إنفوجراف| توعوية جديدة عن التصويت في الدوائر التي يعاد إجراء الانتخابات فيها    وزارة العمل تُعلن عن 1450 فرصة عمل بمشروع محطة الضبعة للطاقة النووية    جامعة حلوان تطلق المرحلة الثانية من الجلسات التعريفية بالمنح التدريبية المجانية لطلابها    أكاديمية الشرطة تستقبل عدد من طلبة وطالبات المرحلة الثانوية    تراجع أسعار العملات الأجنبية في ختام تعاملات اليوم 28 نوفمبر 2025    بدء اجتماع المكتب الموسع لمنتدى الجمعية البرلمانية للاتحاد من أجل المتوسط    وزير الخارجية يبحث دعم وتوطيد العلاقات الثنائية المشتركة بين مصر ولبنان    تلبية لدعوة الشرع.. مئات آلاف السوريين في الساحات لرفض التقسيم ودعم الوحدة    مفوضة أوروبية تلتقي المصابين الفلسطينيين في مستشفي العريش العام    منتخب مصر الثاني يصل قطر استعدادًا للمشاركة في كأس العرب 2025    الداخلية تكشف غموض «اللينكات المجهولة» للنصب على المواطنين    الحماية المدنية تجري عملية تبريد لحريق لوكيشن التصوير بستوديو مصر    انقلاب سيارة نقل محملة بالأسمدة على طريق سندوب القاهرة (صور)    الأرصاد: طقس الغد معتدل على أغلب الأنحاء والعظمى بالقاهرة الكبرى 26 درجة    مصرع راعية أغنام غرقا أثناء محاولتها إنقاذ ابنتها في البحيرة    أسسه طلعت حرب.. رحلة استوديو مصر صانع ذاكرة السينما    هيئة«الرعاية الصحية» تعقد لقاءات لبحث تعزيز السياحة العلاجية والاستثمارات الصحية    بعثة بيراميدز تساند المصري أمام زيسكو يونايتد    يورجن كلوب المنقذ .. ماذا حقق الساحر الألماني مع ليفربول ؟    ما حكم إخراج الزكاة بناء على التقويم الميلادى وبيان كيفية ذلك؟ دار الإفتاء تجيب    انعقاد 8 لجان وزارية وعليا بين مصر والجزائر والأردن ولبنان وتونس وسويسرا والعراق وأذربيجان والمجر    لاعب كايزر تشيفز ل في الجول: تعلمنا من مباراة المصري.. وسنبذل قصارى جهدنا للفوز على الزمالك    بمشاركة 23 فنانًا مصريا.. افتتاح معرض "لوحة في كل بيت" بأتيليه جدة الأحد    بيلاي: صرخة العدالة تتصاعد.. والعدالة الرقمية تبرز مع اتساع فجوة عدم المساواة    خلال لقاء ودي بالنمسا.. البابا تواضروس يدعو رئيس أساقفة فيينا للكنيسة الكاثوليكية لزيارة مصر    ارتفاع سعر الجمبري واستقرار لباقي أنواع الأسماك في أسواق دمياط    تجهيزات خاصة وأجواء فاخرة لحفل زفاف الفنانة أروى جودة    وزير الخارجية يلتقى رئيسة مؤسسة آنا ليند للحوار بين الثقافات    ضبط 3618 قضية سرقة تيار كهربائي خلال 24 ساعة    كامل الوزير يتفق مع شركات بريطانية على إنشاء عدة مصانع جديدة وضخ استثمارات بمصر    لتغيبهما عن العمل.. إحالة طبيبين للشؤون القانونية بقنا    عاطف الشيتاني: مبادرة فحص المقبلين على الزواج ضرورة لحماية الأجيال القادمة    محافظ سوهاج: إزالة 7255 حالة تعدى على أملاك الدولة والأراضي الزراعية    ارتفاع حصيلة ضحايا الفيضانات والانهيارات الأرضية بإندونيسيا إلى 84 شخصًا    في الجمعة المباركة.. تعرف على الأدعية المستحبة وساعات الاستجابة    محافظة الجيزة تعلن غلق كلى ل شارع الهرم لمدة 3 أشهر لهذا السبب    تحقيق عاجل بعد انتشار فيديو استغاثة معلمة داخل فصل بمدرسة عبد السلام المحجوب    شادية.. أيقونة السينما المصرية الخالدة التي أسرت القلوب صوتاً وتمثيلاً    مشاركة مصرية بارزة في أعمال مؤتمر جودة الرعاية الصحية بالأردن    الصحة: فحص نحو 15 مليون مواطن ضمن مبادرة الكشف المبكر عن الأورام السرطانية    خشوع وسكينة.. أجواء روحانية تملأ المساجد في صباح الجمعة    وزير الخارجية يبحث مع نظيره الأردني تطورات الأوضاع في غزة    استعدادات مكثفة في مساجد المنيا لاستقبال المصلين لصلاة الجمعة اليوم 28نوفمبر 2025 فى المنيا    رئيس كوريا الجنوبية يعزي في ضحايا حريق المجمع السكني في هونج كونج    البترول توقع خطاب نوايا مع ثاني أكبر جامعة تعدين في العالم لإعداد الكوادر    مواعيد مباريات اليوم الجمعة 28- 11- 2025 والقنوات الناقلة    سعر كرتونه البيض الأبيض والأحمر اليوم الجمعه 28نوفمبر 2025 فى المنيا    صديقة الإعلامية هبة الزياد: الراحلة كانت مثقفة وحافظة لكتاب الله    السيطرة على حريق شقة سكنية بساقلته في سوهاج    صلاة الجنازة على 4 من أبناء الفيوم ضحايا حادث مروري بالسعودية قبل نقلهم إلى مصر    45 دقيقة تأخير على خط «طنطا - دمياط».. الجمعة 28 نوفمبر 2025    بيونج يانج: تدريبات سول وواشنطن العسكرية تستهدف ردع كوريا الشمالية    محمد الدماطي يحتفي بذكرى التتويج التاريخي للأهلي بالنجمة التاسعة ويؤكد: لن تتكرر فرحة "القاضية ممكن"    رمضان صبحي بين اتهامات المنشطات والتزوير.. وبيراميدز يعلن دعمه للاعب    عبير نعمة تختم حفل مهرجان «صدى الأهرامات» ب«اسلمي يا مصر»    دار الإفتاء توضح حكم إخراج الزكاة للأقارب.. اعرف قالت إيه    سيناريست "كارثة طبيعية" يثير الوعي بمشكلة المسلسل في تعليق    أبوريدة: بيراميدز ليس له ذنب في غياب لاعبيه عن كأس العرب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مع فنان التفاصيل والهوية حلمى التونى.. حوار حول «شرابات السفير»
نشر في الشروق الجديد يوم 27 - 11 - 2025

حدث هذا المشهد الذى يبدو للوهلة الأولى غير ذى معنى، فى بلدٍ عربى خليجى، وقبل رحيل الفنان حلمى التونى بعدد من السنوات. كنا معًا، هو وأنا، قد التقينا خلال مؤتمر فكرى فى هذا البلد، بعد حقبة طويلة لم نكن قد التقينا فيها، إذ رحلتُ أنا إلى باريس، وعاد التونى إلى القاهرة بعد غيبته وقد آنس فى وضعها السياسى الجديد قدرًا كافيًا من الديمقراطية وحرية التعبير. وهناك فى البلد الخليجى دُعينا ذات أمسية معًا إلى دارة مثقف كبير من أهل ذلك البلد. وكان من بين المدعوين عدد من كبار أهل الثقافة العربية، كما كان مدعوًا سفير شديد الأناقة يمثل بلد حلمى التونى نفسه. سلّم السفير على التونى بحرارة مبتسمًا ثم جلس على مقعد وثير، فبان تحت أناقة بذلته وحذائه زوجٌ من الشرابات مدهش فى قبح ألوانه وتنافرها التام مع بقية ما يرتدى الرجل. كان زوج الشرابات من الغرابة والقبح بحيث كشرنا التونى وأنا امتعاضًا، وهو سبقنى إلى تلك التكشيرة على أى حال بحيث بدا وكأنه استدعاها على محياى. ونظرنا إلى بعضنا البعض باشمئزاز، وتمتم صديقى: «أهذا سفير بلادى؟ الحقنى يا إبراهيم.. إننى أشعر بالقرف!». على لسان أى شخص آخر كان لمثل هذه العبارة أن تبدو مضحكة عابرة لا أكثر، أما بالنسبة إلى التونى فبدت محزنة. وكنت أنا أدرك ذلك لمعرفتى أن ذلك الفنان الكبير يهتم بالتفاصيل أكثر من اهتمامه بأى شىء آخر.
فحلمى التونى، بعدما أحدث تلك الثورة التى نعرفها فى عالم الكتاب والإخراج الفنى فى فضاءات النشر العربى، بعدما عزز جماليات ذلك الكتاب بمساهمته عبر آلاف الأغلفة والتصوير الفنى، وبعدما رسم مئات اللوحات التى جعلت لقبه الرسمى «حافظ الهوية التشكيلية العربية»، وبعدما أوصل صناعة الكتاب العربى إلى أرقى ما وصلت إليه فى تاريخها، ولا سيما خلال حقبة منفاه البيروتى، ثم خاصة بعد عودته إلى وطنه كبيرًا وأنيقًا، فى الشكل والمضمون، لينتج بعمله التجديدى لوحاتٍ وأغلفة وملصقات وتصميمًا لأرقى المطبوعات، ما كان يمكنه أن يتسامح فى أى من التفاصيل. ومن هنا كان من الطبيعى له أن يعتبر مجرد ارتداء سفير بلاده لذلك الزوج من الشرابات فى سهرة أنيقة، خيانةً للذوق الفنى. وهى بالنسبة إليه خيانة للمنطق التشكيلى. ويعرف محبو حلمى التونى أن تلك الخيانة كانت بالنسبة إليه تعادل الخيانة العظمى ولو على مُصغّر.
كان حلمى التونى مناضلًا من طراز شديد الأناقة، بطوله الفارع ونطقه الأنيق وإسراره فى خوض أى حديث يلمح من خلاله قدرًا من التعدى على الفن كوسيلة حقيقية للنضال السياسى حتى. ولأعترف أنه فى هذا المجال كان أستاذًا كبيرًا لى شخصيًا. وهو أمر تلمسته لديه وفى أكثر من مرة، ذات سهرة بيروتية هذه المرة. ففى بيت صديق لنا مشترك وكان الحضور من كبار المثقفين العرب، دار الحديث حول تراجع أناقة، بل حتى مضمون، المجلات الثقافية العربية لا سيما فى مصر خلال العصر الساداتى الذى كان حلمى التونى يتهمه بالافتقار إلى الأناقة الحقيقية. وفى حين راح الحضور ينددون بالتراجع فى المحتوى الذى بات يصيب ما يُنشر من مجلات مصرية فى هذا المجال، انبرى التونى بغضب ليقول إن التراجع الشكلى أكثر خطورة، قبل أن يستغرق فى محاضرة غاضبة تتعلق بأهمية الشكل والأناقة فى إعادة الناس إلى اقتناء الكتب، والمجلات الثقافية إلى غزو السوق واجتذاب القراء. كانت «محاضرة» بدا لى أن كُثرًا من الحاضرين يرونها مضجرة ولا تعنيهم، هم المناضلون الذين يؤلهون المحتوى والمضمون، بل بدا الضجر عليهم والتونى يدخل فى التفاصيل والألوان والخطوط والكادرات، وكأنه يرسم خطة حربية ماكيافيلية. أما أنا فكنت أصغى إليه بكل اهتمام، ووجدانى يخزن كل كلمة وتفصيل مما يقول.
ومن هنا، بعد شهور من تلك الجلسة، حين أسست أول مجلة ثقافية كبيرة فى مسيرتى الصحفية ورأستُ تحريرها، استعدتُ دروس حلمى التونى وطبقتها على تلك المجلة التى حملت اسم «المسيرة»، ولفتت أناقتها الأنظار، دون أن يدرك كُثر أنها كانت تدين فى ذلك لحلمى التونى وربما بشكل حرفى. بل إن التونى نفسه سيسألنى لاحقًا: من أين ترانى أتيتُ بكل تلك «الأفكار التشكيلية النيرة» التى زرعتها فى مجلتى؟ دون أن يتنبه إلى أنها من بنات أفكاره هو. وأذكر أننى فى الجلسة التى بدأتُ بها هذا الكلام، اعترفت له بعد انتهاء عمر «المسيرة» بسنوات طويلة، أنه كان هو محرّك جمالها الحقيقى. وكانت تلك واحدة من «مكافأتين» قدمتهما له فى تلك الأمسية تعبيرًا عن امتنانى لاشمئزازه من «شرابات السفير». وكانت الثانية أننى حدثته عن مقال كان قد نشره الناقد السينمائى الفرنسى الكبير الراحل سيرج دانيه فى صحيفة «ليبراسيون» التى كان يكتب فيها تعليقات تلفزيونية بالغة الجمال واللؤم. كان عنوان المقال - كما أذكر - يتعلق بعدم رغبته فى التصويت، فى الانتخابات الرئاسية المقبلة، لمرشح الحزب الشيوعى أندريه لاجوانى. فلماذا ذلك الاستنكاف؟ لمجرد أن لاجوانى بدا فى لقاء تلفزيونى منتعلًا شرابات باذخة الألوان شديدة القبح.
قلت ذلك وأنا أنحنى على محدثى الرائع أهمس فى أذنه أن قبح شرابات جورج حاوى البيضاء السخيفة ربما يكون واحدًا من الأسباب التى أبعدتنى عن الحزب الشيوعى اللبنانى! قلت ذلك بكل جدية وأنا أنثنى فى ضحكة مجلجلة ضافرت بينى وبين التونى، دون أن يفهم الحاضرون الذين التفتوا إلينا مندهشين سرّها.. ولا سرّ وشوشاتنا التى طالت حينها أكثر من اللازم، بل شارك فيها حتى سعادة السفير دون أن يفهم علاقته بها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.