في الوقت الذي تتزايد فيه أعداد الكلاب الضالة في الشوارع، يحتدم الجدل بين من يرى في الظاهرة أزمة بيئية تستدعي تدخلا عاجلا، وبين من يحذر من أن تقليص أعدادها قد يؤدي إلى خلل بيئي أشد خطورة، يتمثل في انتشار القوارض والثعابين واختلال التوازن الطبيعي داخل المدن. وبين الرأيين يبقى السؤال مطروحا: هل يمثل وجود الكلاب الضالة خطرًا بيئيًا؟.. أم أن غيابها هو الخطر الأكبر؟. في هذا السياق، يوضح الدكتور محمد صلاح سرور، الباحث البيولوجي بجامعة هامبولت في برلين ومعهد ماكس بلانك، في تصريحاته ل"الشروق"، الجوانب البيئية والبيولوجية للأزمة، والطرق الآمنة للتعامل معها. زيادة الكلاب الضالة.. متى تصبح خطرا بيئيا؟ يشير الدكتور سرور، إلى أن الكلب (Canis familiaris) يُصنف علميا كمفترس متوسط الحجم، وهو جزء مهم من السلسلة الغذائية، حيث يؤثر على أعداد الحيوانات الأصغر مثل القطط والقوارض، لذلك، عندما تتكاثر الكلاب داخل المدن أو المناطق شبه الحضرية بصورة تفوق قدرة البيئة على التحمل، يتحول وجودها من عنصر متوازن إلى عامل يخل بالنظام البيئي. ويضيف أن الخطر لا يكمن في وجود الكلاب بحد ذاته، بل في طريقة تكاثرها ومصادر غذائها؛ فعندما تعتمد على المخلفات البشرية كمصدر رئيسي للطعام، يتغير سلوكها الطبيعي، فتتركز حول مناطق القمامة والتجمعات السكنية، ما يزيد الضغط على باقي الكائنات ويؤدي في النهاية إلى خلل في توزيعها داخل البيئة الحضرية. كيف تسبب الكلاب خللا في النظام البيئي؟ يوضح سرور، أن الزيادة غير المنضبطة في أعداد الكلاب تؤدي إلى اختلال "السلسلة الغذائية" التي تنظم العلاقة بين الكائنات الحية؛ فالكلاب كثيرة العدد تسيطر على مصادر الغذاء، ما يقلل فرص القطط والقوارض في الحصول على الطعام ويؤدي إلى تغير سلوكها أو انخفاض أعدادها. ولا ينعكس الخلل على الحيوانات فقط، بل يمتد إلى الإنسان، إذ يزيد من احتمالات انتشار الأمراض، سواء تلك التي تنقلها الحيوانات أو المرتبطة بتجمع النفايات والآفات، ما يجعل البيئة أقل صحة وأمانا. هل يؤدي التعقيم إلى زيادة القوارض والثعابين؟.. ومتى يحدث ذلك؟ يؤكد سرور، أن تقليل أعداد الكلاب قد يؤدي إلى زيادة القوارض أو الثعابين، لكن ذلك لا يحدث إلا في غياب إدارة بيئية سليمة. فالمشكلة الأساسية ليست في وجود الكلاب أو غيابها، بل في كيفية إدارة النفايات؛ فعندما تُترك المخلفات دون جمع أو معالجة فعالة، تصبح مصدرا مباشرا لغذاء القوارض، فتتكاثر سريعا بغض النظر عن وجود الكلاب. ويضيف أن التجارب الأوروبية أثبتت أن الحل يبدأ بنظم فعالة لجمع ومعالجة المخلفات بصورة منظمة، ما يمنع تكاثر القوارض حتى مع تقليل أعداد الكلاب، ويحافظ على التوازن البيئي والصحة العامة. كيف تعاملت دول أخرى مع أزمة الكلاب الضالة؟ وفقا لموقع "Dutch Review"، أصبحت هولندا أول دولة تصل إلى صفر كلاب ضالة بفضل منظومة حكومية متكاملة شملت قوانين صارمة لرعاية الحيوان، وحملات تعقيم شاملة، وتعاونا بين الملاجئ وفرق الإنقاذ لإعادة تأهيل الكلاب وتوفير منازل دائمة لها، إلى جانب حملات شجعت المواطنين على التبني بدلا من الشراء. كما اعتمدت عدة دول استراتيجيات ناجحة؛ فبحسب "الجارديان"، نفذت السلطات التركية برامج تعقيم وتلقيح وتسجيل الكلاب الضالة، فيما ساهم برنامج "التلقيح، التعقيم، والإطلاق" في الهند في خفض معدلات داء الكلب، أما ألمانيا وإيطاليا فنجحتا في تقليل الأعداد عبر قوانين تسجيل وتعقيم الحيوانات الأليفة وبرامج التبني والإيواء، فيما وركزت دول مثل البرازيل وتايلاند على الصحة العامة وإشراك المجتمع في حملات التعقيم والتبني والتوعية. الحل الأمثل يرى الدكتور سرور، أن برنامج "TNR" (الإمساك – التعقيم – الإعادة) هو الأكثر فاعلية عالميا، لأنه يخفض الأعداد تدريجيا دون الإخلال بالتوازن البيئي؛ فالكلاب المعقمة تحتفظ بنطاقاتها الحيوية، ما يقلل دخول كلاب جديدة ويحد من التكاثر العشوائي. ويؤكد أن نجاح أي خطة للسيطرة على الظاهرة لا يكتمل دون إجراءات موازية تشمل تنظيم التغذية، تحسين إدارة القمامة، مراقبة القوارض، وتكثيف حملات التوعية المجتمعية.