إجراء مرتقب من رابطة التعليم المفتوح بعد حكم عودته بالشهادة الأكاديمية    الرئيس السيسي: مصر تسعى لتحقيق الاستقرار في كل دول المنطقة    ارتفاع البتلو والكندوز، أسعار اللحوم اليوم الخميس في الأسواق    «الفيدرالي الأمريكي»: لا مؤشر لمهاجمين آخرين غير المقبوض عليه    مدير الFBI: حادث استهداف الحرس الوطني تهديد للأمن القومي وترامب على اطلاع كامل بالتفاصيل    الندية والمقاومة .. ما سر سعادة السوشيال ب"الهاكرز" المصري ؟    مقتل عنصرين من الحرس الوطني بإطلاق نار قرب البيت الأبيض.. وترامب يتوعد    فيتينيا يقود باريس سان جيرمان لمهرجان أهداف أمام توتنهام    سلوت: من الصعب قبول الهزيمة ضد إيندهوفن.. وعلينا عبور تلك المرحلة    أبو ريدة يوجه رسالة دعم لمنتخب مصر قبل انطلاق كأس العرب (فيديو)    بسبب نيران صديقة، بيراميدز يتجاوز لائحة أبطال إفريقيا بشأن مرانه اليوم في زامبيا    الشتاء يدق باب الصعيد، الأرصاد الجوية تعلن حالة الطقس اليوم الخميس    احترس: هيئة الأرصاد الجوية تحذر المسافرين على الطرق من كثافة الشبورة    وفاة الإعلامية هبة الزياد بشكل مفاجئ    رواية «أجنحة مبتورة» لهند الصنعاني.. صرخة أدبية ضد ختان الفتيات    أنا ميتفرضش عليا شروط.. محمد صبحي يعلق على إمكانية تعاونه مع الدولة في مسرحيات الفترة المقبلة    وفاة هبة الزياد مذيعة قناة الشمس ورئيس القناة تنعيها    مخرج «كارثة طبيعية»: العمل من قصص حقيقية والأطفال «سيليكون»    هاني رمزي يقدم «ماستر كلاس» في مهرجان شرم الشيخ للمسرح الشبابي.. اليوم    أخبار الفن اليوم: تفاصيل أزمة والدة رضا البحراوي الصحية.. وفاة الشاعر أحمد عنتر مصطفى.. أسعار حفل تامر حسني بقصر عابدين    الصحة تكشف أعراض فيروس ماربورج وطرق انتقال العدوى    وكيل زراعة الغربية يتابع منظومة صرف الأسمدة ويؤكد: دعم المزارعين أولوية    ضبط صاحب معرض سيارات لاتهامه بالاعتداء على فتاة من ذوي الهمم بطوخ    جيش الاحتلال يتجه لفرض قيود صارمة على استخدام الهواتف المحمولة لكبار الضباط    جمعيات الرفق بالحيوان: يوجد حملة ممنهجة ضد ملف حيوانات الشارع وضد العلاج الآمن    السيطرة على حريق مخلفات في أرض فضاء بالوايلى دون إصابات    مكتب التحقيقات الفيدرالي: الهجوم قرب البيت الأبيض مسألة أمن قومي    نشر 500 جندي إضافي في واشنطن بعد استهداف عنصرين من الحرس الوطني قرب البيت الأبيض    الكرملين: الدعوات لإقالة ويتكوف تهدف إلى عرقلة المسار السلمي في أوكرانيا    ريال مدريد يكتسح أولمبياكوس برباعية في دوري أبطال أوروبا    آرسنال يحسم قمة دوري الأبطال بثلاثية أمام بايرن ميونخ    عبد الله جمال: أحمد عادل عبد المنعم بيشجعنى وبينصحنى.. والشناوى الأفضل    أتالانتا يفوز على فرانكفورت بثلاثية في دوري الأبطال    محمد الجوهري: التعاون المصري الجزائري ضمن التكامل الاقتصادي العربي والأفريقي    باختصار.. أهم الأخبار العالمية والعريية حتى منتصف الليل.. 36 قتيلا وفقدان 279 آخرين جراء حريق هونج كونج.. إغلاق البيت الأبيض بعد حادث إطلاق نار على الحرس الوطنى.. السعودية تعتمد لائحة جديدة لملابس الموظفين    رسالة طمأنة من مستشار الرئيس للصحة بشأن حقيقة انتشار فيروسات خطيرة في مصر    مياه الفيوم تطلق برنامجًا تدريبيًا مكثفًا لإعداد كوادر فنية شابة.. صور    مصر للطيران تطلق أولى رحلاتها المباشرة بين الإسكندرية وبني غازي    إنفوجراف| تعرف على أنشطة مديريات الزراعة والطب البيطري خلال أسبوع    رسائل الرئيس الأبرز، تفاصيل حضور السيسي اختبارات كشف الهيئة للمُتقدمين للالتحاق بالأكاديمية العسكرية    المؤتمر الدولي لكلية التمريض بجامعة المنصورة الأهلية يواصل فعالياته    انقطاع المياه عن بعض قرى مركز ومدينة المنزلة بالدقهلية.. السبت المقبل    كلية الحقوق بجامعة أسيوط تنظم ورشة تدريبية بعنوان "مكافحة العنف ضد المرأة"    الإدارية العليا تقضي بعدم قبول 14 طعنًا على نتيجة انتخابات النواب بالمرحلة الأولى    وفد الصحة العالمية يشيد بريادة سوهاج في تنفيذ مبادرة المدارس المعززة للصحة    وزير الصحة يلتقي كبير الأطباء بمستشفى أنقرة بيلكنت سيتي    وكيل صحة بني سويف: إحلال وتجديد مستشفى سمسطا المركزي ب 2 مليار جنيه    خالد الجندي: ثلاثة أرباع من في القبور بسبب الحسد    السكة الحديد: إنشاء خطوط جديدة كممرات لوجيستية تربط مناطق الإنتاج بالاستهلاك    جامعة المنيا تخصص 10 ملايين جنيه لدعم الطلاب عبر صندوق التكافل المركزي    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : استرح فى واحة الانس !?    وكيل تعليم القاهرة تتابع سير الاستعدادات لامتحانات شهر نوفمبر    الجدة وحفيدتها.. انتشال جثتين من أسفل أنقاض انهيار منزل بنجع حمادي    رئيس الوزراء ونظيره الجزائرى يشهدان توقيع عدد من وثائق التعاون بين البلدين    وزير الدفاع يشهد تنفيذ المرحلة الرئيسية للتدريب المشترك "ميدوزا -14".. شاهد    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 26-10-2025 في محافظة الأقصر    دار الإفتاء تكشف.. ما يجوز وما يحرم في ملابس المتوفى    دعاء جوف الليل| اللهم يا شافي القلوب والأبدان أنزل شفاءك على كل مريض    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأسطورة التى هزمها الواقع!
نشر في الشروق الجديد يوم 17 - 08 - 2024

فكرّتُ كثيرًا وأنا أقرأ هذه الرواية الجديدة للروائى محمد عبد الجواد فى مدى ثراء موهبته السردية، مادة وتعبيرًا، ومدى طموحه الفنى، مما جعل روايته «أميرة البحار السبعة» الصادرة عن دار المرايا، تتقاطع مع مستوياتٍ كثيرة للقراءة، وجعلها أيضًا مفارقة لعالمه الذى أدهشنا به فى نوفيلاته الثلاث السابقة: «الصداقة كما رواها على على»، و«عودة ثانية للابن الضال»، و«جنازة البيض الحارة»، مثلما هى امتدادٌ لهذا العالم فى نفس الوقت.
بدا لى أن بذور الغرائبية، والأبطال غير العاديين، وهذا المزيج بين المأساة والمسخرة، وحضور فوضى الهامش، كجزء من مأزق وجودى شامل، كل هذه السمات موجودة أصلًا فى النوفيلات الثلاث، ولكن عبد الجواد اختار فى حكاية «أميرة البحار السبعة»، أن يلجأ صراحة إلى واقعيةٍ سحرية تقدم التحية تحديدًا إلى عالم ماركيز، وتصنع تقاطعاتٍ متعددة مقصودة بين «ماكوندو» وقرية سيدى العوام. لعل هذا الاختيار الفنى يذكرنا بأن النوفيلات السابقة كانت تحتمل أيضًا هذا المزيج بين الواقعى والأسطورى، مما يجعلنا نعيد النظر إلى أبطال سابقين مثل على على، وحمادة أوريو، وشريف البندارى، كشخصياتٍ على تخوم الأسطورة، بينما تبدو أميرة بنت أسماء، بطلة الرواية الجديدة، كشخصية أسطورة صريحة. الواقعية السحرية كما أفهمها ليست هروبًا من الواقع، ولكنها محاولة للعودة إليه بشكل أكثر عمقا واتساعا، وتجاور المعقول واللا معقول، وسردهما بنفس الدرجة من الحياد الخالى من الدهشة، يجعل الحياة أكبر بكثير مما نظن، وبينما يأسرنا الخيال، وتدهشنا الغرائب، فإننا نكتشف فى النهاية أن الطبيعة البشرية وتحولاتها أكثر غرابة من الأشباح والكائنات العجيبة، وبينما تبدو الأسطورة مفارقة للمنطق الواقعى، أو نقيضا له، فإن تفسيرها يعود من جديد، ليكشف عن رغبات واقعية مجهضة، فكأن الأسطورة هى الواقع وقد نبت له جناحان. مثل ماكوندو ماركيز، يتم تأسيس قرية سيدى العوام، وتتغير حياتها، بأحداث غريبة، ومثل ماكوندو فإن قريتنا مهمشة ومغلقة، ويلعب الغجر دورًا محوريّا فى تغييرها، كما أن تقاطع عالم الحداثة والأسطورة حاضر فى التجربتين، ومثل هاجس المواليد أصحاب الذيول، فإن مولد أميرة، ابنة أسماء الغجرية، برائحة زفارة لا تفارقها، رغم جمالها الساطع، وارتباط مولدها بحديث أسطورى عن مضاجعة أمها للبحر، ثم عودة تدفق الأسماك بهذا الميلاد، كل ذلك يجعل الغرائبية مفتاح قراءة الواقع، كما فعل ماركيز، ولكن على فترة زمنية أقل، وإن انتهت الحكاية فى التجربتين بتفكك وانتهاء عالمى ماكوندو وسيدى العوّام. لكن تجربة عبد الجواد تنتمى بنفس القدر إلى عالمه السابق، لأن ثنائية الهامش والمتن، والحلال والحرام، والامتثال والتمرد، والغياب والحضور، والثراء والفقر، كلها تعمل هنا، مثلما عملت من قبل فى النوفيلات الثلاث، ولكن عبر آلياتٍ مختلفة وبآفاق بالغة الاتساع. اللعبة هنا هى اختبار دخول أسطورة أسماء وابنتها أميرة، على عالم مفرط فى الواقعية، يعاين معجزة موت البحر، وامتناعه عن إرسال الأسماك، ثم يعاين عودة تدفق السمك، ومرة ثالثة يغيب السمك، ويرتبط كل ذلك بمفهوم ارتكاب مضاجعة محرمة، بينما يتم على مستوى آخر، ارتكاب حرام علنى باحتكار رشدان اللول وجابر الحرارة، والأخير يبدو كما لو كان نظير شريف البندارى بطل «جنازة البيض الحارة»، لفيض البحر من الأسماك، وإنشاء سفينة نوح معاصرة، كمطعم ضخم، وضع سيدى العوام، لأول مرة على الخريطة. يمكن أن تقرأ ما جرى لأميرة وأمها، وهما تحضران وتختفيان فتصنعان الحياة والموت، باعتباره فشل الأسطورة حتى فى معالجة الواقع، وإن اكتفت فقط بكشف كل تناقضاته، وبينما تبدو المرأة ممثلة فى أسماء وأميرة هى عنوان الحياة، فإن رجال الرواية، سواء رشدان أو جابر أو دوبارة أو مصطفى أو يحيى العازف أو إمام المسجد، ليست إلا نماذج مغلقة على حياتها الضيقة، أما أسماء فقد جاءت من الشام، وعادت إلى مملكة زنوبيا، وأميرة ابنة البحر، وتعود إليه. يفشل جابر فى ترويض أسماء أو أميرة، ولكنه ينجح مع يحيى العازف، الذى يفهم فى الموسيقى، ويعرف الحب، ولكنه لا يفهم الحياة، ولا يفطن إلى ضرورة تزاوج الروح والجسد، ورغم أن قرية سيدى العوام تعرف الدين، وفيها جامع وشيخ، وتتحدث عن الحلال والحرام، إلا أن اختبار موت البحر، يكشف تهافت قشرة الدين، فيتم التلاعب بالحلال والحرام بطريقة عملية بحتة، ويبدو استرضاء البحر أهم من استرضاء خالق البحر. تتعامل أسماء وأميرة بفطرة غريزية، وبحريّة تليق بالغجر، ولكنهما أكثر صدقًا ونقاء من الجميع، أسطورتهما جعلت البحر يفيض بالأسماك، ولكن الحيتان استأثرت بالمحصول، فزاد الفقراء فقرًا، وتضخمت ثروات الأغنياء، المشكلة إذن لم تكن فى البحر، ولكن فى هذه الطبائع البشرية المتقلبة والمتناقضة، والتى لا مهرب منها، وهى التى تدير عالم سيدى العوام، والعالم كله. تعيدنا إشارات وأغنيات كثيرة معاصرة إلى سنوات التسعينيات، والألفينيات، وتذكرنا مدن كالقاهرة والمحلة وبورسعيد بأن الحكاية لم تفقد واقعية مكانها وزمانها، ولكن البناء بأكمله تعيد تشكيله أسطورة التأسيس، وأسطورة الغجرية وابنتها أميرة، مع محاولة تفكيك أوراق غامضة تنبؤية، بالضبط كما حدث فى «ماكوندو»، واللجوء إلى التفسير الغيبى الوثنى، والذى يبعث البحر إلها معاصرًا مثل «بوسايدون». هذه الصياغة الجديدة للواقع، جعلت التجربة أكثر اتساعًا، ليس هروبًا من الواقع، ولكن لإعادة تأمله من جديد: فيضان البحر بالخير لم يجعل الإنسان أفضل، ولم يجعله يتخلص من نزقه وجهله وأنانيته، حتى الدمية ليبينو أكثر حياة من نفوس ميتة، ومن أجساد معطّلة. لا تستحق قرية سيدى العوام إذن «أسماء» ولا «أميرة»، أما الضحكات والتعليقات الساخرة فليست سوى الشكل الملائم لوصف أوضاع مقلوبة، وهى تترجم فى الواقع مأزقًا تراجيديّا مروعًا، ذلك أن قرية فشلت المعجزات فى إحيائها ومنحها البحر كنوزه، فلم تتحسن أوضاع كل سكانها، لهى قرية تستحق الفناء، ولا أمل فيها أبدًا، ولا رجاء.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.