كتابات وصفحات شيقة، يمتزج فيها الواقع بالخيال، فى رواية «جريمة العقار 47» للكاتبة الروائية نهى داود، التى تلامس آمال الحياة وآلامها عبر نصوص خرجت عن السرد المألوف أو المعتاد حول القضايا والأفكار الواقعية. بإيقاعات مختلفة، ولغة تناسب أجواء الغموض والجريمة، نتعرف على بطلة الرواية «صفاء» القاطنة بالعقار 47 والتى عانت مع الاكتئاب المرضى لسنوات وتكافح للتعافى من أجل زوجها وأبنائها، حيث تتفرد بصفة مثيرة للانتباه تمكنها من كشف المستور، وما أن تبدأ باستخدامها مدفوعة برغبة جارفة فى التعرف على مشاعر من حولها، تقع جريمة مروعة فى الشقة المقابلة لها. تثار التساؤلات فى الرواية منذ الصفحات الأولى للرواية الصادرة عن الدار المصرية اللبنانية، ومع وقوع جريمة القتل وتلطخ الأرض بالدماء، تنفجر الأسئلة حول مدى إمكانية نجاح «صفاء» فى استخدام خاصية «الأطياف» للكشف عن غموض الحادث. حققت الكاتبة نهى داود فى روايتها عملية تأثير النص الروائى فى القارئ بشكل سريع دون استغراق وقت طويل أو تفاصيل زائدة، حيث حققت حبكتها تأثير ممتد وكم متشابك من الأسئلة، حيث يبحث القارئ فى الرواية عن الدوام عن معرفة تطور الحبكات، ويسعى عبر صفحات الرواية إلى التماهى مع شخوصها والتفاعل معهم ومع ما يواجهونه من تحديات وصراعات. سيطر الطابع البوليسى على أجواء الرواية، حيث جاء التشويق والغموض ليكونا ضمن العناصر الرئيسية الموجودة فى صفحاتها، مع حبكات تستحق الوقوف أمامها والتأمل، واستنتاجات منطقية من القارئ للأحداث، لندرك أنه فى بعض الأحيان، يكون التمتع بميزة قراءة ما وراء الأحداث، أو كشف المستور، وفضح خبايا النفوس، وبالا على صاحبه لا ميزة يتفرد بها. تحقق الرواية عامل الامتاع والتشويق بجرعات مكثفة، دون الإخلال بمعانٍ تتطرق إلى مكان الشخصيات وجوانب عميقة فى طريقة تفكير البشر، وعن ذلك تقول الروائية نهى داود: أرى أن الأدب الروائى هدفه الترفيه فى الأساس، لكن بالتأكيد إذا كان هناك رسالة خلف العمل وتحمل بعض الدلالات فهو أمر جيد للرواية، لكن تبقى المتعة وحدها دورا كافيا جدا للرواية. تعكس صفحات رواية «جريمة العقار 47» حالة اعتزاز من الكاتب بالنص الذى تولد من بين أصابعه ونتاج أفكار ذهنه، حيث دافعت الكاتبة عن النمط الأدبى البوليسى، الذى قد يوضح تحت إطار أشمل، وهو «أدب الجريمة»، بقولها: البعض يتعرض للتقليل لمجرد أنه يفضل قراءة الروايات عن قراءة الكتب غير الأدبية، لافتة إلى جميع الكتب السماوية زاخرة بالقصص، وهو أكبر دليل أن الرواية ليست أقل من الكتب الأخرى، وأنها وسيلة للأفكار والمعلومات. حافظت الرواية على مزيج متوازن ما بين الأفكار المشوقة والإيقاع السريع من جهة، وما بين المشاعر والأحاسيس داخل مشاهد متعلقة بالأجواء العائلية اللطيفة التى كانت محورها شخصية «صفاء» الأم المصرية رفقة أبنائها زيد ونيلى وزوجها، ليتعرضوا إلى متغير هام متمثل فى وقوع الجريمة بالشقة المقابلة لهم، ليكتشفوا العديد من الأسرار الخفية التى تدور فى تلك الشقة. ظهور الأطياف التى تراوغ شخصية صفاء وتفاصيل جريمة القتل، استوجبت أن يكون هناك قفزات سريعة تحافظ على ذهن القارئ مشغولا بما سيدور فى أجواء الرواية وماسيقع لاحقا، الأمر الذى تطلب من الكاتبة نهى داود نمط سلس فى التعبير اللغوى الذى لا يشكل عائقا أمام تدفق الأفكار والأحداث فى الرواية، وهو ما تحقق فى «جريمة العقار 47». وقد تولدت حالة من الارتباط السريع بين القارئ وبين الكاتبة، بمجرد اللعب على مجموعة من الأوتار السردية التى تخاطب عقل ووجدان الكثيرين ممن قد يجدون لأنفسهم ظلا على صفحات الرواية وشخوصها، حيث التعمق داخل نفسية الأم، وطرح مشكلات معاصرة تمر بها معظم العائلات، بأسلوب مشوق. يشار إلى أن نهى داود هى مؤلفة روايات بوليسية، مواليد 1975 فى لندن، كانت تعمل فى الهندسة وقررت التوجه إلى مهنة الكتابة، أصدرت مجموعة من الأعمال الروائية التى لاقت نجاحًا كبيرًا فى أدب الجريمة.