دون الخوض فى آخر أخبار محمیات مصر الطبيعية والتى أعلنت محلیا ودولیا بقرارات وزارية بالتتابع منذ عام 1983، يهمنى تسجیل السؤال التالى؟.. لو ظهر خطر جسیم يهدد مصر على حدودها الشرقیة وخطر جسیم آخر يهدد مصر ببحیرة ناصر جنوب مصر، فأى الخطرین أصده فورا وأدفع بكل إمكانیاتى لمواجهته؟ فیكون الرد المنطقى والمطابق لكل ما تعلمته فى حیاتى العسكریة والمدنیة هو مواجهة الخطر الجنوبى أولا والذى يهدد بحیرة ناصر - خزان میاه مصر ومصدر حياتها - فلهذا الموقع الأسبقیة فى كل شىء دون أى منازع، لذلك أكرر ندائى والذى نشرته فى مقالات بالصحف منذ عام 1998 بأهمية إعلان بحیرة ناصر محمية طبيعية بكامل القوانین الصارمة والإمكانیات اللازمة لحمایة بيئتها. بحيرة ناصر أكبر بحیرة من صنع الإنسان فى العالم مساحتها ملیون و250 ألف فدان، وطولها الإجمالى خمسمائة كیلومتر، وعرضها فى بعض القطاعات حوالى اثنتى عشرة كیلومترات، وعمقها تسعون مترا، وبها تنوع حیاتى بالغ الثراء؛ فيها السلحفاء النادرة لینة الظهر والتماسیح التى بلغ طولها الستة أمتار والورل النيلى، وتنوع من الأسماك والتى بلغت أحجاما كبیرة، ومرتین كل عام تحط حولها آلاف الطیور المهاجرة، وهى تحوى أعذب وأنقى میاه فى مصر وبسبب ضخامتها حركة المیاه بها بطیئة جدا لدرجة السكون، ودرجات الحرارة الواقعة عليها تحول دون حدوث الخلط بین طبقات المیاه وبالتالى لا یتم انتقال الأكسجین المناسب من الطبقات السطحیة إلى الطبقات العمیقة والتى غالبا ما تصل إلى الحالة اللاهوائية مما یجعل البحیرة شدیدة الحساسیة للتلوث، وهو ما یفرض فرضا الأخذ برأى علماء البیئة ومسئوليها قبل اتخاذ أى قرار یمس هذه البحیرة مصدر الحیاة لمصر وذلك لحمايتها من خطر الخلل فى التوازن البیئى. ●●● فى كل الاجتماعات التى ضمت علماء وباحثین ومتخصصین دون أى مبالغة كانت القرارات مطابقة لبعضها طوال السنین الخمسين الماضیة، وكلها أعلنت حظر الاقتراب من بحيرة ناصر والحد من النشاطات بها والسیطرة الكاملة على أى نشاط بها مع حتمیة تجهيز شواطئ هذه البحیرة بموانئ حدیثة مجهزة بأحدث الوسائل العلمیة للتعامل مع القمامة والمخلفات والصرف الصحى. هنا أسمح لنفسى اقتباس فقرات لقرارات وزاریة ومحاضر وأخبار مؤكدة تم إعلانها فعلا وبالتدریج تم تغييرها وكأن سبب صدورها أول مرة لم یأخذ حقه فى الدراسة العلمیة الواقعیة، وأن قرارات الیوم هى الأصح وهى التى تطابق الواقع والحقیقة. فى ندوة تحت إشراف وزیر الرى الأسبق عام 1995 تم سرد كل المحاذیر الرئیسیة فیما یخص العائمات على البحیرة وعددها وإمكانياتها والاشتراطات الواجب توافرها لضمان حمایة نقاء خزان میاه مصر الرئیسى. وفى مارس 1996، فى خطاب من المرحوم المهندس محمد راضى -وزیر الموارد المائیة - للسید الدكتور/ ممدوح البلتاجى - وزير السياحة - أكد وزیر الرى على حتمیة الالتزام بعدد البواخر السیاحیة ببحیرة ناصر على ألا تزید على خمسة فقط بحد أقصى وهبا كامل الإمكانیات اللازمة للتعامل مع المخلفات بأنواعها، وذلك للحفاظ على بیئة البحیرة ونوعیة المیاه بها، تلا ذلك زیارة الرئیس لجنوب مصر فنشرت جمیع الصحف القومیة فى مارس 1997 أن السید وزیر السیاحة أعلن للسید رئیس الجمهورية بأن مشروعات الملاحة السیاحیة ببحیرة ناصر - یقصد الفنادق العائمة - غیر مسموح لها بالزیادة عن ثلاث بواخر فقط للحفاظ على نظافة المیاه ویمكن أن تزید إلى خمس بواخر بحد أقصى. بعد ذلك صدر قرار وزیر الرى رقم 64 لعام 2000 یشمل توصیات أهمها محاذیر تشغیل فنادق عائمة إلا بعد إنشاء المراسى المجهزة – وكان لوزارة البیئة رأى فى هذا القرار وهو أن الرقابة البیئیة على العائمات المتحركة على البحیرة بأنواعها ستكون بالغة الصعوبة كلما زاد عددها. ثم فى فبرایر 2002 صدر قرار رئیس مجلس الوزراء رقم 2003 لسنة 2002 والشامل تنظیم تراخیص الأعمال ببحیرة ناصر - خزان میاه مصر الأساسى - والمذكور فيه منح تصاریح لعدد إجمالى خمس وعشرين باخرة ركاب وفنادق عائمة. مع مراعاة انتشار المراسى المجهزة بالخدمات ووسائل استقبال الصرف الصحى والمخلفات الأخرى ولا أعلم الیوم هل تم تنفیذ هذه التوصیات فعلا. تلا ذلك صدور قرار وزیر السیاحة بترخیص عدد أربعة عشر فندقا عائما سیاحيا، بالإضافة للستة الموجودین فعلا ویعملون منذ سنوات بالبحیرة مع شائعات أن هناك تراخیص جدیدة أخرى لعدد خمسة فنادق عائمة لیكون إجمالى الفنادق السیاحیة العائمة خمسة وعشرين فندقا، وعام 2014 تم تجاهل وجود عدد اثنین عبّارة ركاب بإمكانیات محدودة للغایة فى مجال التخلص من المخلفات بین مصر والسودان، وتجاهل دراسة بناء عدد اثنین عبّارة أخرى لمواكبة تضاعف أعداد الركاب، وتجاهل قرار بناء صنادل ضخمة لنقل مستلزمات البناء من مصر للسودان والعودة بالمواد الغذائیة، وتجاهل وجود أكثر من أربعة آلاف مركب صید بالبحیرة، ما یستوجب تسجیل سؤال بالغ الأهمية؛ هل كل هذه العائمات ملتزمة بتجمیع المخلفات والصرف الصحى فى خزانات متوفرة لديها للتخلص منها بعد ذلك فى مواقع التجمیع بالمراسى والموانئ المجهزة لاستقبالها والتخلص منها بشكل آمن فى مواقع أیضا مجهزة خارج نطاق البحیرة؟ أم یقوم الجمیع بالتخلص أولا بأول من كامل المخلفات بإلقائها یومیا فى میاه البحیرة الساكنة، وتجاهل أن بحیرة ناصر بالكامل وحتى الیوم لا وجود لمراسٍ كافية مجهزة بكامل التجهيزات والتى تضمن حمایة بيئتها من جمیع الأوجه؟، أى وزارة السیاحة وقتها منفردة اعتبرت أن كل القرارات الصادرة من مجلس الوزراء ووزارة الرى صادرة لصالح السیاحة فقط وهو ما یعنى أن الوزارات الأخرى لو استخدمت حقها دون الرجوع لقرارات مجلس الوزراء فستتعدى العائمات على البحیرة أربعة آلاف وأربعين، وبالتالى ستتحول بحیرة السد من خزان الشرب النقى الرئیسى لمصر إلى مستنقع للتلوث والبكتیریا والسموم وهذه حقیقة علمیة مؤكدة. ●●● أخیرا، قرارات منظمة السیاحة العالمیة منذ أكثر من عشرين سنة أعلنت تطبیق نظام عالمى یحدد عدد الزوار لأى موقع أثرى بالعالم أجمع فى الیوم الواحد لمنع كارثة الاحتقان وتوابعها البالغة السلبية، وأى مخالفة لهذا القرار الصادر تحت علم الأممالمتحدة والمعلن لحمایة التراث الإنسانى سیتم فرض عقوبات على الدولة المخالفة مثل وقف المعونات، فهل تم إدراج هذا الإعلان الدولى فى قرارات وزارة السیاحة الأخیرة بالنسبة للنشاطات السياحية بالبحیرة؟ وهذه قرارات تطبق بالتالى على مواقع المحمیات الطبيعية الهشة، ما يدفعنى توجيه نداء لقیادات الدولة بأهمية إعلان بحیرة ناصر محمية طبيعية تطبق عليها كامل قوانین الحمایة بصرامة وبتعاون أجهزة الدولة المعنية، مع أهمية تكاتف الجمیع حیال تفعیل هذه القرارات لصالح الأجیال القادمة فهذه أمانة وطنية لا جدال فيها.