أواصل الحديث هذا الأسبوع عن حرية تداول المعلومات. القضية التي تمثل حجر الأساس في مواجهة الشائعات، وعنصرًا جوهريًا في أي نقاش معاصر حول الحقوق والحريات العامة والنهوض الاقتصادي. فمن ناحية الحكومة تواصلت التصريحات الرسمية المؤكدة على قرب ظهور مشروع رسمي لقانون تداول المعلومات، ومن ناحية أخرى وجدت من المهم إلقاء الضوء بصورة أعمق على مشروع القانون الذي اعتمده المؤتمر السادس للصحافة المصرية منذ عام بالتمام والكمال، وكلف مجلس نقابة الصحفيين بتبنيه والتواصل مع الجهات المعنية بشأنه، وقدمه نقيب الصحفيين الأستاذ خالد البلشي رفقة مقترحات تعديلات تشريعية أخرى في إطار عمل لجنة تطوير الإعلام المصري التي شُكلت في أكتوبر الماضي بقرار من رئيس الوزراء د. مصطفى مدبولي، برئاسة المهندس خالد عبدالعزيز رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام. في مناسبات كثيرة سابقة ألقت الحكومة باللوم على المجتمع المدني عند اتهامها بالانفراد بإعداد مشروع قانون معين بحجة أن المعارضين للمشروع الحكومي لم يقدموا بديلًا متماسكًا، وإنما اكتفوا بتسجيل اعتراضات أو ملاحظات. هذه المرة مختلفة. فالجماعة الصحفية باعتبارها خط الدفاع الأول عن المادة 68 من الدستور التي تكفل حق الإتاحة والإفصاحة وتوفير المعلومات بشفافية، تتبنى مشروع قانون قابل للنقاش والتطوير، وكان حصيلة دراسات مقارنة بمشروعات سابقة وبأوضاع الدول الأخرى داخل لجنة الحريات والتشريعات بالمؤتمر السادس للصحافة المصرية، واعتُمد بعد عرضه على عدد من القانونيين والمتخصصين في ورشة عمل موسعة ضمن أعمال المؤتمر. يحاول المشروع مواكبة التغيرات التشريعية والواقعية التي طرأت بعد المشروعات سابقة التداول في الحكومة بين عامي 2016 و2020، وتلافي بعض أوجه القصور، والاستفادة من الخبرات الدولية الجديدة، وكذلك من الأنظمة المحلية الرقابية الجيدة، ومراعاة شواغل الصحفيين والإعلاميين باعتبار مهنتهم الأكثر احتكاكًا بملف تداول المعلومات لصالح الجماهير والرأي العام. ..... يستحدث المشروع تعريفًا جديدًا للمعلومات يراعي طبيعتها المعرفية والاقتصادية ووسائطها المختلفة. ويميز بين ثلاثة مستويات للإفصاح: الإفصاح العادي والإفصاح المستمر والإفصاح الفوري. وبين ثلاثة أرشيفات: الجاري والوسيط والتاريخي. كما يحدد تعريفات للجهات العامة والخاصة المخاطبة بأحكام القانون لضمان شمول المنظومة. ويقترح المشروع إنشاء "جهاز حماية تداول المعلومات" كجهاز رقابي وفقًا لأحكام المواد 215 و216 و217 من الدستور بشخصية اعتبارية عامة مستقلة، لها أمانة عامة تُمثل فيها الصحافة والمجتمع المدني، ويصدر القرارات التنفيذية للقانون، وأدلة استرشادية لإعانة الجهات العامة والخاصة على تنفيذ التزاماتها، ومباشرة جميع الإجراءات المتعلقة بالإفصاح، والعمل على نشر ثقافة تداول المعلومات والإشراف على تدريب ورفع كفاءة مسئولي المعلومات في التعامل مع مقدمي طلبات الإفصاح والمتابعة والتحديث والمصادقة. ويتضمن أن تنشئ كل جهة عامة موقعًا إلكترونيًا مفتوحًا للكافة، وأن تضمن استمرار تشغيله وتحديثه واستدامته، دون فرض أي رسوم للاطلاع على محتواه. وأن تلتزم كل جهة عامة بالإفصاح المستمر عبر هذا الموقع مع التأكد شهريًا من سلامة المعلومات وتحديثها، والتأشير بتاريخ التحديث، والمصادقة عليها من قبل مسئولي المعلومات. وينص المشروع الذي يأتي في نحو 40 مادة على أن يكون الإفصاح عن البيانات والمعلومات فوريًا إذا كانت تلك القرارات ذات آثار سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية خطيرة على الجمهور العام أو المتعاملين بشكل مباشر مع الجهة العامة، أو إذا كان سيترتب على تأخر النشر أي ضرر مادي أو معنوي. فضلًا عن ربط الإفصاح بقوانين الاستثمار والشراكة مع القطاع الخاص والتعاقدات العامة، للتأكيد على أن المعلومات مقوّم اقتصادي مهم. ويحدد كذلك الجهات التي تقع عليها التزامات خاصة بالإفصاح المستمر عن المعلومات والبيانات، وتنظيم صلاحيات وواجبات مسئول المعلومات والسرية، وإجراءات طلب المعلومات مع تيسيرها للمشمولين بقانون تنظيم الصحافة والإعلام، والتظلم والطعن مع تحديد جهات التقاضي المختصة (القضاء الإداري والمحاكم الاقتصادية) حسب طبيعة النزاع والجهات المختصمة. كما يتضمن تصنيفًا للمعلومات من خلال شروط رفض الإفصاح وأحقية الطرف الثالث في الاعتراض، والتزام جميع الجهات العامة والخاصة بتصنيف المعلومات غير المشمولة بالإفصاح المستمر أو الفوري حسب درجات السرية المقترحة (متوسطة، سرية، سرية للغاية، سرية وحساسة) مع تمكين الجهاز من إلزام الجهات بالإفصاح عن معلومات بعينها قبل انقضاء فترة الحماية المقررة في حالات محددة مثل تهديد السلامة الشخصية والصحة العامة وكشف الفساد وشبهات عدم تحقيق العدالة أو سوء الإدارة أو المخالفة الجسيمة. ..... من مصلحة الجميع، مواطن وحكومة وإعلام ومستثمرين، أن يصدر قانون متكامل لحرية تداول المعلومات يكون قابلًا للتفعيل وخاليًا من المخالفات الدستورية، ويرفع مصر درجات في مؤشرات الشفافية والإتاحة. والبداية الحقيقية حوار مجتمعي وعلمي جاد تُعرض فيه الأفكار بلا احتكار.