في المؤتمر الصحافي الذي عقده المخرج الإيراني عبّاس كياروستامي، وبعد أن بدأ الحديث بالوضع الذي يعانيه المخرج جعفر باناهي، وقفت صحافية لتطرح سؤالاً لكنها أطالت في التمهيد حول الموضوع وما لبثت أن بكت قبل أن تصل إلى نهاية سؤالها. نظرة واحدة إلى وجه الممثلة الفرنسية جولييت بينوش الجالسة لجانب المخرج على المنصّة، كونها بطلة فيلمه "نسخة طبق الأصل" وإذا بدموعها تنسل هاربة من مقلتيها هي أيضاً . علاقة ذلك بالجوائز المتوقّعة للجنة التحكيم لا تحتاج إلى إيضاح . جائزتان مهمّتان ترتفعان عن باقي الجوائز في المهرجان . الأولى السعفة الذهبية والثانية هي لجنة التحكيم الخاصّة . الأولى تعبّر عن المهرجان والثانية عن لجنة التحكيم والتقليدي إلى الآن أن الفيلم الذي يستحق التقدير لذاته ينال الثانية في حين أن الفيلم الذي يمكن أن تدور حوله التنازلات والمفاوضات ينال الأولى . ليس دائماً لكن في الأوقات التي ترى إدارة المهرجان أنها تريد تسجيل موقف ما. هذا العام قد ينوي المهرجان الفرنسي بعث رسالة خاصّة إلى إيران بعدما حرمته من اختيار باناهي عضواً في لجنة التحكيم بمنح السعفة الذهبية إلى فيلم كياروستامي هذا مع العلم أنه ليس أفضل الأفلام المعروضة. لكن إذا ما قررت إدارة المهرجان ترك الأعضاء وحريّتهم، وهي غالباً ما تفعل ذلك، فإن المسألة ليست سهلة: هناك أفلام جيّدة وأفلام أقل من جيّدة وتلك الجيّدة ليست مبهرة أو حدثية أو بالغة الجودة بحيث لا يمكن التفكير بأن تتجاوزها إلى سواها . من هذه الأفلام "عن الرجال والآلهة" للفرنسي اكزافييه بيوفوا، الذكي والمفعم بالطروحات الوجودية حول الإيمان والخوف والعقاب، و"عام آخر" لمايك لي حول الوحدة والمعاناة بصمت ودفن المتاعب في الشرب أو المحاولة على الأقل، و"أميرة مونتبنسييه" لبرتران تافرنييه ويدور حول الحب والخيانة والرغبات الأنانية في أحد عصور فرنسا الملكية، كما "جميل" لأليخاندرو جونزاليس إياريتو حول متاعب الحياة العصرية والرجل الضائع في طيّاتها . في الجوانب غير الفنيّة ربما ترتأي لجنة التحكيم التي يقودها المخرج الأمريكي تيم بيرتون ضرورة منح جائزة رئيسية لفيلم غير غربي. في هذا المجال فإن المنافس الأول لفيلم كياروستامي سيكون "رجل يصرخ" للتشادي محمد صالح هارون. كذلك إذا ما رغبت لجنة التحكيم تسجيل موقف حيال ما أثير حول حريّة المخرج الإبداعية فإنها قد تمنح المخرج رشيد بوشارب واحداً من جوائزها أما إذا ما آثرت الابتعاد كليّا عن تسييس الجوائز، وهذا ما كان تيم بيرتون أعلنه في مؤتمره الصحافي أول المهرجان، فإن حظوظ الفيلمين الفرنسيين "عن الرجال والآلهة" و"أميرة مونتبنسييه" سترتفع لا محالة. المرء لا يمكن له أن يرى أن الفيلم المجري "ابن رقيق- مشروع فرانكنشتاين" لكورنل ماندروكزو أو "حرقتهم الشمس 2" للروسي نيكيتا ميخالكوف أو "الخادمة" للكوري إيم سانج-سو أو "حياتنا" للإيطالي دانييل لوشيتي تستطيع أن تتخطى عراقيل كونها أعمالاً غير ناجحة في الأساس. في وسط كل ذلك تأتي شخصية المخرج رئيس لجنة التحكيم. عادة ما يتوقّع معظم المراقبين فوز الأفلام التي يحبّذونها في وضع كهذا حيث يسود قدر كبير من سواسية المواقف، لكن القلة ينظرون إلى نوعية أفلام رئيس لجنة التحكيم وما يحبّذه هو. تيم بيرتون مخرج يقدّر كثيراً المواقف الخيالية والحكايات التي تبتعد عن الواقع قدر الإمكان.