته للفريق فإنه تأهل إلى النهائى بعد الفوز على بوركينا فاسو بركلات الجزاء الترجيحية، وأصبح قريبا من اللقب، إلا أنه خسره فى النهاية. ** فى بطولة 2022 خسر المنتخب اللقب أمام السنغال بركلات الترجيح 2/4. بعد مباراة ماراثونية نضالية أمام الفريق السنغالى دولة الغرب التى حققت مفاجأة 2002 فى كأس العالم بالفوز على فرنسا.. لكن كان مجرد التأهل للنهائى والحسم بركلات الجزاء فرصة للقب مصرى خامس لم يتحقق، وذلك بغض النظر عن مستوى أداء المنتخب وشخصيته الدفاعية تحت قيادة كيروش. ** تلك الحسابات بشأن البطولات الخمس التى كانت فى متناول اليد والقدم، ليس لها علاقة بجودة المستوى ومهارات الكرة الجديدة فى السنوات الأخيرة. ففى عام 2017 كاد المنتخب يخرج أمام بوركينا فاسو، ولكنه استمر ولعب النهائى أمام الكاميرون. والأمر نفسه تكرر فى 2022. ففى المباراة النهائية لعب المنتخب بالنضال وليس بكرة القدم ولكنه وصل للنهائى وكان قريبا من اللقب. التاريخ والمسابقات فى مصر ** كانت الكرة المصرية متفوقة فى بدايات كاس الأمم الإفريقية بسبب فارق نشأة اللعبة 1895، بفرقة ناشد أفندى، والمسابقات المحلية بأول كأس فى تاريخ كرة القدم عام 1913، عندما قدمت جريدة «الأمبر زيالى» كأسا باسمها، لمسابقة تتنافس فيها فرق الجاليات الأجنبية، ثم كأس حشمت باشا وزير المعارف التى قدمها عام 1914 كى يتنافس عليها طلبة المدارس العليا (الجامعة). ثم كاس السلطان عام 1916. ** تاريخ كرة القدم فى مصر غنى بالأحداث والتطور وعندما دخلت الكرة المرية منتصف القرن العشرين كانت تحتفظ بريادتها، وتحظى بمستويات اللاعبين ومهاراتهم المميزة، وهم جيل الخمسينيات ومطلع الستينيات، ومع دخول غانا دائرة المنافسة، فقد المنتخب المصرى تفوقه الذى كان منطقيا بالمهارات وبالريادة فى الممارسة وبدأ يعانى بشدة بسبب فروق القوة والسرعة الفطرية للمنتخبات الإفريقية ولقبت كرة القدم فى القارة بكرة «قبائل البانتو»، وهى واحدة من أقدم شعوب القارة ومن أشهر 10 قبائل من 3 آلاف قبيلة إفريقية. واتسمت كرتهم بالعنف وقوة الالتحامات. وفى السبعينيات ظلت كرة القدم الإفريقية مسلحة بالقوة واللياقة البدنية والسرعات الفطرية وهو ما أثر على قدرة المنتخب على المنافسة حتى الأندية ظلت تعانى فى مسابقات القارة منذ فوز الإسماعيلى ببطولة 1969 حيث أقيمت مباراتها النهائية أمام الإنجليز فى القاهرة يوم 9 يناير 1970. وانتشر فى الصحافة المصرية وصف لاعبى إفريقيا بأشجار «السنديان»، وهى أشجار قوية وصلبة، ومعمرة ويترواح عمرها بين 200 و400 عام. احتراف الأفارقة فى أوروبا ** مع حقبة الثمانينيات والتسعينيات كان احتراف اللاعبين فى أوروبا قد أصبح ظاهرة، وباتت الهجرة إلى الشمال مثل موجات متتالية، بحثا عن المال الذى ينهض باللاعب من الفقر، بينما ظلت الكرة المصرية تراوح مكانها بالهواية المحلية، لكنها امتلكت سلاحا اسمه «المباراة 180 دقيقة» وكان هو سلاح الكابتن محمود الجوهرى وهو يقود الأهلى إلى أول بطولة إفريقية له فى 12 ديسمبر 1982. ومنذ تلك المرحلة أخذت الأندية تتعامل مع البطولات الإفريقية بالتكتيك الذكى، والدفاع خارج الأرض، وتجميع النقاط حتى فرضت سيطرتها على بطولات القارة برصيد لا تنافسه فيه سوى أندية الشمال. ** وسط القارة ظل مركز قوة بالكاميرون، وفى البدايات كانت الكونغو قوية كمنتخب ومنافسة كأندية، لكنها غابت، وبعد غياب رياح غرب إفريقيا القوية والقديمة، وهى أندية غانا، وساحل العاح ونيجيرياوالسنغال، هبت الرياح التنافسية إلى الشمال وقاطرته منتخب مصر. وكان غرب إفريقيا الذى يضم 16 دولة، منافسا بأنديته ومنتخباته للأندية المصرية وللمنتخب فى فترة من فترات البطولة الإفريقية وبطولات الأندية وظهرت قوى جديدة فى الغرب عرفت بأنها من أسباب تغيير خريطة اللعبة فى القارة مثل بوركينا فاسو ومالى وليبيريا وغينيا وجزر القمر. كما ظهرمنتخب جنوب إفريقيا وأنديتها كمنافسة فى التسعينيات من القرن الماضى، بعد سقوط السياسة العنصرية. وتأثرت كرة القدم فى جنوب إفريقيا بشعبية الرجبى الجارفة. الجوهرى وحسن شحاتة ** بعد فوز منتخب مصر ببطولة 1986 بركلات الجزاء أمام الكاميرون، ظلت البطولة غائبة حتى 1998 فى بوركينا فاسو، بقيادة الجوهرى. وكانت خططة ومهارات لاعبيه، حازم إمام وأحمد حسن، وطارق مصطفى، وحسام حسن، وعبد الظاهر السقا، وهانى رمزى.. وراء هذا الانتصار الكبير. ** وعادت الكأس الإفريقية للمنتخب المصرى بمعجزة حققها الفريق تحت قيادة الكابتن حسن شحاتة، الذى فاز بالكأس فى أعوام 2006، 2008، 2010. بجيل من أصحاب المهارات ونجوم المنافسات المحلية وبأقل عدد من المحترفين مقابل قوائم منتخبات إفريقية كلها من المحترفين فى أوروبا. كان نجوم هذا الجيل محمد أبوتريكة ومحمد زيدان وحسنى عبد ربه، محمد بركات، ومحمد شوقى وأحمد حسن وحسام الحضرى، وجدو . وكان مشهد زيدان وسونج يختصر حالة الفريق ونضاله فى البطولة ثم فى كاس 2010. فقد سقط زيدان أرضا ولم ييأس وقاوم وهزم المدافع الكاميرونى الشهير ليمرر الكرة إلى أبو تريكة القادم من الخلف ليسجل هدف البطولة. ** هذا النضال الفردى من جانب زيدان كان عنوانا لنضال جميع لاعبى المنتخب، بجانب مهاراتهم، ووصف بأنه جيل عظيم فى تاريخ الكرة المصرية، وبأقل عدد من المحترفين فى أوروبا. فكيف تحققت هذه المعجزة الكروية، بجانب الروح العالية، وروح الفريق الواحد، وشجاعة الكابتن حسن شحاتة، ونزعته الهجومية؟ الإجابة: هذا كان إنتاج الدورى المصرى الذى قدم هؤلاء النجوم إلى منتخب مصر، وحالة فريق النادى الأهلى الذى كان يدربه مانويل جوزيه (2003 2009)، بطل الدورى من موسم 2004/2005 إلى موسم 2010/ 2011. وعند المقارنة يعد الدورى المصرى بالفعل الأول فى القارة. وهذا بجانب بطولات كأس مصر والدورى والسوبرالإفريقى، والمشاركة فى كاس العالم للأندية. موسم أمطار غرب إفريقيا ** يذكر أن الأندية الأوروبية تشكو من موعد كأس الأمم الإفرييقية التى تقام فى منتصف الموسم مما يحرم الأندية فى الدوريات الخمس الكبرى من لاعبيها الأفارقة. وهناك 40 لاعبا إفريقيا فى الدورى الإنجليزى وستلعب أنديتهم من 6 إلى 7 أسابيع بدونهم. فمنذ عام 2012، لم تقم بطولة كأس الأمم الإفريقية فى المكان وفى الموعد المحدد ونقلت بطولة 2013 من ليبيا إلى جنوب إفريقيا بسبب الحرب الأهلية؛ ونقلت بطولة 2015 إلى غينيا الاستوائية بعد انسحاب المغرب من الاستضافة بسبب مخاوف من الإيبولا؛ ونقلت بطولة 2017 إلى الجابون بسبب الاضطرابات فى ليبيا؛ ونقلت بطولة 2019 من الكاميرون إلى مصر بسبب تأخيرات فى أعمال البناء؛ وأُقيمت بطولة 2021 فى الكاميرون وكان من المقرر إقامة بطولة كأس الأمم الإفريقية 2023 فى ساحل العاج خلال شهرى يونيو ويوليو، قبل أن يتم تأجيلها إلى يناير وفبراير بعد أن اطلع أحد المسئولين فى الاتحاد الإفريقى لكرة القدم متأخرًا على جداول الطقس وأدرك أن إقامة بطولة خلال موسم الأمطار فى غرب إفريقيا أمر غير منطقى. وكان من المقرر فى إقامة كأس الأمم الإفريقية 2025 فى المغرب خلال شهرى يونيو يوليو. ولكن بعد ذلك، ابتكر جيانى إنفانتينو بطولة كأس العالم للأندية الموسعة، مما أجبر إفريقيا على تأجيل انطلاق بطولتها إلى 21 ديسمبر. ** ويبقى أن التاريخ لا يمكن أن يسابق الحاضر. لكن التاريخ يمنح الحاضر قوة دفع كى يلحق بالمستقبل. لكن إذا ظل التاريخ تاريخا فإنه يصبح عكازا.