وزارة الداخلية تكشف جهود تأمين العملية الانتخابية وضبط المخالفين    «التضامن» تشارك فى احتفالية ذوى الإعاقة    أراضى المانع القطرية بالسخنة «حق انتفاع»    رئيس الوزراء يلتقي اللجنة الاستشارية لتطوير السياحة ويستعرض خطط زيادة الغرف والفروع الجوية    بنك الإسكندرية يحصل على حزمة تمويل بقيمة 20 مليون دولار أمريكي    البورصة المصرية تلتقي بأطراف السوق لمناقشة مقترحات تطوير آليات التداول    زيلينسكي يحث قادة الاتحاد الأوروبي للاتفاق على تقديم دعم مالي إضافي لأوكرانيا    روبيو يعلن فرض عقوبات على 2 من قضاة المحكمة الجنائية الدولية لاستهدافهما إسرائيل    نازك أبو زيد: استهداف الكوادر الصحية والمستشفيات مستمر منذ اندلاع الحرب في السودان    مودرن سبورت يتعادل مع البنك الأهلي في كأس الرابطة    مدير منتخب الإمارات يكشف أسباب إلغاء مباراة السعودية في كأس العرب    وفد الأهلي يسافر ألمانيا لبحث التعاون مع نادي لايبزيج    الأهلي يرفض بيع عمر الساعي ويقرر تقييمه بعد الإعارة    مصرع شاب وانتشال جثمانه من تحت أنقاض عقار منهار بمدينة المنيا    الجيزة: غلق جزئي بمحور أحمد عرابي أعلى محور الفريق كمال عامر غدا الجمعة    مفتي الجمهورية: اللغة العربية معجزة إلهية خالدة ووعاء حضاري جامع    المخرج أحمد رشوان يناشد وزارة الثقافة المغربية التحقيق في أزمة تنظيمية بمهرجان وجدة السينمائي    الصحة والمالية بالشرقية ناقشا توحيد أسس الحافز التكميلي وتعظيم الموارد الصحة    5 لاعبين على رادار الزمالك فى الشتاء رغم إيقاف القيد.. تعرف عليهم    نازك أبو زيد: الدعم السريع اعتقلت أطباء وطلبت فدية مقابل الإفراج عن بعضهم    هل يرى المستخير رؤيا بعد صلاة الاستخارة؟ أمين الفتوى يجيب    إطلاق مبادرة «مصر معاكم» لرعاية أبناء شهداء ومصابي العمليات الحربية والإرهابية    الداخلية تضبط مطبعة غير مرخصة بالقاهرة    أسرة الراحلة نيفين مندور تقصر تلقى واجب العزاء على المقابر    قطر تستضيف مباراة إسبانيا والأرجنتين فى بطولة فيناليسيما 2026    ترامب يوافق على 10 مليارات دولار أسلحة لتايوان.. والصين تحذر من نتائج عكسية    صوتي أمانة.. "غازي" عنده 60 سنة ونازل ينتخب بكفر الشيخ: شاركت أنا وعيلتي كلها| صور    جولة الإعادة بالسويس.. منافسة بين مستقلين وأحزاب وسط تنوع سلوك الناخبين وانتظام اللجان    الصحة اللبنانية: 4 جرحى فى الغارة على الطيبة قضاء مرجعيون    محافظ الدقهلية يكرم أبناء المحافظة الفائزين في المسابقة العالمية للقرآن الكريم    وزير الأوقاف يكرم عامل مسجد بمكافأة مالية لحصوله على درجة الماجستير    الأرصاد: تغيرات مفاجئة فى حالة الطقس غدا والصغرى تصل 10 درجات ببعض المناطق    فوز مصر بجائزتي الطبيب العربي والعمل المميز في التمريض والقبالة من مجلس وزراء الصحة العرب    هل تتازل مصر عن أرص السخنة لصالح قطر؟.. بيان توضيحي هام    ڤاليو تنجح في إتمام الإصدار العشرين لسندات توريق بقيمة 1.1 مليار جنيه    الترويج لممارسة الدعارة.. التحقيق مع سيدة في الشروق    ضبط عامل بالدقهلية لتوزيعه أموالًا على الناخبين    الخارجية: عام استثنائي من النجاحات الانتخابية الدولية للدبلوماسية المصرية    الداخلية تضبط شخصين يوزعان أموالا بمحيط لجان أجا بالدقهلية    محافظ الجيزة يعتمد مواعيد امتحانات الفصل الدراسي الأول للصفوف الدراسية    ضبط شخص ظهر في فيديو داخل أحد السرادقات بالمعصرة وبحوزته جهاز لاب توب وسط حشود من المواطنين.    عمرو طلعت يفتتح مقر مركز مراقبة الطيف الترددي التابع لتنظيم الاتصالات    جلوب سوكر - خروج صلاح من القائمة النهائية لجائزتي أفضل مهاجم ولاعب    تكربم 120 طالبا من حفظة القرآن بمدرسة الحاج حداد الثانوية المشتركة بسوهاج    المستشفيات التعليمية تناقش مستجدات طب وجراحة العيون في مؤتمر المعهد التذكاري للرمد    تخصيص قطع أراضي لإقامة مدارس ومباني تعليمية في 6 محافظات    الداخلية تضبط قضايا تهريب ومخالفات جمركية متنوعة خلال 24 ساعة    صحة المنيا: تقديم أكثر من 136 ألف خدمة صحية وإجراء 996 عملية جراحية خلال نوفمبر الماضي    سعر الدولار في البنوك المصرية اليوم الخميس 18 ديسمبر 2025    تشكيل نابولي المتوقع أمام ميلان في كأس السوبر الإيطالي    وزير الثقافة يبحث تعزيز التعاون الثقافي مع هيئة متاحف قطر ويشارك في احتفالات اليوم الوطني    وزير الصحة: الذكاء الاصطناعى داعم لأطباء الأشعة وليس بديلًا عنهم    د. حمدي السطوحي: «المتحف» يؤكد احترام الدولة لتراثها الديني والثقافي    في خطابه للأميركيين.. ترامب يشنّ هجوما قويا على بايدن    الاحتلال الإسرائيلي يعتقل شابين خلال اقتحامه بلدتي عنبتا وكفر اللبد شرق طولكرم    مواقيت الصلاه اليوم الخميس 18ديسمبر 2025 فى المنيا.....اعرف صلاتك    بطولة العالم للإسكواش PSA بمشاركة 128 لاعبًا من نخبة نجوم العالم    غياب الزعيم.. نجوم الفن في عزاء شقيقة عادل إمام| صور    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ماذا عن «فراغ القوة» و«نزع السلاح» فى بلاد الشام تاريخيا؟
نشر في الشروق الجديد يوم 22 - 03 - 2025

«فراغ القوة» و«نزع السلاح». جُملتان مفتاحيتان بسيطتان جدا على اللسان، وفى الوقت ذاته عميقتان جدا وتُعبّران عما يختزنه الميدان العربى الملتهب والمتصدع وما تواجهه المنطقة من تحديات ناجمة عن انهيار نظام وولادة نظام جديد فى سوريا، ووقف النار فى كل من لبنان وغزة.
هما جُملتان أو يصح القول فيهما «نظريتان»؛ تملك كل واحدة منهما سندها التاريخى والجغرافى العميق ما يجعلهما مرشحتين لأن تكونا الأوفر حظا والأكثر رواجا فى العقل البيروقراطى، شرقا وغربا. سياسات الدول ذات الوزن الاستراتيجى لا تنشأ من حسابات الرغبة. لها سياقها البيروقراطى. ألف باء الجيوسياسة. ربما تبدأ بجملة أو عنوان فى تقرير يُرفع إلى مركز القرار ومن ثم يتحول هذا العنوان إلى فكرة ومن بعدها إلى حقيقة أو قوة أو إمكانية أو فرصة.
• • •
فى عصر صدر الإسلام، فاضت الدعوة الإسلامية خارج حدود الجزيرة العربية. نحو العراق أولا ثم الشام. فيضانٌ أعلن دخول هذه الجزيرة ساحة التنافس الدولى آنذاك. استندت الدعوة الإسلامية إلى جيش تجسّد فى بناء معسكرين فى مدينتى الكوفة والبصرة لما لهما من موقع استراتيجى متصل بالمنطقة كلها. هاتان المدينتان رفدتا الدعوة الإسلامية بالسلاح للمتطوعين من أبناء قبائل الجزيرة العربية للانخراط فى المشروع الأممى الجديد.
استمرت مدينتا الكوفة والبصرة فى لعب هذا الدور بالرغم من الصراع الأهلى فى واقعتى الجمل ثم صفين. ولكن مع قيام الدولة الأموية استفادت السلطة فى دمشق بداية من دور المعسكرين. ومع تحول السلطة فى دمشق إلى دولة فى ضوء تفاهمات سياسية صيغت مع القوى العظمى آنذاك، أصبح دور المدينتين متناقضا مع النظام الإقليمى الجديد. عندها برز عنوان «نزع السلاح». نجحت دمشق فى نزع السلاح عن طريق إخضاع المدينتين لسلطتها المركزية. ويصف الكاتب العربى، ميشال نوفل، العملية هذه بالموجة الأولى لفرض الاستقرار فى التاريخ العربى، ذلك أن هذه العملية التى قامت على فكرة نزع السلاح إنما جاءت بناء على سياسة الضرورة لبناء الدولة المتماهية مع النظام الإقليمى الجديد.
الموجة الثانية، بحسب ميشال نوفل، جاءت على أعتاب التحول الكبير الذى جرى فى المنطقة مع سقوط الدولة الأموية وفراغ القوة الذى سكن بلاد الشام. أصبحت المدينتان المعسكران الملامستان للعاصمة العباسية فى بغداد فى موقع التنافس على السلطة الجديدة. ذهبت الدولة العباسية تبحث عن كيفية فرض الاستقرار تحت عنوان نزع السلاح. هى الموجة التى بدأت من داخل بغداد فى حركة احتجاجية لم تخلُ من مواجهات وتوترات امتدت لأكثر من أربعين سنة. بداية من حكم الخليفة المأمون الذى وجد فى نزع السلاح سياسة عامة للمحافظة على الإمبراطورية وصولا إلى الخليفة المتوكل الذى قبل بالتحولات الإقليمية متصالحا مع فكرة الاستقرار بالتراضى.
• • •
لم تصمد الدولة العباسية أمام الرياح الدولية ومتغيراتها بالرغم من طول عمرها واتساع مساحتها. كانت التحولات عميقة فى رسم مصير المنطقة التى انتقلت فى مسار تاريخها من دولة إلى أخرى. رافقت لعبة الأمم تلك عملية تدمير ممنهجة للجيوش العربية فى المشرق. ما أدى إلى انتقال مركز الثقل فى الحراك العسكرى العربى إلى منطقة شمال إفريقيا ثم إلى الأندلس. عندها دخلت بلاد الشام والرافدين فى فراغ قوة متنقل بين دولة وأخرى إلى حين قيام السلطان العثمانى سليم الأول بالدخول إلى المنطقة بعد معركة مرج دابق 1516م. معلنا تحول بلاد الشام من ملعب إلى لاعب فى لعبة الأمم وانتهاء رحلة فراغ القوة الذى سكن المنطقة فى تلك الفترة.
قاد اتساع مساحة الدولة العثمانية وتنوع العرقيات والثقافات فيها إلى فرض سياسات محددة. ولعل أهم تلك السياسات هى احتكار السلاح تحت إمرة الضابط العثمانى مع إبقاء الإدارة المحلية بيد الولاة. فكانت الولاية تخضع لوصاية العسكر العثمانى لأجل مهمتين لا ثالث لهما: جباية الضرائب ومنع التسلح.
باختصار كانت السمة الطاغية طيلة فترة العهد العثمانى تتسم بملء فراغ القوة فى بر الشام بالمحافظة على هيمنتها فى البحار الأربعة: البحر الأبيض المتوسط، والبحر الأحمر، والبحر الأسود، وبحر قزوين.
جرت محاولات لكسر القرار فى ولايات معارضة للهيمنة العثمانية. صُنفت من قبل الباب العالى أى محاولة لاقتناء السلاح بحجة الدفاع عن طائفة بأنها تعبير عن تدخلات خارجية من دول الاستعمار الأوروبية بشئون الدولة العثمانية. لعل أبرز تلك الحوادث هى حرب جبل لبنان والمجازر بحق المسيحيين فى دمشق العام 1860م. وقد عرض البرفيسور، يوجين روجن، أستاذ تاريخ الشرق الأوسط فى جامعة أوكسفورد فى كتابه الجديد «أحداث دمشق: مذبحة 1860م وتدمير العالم العثمانى القديم» تلك المرحلة بتفصيل جديد يستشف القارئ والقارئة منها أن هذه الأحداث لها جذر يتخطى سياسة الدولة العثمانية وصولا إلى فكرة نزع السلاح عموما فى منطقتنا عند ولادة نظام إقليمى جديد.
أدى سقوط الدولة العثمانية فى بداية القرن العشرين إلى بروز مصطلح «فراغ القوة» فى المشرق من جديد. معها تحوّل بر الشام (سوريا) إلى ملعب دولى للتنافس بين القوى المتعددة.. تدخلات خارجية من الشرق والغرب فاقمت التناقضات فى الإقليم. تمددت الحرب الباردة إلى منطقتنا مع نهاية الحرب العالمية الثانية، وبدأ «فراغ القوة» يتقلص مع حرب قناة السويس عام 1956م ثم مجىء حزب البعث إلى السلطة عام 1963م.
لطالما كانت بلاد الشام نقطة توتر إقليمى، حيث تمر عبرها العديد من خطوط الصدع الجيوسياسية. فى ظاهرة عمّت منطقتنا منذ الغزو الأمريكى للعراق العام 2003م وما تلاه من انفلات إيرانى وتدخل تركى. ناهينا عن الاستغلال الإسرائيلى لانهيار المنظومة الإقليمية فى حروبها الدموية المتكررة.
ربع قرن انقضى من القرن الحادى والعشرين وسيكتب عنه لاحقا أن المنطقة حكمتها معادلة «فيلق القدس» و«العم سام» التى كانت تتأرجح بين التعاون والتشابك والاشتباك غير المباشر على ساحات التنافس الإقليمية. هو درسٌ عسكرى وسياسى لظواهر جديدة فى علوم الصراع الدولى.
• • •
لست أدرى إذا كان من سوء أو حسن حظنا أننا شهود على لحظة سياسية معينة ومرحلة انتقالية تتبلور فى خضمها قرارات وخرائط وسياسات مبنية على تقاطع مصالح وتحولات سياسية واقتصادية كبرى لا تعصف بالشرق الأوسط وحده بل بالعالم بأسره؛ تطورات لا بد وأن تفرز مفردات ونظريات سياسية تحاكى الواقع المستجد من جهة والمستقبل الغامض للإقليم والعالم من جهة ثانية.
نزع السلاح إن شئنا قضية جذورها تاريخية. يمكن تتبع سيرتها من مدينتى الكوفة والبصرة فى عصر صدر الإسلام. مرورا بجبل عامل فى جنوب لبنان الذى هو دور سياسى فى تاريخ المنطقة أكثر منه من مساحة عقارية فى الجغرافيا، وصولا إلى مدينة غزة التى لها من اسمها كل نصيب. لطالما كان القطاع معبرا للغزاة بين قارتى آسيا وإفريقيا عند سواحل البحر الأبيض المتوسط. أما «فراغ القوة» فهو مصطلح غربى يمكن تتبع سيرته منذ الاغتيال الشهير لقيصر روما يوليوس قيصر قبل الميلاد وانهيار الدولة الرومانية الذى أدخل قارة أوروبا فى العصور المظلمة، وصولا إلى لحظة سقوط نابليون حاكم فرنسا والعالم وخروج النفوذ الفرنسى - البريطانى من الشرق الأوسط بعد حرب قناة السويس عام 1956م. وطبعا لا يمكن القفز من فوق الغزو الأمريكى للعراق العام 2003.
فى الختام، يصح القول إن العام 2024 هو عام التحول الكبير فى الشرق الأوسط. ويصح القول أيضا إن مستقبل المنطقة أصبح أكثر اعتمادا على تطوير «العم سام» استراتيجية شرق أوسطية بدلا من العلاقة المتأرجحة بين إيران وأمريكا فى العقود الأربعة الماضية.
وفى السياق نفسه، يصح الاستنتاج أن تطور الاستراتيجية الأمريكية سيكون بالدرجة الأولى وليد تدحرج الأحداث فى سوريا ولبنان وغزة. من خلال هذا التسلسل لا بد من تذكر الجملتين أعلاه: «فراغ القوة» و«نزع السلاح».. من هذه الزاوية نستطيع فحص مآلات التحول الكبير لمنطقتنا التى تعيش على الأزمات وإدارتها بدلا من حلها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.