«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إيران وشجون أخرى : الصورة من زاوية المواطنة
نشر في الشروق الجديد يوم 28 - 06 - 2009


(أ)
تختلف منطلقات أوساط جيل إيرانى وتوقه إلى حياة ينحسر فيها تدخل الدين (رجال الدين والدولة باسم الدين) فى حياتهم وقراراتهم كمواطنين عن حسابات التيار الإصلاحى السياسية الداخلية والخارجية.
ويسود تفاوت أكبر بين منطلقاتهما وحسابات المحافظين من الشق، الذى تضرر من فترة حكم نجاد، وبات يختلف مع طريقه فى السياسة الداخلية والخارجية.
قد تختلف مصالحهم داخليا، رغم أنها تلتقى حاليا ضد نجاد، ولصالح إضعاف دور المرشد. ولكن حساباتهم جميعا تلتقى خارجيا فى رؤية وطنية لمصلحة إيران كدولة وحساباتها كدولة. وهى دولة تجاوز نضجها فى نظرهم ما يسمى بمبادئ الثورة الإسلامية. ودعم القضايا العربية غير قائم فى حساباتهم، خاصة إذا تعارض هذا الدعم مع السعى لكسر الحصار على إيران. وهم يقفون منه موقفا يتفاوت بين الأداتية والتحفظ والعداء.
عادة تنسجم النزعة لتعزيز مفهوم المواطنة وواقعها حقوقا وواجبات مع تعزيز مفهوم الدولة الوطنية وحدودها وواقعها وهويتها.
يخطئ من يعتقد أن التوق إلى تعزيز حقوق المواطنة هو نضال الأغنياء، حتى لو أخذنا بعين الاعتبار أن قواعد الاحتجاج تنشأ بين أبناء الطبقات الوسطى.
فى الدول الاشتراكية سابقا اتخذ تعزيز المواطنة وتعزيز مفهوم الدولة الوطنية شكل ارتداد ضد الدور المدفوع (أو المبرَّر فقط) بالأيديولوجيا خارج الحدود الوطنية. ومن هنا الردة لصالح الصهيونية وضد قوى التحرر الوطنى فى العالم، فى فلسطين وغيرها فى دول المعسكر الاشتراكى سابقا. لقد أوهمتهم حكومات الحزب الواحد أن معاناتهم الاقتصادية ومستوى معيشتهم المتردى ليس ناجما عن جمود قوى الإنتاج والبيروقراطية وانعدام الديناميكية فى الإنتاج والتوزيع والعرض والطلب، بل بسبب دعمها للشعوب خارجها. فظهر التردى الاقتصادى، وكأنه تضحية مفروضة من أجل الغير (كما تبرر بعض الدول العربية حاليا كل سيئاتها). وارتبطت حركات التحرر فى أذهان تلك الشعوب بال«نومنكلاتورا» والبيروقراطية الفاسدة وانعدام الديمقراطية وغيره.
وهذا ما سوف يحصل فى إيران، على مستوى أوساط واسعة من الرأى العام ضد القضايا العربية، إذا لم تجد الدولة التوزان المناسب بين المواطنة ومهام الدولة داخليا وخارجيا.. نقول هذا مؤكدين ما كتبناه سابقا أن مؤسسات الدولة والرابط المذهبى تشكل عائقا كبيرا أمام تطور كهذا فى إيران. ولكن حال تمأسس الثورة يصبح العائق الرئيس أمام أصولييها هو تطلعات وحقوق المواطن وتوقعاته من الدولة، ودخول هذه التوقعات والحاجات حلبة الصراع السياسى بين القوى المتصارعة على الحكم.
(ب)
الفجوة بين السياسات الخارجية الأمريكية والأوروبية وأهدافها فى إيران من جهة ومسألة المواطنة فى إيران أو فى بلادهم ذاتها من جهة أخرى هى أكبر من الموصوفة أعلاه. فالهدف الأمريكى والأوروبى هو حاليا وقف برنامج إيران النووى، والتعاون الإيرانى الكامل فى لبنان وفلسطين والعراق وأفغانستان. أما داخليا، فحال رفع العقوبات والحصار كتحصيل حاصل لتغير السياسات فسوف يتضح أن الاقتصاد والمجتمع الإيرانى قابل للانسجام فى السوق العالمية، أكثر حتى من دول محيطة به. وأن نمط الحياة سوف يتغير نتيجة لذلك على الأقل بالاتجاه الذى يحلم به أبناء الطبقات الوسطى، وأن الغرب لن يأبه كثيرا لمسألة الحقوق المدنية والسياسية، التى سوف تبقى معركة الإيرانيين وحدهم.
واللعبة الحالية الجارية بين ادعاء الرغبة بالحوار مع البلد لإقناعه بلجم مشروعه النووى وبين التآمر عليه داخليا وخارجيا هى لعبة الدول المعروفة، لا جديد فيها. يريدون إضعافه فى المفاوضات، ولن يغضبوا إذا ضعف دوره عموما أو حتى سقط بالمناسبة. ولكن الأعقل فى المؤسسة الأمريكية الحاكمة يعلمون أن إيران سوف تجتاز الأزمة. ولذلك يريدون التوقف قبل تطور رد فعل إيرانى على التدخل الحالى يتجسد بالتصلب فى المفاوضات، والتسبب بأوجاع رأس لأمريكا فى ملفات أخرى معقدة أصبح لإيران دور فيها.
ولابد من التذكير أن من «المتعاطفين» مع الاحتجاج فى إيران من دعوا لقصف إيران. لم يكن لديهم مانع من قصف نفس هؤلاء المتظاهرين وعائلاتهم من طائرات لن تميز بين الإصلاحى والمحافظ. يتظاهرون بالتأثر لصورة فتاة سقطت مدماة برصاص قمع المظاهرات، ولكنهم قتلوا الملايين فى العراق وأفغانستان وفلسطين ولبنان. وما زالوا حتى هذه اللحظة يدعون لقصف إيران، أى لقتل الآلاف مثلها فى طهران نفسها. جون ماكين أنشد عمليا وعلى الملأ «اقصفوا، أقصفوا، اقصفوا إيران» أثناء حملته الانتخابية. كما شارك فى حملة الدعوة لقصف إيران كل من جون بولتون، والسناتور المعروف ومرشح الرئاسة السابق جوزيف ليبرمان. ولنذكر أيضا إن عمدة نيويورك السابق جوليانى حين كان مرشحا للرئاسة فضَّل أن تتم الضربة بالسلاح التقليدى، ولكنه لم يستثن إمكانية استخدام سلاح نووى فى ضرب إيران (موقع سى.إن.إن. 5 حزيران 2007). كم فتاة بجنيز وبجلباب، بشادور وبدون شادور، كان هذه التافه على استعداد أن يقتل؟
الخبر الأكثر أهمية فى هذه الأثناء هو دخول دنيس روس (إياه) للبيت الأبيض مستشارا لهذه الشئون بعد أن عينته كلينتون مسئول الملف فى الخارجية. وهو الذى عمل طوال الحملة الانتخابية الرئاسية من قبل اللوبى الإسرائيلى لإقناع حملتى أوباما وماكين للتوقيع على بيان تعهّد بمنع إيران من وصول درجة التمكن من إنتاج سلاح نووى فى حالة الفوز بالرئاسة. وقد وقّّع مركزا الحملتين فى حينه فعلا على بيان كهذا. وبعدما نشرت جميع الأجهزة الأمنية الأمريكية فى تقريرها NIE National Intelligence Estimate للعام 2007 باسم 16جهازا أمنيا واستخباراتيا أمريكيا (والذى حاول تشينى، نائب الرئيس فى حينه، منع نشره) استنتاجها أنه ليس لدى إيران خطط لإنتاج سلاح نووى، كتب المذكور مقالا (بعد ثمانية أشهر من صدور التقرير) فى «وول ستريت جورنال» تحت عنوان «كل إنسان يجب أن يقلق بشأن إيران». إنه نفس دينس روس الذى يعلن صراحة أنه يؤمن بتصعيد العقوبات إلى درجة إقفال الممرات المائية أمام صادرات إيران من النفط، ثم الانتقال إلى قصف شامل يشل قدرة إيران على إنتاج أى تكنولوجيا ويعيدها عقودا إلى الوراء. إنه نفس دنيس روس الذى بدأ الحملة على ياسر عرفات بعد أوسلو مباشرة، وعرقل إعادة الجولان كاملا فى مفاوضات جنيف، وُعيِّن من قبل الوكالة اليهودية رئيس للجنة لفحص العلاقة بين إسرائيل ويهود الشتات.. هذا الرجل الآن سيكون قريبا من أذن أوباما فى الشأن الإيرانى. هذا خبر!
نعرف جميعا بلدا عربيا كبيرا تحالف مع الغرب وانفتح اقتصاديا وعقد صلحا مع إسرائيل، وتغير نمط الحياة فيه فعلا، وازدادت الهوة بين الغنى والفقير، وتوسعت الحريات أيضا بالمناسبة. ولكن الغرب تابع عملية تزييف الانتخابات فيه كأنها «فُرجَة» لا أكثر. وأقصد هنا جميع عناصر التزييف الممكنة: رفع نسبة التصويت اصطناعيا، وتزييف النتائج، واستخدام العنف. ونشرت صور ضرب المرشحين والمصوتين بالهراوات، يوم الانتخابات وقبله وبين جولتى الانتخابات. وأذكر صورة تحدٍ لناشط من الحزب الحاكم وهو يدخل مئات الأصوات إلى الصندوق فى غرفة وحده غير آبه.
لا داعى طبعا للتعليق على إعجاب نتنياهو بشجاعة المتظاهرين فى طهران. ولكن حين تصبح «إيكونومست» الرصينة والقليلة الانفعال والمثابرة فى دعمها حسابات رأس المال الباردة واللبرلة والخصخصة غير آبهة بآلام الناس عاطفية دون سابق إنذار فيجب أن نستنفر. فى عددها الأخير( 2026 حزيران) تكتب وتغص بالدموع عن متظاهر لم يخرج من فمه بالانجليزية سوى كلمة «فريدوم»، حرية. إذ لا شىء يثير القلق أكثر من شاعرية ال«ايكونومست» المفاجئة. ففى عددها هذا تتحدث عن تزوير لا بد أنه وقع، لأن فوز موسوى كان متوقعا. وجدت نفسى أراجع عددها السابق الذى أغلق عشية الانتخابات، فلا أجد ولا حتى خبر، ناهيك بمقال يذكر الانتخابات بإيران. ذهلت من هذا التدهور. فإذا كان فوز الإصلاحيين متوقعا كما تدعى بعد الانتخابات، هل أهملت مجلة جدية كهذه موضوع «الفوز المتوقع» برمته فى ظرف مركزية وإيران والخليج فى الاقتصاد والأمن والسياسة بالنسبة للغرب؟.. لا. ما كانت لتفوت أمرا كهذا.
أما مجلة «تايم» فتفرد صفحات لوصف الجوانب الإنسانية فى حسين موسوى. فجأة تتكتشف لها، وللقارئ طبعا، مواهبه كرسام ومهندس، وأن له منزلا وعائلة. وليس لأحمدى نجاد حديقة ومواهب وعائلة، ليس فى ال«تايم» طبعا. علينا أن نتذكر أن موسوى هو رئيس حكومة سابق، وكان متهما من قبل الأمريكان بكل عناصر «الظلامية» فى قاموسهم، وبالوقوف وراء «الإرهاب» ضدهم فى لبنان ومناطق أخرى فى الثمانينيات.
نفس الإعلام الغربى بيَّض صفحة ياسر عرفات إلى درجة جائزة نوبل للسلام حين لزم، وحين لم يتابع بالاتجاه الذى يريدون عادوا لتشويه صورته وقتله سياسيا وحتى التمهيد لقتله جسديا. ويمكننا أن نتخيل نفس المسار لو فاز موسوى. ماذا لو توقف اندفاعه السياسى بالانفتاح على الغرب عند حد معين، كيف كانت نفس الصحافة ستخرج صوره من ماضيه الآخر «الإرهابى»؟
الحماس ل«تويتر»، وفى «تويتر» ليس أفضل حالا. لدينا هنا ماكنة إعلامية كانت قبل الأحداث فى إيران تساوى 250 مليون دولار، وتجذب فى العام استثمارات تقدر ب20 إلى 30 مليون دولار فى فترة ركود اقتصادى ( كل هذا دون خطة اقتصادية معروفة، ودون دعاية تجارية واحدة)! والتقاطع الفردى فى سيرة نفس الشباب بين عضوية فى إدارتها وإدارة فيس بوك، وبين تقديم الاستشارة رسميا للخارجية الأمريكية فى كيفية استخدام «الإعلام البديل» فى تعزيز سياستها فى الشرق الأوسط يجب أن تلفت النظر على الأقل. وطبعا بعض الأخوة المتحمسين بحق للإمكانات التى يتيحها «الإعلام البديل» و«الإعلام الاجتماعى» يتحمسون لكل جديد، فكم بالحرى حين يتقاطع الهاتف النقال أو المحمول مع الإنترنت؟!
ولكن هنالك فرقا بين مدونة لشاب أو مثقف تقدمى يبذل فيه جهدا فى جمع معلومات وبلورة رأى للوصول إلى القراء متحديا الإعلام الممأسس من جهة، وشبكة ممولة لا يعرف من يشارك فيها من جهة أخرى. تخاطب المشاركون حول إيران بالإنجليزية، ولم يمكن التثبت من منهم من إيران فعلا ومن يدعى ذلك. ونُشِرَت جملٌ قصيرة وشعارات، منها ما هو صحيح، ولكن نشر معه كم من الإشاعات دون تبيين المصدر وصحته، وتناقلوا الصور والأفلام وغيرها دون أى فحص لدقتها ولتاريخ تصويرها الفعلى. شارك إيرانيون بأعداد قليلة، وشارك إسرائيليون وأمريكيون بأعداد أكبر، ومنهم من ادعى أنه إيرانى (وهذا مثبت). وبالمجمل جرت ثورة عنكبوتية نيابة عن الإيرانيين بين فنجان كابوتشينو وآخر فى منازل نبراسكا وأوكلاهوما. ولوضع الأمور فى سياقها نذكِّر، أن ثلث الإيرانيين فقط يرتبط بالإنترنت، وأنه إذا كان فى كندا المربوطة كلها بالشبكة 78% لم يسمعوا ب«تويتر»، فكم من الإيرانيين سمع؟..
لقد قرَّعت جماعات من الشباب الفاقد للمعلومات ولآليات فحصها الإعلام الرسمى على تجاهله الاحتجاجات الإيرانية، وأجبرته على إعادة النظر. هذا صحيح. ولكن هذا لم يجعلهم مصدرا أفضل للمعلومات.. من ينشر ويعلك (وباختصار يوَتوِت من وَتْوَتَة، وبالإنجليزية «تويت» و«ر» تويت») أخبارا وأكاذيب، ويجتر إضافة لذلك دناءات إسرائيلية من نوع «شوهد مجندون من حزب الله وحماس يقمعون المتظاهرين فى طهران»، على نفس الموجة التى نعرفها «الحرس الثورى الإيرانى يحارب فى غزة ولبنان«، لا يشكِّلُ إعلاما بديلا، ولا اجتماعيا. بل يجتر ويعمم نفس القاذورات على فئات لم تكن معرَّضة لها من الشباب الذين لا يتابعون الإعلام الممأسس. إنهم يعرضونهم لنفس الأكاذيب برقابة أقل طبعا، ولكن أيضا بدرجة مسئولية وفحص أقل. قد تعمم الشبكة مقالة ممتازة وموثقة لمدون مغمور، وقد تعمم الجهل والهستيريا مثل أى «ميديا». وبعض المواقع العربية والغربية هى مجمعات نفايات.
ليس هؤلاء نموذجا للمواطن الأمريكى المهتم بما يجرى. ونحن نجد على المدونات الكثير من المواطنين الأمريكيين الحريصين على حقوق الإنسان وعلى دور أمريكا، بمقالات موثقة ومعدة جديا عما يجرى فى إيران تنتقد إيران، ولكنها تنتقد أكثر دور بلادهم فيها. امتحان المواطنة المدنية الأمريكية ليس فى الشبكات الممأسسة، حيث دخلت المؤسسة الأمريكية الحاكمة ومالها، كما دخل الإسرائيليون بقوة. بل فى مئات الملايين من المواطنين الأمريكيين والأوروبيين الذين يعيشون حياتهم يوميا يمارسون حقوقا غير متاحة فى بلادنا، ونعم يقعون ضحية تدخل المشهد الإعلامى فى تصميم رأيهم عن الدنيا، ولكن بعضهم يدافع عن حيزه الخاص ضد هذا الولوج إليه من قبل الإعلام، وبعضهم يساهم فى الحيز العام فى الدفاع عن الحقوق المدنية وعن جسد الإنسان وروحه وعن البيئة وعن المساواة ضد الشركات الكبرى، التى لا تعرف لها غير الربح.. وبعضهم يدافع أيضا عن الشعوب الأخرى ضد عدوانية بلاده.. هنا المواطنة قائمة فعلا وتمارس.
(ج)
إذا كانت إيران الدولة الوطنية المنظمة والعاتية فعلا من ناحية التمركز الإدارى والمؤسسات الحاكمة وغيرها تتعرض لمثل هذه الهجمة الإعلامية فتصمد وتحمى نفسها، فما علينا أن نتخيل أثر ما تتعرض له أمة دون دول مثل الأمة العربية. كل شىء عند العرب يصرخ بغياب الأمة والمواطن بنفس الدرجة.. وأن تغييبهما لا ينتج دولة بل ينتج سلطة ورعية، وقبيلة وعشيرة وطائفة وأسرا حاكمة وزعامات وأتباع. وما زال الكاتب أو القائل يناقَشُ فى أصله وفصله وهويته ومذهبة ومذهب أهله، وليس فى مضمون قوله.
فى غياب المواطن والأمة والدولة ليس العرب معرَّضين فقط لحملات إعلامية بل يذروهم أى نسيم إعلامى كأنه إعصار. فتتفاوت الردود بين اجترار ما يقال فى الغرب من «نيويورك تايمز» وحتى «تويتر»، وتسويق أى إشاعة إسرائيلية ترغب إسرائيل بنشرها بترجمتها إلى العربية وبثها فى كل مكان من جهة، وردود الفعل العصبية الرافضة لأى معلومة، ناهيك برأى، دون فحص أو تمحيص من جهة أخرى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.