تصريحات الرئيس الأمريكى دونالد ترامب وبجواره رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو كانت شديدة السريالية والهزلية، وفاقت فى خطورتها حتى وعد بلفور الاستعمارى وأشد كوابيس العرب تشاؤما. لماذا هى سريالية؟ لأن رئيس أقوى دولة فى العالم وهو ترامب يطالب بترحيل ونفى وطرد الشعب الفلسطينى من قطاع غزة بحجة أنه شعب مظلوم ولا ينبغى أن يعيش فى هذا القطاع المدمر والذى يشبه الجحيم. فى حين أن الشخص الذى كان يقف بجانبه أى نتنياهو هو الذى قام بتدمير هذا المكان وتلقى من ترامب التحية على ما فعله فى القطاع وبدلا من معاقبة القاتل فإن ترامب قرر معاقبة الضحية!! ثم ارتفعت درجة السريالية ليعلن ترامب أنه سوف يستولى على غزة بالقوة لتحويلها إلى مكان مثل الريفيرا الفرنسية. مشهد المؤتمر الصحفى لترامب ونتنياهو فى واشنطن فجر الخميس بتوقيت القاهرة كان شديد العبثية لأن كلمات ترامب كشفت عن مستوى من الجهل الفاضح لديه يجعل مستقبل أمريكا نفسها على كف عفريت إذا استمر هذا النمط من التفكير والسلوك. هو حاول عبثا تصوير نفسه باعتباره المدافع الصلد عن سكان غزة المساكين، لكنه كان شديد الهزلية؛ لأنه يطالب بطردهم وتسكين آخرين محلهم. قال إنه يريد أن يغادر الفلسطينيونغزة، ولا يعودوا إليها. وعندما قال له أحد الصحفيين: «إلى أين يذهبون.. هذا وطنهم؟!« تجاهله ولم يرد عليه، ثم عاد فى موطن آخر من المؤتمر الصحفى ليقول إنهم سوف يقيمون فى أماكن أفضل خارج القطاع. ترامب قال كلاما مفككا، من قبيل أن أمريكا سوف تستولى على غزة وتتولى أمرها. وقال إنه بعد أن يتم ترحيل كل سكانها وإعادة بنائها، سوف يأتى أناس من كل مكان فى العالم للعيش فيها. لكن وحتى لو جارينا ترامب فى سرياليته، فالسؤال: ولماذا لا يعود أهل غزة إلى وطنهم وأرضهم بعد أن يعيد ترامب ومقاولوه وشركاته تأهيلها، خصوصا أنه قال إنه لا يؤيد الاستيطان الإسرائيلى فى غزة!! كنا نعتقد أن بلفور هو الشخص الأكثر إجراما فى حق الفلسطينيين حينما أعطى باسم بريطانيا الاستعمارية وعدا وهو لا يملك لطرف آخر اسمه الحركة الصهيونية غير المستحقة بإقامة وطن قومى لليهود فى فلسطين فى 2 نوفمبر عام 1917. هل سوف يترحم العرب والفلسطينيون على الرئيس الأمريكى جو بايدن الذى غادر البيت الأبيض قبل أقل من شهر؟! بايدن قدم لإسرائيل ما لم تحلم به، حينما فتح خزائن بلاده المالية ومخازنها العسكرية ووفر لها كل أنواع الدعم السياسى والدبلوماسى من أجل تنفيذ عدوانها على الشعب الفلسطينى منذ 7 أكتوبر 2023 وحتى 19 يناير الماضى حينما تم وقف إطلاق النار مؤقتا تنفيذا لاتفاق الهدنة. الطريقة والمنهج والسلوك الذى يتصرف به ترامب وصل إلى درجة غير مسبوقة فى العلاقات السياسية بين الدول، بل فاق سلوك الدول الاستعمارية فى عز مراحل صعود الاستعمار عالميا. بايدن كان يقدم كل الدعم الإسرائيلى لكنه كان يتحدث نظريا عن حل «الدولتين»، وأوقف مؤقتا تزويد إسرائيل بالقنابل الخارقة الثقيلة. هل معنى ذلك أنه كان مؤمنا بحقوق الفلسطينيين؟! الإجابة هى: لا، ولكنه مختلف مع ترامب فى الدرجة. لكن علينا نحن العرب ألا نراهن على شخصيات ساكنى البيت الأبيض أو من يتولى رئاسة الحكومة الإسرائيلية. علينا أن نراهن على أنفسنا أولا أذا كنا جادين. ترامب متهور وجاهل بالتاريخ وبكل شىء إلا بعلم وفن الصفقات المغامرة، لكنه وفىٌّ جدًّا لقاعدته الانتخابية وجزء كبير منها يهودى. الشعب الفلسطينى قدم ملحمة صمود أسطورى طوال فترة العدوان، والذى سيفشل أوهام وتخاريف ترامب ونتنياهو واليمين المتطرف هو استمرار هذا الصمود أولا. ثم استمرار الموقف العربى القوى خصوصا مصر والأردن، والدولتان أعلنتا موقفا حاسما جدا ضد خطط وأفكار ترامب، وثالثا أن تدعم الدول العربية الكبرى خصوصا السعودية هذا الموقف. والرياض سارعت بعد تصريحات ترامب لإصدار بيان واضح يقول إنها لن تقيم علاقات مع إسرائيل إلا فى وجود دولة فلسطينية. التطورات الأخيرة صعبة جدا، وغير مسبوقة فى تاريخ الصراع، والتعامل معها ينبغى أن يكون على مستوى خطورتها. أعتقد أننا فى حاجة ماسة جدا لقمة عربية طارئة تبعث برسالة واضحة إلى ترامب ونتنياهو، وهى أن العرب جميعا ضد تهجير الفلسطينيين، والأهم ان تكون رسالة مصحوبة بخطوات قابلة للتنفيذ.