كانت إيطاليا سباقة فى طباعة المصحف الشريف، فطبع أول مصحف فى إيطاليا خلال القرن 16م، غير أنه مع دخول الطباعة مصر فى القرن 19م، تخوف علماء الأزهر من طباعة المصحف بمطبعة بولاق، يعود تخوفهم لعدة أسباب منها أن استعمال الحروف المعدنية وضغط الأسماء المقدسة بالآلات كان عملا مكروها لديهم، وكتابة ما يتعلق بالخلق والنصوص الإسلامية بالمداد المركب الذى به مواد منافية للطهارة، لم يكن عندهم يناسب احترام الدين فى شىء. غير أن محمد على تعامل مع هذا الموقف بحكمة شديدة، إذ ترك الأمر لتطور الأحداث، فبعض من خيرة علماء الأزهر عمل فى المطبعة، وبالتالى تداولوا مع غيرهم ما يحدث بها، فضلا عن أن العلماء الأجلاء أدركوا أن طباعة المصحف الشريف سيكون من ورائها نفع كبير للإسلام والمسلمين، فلما أدرك محمد على أنهم وعوا بالتجربة اقتنعوا بدفع المصحف للطباعة، بل خصص لها قسما عرف بمطبعة المصحف الشريف. لم يكن الأزهريون أصحاب مواقف جامدة حينئذ بل كانوا مشاركين ومساهمين بقوة فى تحديث الوطن، ولولا مواقفهم إزاء الجديد لما تقدمت مصر، بل إن هذا يعود بنا إلى موقف يسبق هذا بقرون حين بدأ مشروب القهوة ينتشر، ويشبهه بعض العلماء بالخمر، فما كان من أحد العلماء إلا أن حبس نفسه فى صومعته بالأزهر، يشرب القهوة بكثافة، وخرج بفتوى أن مشروب القهوة ليس بمسكر. ترتب على هذه التجربة العملية أن أصبحت مصر مركز هذه التجارة، تجارة البن، ومنها انتشرت القهوة فى العالم، وصارت مشروبا مفضلا فى أوروبا، فكان التجار المصريون يستوردون البن ليصدروه عبر رشيد ودمياط والإسكندرية لأوروبا. فهل التجربة هى الدليل العملى للحياة والتقدم؟ لا شك فى ذلك.