التعليم العالي تصدر قرارات بالتجديد لبعض قيادات جامعة الفيوم    رأس المال السوقي يربح 21 مليار جنيه بختام تعاملات أول الأسبوع    ارتفاع جديد في البلدي، سعر الفراخ اليوم الأحد 14 سبتمبر 2025 (آخر تحديث)    كامل الوزير: مصر منفتحة على التعاون مع كافة الشركات العالمية    المعارضة الإسرائيلية تحذر من "انهيار الدولة"، ونتنياهو يستنفر الأمن بعد لقائه بروبيو    بعد مرور 20 دقيقة، تعادل سلبي بين ليفربول وبيرنلي في الدوري الإنجليزي    مدرب بيراميدز السابق: أتمنى تدريب الأهلي وهو أصعب فريق واجهته في مصر    وائل القباني: حسام عبد المجيد رافض التجديد للزمالك.. وما الأزمة من انتقاله للأهلي؟    حملات مكبرة لإزالة التعديات وأعمال البناء المخالف بأحياء الإسكندرية    براءة رجل الأعمال حسن راتب في قضية غسيل الأموال    الأمن يكشف ملابسات فيديو شخص مكبل بالسرير بالدقهلية    حالة الطقس اليوم الاحد 14-9-2025 في محافظة قنا    سيني جونة لدعم إنتاج الأفلام يكشف عن تفاصيل دورته الثامنة    غلق باب التسجيل لبطولة مهرجان الخيول بالشرقية غدا    مهرجان القاهرة السينمائي وجامعة كوفنتري يطلقان مركزا للتكامل بين التعليم وصناعة السينما    وائل جسار وريهام عبد الحكيم يتألقان في حفلهما بمهرجان مراسي "ليالي مراسي"    قافلة طبية مجانية تتضمن 9 عيادات بقرية الطرفاية بالبحيرة    محافظ المنيا: "100 يوم صحة" تواصل تقديم خدماتها الطبية لأكثر من 284 ألف مواطن    مستشفى صحة المرأة بجامعة أسيوط تستقبل 1469 حالة خلال شهر    وزيرة التضامن تفتتح أحدث حضانة مجهزة بدورات مياه لذوي الهمم بالعاشر من رمضان    كوريا الشمالية تحذر أمريكا: التفاخر بالقوة في المكان الخطأ سيجلب عواقب وخيمة    ضبط شخصين سرقا حقيبة نقود من موظف بنكي في بني سويف    مدارس القاهرة جاهزة لاستقبال 2.5 مليون طالب دون حرمان لغير القادرين    مصرع شابين وإصابة آخر في تصادم دراجتين بخاريتين بقنا    وكيل تعليم الجيزة: لا تهاون في صيانة المدارس.. وسد العجز قبل الدراسة    «سويلم» يبحث سد العجز في عدد من الوظائف بالري    "معلومات الوزراء": الذكاء الاصطناعي أصبح جاهزًا لإحداث ثورة في مجال السياحة العالمية    نتائج قرعة الدور التمهيدي الثاني ل كأس مصر موسم 2025- 2026    تامر فرج: قدمت دورًا مختلفًا في «أزمة ثقة» ومشهد ضربي لملك زاهر بجد    نجوم الفن حاضرون في جنازة أرملة سيد مكاوي.. إسعاد يونس ونادية مصطفى أبرزهم    رسالة صادمة من ريهام سعيد لمنتقديها.. اعرف التفاصيل    انطلاق مبادرة «يوم الخير» بمراكز شباب الشرقية    أخبار متوقعة ليوم الأحد الموافق 14 سبتمبر 2025    وزيرة البيئة تلتقي ممثلي الجهات المنظمة لاحتفالية افتتاح المتحف المصري الكبير    البنك الأهلي يساهم ب60 مليون جنيه لصالح وحدة الإيكمو    مستقبل وطن بالإسماعيلية يدعم مستشفى القصاصين التخصصي    مطروح: توزيع حقائب وكتب وزي مدرسي على 2000 من طلاب المدارس من الأولى بالرعاية    جامعة قناة السويس تُكرم فريق المتطوعين بمركز خدمات الطلاب ذوي الإعاقة    تعطيل العمل بالقسم القنصلي للسفارة المصرية بالدوحة    فلكيًا.. موعد شهر رمضان 2026 في مصر وأول أيامه    هل يجوز أن أنهى مُصليًا عَن الكلام أثناء الخُطبة؟.. الأزهر للفتوى يجيب    حشود بالآلاف واشتباكات عنيفة مع الشرطة.. أكبر مسيرة لليمين المتطرف فى لندن    المشدد ل4 متهمين بحيازة المخدرات والاتجار بها في المنيا    «مدرسة فايلر ويشبه كولر».. شوبير يكشف آخر تطورات مدرب الأهلي الجديد    ترامب وإدارته يكثفون هجماتهم على المعارضين السياسيين بعد مقتل تشارلى كيرك    الخشت يفرق بين فلسفة الدين وعلم الكلام: الأول نقدى شامل والثانى دفاعى تقليدى    «الإفتاء» تواصل عقد مجالسها الإفتائية في المحافظات حول «صلاة الجماعة.. فضائل وأحكام»    طولان: أنا مدرب منتخب مصر بالصدفة    خبير في شئون الجماعات الإرهابية: أكاذيب الإخوان تستهدف الاقتصاد عبر التضليل الرقمي    الهلال الأحمر يدفع ب3200 طن مساعدات إغاثية عبر قافلة زاد العزة ال36 إلى غزة    رغم الضربة على قطر.. وزير الخارجية الأمريكي يزور إسرائيل مؤكدا دعم بلاده لتل أبيب    صحيفة نمساوية: بولندا باتت تدرك حقيقة قدرات الناتو بعد حادثة الطائرات المسيرة    الدوري الإنجليزي.. موعد مباراة ليفربول ضد بيرنلي والقنوات الناقلة    الصين تحذر الفلبين من «الاستفزاز» في بحر الصين الجنوبي    بكام الفراخ البيضاء؟.. أسعار الدواجن والبيض في أسواق وبورصة الشرقية اليوم الأحد 14-9-2025    خطوات استخراج البطاقة الشخصية 2025 ب 5 طرق أبرزها عبر الإنترنت    ارتفاع قياسي عالمي.. أسعار الذهب اليوم الأحد 14 سبتمبر بالصاغة وعيار 21 الآن بالمصنعية    د.حماد عبدالله يكتب: حينما نصف شخص بأنه "شيطان" !!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كيف نجح الناجحون اقتصاديًا؟
نشر في الشروق الجديد يوم 22 - 05 - 2010

على سبيل التبسيط فإن التنمية الاقتصادية هى النمو الاقتصادى المصحوب بتحسن فى مستويات الدخول والصحة والتعليم والخدمات العامة. وهو هدف طالما أعلنته الدولة المصرية، ولكن أداءها فيه لم يكن أحسن من أدائها فى مجال التحول الديمقراطى واحترام حقوق الإنسان.
وتتفاوت الدول ذات النماذج الناجحة تنمويا مثل كوريا الجنوبية وسنغافورة وماليزيا وموريشيوس وتايوان وبوتسوانا والرأس الأخضر ضمن نماذج أخرى. وفقا للبنك الدولى، هناك 15 دولة «تخرجت» من «مدرسة التخلف» إلى «مدرسة التنمية» خلال الفترة من 1965 إلى عام 2005. والمثير للتأمل أنها تبنت استراتيجيات متشابهة لحد بعيد فى كيفية تحولها من دول متخلفة إلى دول تنموية.
ثم جاء وراءها عدد آخر من الدول التى تعلمت منها وأضافت إلى استراتيجياتها إبداعات أخرى مثار دراسة وتقدير وعلى رأسها الصين والهند والبرازيل. فبتسوانا مثلا كانت أفقر دولة فى العالم بلا جدال فى عام 1966 أى قبل عامين من حصولها على الاستقلال.
ولكنها الآن من أعلى دول أفريقيا فى مؤشرات التنمية، حيث متوسط القدرة الشرائية لمواطنيها ضعف متوسط القدرة الشرائية لمواطنى مصر، مع ملاحظة الفجوة الهائلة بين القدرات البشرية، كما ونوعا، للمصريين وللبتسوانيين.
وهناك نقاط تشابه عديدة يمكن تفصيل بعضها باختصار كالتالى:
أولا: وجود فريق تخطيط استراتيجى لبرامج التنمية فى الدولة. فريق العمل هذا يتكون من عدد محدود من الأشخاص تفاوت من دولة لأخرى بحيث كان فقط 8 خبراء فى بعض الدول ووصل إلى 24 خبيرا فى دول أخرى.
المهم أن هؤلاء يتمتعون بخصائص علمية وتجارب حياتية تجعلهم العقل المفكر للدولة فى مجالات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتكون عضويتهم فى هذا الفريق هى العمل الوحيد الذى يعملونه، فيفكرون طوال اليوم، كل أيام الأسبوع فى كيفية النهوض بأوضاع الوطن. وهم بذلك أطراف مباشرون فى عملية تنموية ذات أطراف خمسة: رئيس الدولة أو الحكومة، الوزارات والجهاز البيروقراطى، الشركات والمؤسسات الدولية، والقطاع الخاص، والنقابات العمالية.
كل واحدة من نماذج التنمية المشار إليها ابتكرت فريق عمل له وظيفة محددة ومساحة معينة بدقة للدور الذى يمكن أن تقوم به، هذا الفريق له أسماء متعددة وللتبسيط سنسميه «فريق التخطيط الاستراتيجى» والذى كان اسمه فى ماليزيا مثلا «وحدة التخطيط الاقتصادى» والتى بدأت فى الستينيات بعدد بلغ 15 شخصا، نصفهم كانوا من العقول الماليزية المهاجرة. والرأس الأخضر اعتمد بدءا من منتصف السبعينيات على ثلاثة عقول اقتصادية جبارة حول رئيس الوزراء والذى كان وزير التخطيط والضمان الاجتماعى أيضا. وتايوان ابتكرت مجلسا تحت اسم مجلس المعونة الأمريكية والذى كان يضم عددا من الخبراء التايوانيين والأمريكيين وكان هذا المجلس على اتصال مباشر برئيس الجمهورية من خلال اجتماعات شبه أسبوعية؛ وشيلى اعتمدت على مجلس أطلق عليه إعلاميا اسم «فريق شيكاغو» نسبة إلى حصولهم على درجاتهم العلمية من جامعة شيكاغو العريقة واعتقادهم فى الإطار الفكرى الذى تقدمه.
بل إن جورجيا، والتى احتلت قمة الإصلاحيين فى تقرير Doing Business لعام 2007 اعتمدت على فكرة مشابهة. وقد أشار فريق التقرير إلى أن «وزارة الإصلاح فى جورجيا لديها نحو 20 شخصا يقومون بمهام التخطيط الاقتصادى والاجتماعى فى هذه الدولة، لو أن لنا أن نحدد سببا واحدا فقط لنجاح جورجيا، فهو وضع أفضل العقول فى مراكز صنع الأفكار والقرار».
إذن دور هذا الفريق لا يمكن إغفاله ولكن هذا دور محدد بدقة: فلا ينبغى أن يتسع أكثر من اللازم فتتحول إلى حكومة موازية أو أن يضيق أكثر من اللازم بحيث لا يكون أكثر من مجلس استشارى بلا دور من الناحية العملية. وهذه هى مهارة صانع القرار الذى يعهد لهذه العقول المبهرة والنيرة بمثل هذه المهمة.
ثانيا: هذا الفريق عليه مهمة تصميم استراتيجيات التنمية على الورق. والمقصود بالورق هو كتابة خطة محكمة تناقش بكل شفافية الخطوات الإجرائية لتحقيق التنمية.
ولأنهم لن يستطيعوا أن يحلوا كل المشكلات الاقتصادية بالتوازى فعليهم اختيار المجالات الأولى بالاهتمام على أساس معيارين: أولا يكون للدولة فيها مزية تنافسية كبيرة بحيث تستطيع عمليا أن تبرز فيها بمجهود أقل من أى مجال آخر.
والمعيار الثانى أن يكون هذا المجال استراتيجيا وقادرا على أن يكون له قاطرة النمو التى تجر وراءها بقية القطار الاقتصادى الاجتماعى أى مجال له تأثير إيجابى على مجالات اقتصادية واجتماعية أخرى، أى يكون لها (spill over effect) كما يقال بالإنجليزية. ففى حالة تايوان كانت هناك خطة ذات 19 نقطة لإصلاح القطاعين المالى والإنتاجى، وفى ماليزيا تبنت الدولة «السياسة الاقتصادية الجديدة» منذ عام 1971 لكنها طبقتها بفعالية أكثر مع تولى مهاتير محمد السلطة فى عام 1981.
ثالثا: قيادة التفاوض مع القطاع الخاص: فهذه الدول لم تنطلق من افتراض أن القطاع العام قادر منفردا على قيادة النمو الاقتصادى وبالتالى لا بد من أن تساعد الدولة القطاع الخاص حتى يزدهر ويكون قادرا على التنافس مع العالم الخارجى.
فمثلا اشتهرت عبارة حكم «نخبة اللحوم» أى (beefocracy) فى بوتسوانا فى إشارة لدعم الدولة لرجال الأعمال الذين حولوا عملية تربية العجول والأبقار إلى صناعة وطنية ضخمة يعمل بها آلاف من المواطنين. وقدمت موريشيوس نموذجا آخر لعلاقة بناءة بين الجهاز البيروقراطى للدولة والقطاع الخاص لدعم الصادرات الغذائية المصنعة وعلى رأسها منتجات السكر.
وهذه العلاقة بين فريق العمل التخطيطى والقطاع الخاص عبر عنها بعض الباحثين بعبارة «الاستقلال الاندماجى» (embedded autonomy) لفريق التخطيط لأنه فريق غير «مسيس» أى لا ينتمى لحزب ولا يعبر عن رؤية حزبية ضيقة، كما أنه ليس حكوميا، حيث لا يوجد فيه أو بينه وزراء أو مسئولون حكوميون. وعلى هذا الأساس تكون هناك مسافة محسوبة بدقة بين هذا الفريق وبين القطاع الخاص، كما توجد مسافة أخرى بينه وبين الحكومة.
وعليه يكون القطاع الخاص بعيدا بما يكفى عن مطبخ العمل الحكومى حتى لا تتحول الدولة أداة فى يد الطبقة المسيطرة اقتصاديا (أى رجال الأعمال فى معظم الأحيان) وقريبا بما يكفى حتى لا تتبدد طاقته وإمكاناته بسبب التضارب فى التوجهات والسياسات. وهذا هو جوهر الاختلاف بين التجربة المصرية التى اعتمدت بشكل مباشر على عدد من رجال الأعمال فى مناصب وزارية وعينت عددا منهم فى أمانة السياسات بما يجعل هذه الأمانة (إذا افترضنا ابتداء أنها نظير لفريق التخطيط الاستراتيجى المشار إليه فى الدول الأخرى)، حيث تبدو الدولة وكأنها فى معظم قراراتها وتشريعاتها تعمل لخدمة مصالح رجال الأعمال دون الاتفاق معهم بشأن كيفية توزيع العوائد بما يخدم المجتمع ككل، أى من النمو إلى التنمية، من زيادة الإنتاج إلى عدالة التوزيع.
ففريق الخبراء هذا ليس من رجال الأعمال وليست له مصالح شخصية تتعارض مع مصالح الدولة. فهم ممثلون للدولة وليسوا ممثلين لجهات أخرى للتأثير على سياسات الدولة لخدمة مصالحهم. وقد يقوم فريق التخطيط الاستراتيجى أحيانا بالتفاوض بالنيابة عن العمال أو النقابات المهنية الأخرى كى يتم أخذ مصالحهم فى الاعتبار.
رابعا التنسيق مع القيادة الحكومية:
فكل هذا التنسيق مع الجهات الخارجية والداخلية ليس لها قيمة إن لم يحظ هذا الفريق بثقة القيادة السياسية للدولة وباستعدادها بالمخاطرة المحسوبة من خلال قرارات ربما تكون غير شعبية. فرئيس بوتسوانا مثلا، تخلى عن مصالح القبيلة التى ينتمى إليها لصالح الوطن حينما تبنى قانونا يكسر احتكار قبيلته لعملية فحر المناجم فى أواخر الستينيات. فالتزام هذه القيادات بالتنمية كالتزامها بالأمن.
وأى قرار أو سياسة أو مصالح خاصة تنال من عملية التنمية هى «خط أحمر» بلغة الحزب الوطنى فى مصر. وقد كان نجاح هؤلاء سببا فى شرعية الانجاز التى أهلت الكثير منهم لأن يتولوا مناصب تنفيذية لاحقا. فرئيس فريق التخطيط الاستراتيجى فى تايوان أصبح لاحقا رئيس الدولة. وهو ما حدث كذلك فى بوتسوانا والرأس الأخضر. ومن أهم مجالات التنسيق مع القيادة الحكومية وضع خطط إعادة توزيع عوائد الاستثمار على فئات المجتمع الأخرى فى صورة تعليم وعلاج وخدمات عامة.
خامسا التفاوض مع المؤسسات والشركات الدولية:
بحكم الخبرات التى تمتع بها أعضاء هذه الفريق، بحكم دراستهم وعملهم فى الخارج، فقد كانوا الأقدر على التفاوض مع مؤسسات التمويل الدولية من أجل المنح والقروض كما كانوا الأقدر كذلك على التفاوض مع الشركات متعددة الجنسيات. وبما أن كل هذه الدول قد تبنت إستراتيجية دعم الصادرات (وليس الإحلال محل الواردات) فالتواصل مع الشركات الدولية مسألة جوهرية للغاية، فشركات التكنولوجيا التى أنشأت مصانع باهظة التكلفة فى كوريا وتايوان لم تختر هاتين الدولتين إلا بعد جهد معتبر استخدمت فيها آليات التسويق المتعارف عليها كى تقتنع هذه الشركات الدولية بأنه من الأفضل لها أن تعمل فى هاتين الدولتين.
سادسا تعبئة وتخصيص الموارد:
من المهام المتشابهة التى قام عليها أعضاء هذا الفريق فى الدول التنموية السابقة هى مهمة توجيه موارد المجتمع نحو مجالات بعينها لتنفيذ ما يتم الاتفاق عليه. فقد كانت وحدة التخطيط الاقتصادى فى ماليزيا هى المسئولة عن توجيه نحو ثلث ميزانية الدولة بالتنسيق التام مع رئيس الوزراء.
وقد كانت ميزانية الدولة فى كوريا الجنوبية تقدم ابتداء من فريق التخطيط الاستراتيجى ثم تناقش على مستوى مجلس الوزراء لاحقا حتى تضيف بعدى النمو والتنمية على قمة أولويات الحكومة.
سابعا دفع الجهاز الإدارى والبيروقراطى للاستجابة لمتطلبات التنمية:
فالجهاز الإدارى والبيروقراطى هو الأقل استعدادا للتغير والتكيف مع معطيات سوق عالمية شديدة التنافسية والسرعة. ولو ترك الأمر للبيروقراطيين وحدهم، لما نجحت أى من النماذج السابقة. والمعضلة الأساسية فى كثير من الدول، ومن بينها مصر، أن الوزير المسئول يسعى للدفاع عن جهازه البيروقراطى، لأنه مسئول عنه سياسيا وأمام الرأى العام بما يعطى للبيروقراطيين مبررا للتمسك المبالغ فيه باللوائح والإرشادات دون النظر إلى نتائج قراراتهم.
ومن هنا يكون من المهم أن يقوم فريق التخطيط الاستراتيجى بمهمة متابعة ورصد مدى التطور فى الأداء البيروقراطى. وبما أنهم أنفسهم لا يملكون سلطات تنفيذية، فإنهم يقدمون تقارير متابعة لرئيس الدولة أو رئيس الوزراء.
وقصارى القول، إن هذه الدول التنموية اعتبرت نفسها فى حالة حرب حقيقية فى مواجهة التخلف والفقر، ومن هنا استعانت بأفضل عقولها ووضعت لهم أدوارا ومهاما مرسومة بدقة حتى يكونوا العقل المفكر لتجاربهم التنموية.
وهنا يكون السؤال ما هى القيمة المضافة لأمانة السياسات فى مصر والتى تضم نحو مائة من المصريين المشغولين بتبرير الوضع الراهن والإشادة بحكمة السيد الرئيس فيما قرر وفيما قرر ألا يقرر. وما هو العائد الحقيقى من استعانة الدولة بهذا العدد الكبير نسبيا من رجال الأعمال فى مراكز صنع القرار والوزارات والبرلمان وأمانة السياسات؟ وهل من الأفضل أن تفعل مصر مثلما فعلت دول أخرى أكثر تطورا وتقدما فى أن تبقى مسافة نسبية سمتها دراسات التنمية «arm's distance» أى مسافة ذراع بين جهات التخطيط فى الدولة والقوى المختلفة وعلى رأسها الأعمال بحيث لا يقوم رجال الأعمال أنفسهم بالتخطيط بحكم انتمائهم لأمانة السياسات وبالتنفيذ بحكم سيطرتهم على وزارات مهمة فى الدولة؟ هل انحرفت أمانة السياسات عن دورها المخطط له؟ أم هى تفعل بالضبط ما كان مطلوبا منها كمنبر لأمين السياسات يكون له فيه صلاحيات دون مسئوليات؟ وعموما هذه أسئلة أخرى تحتاج لنقاش لاحق.
أكاديمى مصرى مقيم بالولايات المتحدة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.