سرد مؤثر وعميق، تأخذنا من حلالاه الكاتبة نهلة كرم في رحلة إلى أعماق النفس البشرية، داخل نصوص روايتها " خدعة الفلامنجو" الصادرة عن الدار المصرية اللبنانية، حيث تكشف لنا عن تعقيدات العلاقات العاطفية وكيف يمكن أن تتحول إلى جروح عميقة. الرواية لا تقتصر على قصة حب غير ناجحة، بل تتجاوز ذلك لتناقش قضايا أعمق مثل التلاعب النفسي والبحث عن الهوية والشفاء من جروح الروح. سريعا يتورط القارئ في الأحداث، حيث بطلة رواية "خدعة الفلامنجو" نفسها غارقة في دوامة من الذكريات المؤلمة. بدأت بربط خيوط الأحداث المعقدة التي عاشتها، محاولة فك شفرة سلوك شريكها الذي كان غريباً ومربكاً كأنه من عالم آخر. في عالمها الخاص، وجدت نفسها تبحث عن تفسير منطقي لأفعال لا يمكن تفسيرها، فاستعانت بسلوك كائنات أخرى حولنا لتقريب فهمها لما حدث لها. في رحلة استكشاف الذات هذه، اكتشفت البطلة أن ما تعرضت له كان عبارة عن لعبة ذهنية متقنة، حيث تم التلاعب بعواطفها وإيهامها بحب لم يكن موجوداً. وعندما أدركت حقيقة الأمر، بدأت رحلة شاقة للشفاء والتخلص من الآثار السلبية لهذه العلاقة السامة. إن "خدعة الفلامنجو" هي أكثر من مجرد رواية، فهي دعوة للتفكير في أنفسنا والعلاقات التي نبنيها، وكيف يمكن أن تؤثر علينا بشكل عميق. إنها تذكرنا بأهمية الحب الحقيقي والاحترام المتبادل في أي علاقة، وأننا لسنا وحيدين في معاناتنا، فالكثيرون منا يمرون بتجارب مشابهة. تنطلق رواية "خدعة الفلامنجو" في رحلة استكشافية عميقة إلى أعماق النفس البشرية، حيث تتجرد الراوية من قناع الكلمات المبتذلة، وتلجأ إلى عالم الحيوان لتجسد معاناتها العاطفية. ففي تشابك معقد بين الإنسان والطبيعة، تنسج الكاتبة خيوطاً دقيقة تربط سلوكيات الحيوانات بتصرفات البشر في العلاقات العاطفية المعقدة. تستعين الراوية بمنظور حيادي، بعيد عن الأحكام المسبقة، لتشريح علاقتها السابقة. فكما تتصرف الحيوانات بدوافع غريزية، تتصرف الشخصيات الروائية بدوافع نفسية عميقة. وباستخدام التشبيهات الحيوانية، تنجح الكاتبة في تجريد الأحداث من طابعها الشخصي، لتكشف عن جوانب مظلمة مشتركة في العديد من العلاقات. لا تقتصر الرواية على كونها سرداً لحكاية شخصية، بل تتعدى ذلك لتكون تحليلاً نفسياً عميقاً للعلاقات الإنسانية. ففي كل تشبيه وتوصيف، تكمن دعوة للقارئ للتفكر في سلوكياته الخاصة، وفي الدوافع الخفية التي تحكم قراراته. وبذلك، تتحول الرواية إلى مرآة تعكس للقارئ صورة واضحة عن نفسه، وتساعده على فهم أعمق لذاته وللعالم من حوله. تعتبر رواية "خدعة الفلامنجو" أكثر من مجرد رواية عاطفية، فهي رحلة شفاء للكاتبة والقارئ على حد سواء. فمن خلال استكشاف عالم الحيوان، تكتشف الراوية معنى جديداً للوجود، وتتعلم كيف تتجاوز آلام الماضي. وبنفس الطريقة، يدعو النص القارئ إلى مواجهة مخاوفه، والتغلب على صدماته، والانطلاق نحو حياة جديدة مليئة بالأمل والتفاؤل تغوص الكاتبة نهلة كرم في أعماق النفس البشرية، في روايتها الجديدة، لتكشف لنا عن شبكة معقدة من المشاعر والصراعات التي تتشابك داخلنا. لا تتناول الرواية الألم والفقد وحدهما، بل تتجاوز ذلك لتستكشف الدوافع الخفية وراء اختيارنا للمسارات الحياتية التي نسلكها. فبطلة الرواية، في رحلتها الشاقة نحو التعافي من خيبات عاطفية سابقة، تكتشف أن أفعالنا ليست مجرد ردود أفعال عابرة، بل هي انعكاس مباشر لما نختزنه في أعماقنا من أفكار ومشاعر. يدفعنا النص إلى استخلاص مفاده اننا عالمنا سريع الخطى، نلقي باللوم على الآخرين بسهولة، متناسين أن جذور مشكلاتنا غالبًا ما تتجذر فينا. ولكن، من خلال التأمل الذاتي والبحث عن الأجوبة داخل أنفسنا، يمكننا أن نكشف عن الحقيقة المرة: أننا شركاء في خلق قصص حياتنا، وأننا ننجذب إلى التجارب التي تعكس جوانب خفية من شخصياتنا نجحت كرم في أن تنسج شبكة من المشاهد المترابطة، كل مشهد يكشف لنا جزءًا جديدًا من شخصية البطلة. نلاحظ تطورًا ملحوظًا في تصاعد إيقاع الأحداث على مدار الرواية، ففي البداية، تعكس نشعر بحالة الارتباك والضياع التي تعيشها بطلة العمل، تمامًا، ولكن مع مرور الوقت، ومع تعمقها في رحلة الاكتشاف الذاتي، نرى تحولًا في مسار الحكي، يصبح أكثر وضوحًا وقوة، مما يعكس النمو والتطور الذي طرأ على الأحداث. تدعونا الرواية إلى الالتفات إلى صوتنا الداخلي، ذلك الصوت الذي غالبًا ما نخفيه تحت طبقات من الخوف وعدم اليقين. فمن خلال الاستماع إلى هذا الصوت، يمكننا أن نفهم دوافعنا الحقيقية، وأن نختار المسارات التي تؤدي بنا إلى حياة أكثر سعادة ورضا. فالحقيقة المرة هي أننا لا نستطيع الهروب من أنفسنا، مهما حاولنا. ولكن، من خلال مواجهة مخاوفنا والعمل على تطوير أنفسنا، يمكننا أن نصبح أفضل نسخة من أنفسنا. تختتم الرواية برسالة قوية مفادها أن الشفاء الحقيقي يبدأ من الداخل. فمن خلال فهم أنفسنا وقبولها، يمكننا أن نبني علاقات صحية مع الآخرين، وأن نتحرر من قيود الماضي. فالحياة رحلة طويلة، مليئة بالتحديات والمنعطفات، ولكن من خلال الاستمرار في التعلم والنمو، يمكننا أن نصل إلى أهدافنا ونحقق أحلامنا