يوافق 21 أكتوبر من كل عام الاحتفال السنوي بقوات البحرية المصرية التي تملك تاريخًا حافلًا بصفحات مضيئة من الأمجاد عبر التاريخ، منذ حرب الدلتا التي أنقذت الحضارة المصرية القديمة من طوفان شعوب البحر، ومرورًا بالملاحم المصرية ضد الرومان، لتتوج البحرية المصرية تاريخها خلال العصور الوسطى بحروبها ضد الصليبيين الطامعين في غزو الحجاز ونبش قبر الرسول صلى الله عليه وسلم. لتستمر البحرية المصرية في مختلف الأزمان بحماية البلاد وصد الأخطار، مقدمين نماذج من البذل والتضحيات. وتسرد جريدة الشروق أهم محطات تاريخ البحرية المصرية بين الحضارة المصرية القديمة، مرورًا بالعصور الوسطى، حتى الحروب ضد جيش الاحتلال الإسرائيلي، وذلك نقلًا عن كتب: مقتطفات لجداريات مدينة هابو لجيمس بريستد، حروب مصر وإفريقيا وإسبانيا ليوليوس قيصر، الصليبيون في البحر الأحمر لوليام فيسي، النجوم الزاهرة في سماء مصر والقاهرة لابن تغري بردي، والعمليات الحربية على الجبهة المصرية لجمال حماد.
-أقدم حرب بحرية في سجلات التاريخ حظيت البحرية المصرية بأقدم حرب مسجلة في التاريخ، وكانت المعركة التي أنقذت مصر من مصير مظلم قضى على الحضارات الحيثية والبابلية أمام الطوفان الجارف لشعوب البحر، ويُعتبرون بمثابة مغول العصر البرونزي، حيث تصدى لهم رمسيس الثالث في أراضي الشام بجيش بري، ولكن ذلك لم يوقف شعوب البحر الماهرين باستخدام السفن من التوغل واقتحام السواحل المصرية، إلا أن رمسيس كان مستعدًا للخطر، فنصب كمينًا على سواحل الدلتا بمنطقة ضيقة حيث تكدست سفن شعوب البحر، وأغلق المصريون الفخ حيث هاجمت السفن المصرية شعوب البحر لتدفعهم نحو الشاطئ، ليفاجؤوا بوابل من سهام الرماة المصريين أعادتهم نحو الماء، ليقعوا فريسة للسفن المصرية التي قضت عليهم، منهية غزوات شعوب البحر، وقد احتفى قدماء المصريين بالمعركة ودونوها على جدران أحد المعابد بمدينة هابو.
-المصريون يتحدّون يوليوس قيصر هاجم الرومان الأراضي المصرية بحثًا عن أحد السياسيين الروم الهاربين، ليحاصر يوليوس قيصر المدينة، ولتبدأ البحرية الرومانية هجومها على فنار الإسكندرية، مقابل جيش سكندري مسلح بسفن الشرطة النهرية المتواضعة التي لا تتجاوز 30 سفينة، ولكنها تصدت للرومان قبل أن يهزمها يوليوس بحيلة ذكية. لكن المقاومة المصرية لم تخمد، حيث تصدوا للرومان على الجسر المقابل لجزيرة فاروس، لتقوم السفن المصرية بعملية التفاف وإنزال بحري لجنود المشاة المدرعة خلف الرومان، بينما تهاجمهم السفن من الأمام، ليقع الرومان بين فكي كماشة في صراع ملتحم، انقلبت خلاله سفينة يوليوس الذي هرب سباحة نحو الشاطئ.
-إبادة المعتدين على قبر الرسول صلى الله عليه وسلم حمل القائد الصليبي أرناط، صاحب الكرك، على عاتقه مهمة استفزاز صلاح الدين الأيوبي نحو حرب مفتوحة، ليشن أرناط حملة بحرية غير متوقعة تهدف إلى تهديد طريق الحج وتجارة المسلمين في البحر الأحمر، بينما هدد باقتحام المدينةالمنورة وتدنيس قبر الرسول صلى الله عليه وسلم. ليصل الخبر إلى صلاح الدين الذي أرسل أسطولًا بحريًا بقيادة القبطان حسام الدين لؤلؤ، ليقابل حامية أرناط عند جزيرة فاروس في خليج العقبة، ويتمكن من هزيمتها، ثم ملاحقة السفن الصليبية المتجهة نحو المدينةالمنورة، ليقابلها حسام الدين على شاطئ الحرة على مسيرة يوم من المدينةالمنورة، حيث دمّر السفن الصليبية وطارد الهاربين الذين قُتل أغلبهم، بينما تم أسر 170 آخرين أُعدموا ميدانيًا بأوامر من صلاح الدين في وقت لاحق، بينما يُذكر أن أرناط نفسه تم إعدامه لاحقًا بعد معركة حطين بسبب هجومه على الحجاز.
من أنقذ أهل عكا من الجوع؟ أراد الصليبيون الانتقام بعد استرداد صلاح الدين للقدس، ليهاجم جيش الفرنجة القادم من فرنسا مدينة عكا الساحلية، ترافقهم السفن الإيطالية الماهرة في حروب البحر، لتفرض حصارًا على أهل عكا الذين اضطروا لأكل القطط والكلاب خلال شهور متواصلة. ولكن صلاح الدين طلب مساعدة الأسطول المصري بقيادة حسام الدين لؤلؤ، الذي تمكن من هزيمة السفن الإيطالية واغتنام الأطعمة منها، ثم توزيعها على أهالي عكا. وتجدر الإشارة إلى أن نجدة الأسطول المصري أنقذت أهل المدينة مؤقتًا، حيث لم تلبث أن سقطت بعد سنة حين هاجمها ريتشارد قلب الأسد، ملك إنجلترا.
ثأر الإسكندرية وفتح قبرص شنت إمارة قبرص في عشرينيات القرن ال15 غارات على الإسكندرية، حيث اغتصبوا النساء ودمروا المدينة، ما جعل السلطان المملوكي الأشرف برسباي يرد بحزم على العدوان، ليرسل عام 1424 أسطولًا من 5 سفن غزا قبرص ودمر 7 سفن قبرصية، بينما أُسر عشرات القبارصة. ثم أرسل السلطان حملة ثانية إلى قبرص دمرت أسطولًا بقيادة شقيق الملك القبرصي، وعادوا ب1000 من العبيد الأسرى. ثم في الحملة الثالثة، نجحت 180 سفينة مملوكية في فتح قبرص وقتل 5000 من الجيش القبرصي بعد معركة بحرية قرب نيقوسيا، ثم أُسر الملك القبرصي، الذي جلبه المماليك إلى القاهرة لتتم إهانته على الملأ.
-غزو أوروبا بأضخم أسطول حينها قامت الثورة اليونانية على العثمانيين في عشرينيات القرن ال19، ليعجز الجيش العثماني عن قمع التمرد اليوناني، ويستعينوا بمحمد علي، والي مصر حينها، الذي درّب جيشًا من المصريين على أسلوب الحرب الحديثة، ليخرج إبراهيم باشا بأضخم أسطول في زمانه، مكون من 454 سفينة، محملة ب16 ألفًا من الجنود المصريين، الذين فاجأوا مدينة ميسيلونجي اليونانية، وتمكنوا بعد قطع الإمدادات عنها من فتحها وإبادة حاميتها اليونانية.
-إغراق المدمرة إيلات والغواصة داكار.. البحرية تشعل حرب الاستنزاف تُعتبر البحرية المصرية من أصحاب السبق في حرب الاستنزاف، وقد افتُتحت الحرب بعملية إغراق المدمرة إيلات في 21 أكتوبر 1967، الذي أصبح احتفالًا سنويًا للبحرية. وكانت إيلات تجوب المياه الإقليمية المصرية للتجسس والحرب النفسية، كما أقدمت المدمرة على ضرب سرب لانشات مصري في يوليو 1967، لتقرر البحرية المصرية شن ضربة انتقامية، حيث رصدت اختراق المدمرة للمياه الإقليمية ليلة 21 أكتوبر، ليخرج لانشان مصريان من طراز كومر، مسلحان بالصواريخ البحرية، حيث باغتا المدمرة وأغرقاها بصاروخين، وعلى متنها 100 من البحارة وطلاب البحرية الإسرائيليين، ما سبب صدمة لمجتمع المستوطنين للخسائر وسط الشباب الإسرائيلي، وتم تصنيف العملية كالأولى من نوعها التي يتمكن فيها صاروخ بحري من تدمير مدمرة حربية. لم يتوقف الجيش الإسرائيلي عن انتهاك المياه الإقليمية المصرية، حيث دخلت الغواصة داكار إلى المياه الإقليمية المصرية في 25 يناير 1968، ليكتشفها بالصدفة أحد طلاب البحرية المصرية على كاسحة الألغام أسيوط، ليبلغ القائد المقدم محمد عبدالمجيد عزب، الذي قام بقصف الغواصة، لتضطر للغوص بسرعة عالية في عمق ضحل، ما أدى إلى صدمها واختفائها منذ ذلك اليوم، حيث فشلت عمليات العثور عليها. ورغم إنكار جيش الاحتلال الإسرائيلي أن يكون سبب غرق الغواصة ضربة مصرية، فإن المقدم عزب أكد في تصريحات له قيامه بقصف الغواصة قبيل اختفائها أثناء تواجدها بالمياه المصرية.
-سد مواسير النابلم وإغلاق مضيق باب المندب وتوجت البحرية المصرية ملاحمها بالمشاركة بحرب أكتوبر، حيث كان رجالها من الطليعة التي قامت بسد مواسير النابلم في قناة السويس يوم 5 أكتوبر لحماية موجات العبور المصرية من الجحيم الذي أعده الإسرائيليون، ولم تكن آخر مشاركات البحرية، حيث أبحرت السفن المصرية نحو مضيق باب المندب وأقامت حصارا اقتصاديا على دولة الاحتلال الإسرائيلي التي كانت تستقبل 48 مليون طن من النفط، وظلت إسرائيل محرومة من النفط حتى نوفمبر حين دخلت أول ناقلة نفط بإذن من الرئيس المصري أنور السادات.