محمد الشلالدة: نطالب المحكمة الجنائية الدولية بالإسراع فى التحقيق وإصدار مذكرات توقيف بحق قادة الاحتلال أثار حكم محكمة العدل الدولية ومقرها لاهاى، الجمعة الماضية، بتدابير مؤقتة ضد إسرائيل، فى الدعوى التى رفعتها جنوب إفريقيا، وتتهم فيها تل أبيب بارتكاب إبادة جماعية بحق الفلسطينيين، تساؤلات بشأن تبعات القرار على الصعيد القانونى، وتأثيره الميدانى فى مجريات حرب غزة التى تقترب من دخول شهرها الخامس. فى حوار خاص مع «الشروق» أكد وزير العدل الفلسطينى محمد الشلالدة، أن الحكم الصادر عن أعلى محكمة فى الأممالمتحدة، يحمل أهمية قانونية كبيرة جدا تؤسس لمرحلة جديدة، معتبرا أن الحكم بمثابة خطوة أولية ليس فقط لمساءلة إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية، وإنما ملاحقتها أمام القضاء الجنائى الدولى ممثلا فى «الجنائية الدولية». وطالب الوزير الفلسطينى، المدعى العام للمحكمة الجنائية الدولية بالإسراع فى التحقيق الفورى وإصدار مذكرات توقيف وقبض بحق القادة الإسرائيليين. وأمرت محكمة العدل الدولية إسرائيل، الجمعة، باتخاذ كل ما فى وسعها من إجراءات لمنع قواتها من ارتكاب أعمال إبادة جماعية وفرض إجراءات عقابية على أعمال التحريض واتخاذ خطوات لتحسين الوضع الإنسانى فى الوقت الذى تشن فيه حربا على قطاع غزة. ويجتمع مجلس الأمن الدولى، اليوم الأربعاء، للنظر فى قرار محكمة العدل الدولية الذى دعا إسرائيل الجمعة، إلى منع أى عمل «إبادة جماعية» محتمل فى قطاع غزة. إلى نص الحوار: * ما الأهمية القانونية لحكم محكمة العدل الدولية وهل يؤسس لمرحلة جديدة فى وقف العدوان وملاحقة إسرائيل؟ حكم محكمة العدل الدولية باتخاذ تدابير مؤقتة حول الطلبات التى تقدمت بها دولة جنوب إفريقيا باتهام إسرائيل بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، يتمتع بقيمة قانونية مهمة جدا فى القانون الدولى؛ لأنه يرتب آثارا قانونية على السلطة القائمة بالاحتلال. فهذه التدابير المؤقتة تؤسس لمرحلة لاحقة، وهى النظر فى القضية الأصلية بتحميل إسرائيل المسئولية القانونية الدولية عن ارتكابها جريمة الإبادة الجماعية؛ لذا يمكن البناء على هذه التدابير من حيث المبدأ بأن يصدر حكما قضائيا فيما بعد بتحميل تل أبيب المسئولية القانونية الدولية وجبر الضرر والتعويض للشعب الفلسطينى. ونؤكد أن الدعوى المرفوعة أمام محكمة العدل الدولية ليست لصالح الشعب الفلسطينى فقط، بل لصالح شعوب العالم التى تناضل من أجل الحرية والاستقلال وحق تقرير المصير. * الحكم لم يتضمن ضمن التدابير المؤقتة المطالبة بوقف إطلاق النار ووجوب تعليق العمليات العسكرية فورا؟ محكمة العدل الدولية لبت تقريبا جميع الطلبات المقدمة من قبل دولة جنوب إفريقيا، باستثناء الطلب حول وجوب إسرائيل بتعليق عملياتها العسكرية على الفور، لكن هذا البند ليس من صلاحيات محكمة العدل الدولية، ووقف إطلاق النار بالنسبة لإسرائيل هو تعليق وليس إنهاء الحرب. لكننا نرى أن التدابير المؤقتة التى اتخذتها المحكمة يمكن البناء عليها عبر دعوة مجلس الأمن بالاستناد إلى التدابير المؤقتة، بأن يقوم كصاحب الصلاحية اللازمة بإصدار القرارات وليس التوصيات بوقف الحرب العدوانية على قطاع غزة. * هل سيكون للحكم تأثير على الصعيد الميدانى فى مجريات الحرب الدائرة ورفع المعاناة عن الشعب الفلسطينى؟ هذا الحكم بالتدابير المؤقتة له أهمية كبيرة ستنسحب على الشعب الفلسطينى فى قطاع غزة، حيث إنه يحمل بنودا مهمة جدا، بخاصة وأن الطلبات كانت اتخاذ جميع التدابير لمنع أى أعمال يمكن اعتبارها إبادة، وهذا بند مهم، يضمن عدم قيام الجيش الإسرائيلى بأية أعمال إبادة. وكل ذلك يصب فى خانة وقف العمليات العسكرية التى تؤدى إلى جريمة الإبادة الجماعية، وكذلك منع ومعاقبة أى تصريحات أو تعليقات عامة يمكن أن تحرض على ارتكاب الإبادة. وهذا من خلال مرافعة جنوب إفريقيا التى اتهمت إسرائيل بالاستمرار بارتكاب جريمة الإبادة. وهناك نقطة أخرى، وهى اتخاذ جميع الإجراءات التى من شأنها ضمان وصول المساعدات الإنسانية، وهو أمر ملزم لإسرائيل، وعدم التخلص أيضا من أى دليل يمكن أن يستخدم فى القضية المرفوعة، بمعنى السماح بعمل لجان تقصى الحقائق، أو لجان التحقيق، وعدم إخفاء أى أدلة تثبت ارتكاب إسرائيل لجريمة الإبادة، وخلال شهر ستقدم إسرائيل تقريرا عن مدى التزامها وتطبيقها لهذه التدابير المؤقتة. من هنا فإن هذه التدابير لها قيمة قانونية ويمكن البناء عليها، حيث إنه استنادا للمادة 8 من اتفاقية الإبادة الجماعية؛ يمكن مطالبة مجلس الأمن بتوفير الحماية القانونية، التى أشارت لها محكمة العدل الدولية. كما أن هذه التدابير تمثل خطوة أولية ليس فقط لمساءلة إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية، وإنما ملاحقتها أمام القضاء الجنائى الدولى ممثلا فى المحكمة الجنائية الدولية. * كيف ترى تصريحات رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو على قرار المحكمة والذى قال فيها إن إسرائيل ملتزمة بمواصلة الدفاع عن نفسها؟ أعتبرها تصريحات سياسية فقط، ليس لها أساس فى القانون الدولى، ولا يعتد بها فى محكمة العدل الدولية. فإسرائيل تستند فى مرافعتها القانونية إلى نص المادة 51 من ميثاق الأممالمتحدة، بحق الدفاع الشرعى. لكن لا يجوز هنا التذرع بحق الدفاع الشرعى، فى مواجهة حركات المقاومة الفلسطينية التى تستخدم القوة المسلحة بهدف الوصول لحقها فى تقرير مصيرها. * وهل ترى أن التدابير المؤقتة بتعليق العمليات العسكرية لاحقا ستنسحب على حركات المقاومة المسلحة التى تعمل على تحرير الأرض؟ بالنسبة للتدابير المؤقتة لمحكمة العدل الدولية حول تعليق العمليات العسكرية، أقول إن هذا الوضع هو من صلاحيات مجلس الأمن، لكنه لا ينسحب على حركات المقاومة؛ لأن لها أحقية الدفاع عن نفسها بكل الوسائل من أجل حقها فى تقرير المصير. * ما أبرز تحركات السلطة الفلسطينية لوقف العدوان على غزة وملاحقة إسرائيل أمام المحاكم الدولية؟ دولة فلسطين ومنظمة التحرير بقيادة الرئيس محمود عباس، وضعت منذ بدء الحرب على قطاع غزة 3 أولويات، الأولى تتمثل فى وقف العدوان ضد الشعب الفلسطينى فى قطاع غزة وفى الأرض الفلسطينيةالمحتلة، والثانية؛ منع التهجير القسرى، أما الأولوية الثالثة فهى وصول الامدادات الغذائية والطبية والإنسانية إلى قطاع غزة. ونحن كدولة منضمة إلى النظام الأساسى للمحكمة الجنائية الدولية، أحلنا العديد من القضايا أمام المحكمة، للجرائم المرتكبة فى قطاع غزة، إضافة إلى مد المدعى العام للمحكمة الجنائية الدولية بكل البيانات والأدلة الجنائية للتحقيق الفورى فى هذه الجرائم؛ وبالتالى نحن سنلاحق إسرائيل ليس فقط أمام الجنائية الدولية، وإنما أمام القضاء الجنائى الدولى، أو ما يعرف بالولاية القضائية العالمية، وأمام القضاء الإقليمى، وأمام القضاء الوطنى فى دول العالم. وهذه التحركات لأننا ندرك أن انعدام الملاحقة للسلطة القائمة بالاحتلال يشجع هذه الدولة على ارتكاب مزيد من الجرائم بحق الشعب الفلسطينى. * ما الدور المطلوب من الدول العربية والإسلامية بعد حكم العدل الدولية؟ ندعو الدول العربية إلى التدخل فى الدعوى الدولية المرفوعة من جنوب إفريقيا بتقديم مرافعات قانونية. كما ندعو الدول العربية والإسلامية أن تعترف بمبدأ الاختصاص القضائى العالمى حتى نستطيع ملاحقة ومساءلة مجرمى ومقترفى جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية وجرائم الإبادة الجماعية أمام أى قضاء وطنى؛ لأن هذا ينسجم مع نص المادة 146 من اتفاقية جنيف الرابعة وغالبية دول العالم منضمة ومصدقة على الاتفاقية. * كيف ترون خطوة المكسيك وتشيلى بالتقدم إلى المحكمة الجنائية الدولية للتحقيق بشأن جرائم العدوان الإسرائيلى على غزة؟ وهل تتوقع أن تصدر المحكمة مذكرة اعتقال ضد رئيس وزراء إسرائيل وقادة الاحتلال؟ الخطوة مهمة من الناحية القانونية والسياسية، ونحن كشعب وحكومة فلسطينية نرحب بها وندعو الدول العربية والاسلامية بأن تحذو حذو المكسيك وتشيلى بالتقدم بطلبات تحقيق فى الجرائم المرتكبة بحق الشعب الفلسطينى، أمام المحكمة الجنائية الدولية. وهنا نطالب المدعى العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان، بأن يسرع بالتحقيق الفورى ويصدر مذكرات توقيف وقبض بحق القادة الإسرائيليين لمثولهم أمام المحكمة الجنائية الدولية من أجل مساءلاتهم وملاحقتهم أمام القضاء الجنائى الدولى، لاسيما بعد أن ثبت أن هناك تصريحات من قادة إسرائيل بالاستمرار بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية وجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب، كانت دولة جنوب افريقيا قد تقدمت بها فى مرافعتها القانونية أمام العدل الدولية. * قبل أيام اقترحت إسرائيل مغادرة كبار قادة حماس قطاع غزة فى إطار اتفاق أوسع لوقف إطلاق النار فى القطاع.. كيف ترى هذا المقترح؟ من وجهة نظر القانون الدولى فهذه جريمة؛ استنادا لنص المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة والنظام الأساسى لمحكمة للمحكمة الجنائية الدولية، وبالتالى هذا مرفوض حيث إنه لا يجوز الترحيل لأى فرد أو مواطن من دولة فلسطين؛ لأن هذا يتناقض مع اتفاقية جنيف، ومع مبادئ وقواعد القانون الدولى والقانون الدولى الإنسانى. وهنا نؤكد أننا صامدون على هذه الأرض، ونملك أحقية المقاومة بكل الوسائل السلمية وغير السلمية وحق المقاومة مكفول للشعب الفلسطينى وللشعوب المحتلة. * هل السلطة الفلسطينية جاهزة لتشكيل حكومة توافق وطنى فى قطاع غزة والتحضير لانتخابات عامة؟ السلطة جاهزة لتشكيل أى حكومة وحدة وطنية وهذا ينسجم مع توجيهات الرئيس محمود عباس، والقيادة الوطنية الفلسطينية، ومنظمة التحرير الفلسطينية، ونحن جاهزون لإجراء انتخابات عامة تشريعية ورئاسية، ولكن على أسس وقواعد ومبادئ القانون الدولى، ولا يجوز للسلطة القائمة بالاحتلال أن تمنع ذلك. * منذ بدء العدوان الإسرائيلى على غزة تبذل مصر جهودا كبيرة لوقف العدوان ومنع التهجير القسرى.. كيف ترى هذا الدور؟ نحن نثمن عاليا الموقف المصرى بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسى، نحو حماية الشعب الفلسطينى، والمطالبة بالوقف الفورى للحرب، والعمل على وصول المساعدات الإنسانية والإغاثية، وحق الشعب الفلسطينى فى تقرير المصير وإقامة الدولة المستقلة وفقا لقرارات الشرعية الدولية.