رئيس جامعة حلوان يناقش استعدادات "النادي" للإجازة الصيفية    أخبار مصر: السيسي: زيادة الدعم المقدم للعمال من صندوق إعانات الطوارئ إلى 1500 جنيه.. ورئيس الوزراء يستعرض عددًا من ملفات عمل وزارة المالية    وزير الرياضة يشهد توقيع بروتوكول تعاون مع جامعة جنوب الوادي    متحدثا عن التواضع في الخدمة.. مطران الجزيرة والفرات يترأس رتبة غسل الارجل    بإجمالي 135 مليون دولار، تفاصيل افتتاح مجمع هاير بالعاشر من رمضان (إنفوجراف)    حماس تطالب بالكشف عن مصير الأسرى الفلسطينيين والاحتلال يرفض    مسلم: الإعلام الإسرائيلى ارتكب كما كبيرا من الأكاذيب فى هذه الحرب    الرياضة تختتم الملتقى الدولي للإبداع والإبتكار في الذكاء الاصطناعي    تموين الإسكندرية يضبط ما يقارب من نصف طن فسيخ مجهول المصدر    إصابة موظف بعد سقوطه من الطابق الرابع بمبنى الإذاعة والتلفزيون    زينب العبد تكشف عن فتى أحلامها في مسلسل العتاولة (فيديو)    نيشان يرد على أنباء صدور قرار بالقبض عليه بسبب ياسمين عز    مصطفى كامل يحتفل بعقد قران ابنته بحضور أشرف زكي وحمادة هلال (صور)    وكيل صحة الشرقية يتابع العمل بمستشفى منيا القمح المركزي    ليفربول يكشف عن قميص الموسم الجديد 2024/2025    أخبار الأهلي: توقيع عقوبة كبيرة على لاعب الأهلي بفرمان من الخطيب    الخارجية الأمريكية تتهم حماس بتحويل مسار شاحنات المساعدات    الولايات المتحدة: حماس احتجزت شحنة مساعدات أردنية في غزة    مصرع سائق في اصطدام 3 سيارات بالطريق الصحراوي بالبحيرة    لمدة أسبوع.. دولة عربية تتعرض لظواهر جوية قاسية    مصرع أربعيني ونجله دهسًا أسفل عجلات السكة الحديدية في المنيا    «المهندسين» تنعى عبد الخالق عياد رئيس لجنة الطاقة والبيئة ب«الشيوخ»    فيديوجراف | البحر الميت يبتلع عشرات الإسرائيليين وجاري البحث عن المفقودين    الأرصاد العمانية تحذر من أمطار الغد    نجوم الغناء والتمثيل في عقد قران ابنة مصطفى كامل.. فيديو وصور    خالد الجندي: العمل شرط دخول الجنة والنجاة من النار    أمين الفتوى: الإنسان المؤمن عند الاختلاف يستر لا يفضح    رسالة ودعاية بملايين.. خالد أبو بكر يعلق على زيارة الرئيس لمصنع هاير    120 مشاركًا بالبرنامج التوعوي حول «السكتة الدماغية» بطب قناة السويس    الإصلاح والنهضة: مدينة "السيسي" جزء من خطة الدولة التنموية    محمد سلماوي: الحرافيش كان لها دلالة رمزية في حياة نجيب محفوظ.. أديب نوبل حرص على قربه من الناس    ياسمين عز تعلق على صورة حسام موافي بعد تقبيله يد أبوالعينين :«يا عيب الشوم» (فيديو)    «ماجنوم العقارية» تتعاقد مع «مينا لاستشارات التطوير»    ب 277.16 مليار جنيه.. «المركزي»: تسوية أكثر من 870 ألف عملية عبر مقاصة الشيكات خلال إبريل    مصرع شاب غرقا أثناء استحمامه في ترعة الباجورية بالمنوفية    محافظ مطروح يلتقي قيادات المعهد التكنولوجي لمتابعة عمليات التطوير    فنون الأزياء تجمع أطفال الشارقة القرائي في ورشة عمل استضافتها منصة موضة وأزياء    أدنوك الإماراتية: الطاقة الإنتاجية للشركة بلغت 4.85 مليون برميل يوميا    ندوة توعوية بمستشفى العجمي ضمن الحملة القومية لأمراض القلب    هجوم شرس من نجم ليفربول السابق على محمد صلاح    "بسبب الصرف الصحي".. غلق شارع 79 عند تقاطعه مع شارعي 9 و10 بالمعادى    محافظ جنوب سيناء ووزير الأوقاف يبحثان خطة إحلال وتجديد مسجد المنشية في الطور    رسائل تهنئة عيد القيامة المجيد 2024 للأحباب والأصدقاء    توقعات برج الميزان في مايو 2024: يجيد العمل تحت ضغط ويحصل على ترقية    برلماني سوري: بلادنا فقدت الكثير من مواردها وهي بحاجة لدعم المنظمات الدولية    تراجع مشاهد التدخين والمخدرات بدراما رمضان    أذكار بعد الصلاة.. 1500 حسنه في ميزان المسلم بعد كل فريضة    رئيس الوزراء يعقد اجتماعًا مع ممثلي أبرز 15 شركة كورية جنوبية تعمل في مصر    انتبه.. 5 أشخاص لا يجوز إعطاؤهم من زكاة المال| تعرف عليهم    فقدت ابنها بسبب لقاح أسترازينيكا.. أم ملكوم تروي تجربتها مع اللقاح    طلاب بجامعة مصر للمعلوماتية ينظمون فاعلية لاستعراض أفكار وتجارب النجاح الملهمة    رانجنيك يرفض عرض تدريب بايرن ميونخ    السكرتير العام المساعد لبني سويف يتابع بدء تفعيل مبادرة تخفيض أسعار اللحوم    دعم توطين التكنولوجيا العصرية وتمويل المبتكرين.. 7 مهام ل "صندوق مصر الرقمية"    التنظيم والإدارة يتيح الاستعلام عن نتيجة الامتحان الإلكتروني في مسابقة معلم مساعد فصل للمتقدمين من 12 محافظة    الأهلي يجهز ياسر إبراهيم لتعويض غياب ربيعة أمام الجونة    تأهل الهلال والنصر يصنع حدثًا فريدًا في السوبر السعودي    بروسيا دورتموند يقتنص فوزا صعبا أمام باريس سان جيرمان في ذهاب نصف نهائي دوري أبطال أوروبا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل نبدأ بإصلاح الأخلاق أم بإصلاح النظام؟
نشر في الشروق الجديد يوم 27 - 04 - 2010


هاتان الواقعتان شهدتهما بنفسى:
الواقعة الأولى فى جامعة القاهرة حيث كنت طالبا فى كلية طب الأسنان وكان علينا فى نهاية العام أن نؤدى الاختبارات النظرية والعملية، وبعد ذلك الامتحان الشفهى الذى هو البوابة السحرية لكل الوساطات والمحسوبية، وأذكر أن زميلة فى دفعتنا اسمها هالة كان والدها أستاذا للطب فى جامعة إقليمية وبالتالى كان صديقا لمعظم الأساتذة الممتحنين.
وقد شاء حظى أن أدخل الاختبار الشفهى مع هالة وزميلة أخرى فى مادة وظائف الأعضاء .أمطرنى الأستاذ الممتحن بالأسئلة الصعبة ووفقنى الله فى الإجابة ثم اعتصر الزميلة الأخرى بأسئلة عويصة فتعثرت وأخفقت، وعندما جاء دور هالة الجالسة بجوارى تطلع إليها الأستاذ بحنان وقال:
أزيك يا هالة؟!.. سلمى لى على بابا كتير.
ثم أمرنا بالانصراف. خرجت من اللجنة وأنا أحس بالمهانة والظلم لأننى اجتزت امتحانا صعبا، بينما هالة لم يوجه إليها الأستاذ سؤالا واحدا. ظهرت النتيجة فحصلت أنا وهالة فى علم وظائف الأعضاء على تقدير ممتاز، أنا لأننى أحسنت الإجابة فى الامتحان، وهى لأنها نقلت تحيات الأستاذ الممتحن إلى والدها.
أما الواقعة الأخرى فقد حدثت بعد ذلك بأعوام فى جامعة الينوى، حيث كنت أدرس للحصول على درجة الماجستير. فقد كانت أستاذة الإحصاء سيدة أمريكية بيضاء عنصرية تكره العرب والمسلمين وبالرغم من أننى أديت الامتحان النهائى بدون خطأ واحد، فإننى فوجئت بأنها أعطتنى تقدير جيد جدا وليس تقدير ممتاز الذى أستحقه. شكوت ما حدث إلى زميلة أمريكية فنصحتنى بقراءة لائحة الجامعة ومقابلة الأستاذة.
قرأت اللائحة فوجدت من حق الطالب إذا أحس بأنه مظلوم فى اختبار ما أن يتقدم بشكوى ضد أستاذه وفى هذه الحالة فإن إدارة الجامعة تعين مجموعة من الأساتذة الخارجين لإعادة تصحيح الامتحان، فإذا كان الطالب مخطئا فى شكواه فإن الجامعة لا تتخذ ضده أى إجراء (والغرض من ذلك عدم تخويف الطلبة من تقديم الشكاوى)، أما إذا كان الطالب محقا فى شكواه فإن النتيجة تتغير فورا ويتم توجيه إنذار رسمى إلى الأستاذ الظالم مع العلم بأن ثلاثة إنذارات توجه إلى أى أستاذ تؤدى إلى فسخ عقده فورا.
ذهبت لمقابلة الأستاذة المتعصبة ولما ناقشتها تأكد لى أنها ظلمتنى فقلت لها بهدوء:
طبقا للائحة الجامعة فأنا أستأذنك فى تصوير ورقة الإجابة لأننى سأتقدم بشكوى ضدك. كان لهذه الجملة مفعول السحر، حيث صمتت الأستاذة لحظات ثم قالت إنها تحتاج إلى مراجعة الورقة مرة أخرى بعناية. ولما عدت إليها آخر النهار كما طلبت أخبرتنى السكرتيرة بأن الأستاذة عدلت تقديرى إلى ممتاز.
فكرت طويلا بعد ذلك فى مغزى هاتين الواقعتين. فالأستاذة الأمريكية المتعصبة ظالمة تماما مثل الأستاذ المصرى، لكنها فشلت فى ممارسة الظلم لأن القانون فى جامعة الينوى يراقب حقوق الطلاب ويعاقب من يجور عليهم مهما يكن منصبه. أما القانون فى جامعة القاهرة فهو يمنح للأستاذ سلطات نهائية على الطلاب تجعله يفعل فيهم ما يشاء بغير حساب.
ان الذى يحقق العدل فى أى مجتمع هو القانون الذى يطبق على الكبير قبل الصغير. ما حدث معى فى جامعة القاهرة يحدث فى مصر كلها. كثير من الناس يأخذون ما لا يستحقونه نتيجة لعلاقاتهم أو قدرتهم على دفع الرشاوى أو تزكيتهم من أجهزة الأمن أو الحزب الحاكم.
غالبية المصريين يعيشون فى ظروف غير إنسانية. فقر ومرض وبطالة ويأس كامل من المستقبل. القانون فى مصر يطبق غالبا فقط على الضعفاء الذين لا يستطيعون الإفلات منه وتعطيله. الموظف الصغير الذى يضبط وهو يتلقى رشوة بمئات الجنيهات يحاكم ويلقى به فى السجن، أما الكبير الذى يقبض عمولات بالملايين فلا أحد يقترب منه. فى ظل هذا الظلم العام لا يمكن أن نكتفى بدعوة الناس إلى مكارم الأخلاق بدون تغيير النظام الفاسد الذى يدفعهم إلى الانحراف. منذ أعوام استضافنى برنامج تليفزيونى شهير فى قناة حكومية لمناقشة ظاهرة الرشوة فى مصر. فوجئت بالمذيع يقدم الرشوة باعتبارها انحرافا أخلاقيا بحتا سببه الوحيد ضعف الضمير وقلة الإيمان. قلت للمذيع إن ما يقوله صحيح لكنه لا يكفى لتفسير الرشوة التى لا يمكن دراستها بدون مناقشة مستوى الأجور والأسعار فاعترض بشدة وأنهى الحوار قبل الوقت المحدد.
والحق أن ما فعله المذيع يفعله المسئولون فى الدولة جميعا فهم يقدمون الأخلاق باعتبارها شيئا ثابتا منفصلا تماما عن الظروف الاجتماعية والسياسية وهم غالبا ما يرجعون المحنة التى تمر بها مصر إلى سوء أخلاق المصريين أنفسهم ولعلنا نفهم الآن لماذا يتهم الرئيس مبارك المصريين دائما بالكسل وقلة الإنتاج.. هذا المنطق يتجاهل أن الإنتاج فى أى دولة يستلزم أولا توفير تعليم جيد وفرص عمل متكافئة ورواتب تحقق الحياة الكريمة للناس.
وكل هذه مهام فشل نظام الرئيس مبارك تماما فى تحقيقها للمصريين. فى نفس السياق نستطيع أن نفهم ما فعله وزير التعليم أحمد زكى بدر (وهو صاحب سجل أسود عندما كان رئيسا لجامعة عين شمس فاستعان بالبلطجية ليضربوا بالأسلحة البيضاء الطلبة المتظاهرين داخل حرم الجامعة) لقد ذهب الوزير بدر فى صحبة الصحفيين وكاميرات التليفزيون فى زيارات مفاجئة للمدارس وراح ينكل بالمدرسين الذين تغيبوا أو تأخروا عن الحضور ثم ظهر فى وسائل الإعلام يدعو المدرسين إلى فضيلة الانضباط.
كأنما هناك مدرسون طيبون خلقهم الله منضبطين ومدرسون آخرون أشرار ومنفلتون بطبيعتهم لابد من عقابهم بشدة حتى يتعلموا الانضباط.. هذا المنطق المغلوط يتجاهل حقيقة أن مدارس الحكومة بلا أدوات ولا أجهزة تعليم ولا معامل وأن المدرسين يقبضون رواتب هزيلة تجعلهم متسولين مما يدفعهم إلى إعطاء الدروس الخصوصية أو البحث عن عمل إضافى حتى يتمكنوا من إعالة أولادهم. كل هذا لا يريد الوزير أن يراه أو يسمعه لأنه سيرتب عليه واجب الإصلاح الحقيقى وهو عاجز عنه.
انه فقط يدعونا إلى مكارم الأخلاق بمعزل عن أى اعتبار آخر. نفس المنطق يتبناه وزير الصحة حاتم الجبلى، الذى بالإضافة لكونه واحدا من عمالقة الاستثمار الطبى فى مصر، المسئول الأول عن تدهور المستشفيات العامة لدرجة تحولت معها وظيفتها بدلا من علاج الفقراء ورعايتهم إلى الإجهاز عليهم وإرسالهم إلى العالم الآخر.
فى وسط هذا الحضيض يقوم وزير الصحة، بصحبة الصحفيين والكاميرات دائما، بزيارات مفاجئة للمستشفيات العامة لتتصدر صورته الصفحات الأولى للصحف وهو يعاقب الأطباء المتأخرين عن موعدهم ويلقى عليهم محاضرة عن رسالة الطبيب الإنسانية.
وهو بالطبع يتجاهل أن هذه المستشفيات تفتقر فى عهده السعيد إلى أبسط إمكانات العلاج وأن الفئران والحشرات المختلفة تمرح فى أرجائها وأن هؤلاء الأطباء البؤساء لا يجدون ما ينفقون به على أولادهم وأنهم يعملون ليل نهار فى عيادات خاصة ليكسبوا فى شهر كامل ما تدره على سيادة الوزير مستشفياته الخاصة فى دقائق.
إن الدعوة إلى إصلاح الأخلاق بمعزل عن الإصلاح السياسى، بالإضافة إلى سذاجتها وعدم جدواها، تؤدى إلى تشويش الوعى وشغل الذهن عن الأسباب الحقيقية للتدهور. لا يمكن أن نطالب المواطنين بأداء واجباتهم وهم محرومون من أبسط الحقوق. لا يجوز أن نحاسب الناس قبل أن نوفر لهم الحد الأدنى من العدالة. أنا لا أبرر الانحراف وأعلم أن هناك دائما فئة ممتازة من الناس تظل عصية على الانحراف مهما ساءت الظروف لكن معظم الناس تتأثر أخلاقهم بالنظام الذى يحكمهم.
إن إحساس الإنسان بالعدالة يخرج أفضل ما فيه من صفات إنسانية وبالمقابل فإن إحساسه بالظلم واليأس غالبا ما يدفعانه إلى الانحراف والعدوان على الآخرين. مهما تكن بلاغة المواعظ التى نلقيها فإننا لن نقضى أبدا على الدعارة إلا إذا قضينا على الفقر ولن نتخلص أبدا من النفاق والرشوة والفساد قبل أن نقيم نظاما عادلا يعطى لكل إنسان حقه ويعاقب المسىء مهما يكن موقعه ونفوذه. الإصلاح السياسى هو الخطوة الأولى للتقدم وكل ما عدا هذا مضيعة للوقت والجهد.
الديمقراطية هى الحل


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.