ركزت مطالب قمة أفريقيا الأولى للمناخ التي عقدت في نيروبي عاصمة كينيا، الأسبوع الماضي، من الدول الغنية على المزيد من الاستثمارات وتقليص الديون. وشدد الزعماء الأفارقة، على أن القارة معرضة لتداعيات التغير المناخي، وهي حليف في جهود مكافحة الاحتباس الحراري، تعرض للتجاهل طويلا، ولكنها ليست ضحية. وحث زعماء أفريقيا المجتمع الدولي في ختام قمة نيروبي على تقديم الدعم لزيادة الطاقة المتجددة، ودعوا إلى إجراء تغييرات شاملة في نظام التمويل العالمي. وقال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش أمام القمة: "تنتج هذه القارة 4% فقط من الانبعاثات العالمية، ولكنها تعاني بعضا من أسوأ التداعيات... ارتفاع شديد في درجات الحرارة، وفيضانات عارمة، وعشرات الآلاف من الوفيات جراء موجات الجفاف المدمر". ورغم ذلك، أشار زعماء القارة خلال التي نظمتها الحكومة الكينية والاتحاد الأفريقي إلى الحاجة لزيادة ضخمة في التمويل لإطلاق النمو الأخضر بأنحاء القارة، على نطاق من شأنه الإسهام بشكل ملموس في إزالة الكربون من الاقتصاد العالمي. وتبنت أكثر من 20 دولة أفريقية "إعلان نيروبي"، والذي دعا إلى تحركات ملموسة في الإصلاحات التي من شأنها أن تؤدي إلى إقامة بنية تمويلية جديدة تتجاوب مع احتياجات أفريقيا، بما يشمل إعادة هيكلة الديون، وتخفيف العبء الذي تشكله. وأكد "إعلان نيروبي" الدعوات للدول الغنية للوفاء بالتزاماتها التي تعود إلى مؤتمر الأممالمتحدة للمناخ (كوب 27) الذي عقد بشرم الشيخ العام الماضي، بحشد 100 مليار دولار سنويا لدعم الجنوب العالمي في مواجهة أزمة المناخ، بالإضافة إلى التزامها بجذب مزيد من الاستثمارات في مجال الطاقة النظيفة. رئيسة المفوضية الأوروبية: التمويل العام غير كاف وتلقت الدعوات إلى تعزيز الاستثمارات في مصادر الطاقة المتجدد دفعة قوية في اليوم الثاني من القمة، حيث صدرت تعهدات بتوفير تمويل قدره 23 مليار دولار. وشددت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين على أهيمة حشد الأموال الخاصة على نطاق واسع؛ لتسريع وتيرة تحول الاقتصاد الأفريقي إلى الطاقة النظيفة. وقالت فون دير لاين أمام القمة: "بالتعاون مع بنك الاستثمار الأوروبي والدول الأعضاء، سوف نخصص مليار يورو (1.07 مليار دولار) لتخفيف مخاطر الاستثمار الخاص في الأسواق الناشئة، مضيفة أنه فيما يتعلق بالتحول الأخضر، فإن التمويل العام ليس كافيا. وأوضحت أن هدف الاتحاد الأوروبي يتمثل في تخصيص حوالي 150 مليارا من الخطة الاستثمارية للتكتل والتي تبلغ قيمتها 300 مليار يورو لأفريقيا. وأعلنت فون دير لاين في هذا الإطار إبرام اتفاقية مع الرئيس الكيني ويليام روتو لمواصلة تطوير تكنولوجيا صناعة الهيدروجين الأخضر في بلاده. ودعت رئيسة المفوضية الدول الأفريقية، إلى العمل معا من أجل تقديم اقتراح بشأن وضع سعر عالمي للكربون، خلال مؤتمر الأممالمتحدة للمناخ (كوب 28) بدبي في نوفمبر المقبل. إيطالياوسلوفينيا تتعهدان بمزيد من الشراكة مع أفريقيا وكانت سلوفينيا-التي من المقرر أن تشغل مقعدا غير دائم في مجلس الأمن الدولي على مدار عامي 2024 و2025- تعهدت بتقديم 7ر4 مليون يورو في شكل مساعدات متعددة الأطراف لتمويل إجراءات حماية المناخ في عام 2022، بزيادة نسبتها 58٪ في المساعدات الثنائية مقارنة بعام 2021. وقالت وزارة الخارجية السلوفينية، يوم الأربعاء الماضي، إن إقامة شراكة قوية مع أفريقيا يجب أن تكون ضمن الأولويات الرئيسية للسياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي. وفي الوقت نفسه، أعلنت إيطاليا خلال قمة نيروبي المبادرة العالمية التي طال انتظارها "يوث فوركلايمت" (شباب من أجل المناخ)، والتي تقودها مع شركاء، بينهم برنامج الأممالمتحدة الإنمائي، بهدف تعزيز مشاركة الشباب في مجال حماية المناخ. وقال كالوديو باربارو، وكيل وزارة البيئة وأمن الطاقة في إيطاليا: "وجود إيطاليا في نيروبي له أهمية استراتيجية كبيرة، حيث يؤكد بشكل قوي الدور المحوري الذي تلعبه أفريقيا في السياسة الخارجية لإيطاليا. ويربط القرب الجغرافي والعلاقات التاريخية والاقتصادية والثقافية إيطاليا بالقارة الأفريقية". وترأس باربارو وفد بلاده إلى قمة نيروبي. ووافقت إيطاليا على مشروعات ثنائية ومتعددة الأطراف بقيمة 120 مليون يورو. إصلاح عالمي ودعت الدول الأفريقية، التي تواجه تكاليف الديون المتنامية، وشحا في الأموال، إلى إجراء إصلاح شامل للبنية المالية العالمية، مما يعزز الضغوط على صندوق النقد والبنك الدوليين لإطلاق العنان للاستثمارات وتمويل المناخ. وقال الرئيس الكيني، إن الوقت قد حان لإصلاح الأنظمة المالية العالمية التي تضع الدول الأفريقية دوما في موقف دفاعي. وأوضح روتو: "نطالب بأرضية عادلة لدولنا كي تتمكن من الوصول إلى الاستثمارات اللازمة لإطلاق الإمكانات وترجمتها إلى فرص". ورغم وفرة الموارد الطبيعية في أفريقيا، تشهد القارة 3% فحسب من استثمارات الطاقة في العالم. وبحسب الإعلان الختامي، تحتاج القارة زيادة قدرها عشرة أمثال في رأس المال التمويلي لمصادر الطاقة المتجددة على مدار الأعوام السبعة المقبلة، أي نحو 600 مليار دولار؛ لإنجاز هدف تعزيز مصادر الطاقة المتجددة من 56 جيجاوات في 2022 إلى 300 جيجاوات، على الأقل، بحلول عام 2030. وتعهدت دولة الإمارات الأسبوع الماضي بضخ استثمارات قيمتها 5.4 مليار دولار في مجال الطاقة النظيفة بأفريقيا، وهذا التعهد هو الأكبر حتى الآن. وقال الرئيس المعين لقمة المناخ "كوب 28" سلطان الجابر، وهو وزير الصناعة ورئيس شركة بترول أبوظبي الوطنية (أدنوك)، إن التمويل من شأنه أن يحفز مجموعة من مشاريع الطاقة النظيفة التي يمكن تمويلها في القارة المهمة للغاية. قارة تحظى بفرص تساوي الملايين وسعت قمة أفريقيا الأولى للمناخ إلى تسليط الضوء على فرص تقدر بالملايين والتي يرى روتو، أنه يمكن للقارة أن تغتنمها عبر مزيد من المشاركة في العمل المناخي العالمي. وقال الرئيس الكيني: "ثمة أفريقيا جديدة، وهي تعني الأعمال التجارية". وتمتلك أفريقيا موارد لاغنى عنها في مجال تنمية الطاقات المتجددة، فهي تحظىى ب40% من احتياطي العالم من الكوبالت والمنجنيز والبلاتين، و60% من أفضل موارد الطاقة الشمسية في العالم. وجاء في الإعلان الختامي للقمة، نيابة عن الاتحاد الأفريقي: "تمتلك أفريقيا الإمكانات والطموح لتشكل عنصرا حيويا للحلول العالمية للتغير المناخي". ولم يتضمن "إعلان نيروبي" فحسب دعوات للمجتمع الدولي ل"خفض الانبعاثات"، بل إصدار تعهدات عامة من الحكومات الأفريقية، مثل تطوير السياسات والحوافز لجذب الاستثمارات المحلية والعالمية والإقليمية، وإن التوصل إلى إجماع بين أنحاء أفريقيا أمر صعب المنال، فهي قارة تتسم بالتنوع ويبلغ تعداد سكانها 1.4 مليار نسمة، وتدافع بعض الحكومات عن مستقبل الطاقة المتجددة، في حين تتصدى أخرى للدفاع عن احتياطياتها من الوقود الأحفوري. غير أن رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فقيه محمد أكد أن الإعلان جرى تبنيه بالإجماع. وتهدف أفريقيا عبر "إعلان نيروبي" إلى التحدث بصوت واحد قبيل الفعاليات المختلفة المقبلة مثل "كوب 28" في دبي، أو الدورة رقم 78 للجمعية العامة للأمم المتحدة الشهر الجاري.