منذ انتشر استخدام الهاتف المحمول فى مصر، وأصبح خلال سنوات قليلة مستقرا فى كل كف، وملتصقا بكل أُذن.. ونحن جميعا نعانى متاعب نفسية وعصبية نتيجة استباحة أكثر الناس استخدام هذا «العفريت الصغير» فى اقتحام خصوصيتنا والاعتداء المتواصل على حقنا الإنسانى والدستورى فى ألا يقتحم علينا أحدٌ كائنا من كان أوقات راحتنا أو نومنا أو عملنا أو حقنا فى تناول طعامنا فى هدوء، أو التفرغ لقضاء مصالحنا الأسرية والمعيشية، حتى وصل كثير منا إلى طريق مسدود فى التعامل مع هذه الآلة الغريبة التى لم نعد نطيقها، ومع ذلك لا نطيق فراقها، وصرنا فى أحيان كثيرة نحدث أنفسنا بالخلاص من هذا الهاتف الذى لا يعرف الاستئذان قبل الدخول المفاجئ بأن نلقيه ونطوِّح به بعيدا حتى نستريح ولو إلى حين من عذابه، وإما أن نبقيه مغلقا «غير متاح» للزائرين كما يقول الصوت الرقيق المسجل عليه.. ومع ذلك فإن المعتدى الأثيم لا يلبث أن يستجيب لصاحبة الصوت الرقيق فيعاود الاتصال فى فرصة أخرى مرة بعد مرة.. بعد مرة فى محاولات متلاحقة ومتقاربة يثير مجرد الإطلاع عليها غضبا مكتوما ودهشة كبيرة حين يتمكن صاحب المحاولة من اختراق أسوارنا والتمكن من آذاننا، فإذا بالمحادثة غير ذات موضوع ولا عجلة مطلقا فى إتمامها تفسر أو تبرر هذه الملاحقة التى تثير الأعصاب وترفع ضغط الدم وتفسد المزاج كله.. ورغم هذا العذاب الذى يعيش فيه حملة هذا المحمول، فإن أيا من شركات الاتصال لم تفكر فى تقديم نصيحة أو إرشاد أو تضع بيننا وبين الطالبين ميثاق شرف نتفق جميعا فى ظله على عدد من الضوابط و»الآداب» تريح جميع الأطراف مرسلين ومستقبلين وتحمى من كُتِب عليهم أن يشاركوا فى استقبال «جميع الرنات» فى جميع الأوقات. لذلك خطر ببالى أن أنوب عن جمهور «المعذبين بالمحمول» وأن أضع بين أيديهم مشروعا متواضعا يتضمن أهم عناصر هذا الميثاق أو الدليل.. وذلك بإدراج النصائح التالية الموجهة إلى الطالبين المرسلين: أولا: لا تحاول الاتصال بأحد «الضحايا المطلوبين» قبل الثامنة صباحا ولا بعد الحادية عشرة مساء إلا إذا كانت هناك حالة «قوة قاهرة» أو كان هناك طارئ خطير لا تحتمل مواجهتُه الانتظار. ثانيا : تجنب الاتصال بين الثالثة والنصف والسادسة مساء فهذا عند أكثر الناس وقت الراحة من وعثاء العمل وعذاب المواصلات ومتاعب التعامل مع أحدٍ من أصحاب الهموم والشكاوى التى لا تنتهى خلال النصف الأول من النهار. ثالثا: اجعل مكالمتك قصيرة كأنها «تلغراف» وتذكَّر دائما أن المحمول ليس بديلا عن الزيارة الطويلة التى تسعى بها إلى تسلية نفسك أو محدثك أو قتل فراغه وفراغك، وتذكر قبل هذا أن وقت فراغك قد يكون وقت عمله أو انشغاله بأمور تحول بينه أصلا وبين أى وقت للفراغ. رابعا: حذار أن تبدأ الحديث مع صاحب الرقم المطلوب إلا بعد أن تقول فى نبرة اعتذار واستئذان: «هل هذا الوقت مناسب للحديث معك.. أم أعاود الاتصال بك فى وقت آخر تحدده لى ؟».. وسوف تلاحظ على الفور أن محدثك قد داخله سرور كبير من مبادرتك إلى هذا الاستئذان.. واذكر أن حرمة الحق فى الخصوصية تمتد من اقتحام المسكن إلى اقتحام أوقات الناس، وأن الاتصال الهاتفى صورة من صور دخول البيوت ويحكمها قول الله تعالى: «يأيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها» إلى قوله «وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم». خامسا: لا تحاول استخدام المحمول وأنت تستطيع استخدام الهاتف الثابت، لأن الهاتف الثابت مقيم فى مكانه من منزل صاحبه أو مكتبه أو مكان عمله، أما المحمول فهو كما يسمى فى بعض بلادنا العربية «نقَّال» أو «جوَّال» يتبع صاحبه من مكان إلى مكان، ومن المستحيل أن تعرف مقدما مكان المحمول وصاحبه حين تقتحم عليه حواجز الزمان والمكان.. سادسا: لا تحاول استخدام محمولك فى اجتماع عام أيا كانت مناسبته، ولا فى حفلة صاخبة لا تسمع فيها الأصوات أو حفل عرسٍ أو سرادق عزاء.. فذلك كله غير جائز ولا مقبول، وهو مسلك يكشف عن نقص اجتماعى كبير، وسوء تقدير بالغ للأمور. وتجنب تماما أن يكون اللحن أو العبارة أو «الرنة» التى يعلن بها محمولك وصول المكالمة إلى بابك صوتا صاخبا أو أغنية هابطة الكلمات أو دعاء دينيا قد يتردد فى غير الموقع أو المكان الصحيح اللائق به.. إن السلوك القائم وراء هذه الأمور يكشف عن فساد فى الذوق وسوء فى التصرف والتقدير.. وهو سلوك منتشر مع الأسف الشديد بين كثير من مستخدمى المحمول. هذه إرشادات قابلة للإضافة، وليت أصحاب شركات المحمول الثلاث تخرج عن صمتها وتمنع عدوان البعض على البعض بهذا السلاح الخفيف من «أسلحة الدمار العصبى والنفسى الشامل»، ولقد بلغ بأحد ضحايا هذا العدوان «التليفونى» أن سمعته يرفع صوته فى أحد الاجتماعات داعيا الله سبحانه أن يلعن «جراهام بيل» الذى اخترع أول هاتف ثابت الذى هو بمثابة الجد الأكبر للهاتف المحمول. وليت وزارة الاتصالات ومن بعدها أصحاب شركات المحمول جميعا ومن ورائهم منظمات حقوق الإنسان، ليتهم جميعا يأخذون هذا الأمر مأخذ الجد وينشرون على الناس بعد التشاور معهم لائحة موجزة أو بيانا يتضمن عناصر هذا الدليل المقترح بحيث يقدم عند طلب الحصول على الترخيص باستخدام الجهاز، وبحيث يوقع طالب الترخيص على تعهد كتابى بالالتزام بأحكامه التى تمثل بعد هذا التوقيع اتفاقا على موضوعه يتعرض مخالفه والخارج عليه لعقوبات قد تصل بعد الإنذار إلى إلغاء اشتراك المشترك إذا تكررت منه المخالفات. بهذا وحده يمكن أن يتحول هذا الجهاز الفريد إلى «رفيق مؤنس» و «جهاز إنذار مبكر» يقينا جميعا كثيرا من المخاطر الطارئة بعد أن ظل طوال سنوات من عمره قضاها بيننا مترددا بين أن يكون «عدوا لنا فى ثياب صديق» أو «صديقا فى ثياب عدو» نضيق به إذا حضر، ونناديه ونستدعيه إذا غاب.