لغة سلسة وتوصيفات محببة للقارئ، استخدمها الكاتب والروائى الكبير نعيم صبرى فى أحدث إصداراته عن دار الشروق، رواية «الحى السابع»، والتى تتألف من 8 فصول ترشد القارئ بخفة إلى قدر كبير وهائل من التغيُّرات الاجتماعية والسياسية فى مصر خلال فترة الثمانينيات، عبر مقاربة يقدمها سكان عمارة فى الحى السابع بمدينة نصر، التى يسكنها شرائح مختلفة من المجتمع المصرى. يقدم الكاتب نعيم صبرى إلى قرائه حالة من تكامل حلقات الإبداع بين عمل سابق له وعمل آخر حديث، الأمر الذى يظهر جليا على غلاف الرواية للمصمم الفنان محمود عبده، والذى يصور «عمارتين» وما بينهما من حبل مشدود يتأرجح عليه أحد أبطال الرواية، الأمر الذى يترجمه نعيم صبرى حيث يضع رواية «الحى السابع» من خلال عمارة «مدينة نصر» فى السبعينيات والثمانينيات، فى مقابل رواية «شبرا» من خلال عمارة «شارع الزهور» فى الخمسينيات والستينيات. حالة التواصل التى يشعر بها القارئ ما بين عمل قديم وآخر حديث، لهما روح واحدة، ومنظور يتكامل مع بعضه البعض ليشكل بانوراما للمجتمع المصرى وما حدثَ فيه من تحوُّلات درامية، فى النصف الثانى من القرن العشرين، فقد حرص الكاتب نعيم صبرى على وضع مجموعة من الفصول ذات الترتيب الدال فى رواية «الحى السابع»، لتكون: سفر التكوين، سفر العودة، سفر الفجيعة، سفر التأسيس، سفر الأقدار، سفر التوازن، سفر السقوط، سفر التيه. حرص الكاتب الكبير نعيم صبرى على الابتعاد عن كل ما من شأنه إقحام المط والتطويل على المعانى المراد توصيلها إلى القارئ، ويمضى لكى يضع أمامه كافة المقدمات والنتائج التى أفضت بالمصريين إلى حالهم على مدار عقود طويلة وهامة فى تاريخهم، كما أنه يبتعد عن التقعير فى اللغة ولا يستهدف إدخال القارئ فى المتاهات، رغم جدية ما يطرحه، لذا فإنه يستعين على ذلك بلغة رشيقة، تناسب تماما الأجواء التى يتحدث عنها، وهو ما نجده فى المقتطف التالى: «ما صلة ذلك بالانفتاح الذى يتحدث عنه الناس جميعًا؟ غياب الواحد خمس سنوات فقط يجعله يعجز عن فهم ما يحدث فى بلده الذى ولد ونشأ به؟ سوق حرة فى بورسعيد وانفتاح اقتصادى.. المفروض إنه تبقى الأشيا معدن».. يتغرب الواحد ويتحمل الرذالة والمتاعب ومناورات الغربة من المصريين والعرب ثم يرجع فقط باحتمال أن يتمكن من الحصول على شقة تمليك، يؤثثها ليعيش فيها.. وفى أحسن الأحوال قد يتبقى بين يديه ملاليم لا تصلح لشىء ذى بال.. لا هى تؤمن المستقبل ولا هى تكفى لبدء عمل حر.. من بقى فى مصر ووفق فى عمل حر أصبح أفضل حالا.. قد يكون محظوظا ولحق بقطار الانفتاح». يبرع الكاتب نعيم صبرى فى أن يضع فى صدارة أولويات القارئ منذ البداية، مجموعة من الشخصيات المرسومة بعناية، والتى تعبر تماما عن حيثيات تلك الفترة المميزة فى تاريخ المصريين، حيث صعود المحاسب والطبيب والمهندس وتاجر العُملة بالسوق السوداء وغيرهم، لتتشابك أقدارهم وتتفاوت منحنيات الصعود والهبوط حول مشاعرهم وأفكارهم وقراراتهم التى لن يكون صداها مقتصرا على ذواتهم المنفردة، وإنما على عموم المجتمع وتركيبته ومصيره. عبر استخدام محسوب لمعطيات الواقع داخل إطار كبير من الخيال والأحداث المشوقة بين الأبطال فى العمل الروائى، يضع الروائى نعيم صبرى يدَہ على تلك التغيُّرات الجذرية التى حدثت، بما تشمله من تغيُّر فى الهوية، ونشوء أفكار متطرفة تطيح بالآخَر ولا تقبله، وما نتج عنها من تصدُّع فى العلاقات الاجتماعية بين الجيران والأهل والإخوة. ويستخدم الكاتب نعيم صبرى الأحاديث بين الأبطال، وبوح كل منهم بما يجول فى عقله وقلبه ليضع أمامنا آثار محنة هزيمة يونيو 1967، والأزمة الاقتصادية الطاحنة التى انهكت الجميع، خرج الملايين من المصريين إلى البلاد العربية طلبًا للرزق، وعندما عادوا بعد الاغتراب واجَهتهم صدمة من التغيُّرات الاجتماعية والاقتصادية والإنسانية التى حدثت فى المجتمع الذى وُلِدُوا فيه وألِفوه. تجدر الإشارة إلى أن نعيم صبرى روائى وشاعر. تخرج فى كلية الهندسة بجامعة القاهرة عام 1968، بدأ مسيرته الأدبية بكتابة الشعر وأصدر ديوانى شعر عام 1988؛ «يوميات طابع بريد عام» و«تأملات فى الأحوال». اتَّجه بعد ذلك إلى المسرح ثم بدأ كتاباته النثرية بكتاب عن سيرة طفولته بعنوان «يوميات طفل قديم». صدر له سيرة طفولة ومسرحيتان شعريتان وثلاثة دواوين شعر بالإضافة إلى 16 رواية؛ منها «شبرا»، «المهرج»، «وتظل تحلم إيزيس»، «دوامات الحنين»، و«صافينى مرة».