البابا تواضروس يترأس قداس الأحد في العلمين    قفزة في العملة الخضراء.. أسعار الدولار في البنوك اليوم الأحد    أسعار الخضراوات اليوم الأحد 15-6-2025 بمحافظة مطروح    وزير الإسكان يُصدر قرارات إزالة لمخالفات بناء وتعديات ب3 مدن جديدة    رئيس النواب يشيد باللجنة الاقتصادية: تقدم تعديلات تتلافى الإشكاليات الدستورية    مجلس الوزراء: الربط الكهربائي مع السعودية نقطة انطلاق مصر كمحور إقليمي للطاقة    البرلمان يرفض التصعيد ضد إيران.. و«جبالي» يوجه تحذيرًا بشأن الحدود مع غزة    استمرار القصف المتبادل.. ارتفاع عدد قتلى إسرائيل في اليوم الثالث للتصعيد مع إيران    شوبير يكشف فترة غياب إمام عاشور عن الأهلي    ليفربول يهنئ محمد صلاح: "عيد ميلاد سعيد للملك المصري"    خلال ساعات.. نتيجة الشهادة الإعدادية محافظة القاهرة 2025 برقم الجلوس.. رابط الاستعلام    السجن المشدد 7 سنوات لمتهم بتعاطى المخدرات في قنا    ضبط تشكيل عصابي تخصص في النصب على المواطنين بزعم توفير خطوط محمول مميزة بالقاهرة    السكة الحديد تشغل قطارات المصيف بين القاهرة ومرسى مطروح    المشروع X لكريم عبد العزيز يحتل المركز ال6 بقائمة الأفلام الأكثر دخلا في مصر    خبير: الشرق الأوسط دخل مرحلة عدم الاستقرار ونتنياهو فشل فى قراءة رد فعل إيران    وزير الأوقاف يتفقد مسجد وضريح الإمام الليث بن سعد بالقاهرة    محافظ أسيوط يشهد فعاليات اليوم العلمي الأول للتوعية بمرض الديمنشيا    حكاية أسير أبوالشهيد وأحد قادة فتح خالد خديش: الاحتلال جمع شمل أولادى معى بالسجن "الحلقة 17"    تستحوذ على %60 من إنتاج الزيت الخام الصحراء الغربية كنز الذهب الأسود    "أزهر الأقصر" يفتح باب التظلمات على نتائج الابتدائية والإعدادية لمدة 15 يوما    ضبط شخصين بتهمة التشاجر بسبب خلاف بينهما في بولاق الدكرور    بيقولوا إني شبهك حتة منك.. ولي أمر يدعم ابنته أمام لجنة الثانوية العامة ببورسعيد    تداول امتحان التربية الدينية بجروبات الغش بعد توزيعه في لجان الثانوية العامة    أشرف داري: الحظ حرمنا من الفوز على إنتر ميامي    الاستحقاق النيابى بدأ فعليًا القائمةالموحدة مشاورات حزبية مستمرة لخوض السباق الانتخابى    وفاة نجل الموسيقار صلاح الشرنوبي    «أمي منعتني من الشارع وجابتلي أول جيتار».. هاني عادل يستعيد ذكريات الطفولة    بعد جهود استمرت 5 سنوات متحف سيد درويش بالإسكندرية ميلاد جديد لفنان الشعب    الأردن يعلن إعادة فتح مجاله الجوي بعد إجراء تقييم للمخاطر    محافظ أسيوط يفتتح وحدتي فصل مشتقات الدم والأشعة المقطعية بمستشفى الإيمان العام    محافظ أسيوط يفتتح وحدتي فصل مشتقات الدم والأشعة المقطعية بمستشفى الإيمان العام    قصر العيني يحقق إنجازا طبيا فى الكشف المبكر عن مضاعفات فقر الدم المنجلي لدى الأطفال    سعر الدولار في البنوك المصرية اليوم الأحد 15 يونيو 2025    توافد طلاب الدقهلية لدخول اللجان وانطلاق ماراثون الثانوية العامة.. فيديو    حظك اليوم الأحد 15 يونيو وتوقعات الأبراج    ترامب يحذر إيران من رد عسكري شديد «إن هاجمت أمريكا»    30 دقيقة تأخر في حركة القطارات على خط «القاهرة - الإسكندرية».. الأحد 15 يونيو    برواتب تصل ل12 ألف جنيه.. العمل تعلن وظائف جديدة بشركة أدوية بالإسماعيلية    دعاء امتحانات الثانوية العامة.. أشهر الأدعية المستحبة للطلاب قبل دخول اللجان    "زيزو الأعلى".. تعرف على تقييمات لاعبي الأهلي خلال الشوط الأول أمام إنتر ميامي    حارس إنتر ميامي الأفضل في افتتاح مونديال الأندية أمام الأهلي    محافظ قنا يشارك في الاحتفالية الرسمية لاستقبال الأنبا إغناطيوس بالمطرانية    جيش الاحتلال الإسرائيلي يستهدف مقر منظمة أبحاث دفاعية إيرانية    مجدي الجلاد: الدولة المصرية واجهت كل الاختبارات والتحديات الكبيرة بحكمة شديدة    مقتل ثلاثة على الأقل في هجمات إيرانية على إسرائيل    متى تبدأ السنة الهجرية؟ هذا موعد أول أيام شهر محرم 1447 هجريًا    بداية العام الهجري الجديد.. تعرف على موعد إجازة رأس السنة الهجرية 1447    اليوم.. الأزهر الشريف يفتح باب التقديم "لمسابقة السنة النبوية"    "رفقة سواريز".. أول ظهور لميسي قبل مباراة الأهلي وإنتر ميامي (صورة)    "العسل المصري".. يارا السكري تبهر متابعيها في أحدث ظهور    القانون يحظر رفع أو عرض العلم المصرى تالفا أو مستهلكا أو باهت الألوان    الجلاد: الحكومة الحالية تفتقر للرؤية السياسية.. والتعديل الوزاري ضرورة    دون أدوية أو جراحة.. 5 طرق طبيعية لتفتيت وعلاج حصوات الكلى    جامعة بدر تفتح باب التقديم المبكر بكافة الكليات لطلاب الثانوية العامة والأزهري والشهادات المعادلة    هاني رمزي: خبرات لاعبي الأهلي كلمة السر أمام إنتر ميامي    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاحد 15-6-2025 في محافظة قنا    كأس العالم للأندية| «ريبيرو» يعقد محاضرة فنية للاعبي الأهلي استعدادًا لمواجهة إنتر ميامي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدولة ليست شركة!
نشر في الشروق الجديد يوم 10 - 02 - 2025

تحت هذا العنوان كتب الاقتصادى الأمريكى الشهير «بول كروجمان» مقالاً متميزا عام 1996 ذكّرنى به منذ أيام صديقى الاقتصادى الدكتور محمد فؤاد.المقال يرد على فكرة بدائية مفادها أن رجل الأعمال الناجح لا يملك بالضرورة مفاتيح الحل لإدارة اقتصاد دولة. تلك الخرافة ترددت أصداؤها بقوة لدى الترشيح الأول للرئيس الأمريكى «دونالد ترامب» والذى توهّم مناصروه أن قدرته على تحقيق تراكم للثروات من خلال شركاته تمكّنه من تحقيق نجاحات مماثلة فى إدارة الاقتصاد الأمريكى.
المقولة ذاتها تجد لها العديد من المؤيدين فى مساحات التواصل الاجتماعى التى كثيرا ما تتزاحم فيها دعوات العوام بترك الدولة لرجال الأعمال الناجحين لإدارتها بذات الكيفية التى تدار بها شركاتهم. وعلى الرغم من انحيازى لمبدأ تمكين القطاع الخاص، وعدم مزاحمة مؤسسات الدولة لهم فى نشاطهم الذى يبرعون فيه، فإننى وبالقدر نفسه أنحاز إلى رؤية «كروجمان» فى ضرورة التمييز بين ما يصلح شأن الشركات وما يصلح شأن اقتصادات الدول. صحيح أن آلية عمل اليد الخفية تحقق «نظريا» مصلحة المجتمع بينما يسعى الفرد لتحقيق أهدافه، لكن نجاح تلك الآلية مشروط باتساع السوق وتعدد اللاعبين فيه وحرية المنافسة وعدالة التشريع والتنظيم..وهى أشياء يتعين على الدولة ضمانها وتستلزم مهارات محددة لإنجازها لا تتماهى مع المهارات المطلوبة فى رجل الأعمال الناجح.
كذلك يحكم الاقتصاد الكلى عدد من التوازنات التى لا تعرفها الشركات، فالاقتصاد الذى يجتذب الكثير من تدفقات الاستثمار الأجنبى المباشر عادة ما تحقق عجزا فى ميزانها التجارى، إذ إن تلك التدفقات لابد وأن تكون مصحوبة باستيراد مختلف احتياجاتها من الخارج، خاصة إذا كان الإنتاج المحلى محدودا، وتعانى الدولة من نقص فى الإنتاج السلعى الرأسمالى. تخيل معى مستثمرا أجنبيا يأتى إلى مصر لإقامة وتشغيل مصانع للسيارات، هذا أمر جيد، خاصة إذا كان الادخار المحلى محدودا، وكان لابد من سد الفجوة بين الادخار والاستثمار بجذب الاستثمارات من الخارج. لكن وحده الاقتصادى يدرك المخاطر المصاحبة لهذا النوع من التدفقات، والتى لابد وأن يترتب عليها عجزا (أو بالأحرى مزيد من العجز) فى ميزان التجارة السلعى، إذ إن المصانع سوف تحتاج إلى مستلزمات إنتاج ومدخلات مستوردة من الخارج، بما يضغط على العملة الصعبة فى البلاد، فإذا كانت الدولة تتبع نظاما مرنا لسعر الصرف فسوق تفقد العملة الوطنية قيمتها مقابل عملة الاستيراد طوال فترة الإنشاء على الأقل، وقبل القيام بأى نوع من التصدير (إن كان مخططا). أما إذا كانت السياسة النقدية فى الدولة تمارس ضربا من التثبيت والإدارة الجامدة لسعر الصرف، فسوف ترتفع معدلات التضخم وتظهر السوق الموازية وفى كل الأحوال ستكون الدولة مسقبلة للواردات بصورة كبيرة، ويكون العجز فى ميزان التجارة حتميا. يضرب «كروجمان» مثلاً بالمكسيك فى ثمانينيات القرن الماضى، حيث لم تكن جاذبة للاستثمار، لكنها كانت تملك فائضا فى ميزانها التجارى، لكن بعد عام 1989 بدأت الاستثمارات الأجنبية تتدفق إلى المكسيك، وسط توقعات إيجابية بشأن اقتصادها، وقد توجّه جانب من تلك التدفقات نحو استيراد مستلزمات إنشاء وتجهيز المصانع، وجانب آخر معتبر امتصته الواردات من المنتجات النهائية، وفى النهاية تسبب ذلك فى أن أصبحت العملة المكسيكية «البيزو» مقوّمة بأعلى من قيمتها الحقيقية، وهو ما ثبّط الصادرات، ودفع المزيد من المكسيكيين إلى الاعتماد على الاستيراد. ومع ذات الدولة ولكن فى ديسمبر من العام 1994 وقعت أزمة العملة فى المكسيك، وانسحبت الاستثمارات الأجنبية، وهنا فقط عاد ميزان التجارة إلى وضع الفائض، ولكن بفاتورة باهظة.
لا يفهم من كلام «كروجمان» أو من يستشهد به العزوف عن اجتذاب الاستثمار الأجنبى، ولكن التفكير بعقلية الاقتصادى، يجعلك فى رحلة دائمة لإيجاد الوضع التوازنى. فى مثال اجتذاب تدفقات رءوس الأموال يفكر رجل الأعمال فى أن هذا يشجع الإنتاج والتصدير ويخلق فرص العمل، لكن وحده الاقتصادى، ينظر بعين الاعتبار إلى مخاطر العجز الحتمى فى ميزان التجارة، وقد يرى سوق العمل مغلقة يترتب على خلقها فرص مقترنة بالتصدير فقدا لوظائف أخرى، خاصة إذا انتهى الحال بزيادة أكبر فى الواردات وعجز خارجى متزايد.
يذهب «كروجمان» إلى أن رجل الأعمال الناجح لم يحقق نجاحه لاكتشافه نظرية جديدة فى مجال عمله! بل لاتباعه الكثير من الحدس والإبداع واكتشاف استراتيجيات جديدة لإنتاج وتسويق سلعته أو خدمته. بل إن العديد من أصحاب الثروات، أمثال «جورج سوروس» و«وارن بافيت»، لم يحققوا ثرواتهم باتباع الدروس المنمّقة التى يسردونها فى قصص نجاحهم، فقد ساعدهم الابتكار والمرونة على النجاح، وهى مهارات قد لا تساعدهم على إدارة اقتصاد دولة كبيرة إن غاب عنها الرؤية الشاملة، والتوازنات الاقتصادية.
الاقتصاد قائم على الخيارات والمحفّزات، وكل خيار اقتصادى تنشأ عنه نتائج مختلفة يجب الاستعداد لها بحزمة من القرارات والسياسات. وعندما تم الاتفاق على صفقة رأس الحكمة قاطعت الاحتفال بنجاح الصفقة بأسئلة ضرورية عن أثرها متوسط وطويل الأجل على ميزان التجارة الذى يعانى عجزا مزمنا بالفعل. فالمشروعات الكبرى التى يعتزم الشريك الإماراتى إقامتها فى منطقة رأس الحكمة ستحتاج إلى خطوط إنتاج وأدوات وخامات مستوردة، ولذا ناديت (وأنادى وزارة الاستثمار والتجارة الخارجية) بالاستعداد لتلك المخاطر بتوطين مستلزمات الإنتاج لتلك المشروعات، وهذا لا يحدث إلا بمسح عملى تفصيلى لمختلف الانشطة المزمع إقامتها. كذلك لابد لتأهيل العمالة المحلية على اختلاف تخصصاتها فى مجالات التصنيع والسياحة والفندقة..لإعداد سلة من المدخلات والمهارات ومختلف عوامل الإنتاج محلية المنشأ، لتكون فى خدمة مشروعات رأس الحكمة وغيرها.. بما لا يحوّل نعمة التدفقات الراسمالية إلى نقمة العجز التجارى وفقدان فرص العمل لصالح مهارات مستوردة من الخارج. هذا سبب إضافى للاحتفاء بدمج وزارة الاستثمار فى التجارة الخارجية، خاصة وأن رؤية تحفيز وتنمية الاستثمار بالاتساق مع سياسة تجارية رشيدة ستكون فى عهدة فريق عمل واحد.
الاستعداد هو كلمة السر إذن فى هذا السياق، وهو الذى يمكن للاقتصاديين إتقانه بشكل أكبر من رجال الأعمال، نظرا لطبيعة تأهيلهم وتكوينهم العلمى والعملى. ويتحقق الاستعداد بكفاءة عالية إذا ما كانت سيناريوهات تقيم أثر الأحداث والقرارات والسياسات.. تتم عبر نموذج للتوازن العام. وهذا النموذج يجب أن يتوافر بنسخته المحدّثة فى وزارة التخطيط والتعاون الدولى والتنمية الاقتصادية. نماذج التوازن العام هى مجموعة من المعادلات الدقيقة المؤسسة على تشابكات القطاعات المختلفة داخل الاقتصاد، وهى قائمة على خلفية نظرية ومرونات دقيقة لمصفوفة الحسابات الاجتماعية وتحديدا جدول المدخلات والمخرجات. يحتاج الاقتصاديون إلى تصميم صدمة ما فى أسعار الطاقة (مثلاً) حتى يعرض نموذج التوازن العام الأثر القطاعى لتلك الصدمة والأثر النهائى الصافى على الناتج المحلى الإجمالى، وهذا يجعل الاستعداد مدعما بتنبؤات علمية محكمة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.