فى عيد ميلاده ال 85: لدىَّ اعتزاز دائم أننا لدينا ما نقدمه للعالم ونساهم به فى الثقافة العالمية تلاميذه: جامعة فنية مستقلة ومتفردة استطاع أن يجمع فى رسوماته بين الفن التشكيلى والجمل الغنائية تحتفى الأوساط الثقافية والفنية، هذه الأيام، بالذكرى ال85 لميلاد واحد من أهم الفنانين التشكيليين المصريين، كما يُعد واحدا من أبرز الفنانين فى مجال تصميم الكتب والمجلات، فى مصر والعالم العربى، حيث عمل فى مجال تصميم أغلفة الكتب، والإخراج الصحفى لعدد من دور النشر، حتى بلغ عدد أغلفة الكتب التى رسمها أكثر من ثلاثة آلاف كتاب، فضلًا عن المجلات التى رسم أغلفتها أيضا، وألف وصور العديد من كتب وملصقات الأطفال والتى نشرت بعدة لغات بواسطة المنظمات التابعة ل «الأممالمتحدة». ولد حلمى التونى فى بلدة «تونة الجبل»، ببنى سويف، ومن هنا جاء لقب الأسرة، وجاء عشق حلمى التونى للتراث الكلاسيكى، ولما كانت والدته تنحدر من أصل تركى، فقد جمع فى شخصيته انفتاحا ثقافيا. رفض أن يلتحق بكلية الهندسة كتقليد عائلى، وفضل التوجه إلى الفنون الجميلة سنة 1953، ليتخصص فى الديكور المسرحى، كان شغوفا بالرسم والتلوين منذ انتظامه فى التعليم العام، فرأس جماعة الرسم فى مدرسة الترعة البولاقية الابتدائية، كما اعتمد عليه المدرسون فى تجميل المدرسة وتلبية رغباتهم فيما يطلبون من لوحات، ولم يكن التشجيع فى بيت العائلة بأقل منه فى المدرسة، كان يرسم ويلون بالطباشير حيوانات الحقول المجاورة، من بقر وجاموس وحمير وخراف وهو بعد فى الثالثة الابتدائية، الأمر الذى كان يثير حماس ذويه، بخاصة عمه المهندس الزراعى. ولا تكاد الإجازة الصيفية تبدأ، حتى ينهمك فى الرسم والتلوين يوميًّا إلى الساعات الأخيرة من الإجازة. لم يكد يشب عن الطوق ويلتحق بالمدرسة الثانوية، حتى اتسعت آفاق الفن من حوله، كان شقيقه متزوجًا من يونانية، يهوى أخوها الرسم والتلوين الزيتى ويعد ألوانه بنفسه، وينقل المناظر الطبيعية من الكارت بوستال مكبرة على القماش، بينما يتردد خالها على مبنى دار الأوبرا القديمة، حيث يصعد إلى الطابق العلوى ليصور المناظر والديكورات، المستخدمة كخلفيات فى العروض المسرحية والباليهات، كان حلمى التونى اليافع الذى لم يتجاوز الخمسة عشر ربيعًا، يراقب مبهور الأنفاس تلك الممارسات الفنية والإبداعية، وينسج على منوال شقيق زوجة أخيه فى تكبير المناظر الطبيعية وتلوينها. وفى ذكرى ميلاده ال85 تواصلت «الشروق» مع الفنان حلمى التونى، وتلامذته فى الأدب والصحافة والفن التشكيلى. البداية كانت عند «التوني» وعن تاريخه الحافل باللوحات الفنية فضلًا عن عمله طوال 50 عامًا فى مجال رسم وتصميم أغلفة الكتب، والمشروع الكبير للوحاته على أغلفة مجلة «الكتب.. وجهات نظر» التى صدرت عن «دار الشروق»، يروى الفنان التشكيلى حلمى التونى ل«الشروق» بداية حلمه مع مجلة «الكتب.. وجهات نظر»، كاشفًا أنها كانت محاولة منه ليجمع بين الإبداع، وبين الوظيفة الإعلامية، قائلًا: «بذلت فيها مجهودا كبيرا فى البداية منذ مرحلة التخيل والإنشاء، وكنت أصممها وكأنى أتوج بها مسيرتي»، مضيفًا عندما كنا نخطط لإصدارها مع المهندس إبراهيم المعلم، رئيس مجلس إدارة مؤسسة «الشروق»، قدمت لى الدار أكبر مجلتين عالميتين فى مجال الكتب وهما: «لندن ريفيو أوف بوكس»، و«نيويورك ريفيو أوف بوكس»، لأختار من بينها نموذجا يصلح لصدور مجلة «الكتب.. وجهات نظر»، المهتمة بالمجالات الأدبية والفكرية، لكننى رفضت النموذجين، موضحا:«أنا إنسان لديه اعتزاز طوال عمره بفكرة أننا لدينا ما نقدمه للعالم ونساهم به فى الثقافة العالمية، ولهذا تركت المجلتين، وبدأت فى صنع «ماكيت» متكامل لشكل ومحتوى المجلة، فأنا كفنان تشكيلى ومخرج صحفى، معتاد أن أقدم أفكارا تحريرية، وقد تعلمت على أيادى محررين عظام منهم «على ومصطفى أمين، وأحمد بهاء الدين»، وهما أصحاب أكبر مدرستين فى الصحافة المصرية، ولهذا عندما ذهبنا ب «الماكيت» إلى الأستاذ محمد حسنين هيكل، الأب الروحى لهذا المشروع، قال لى «على فكرة أنا أعتقد أنك مش مدرك أهمية ما صنعته يداك»، وكان هو لم يدرك بعد أن وراء ما قدمته له، 50 عامًا فى صناعة أغلفة الكتب والمجلات، وحتى تأسيس دور نشر، كما حدث معى فى «بيروت» بعدما أسست المؤسسة العربية للدرسات والنشر، وهى من أكبر دور النشر فى الوطن العربى فى حقبة السبعينيات، فضلا عن دورى فى هيكلة دور النشر ومؤسسات الكتب. ويضيف «التونى» أن عدد الكتب التى قام بتصميم أغلفتها، هو حجم هائل، فضلًا عن تصميمه لعدد من السلاسل للكتب المطبوعة، وذلك إيمانًا منه بأنه بإمكان غلاف الكتاب تثقيف الشخص فنيًا، خاصة لأن الجميع لا يذهب إلى المتاحف، ولكنه من السهل المرور على غلاف كتاب، وكذلك الحال بالنسبة لكتب الأطفال التى قمت بتصميمها، وكذلك تصميم جميع أغلفة مؤلفات نجيب محفوظ الكاملة كلها فيما عدا رواية «أولاد حارتنا». محمود الشيخ المستشار الفنى لدار الهلال سابقًا، أحد تلاميذ التونى قال إن أعماله إحدى القوى الناعمة لمصر، والتى تصدر طاقة إيجابية للمتلقى والمشاهد، مضيفًا «أشعر بالفخر لأننى تتلمذت على يد هذا الرجل، فهو مخرج فنى عظيم، وفنان تشكيلى رائع، وكاتب ومصمم كتب أطفال فريد، كما أنه أحد أعمدة تجربة صحفية مهمة فى مصر، وهى مجلة «الكتب.. وجهات نظر»، ليصبح الرئيس التحريرى الفنى لها، ولمحتوها الثقافى الرائع شكلًا ومضمونًا. وتابع «الشيخ» أن التونى خلق لنفسه مساحة فى قلب المثقفين والأطفال على حد سواء. الأطفال يذهبون إلى معارض الكتاب، ليشتروا الكتب بسبب رسوماته البديعة على أغلفتها، بعدما يجذبهم التشكيلة اللونية على الكتاب، والتى تصدر لهم طاقة ايجابية مبدعة، فضلًا عن رسوماته التى كانت سببًا رئيسيًا فى زيادة نسبة مبيعات أعداد مجلة الهلال التى كان يرسم أغلفتها. وأكد «الشيخ» أن حلمى التونى يُعد جامعة فنية مستقلة ومتفردة، استطاع أن يجمع فى لوحاته ورسوماته بين كل من الفن التشكيلى والجمل الغنائية. وأشار «الشيخ» إلى أن كل من تتلمذوا على يدى «التوني» أصبحوا نجومًا فى المهنة وحصلوا على جوائز عديدة، واحتفت بإبداعاتهم الأوساط الفنية والثقافية. ومن جانبها هنأت الكاتبة أمل فرح، واحدة من أبرز كتّاب الأطفال فى مصر، أستاذها بعيد ميلاده قائلة: «إن الكلام عن حلمى التونى، يحتاج إلى صفحات طويلة، وذلك لدوره الكبير فى حياة كل طفل عربى، فضلًا عن دوره فى حياة كل مثقف عربى، من حيث التثقيف والامتاع والبهجة، التى يضيفها لكل عمل من أعماله»، مشيرة إلى أن دوره بالنسبة لها ككاتبة متخصصة فى أدب الطفل، يتخطى حدود الفنان التشكيلى إلى دور الأب والراعى والأستاذ. وأضافت «فرح» إن حلمى التونى يعبر عن مصر عبر لوحاته ونسائه وملامحهن وأزيائهن وحالتهن النفسية وإيقاعهن، مشيرة إلى أن لوحاته تجمع كل عناصر الطبيعة، كالسمكة البلطية وهى من «البحر»، والهدهد من «الهواء» والزهرة من «التراب»، والمرأة هى الجسد وتشكيل «الروح» فى اللوحة، لافتة إلى أن ما يصنعه حلمى التونى عبر لوحاته ليس مجرد إحياء للتراث الشعبى المصرى، بل بصناعة تراث بصرى لمصر مضافا إلى التراث التقليدى، ولذا تظل ملامح لوحاته عالقة فى وجدان الرائى لها عبر الأزمان. وتتابع أمل فرح، الفائزة بجائزة اليونسكو الدولية للتسامح فى كتب الأطفال: إن الفنان التشكيلى حلمى التونى، هو صانع بهجة لكل من يتذكره حتى فى الغياب، قائلة: «من السنة للسنة يكون الانتظار والسؤال، ماذا سيقدم التوني؟ «ملكات فرعونيات؟، زمن أم كلثوم؟، امرأة عادية؟ أم امرأة ريفية؟؛ لأن كل صور وتجليات المرأة المصرية وسماتها تعيش بداخل لوحاته، ولذا تبقى أيضًا بداخل روح الرائى لها، وكأنه يقول من خلال لوحاته «إن الروح المصرية قائمة على عناصر الكون الأربعة»، مضيفة: وحتى اللون عند حلمى التونى به مساحات غير محدودة من الطاقة، ولهذا فإن لوحاته تثير حالة من الدهشة لكم البهجة بها، حتى مع تلك اللوحات التى تثير الشجن بداخل الشخص، فإن ذلك يكون شجنا بهيجا. وتستكمل «فرح»، «كنت من المحظوظين الذين تربوا على شغل حلمى التونى، بل كنت من المحظوظين أكثر لأن حلمى التونى، رسم غلاف أول كتبى، بل فى الحقيقة هو الذى سعى لنشره، وهو من أخذ بيدى للانتقال من الكتابة فى مساحة صحف الأطفال إلى مساحة صناعة الكتاب للطفل، ودعم مسيرتى الأدبية بمساندته الفنية النبيلة، وتعلمت منه روح أن يأخذ الأستاذ بأيدى تلاميذه، وحتى إن كان «كاريرهم» الفنى الأدب وليس الفن التشكيلى، ولهذا أعتبره بوابة خير وجمال مفتوحة على العالم، فهو رجل يستطيع أن يجرى النهر فى منزله وينبت النخيل والأشجار ويبعث الحياة، فهذا هو ملخص حلمى التونى من وجهة نظرى، وأعتقد أن هناك الكثيرين يشاركوننى الرأى فى ذلك». تحتل المرأة فى ريشة «التونى» دائمًا مكانا مختلفًا، فلا هى «أمًا أو أُختًا أو حبيبةً»، بل «رسولية»، كما يقول الكاتب والناقد الكويتى «خالد العبدالمغنى»، «رسولية تطير كسحابة معلقة إلى جوار الشمس، ثم هى تبدو لنا كما لو أنها هى هكذا فى كل الأزمان، تحمل مزمارًا لليقظة، أو «هدهدًا» للتنبُّؤ، أو سمكةً للرزق، أو وردةً للحب، أو آنيةً للعطْشى، أو أجنحةً للطيران، أو سيفًا للنصر، أو نخلةً للصبر، أو طيرًا للتلقين، أو فرسًا للاستشهاد، أو قمرًا للإخصاب، أو هلالا لبث الأشواق، أو طفلا يرتدى طربوش الأجداد، أو هرمًا تتبرَّكُ به، كلما حل بروحها حزن الكون وجعلها غريبة بين بنيها، وديعة تقرأ الغيب، ولكنها لا تَبُوحُ بما تعرف. والمتأمل للوحات «التونى»، يدرك أنه أمام أشخاص أبديين لا يُعرف فى أى زمن يعيشون، ومن أى طين نمت ملامح أجسادهم، وفى أى ساعة من يومه استحضرهم حلمى التونى على لوحاته، ليكونوا أبطال معرضه القادم، لكنه بالتأكيد يدرك أنه يقف أمام شخصيات خالدة، تتمتع بالصحة والذكاء والشباب والرشاقة، وربما يتصور أنها شخصيات تستحق أن تدبَّ فيها الروح ذات يوم.