يتعرض أى حديث عن «التغيير» فى مصر لقدر كبير من سوء الفهم وسوء القصد، يصل أحيانا إلى درجة تجعل الدعوة للتغيير جريمة سياسية يهاجمها إعلام الدولة، وتترصدها أجهزة الأمن قبل أن تستفحل، مخافة أن يصبح التغيير حقيقة واقعة، ومن منطلق هذا الفهم القاصر طالب أعضاء فى الحزب الحاكم باطلاق النار على المظاهرات الاحتجاجية. ومن طبائع الأمور أن تسعى المجتمعات إلى «التغيير» باعتباره وسيلة التقدم، فى مصر يتسم بسرعة الحركة والتطور المتلاحق فى شتى العلوم والفنون وأساليب الحياة العصرية، وتعتمد المجتمعات المتقدمة فى ذلك على آليات وأدوات باتت مستقرة، تقوم على إجراء انتخابات نزيهة تكفل تداول السلطة بين أحزاب سياسية لاتوضع قيود عليها، وعلى ضمانات تكفل حرية الرأى والتعبير، وعلى نظام مستقر للعدالة واحترام القانون لايقبل التحايل. وقد أضحت كل هذه القواعد بديهيات لا تقبل المساومة كمعيار لأى حياة سياسية ديمقراطية سليمة. ولكن المشكلة فى مصر أننا مازلنا نختلف حول معنى «التغيير» وآلياته، وقد تعاقبت على مصر مراحل مختلفة من استبداد يفضى إلى ثورة، ومن ثورة تفضى إلى حالة من السكون والاستسلام، وباستثناء ثورة 19 التى أفضت إلى تشكيل حزب الوفد الذى ظل نواة للحياة السياسية عدة عقود حتى ثورة يوليو، لم تتوافر عوامل سياسية تساعد على إنشاء أحزاب قوية. بل ظلت عملية «التغيير» عملية فوقية، تمارسها النخب الممسكة بزمام السلطة من العسكريين أو من تحالف البيروقراطية والثروة ولم تفرز الحياة السياسية غير أحزاب هلامية تابعة للسلطة كما كان الحال فى النظم الشيوعية. ولكن التغيير، كما تعنيه الممارسة الديمقراطية الحقيقية، لايعنى الانقلاب على السلطة أو تغيير الاشخاص والقيادات، ولكنه يعنى تطبيق الآليات الديمقراطية بطريقة سليمة تكفل إحداث التغيير فى البنى السياسية والأجهزة التنفيذية، ولن يتأتى ذلك فى الحالة المصرية إلا بتعديل الدستور وضمان حق الانتخاب وحق الترشح لجميع المصريين بنزاهة كاملة.. إلى آخر ما يطالب به دعاة التغيير من أنصار البرادعى وقوى المعارضة. وبعبارة أخرى ليس مطلوبا فى اللحظة الراهنة كما يدعى البعض أن يعلن البرادعى برنامجا سياسيا واجتماعيا واقتصاديا شاملا يعالج مختلف القضايا الداخلية والخارجية. وليس من حق أحد أن يحاسبه على آراء مجتزأة فى مناسبات عابرة مثل مشكلة غزة والمعابر أو إلغاء نسبة العمال والفلاحين أو غيرها، فالأمر المنطقى أن إعلان البرامج يأتى بعد تشكيل الأحزاب، نتيجة التشاور والتوافق بين مجموعة متقاربة الميول والآراء، وليس بناء على رأى زعيم أوحد يملى مواقفه دون مناقشة، والاقرب للمنطق أن نطالب هذه الحركات إما بتشكيل حزب مستقل أو الانضمام إلى أحزاب أخرى، شريطة ألا توضع العراقيل فى طريقها. وقد نشأت معظم أحزاب الخضر فى أوروبا بعد الحرب بهذه الطريقة، نتيجة حركات الاحتجاج الطلابية، وأنصار الدفاع عن البيئة وحقوق الإنسان، ومناهضة خطر الانتشار النووى والتهديد بالحروب، وتجمعت هذه الحركات تحت لواء أحزاب سياسية خاضت الانتخابات البرلمانية وشاركت فى تشكيل الحكومات وتنفيذ سياسات غيرت كثيرا من ملامح الحياة فى أوروبا. فلو أننا تعاملنا مع ظاهرة البرادعى والدعوة للتغيير بهذا المفهوم وليس بمفهوم المقاطعة السائد الذى يرى فيها افتئاتا على الحزب الحاكم وقياداته الجالسة والواقفة فى انتظار التوريث أو ما يعقبه، لأثرينا الحياة السياسية فى مصر وأضفنا إليها عوامل التجديد والتحديث التى نطمح إليها.