حول نضال المصرين وكفاح الحركة الوطنية المصرية من البدايات إلى الاستقلال يدور كتاب "انتفاضات أم ثورات فى تاريخ مصر الحديث" لمؤلفه محمد حافظ دياب والصادر عن دار الشروق. • الحركة الوطنية المصرية بين جناحي الكتاب الذي يزيد عن مائتي صفحة من القطع الكبير، يستعرض المؤلف حلقات الحركة الوطنية في تاريخ مصر الحديث، عبر تطلعها لتحقيق استقلال إرادتها، ويفند تناول المؤرخين لتاريخ الحركة الوطنية المصرية من عدة معايير أولها: - التعامل مع الحركة الوطنية ب"طابع إثنوجرافي"، وفيه يقصر الاهتمام على مظاهرها ومصاحباتها الشكلية، بداية من خروج المصريين ضد الفرنسيين عام 1798، وخروجهم ضد الإنجليز والخديوي بقيادة عرابي عام 1881، ثم خروجهم ضد الإنجليز والقصر بقيادة سعد زغلول عام 1919، ثم التطور الرابع في 23 يوليو 1952)، ويربط هذه الحلقات بسياقاتها الدولية المرتبطة بإنهاك الإمبراطورية العثمانية، والسيطرة الاستعمارية، ثم سقوط الإمبراطوريات القديمة، وبداية عصر الاستقلال عام 1935، وصعود الاستعمار الجديد عام 1952. أما المعيار الآخر فهو "معيار حضاري" يبدأ من الخروج من عصر التخلف عام 1798، وإخفاق تجربة التحديث عام 1881، ثم تبلور المجتمع المدني عام 1919، وسريان أفكار التغيير الاجتماعي عام 1935، وأزمة النخب الفكرية عام 1952)، فيما يتعلق المعيار الثالث بمسار الشخصيات والزعماء والرموز الوطنية وإسباغ طابع الكاريزما عليهم وحصولهم على التأييد الشعبي أمثال عمر مكرم، أحمد عرابي، سعد زغلول، جمال عبد الناصر وغيرهم. مصر محط أطماع الدول الاستعمارية؟ في استعراضه لتاريخ مصر مع الاحتلال الأجنبي يطرح المؤلف سؤال بسيط في عرضه محمل بالكثير من الفهم الحقيقي لطبيعة مصر وكيف أصبحت محط أطماع الدول الاستعمارية، حيث تسائل "لماذا مصر"؟ ومن هذا السؤال ينطلق فيروي أن أوروبا بدأت منذ القرن السادس عشر تنتظر الفرصة السانحة كى تنقض على الكيان الإسلامي، المتمثل في الإمبراطورية العثمانية، خاصة مع اتساع نطاق هذه الإمبراطورية، ومعاينتها كتهديد سافر لأوروبا، بعد امتداد هيمنتها على البحر المتوسط، ولأن مصر كانت من بين الولايات العثمانية، أصبحت مركز التربص الأوروبي الأساسي، منذ اقترح الفيلسوف الألماني «فيلهلم لايبنتز» على الملك الفرنسي لويس الرابع عشر، أن يرسل حملة لاحتلال بلاد «الفراعنة»، «أم العلوم» والمركز الأمثل «للسيادة على العالم والبحار»، وطالب بشق قناة تصل بين البحرين المتوسط والأحمر، تصبح ممر التجارة للعالم كله، وتقترب من أسواق الشرق. وتماديًا في إقناعه أخبره أن الأمر سيصبح مباغتة للإمبراطورية العثمانية من الخلف، وأن موقع هذا البلد، الذي ذكره الإنجيل في آيات كثيرة من سِفري التكوين والخروج، هى أقدم أمم العالم، ومهد فلسفة التوحيد والإيمان، وأعرق المجتمعات المائية التي عرفها التاريخ على أرض سهلة، وأهم موقع بين الغرب والشرق، ومفترق قارات ثلاث، وممر مسلمي أفريقيا في طريقهم إلى مكة، كما أنه يقع في أكثر الجهات ملاءمة لتسيير الحملات إلى مختلف الأرجاء، «وهو بذلك يمثل الرابط، الحاجز، المفتاح، المدخل الوحيد الممكن إلى طرف العالم، آسيا وأفريقيا. مصر مفتتح الغزوات الاستعمارية مثَّل الغزو الفرنسي على مصر عام 1798، مفتتح الغزوات الاستعمارية على الأراضي العربية، حيث بدأ بهدف حرمان إنجلترا من الحصول على أسواق لتصريف منتجاتها، ويساعد على تقويض مصالحها الحيوية في الهند، وتسهيل مرور التجارة الفرنسية إلى الشرق بدل طريق رأس الرجاء الصالح الذي يسيطر عليه الأسطول البريطاني، بالإضافة إلى أن الزراعة في جنوبفرنسا كانت في حالة تدهور بالمقارنة بالأراضي الزراعية الممتازة في دلتا مصر، كل ذلك اقنع بونابرت بهذا المشروع، وحصل على المساندة والتأييد المصاحب بحلم جعل مصر ولاية فرنسية، وهو المشروع الذي اجهضته المقاومة الوطنية والتي لا تقتصر على انتفاضتي القاهرة عامي 1798 و1800، فيما الثابت أنها بدأت منذ قدوم الحملة إلى الإسكندرية، واستمرت طيلة سنوات وجودها الثلاث حتى عودتها إلى فرنسا، وأنها شملت كافة المناطق المصرية من الإسكندرية إلى النوبة. وانتهت الحملة بهرب قائدها الأول بونابرت، واغتيال القائد الثاني كليبر، وإسلام القائد الثالث مينو، وهي المقاومة التي وصفها نابليون إلى حكومة الإدارة في باريس يقول: «هذه الأمة تختلف كليّا عن الفكرة التي أخذناها من رحالتنا. إنها أمة هادئة، باسلة، معتزة بنفسها» رهن مصر وبداية التدخل الأجنبي لا مجال للحديث عن الاستعمار البريطاني لمصر دون التطرق إلى الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي أدت إلى الدخول البريطاني إلى مصر وهى الأسباب التي تبلورت بصورة واضحة في عهد الخديوي إسماعيل عبر مشروعه لتحويل مصر إلى "قطعة من أوروبا"، والديون التي أثقلت كاهل المصريين وأدت إلى احتلال بلادهم وفي ذلك الصدد يروي المؤلف كيف كانت مصر بفضل مواردها اقتصاد قائم على التصدير الزراعي وبصفة خاصة إنتاجها من القطن إلى دولة حجم الإنفاق فيها مثّل ضعفي دخل الحكومة مما أدى إلى رفع الضرائب. وعن أوضاع المصريين إنذاك يروي المؤرخين «غصّت مدن الأرياف في أيام السوق بالنساء اللائي أتين لبيع ملابسهن وحليهن الفضية للمرابين الأروام، لأن جامعي الضرائب كانوا في قراهم والكرباج مُشهر في أيديهم»، ما زاد الأمر سوءًا هو اقتراض الحكومة مرة بعد أخرى بحجة قيام المشروعات مثل بناء الطرق ومد شبكة السكك الحديدية وحفر قناة السويس، وغيرها من مشروعات هامة لكن بعض هذه المشروعات كان "جنوني" بحسب وصف المؤلف حيث ذهبت القروض التي أدت إلى زيادة الدين الخارجي على رحلات الخديوي إلى أوروبا واقتناء العربيات الخديوية والمواكب والأعراس، وبناء القصور وضمنها قصر النيل الذي شيده خصيصًا للأميرة أوجيني وكانت غرفه طبق الأصل لغرفها في قصر "التويلري"، مما عرض الخزانة العامة للإفلاس، هذا إلى جانب الطمع الأجنبي في موقع مصر الاستراتيجي والذي اندرج ضمنه حفر قناة السويس كحلقة في مخطط هذا النظام الاستعماري، ثم سياسة الخديوي إسماعيل لفرض النفوذ الأجنبي بإنشاء محاكم مختلطة عين لها قضاة من الأجانب ترشحهم دولهم، ثم موافقته على نظام المراقبة الثنائية الذي تم بمقتضاه تعيين وزيرين أوروبيين لهما الحق المعارضة المطلقة لقرارات وزارة نوبار باشا. هذي بلاد لم تعد كبلادي في ظل هذا التدخل والتوسع الأجنبي في أرض مصر؛ تنامي الإحساس لدى المصريين أن البلاد لم تعد بلادهم أو كما يقول الشاعر الكبير فاروق جويدة "هذي بلاد لم تعد كبلادي"، وبدأ ظهور حراك ثقافي بدأ بظهور الصالونات السياسية لدى النخبة وإسهامها في بلورة توجهات معارضة تحلق بها المثقفين وذوات الأعيان والأفندية والضباط ورواج انتشار الجمعيات الأهلية، وتكوين الجمعيات السرية وتعدد الدوريات الصحفية، الأمر الذي ساعد على خلق حالة من الوعي أدت إلى حالة غليان عام مع تصاعد مظالم الفلاحين والتجار والحرفيين مقابل تزايد الامتيازات الأجنبية، حتى أمر السلطان بعزل الخديوي إسماعيل في 26 يونيو 1879. تنامي الوعي المصري وتتالي الأحداث منذ وقفة العسكريين المصريين في 4 فبراير بقصر النيل ، حين ضغطوا على الخديوي توفيق فأسقطوا وزير الجهادية عثمان رفقي، ثم زحف عرابي على رأس وحدات من الجيش إلى قصر عابدين يحمل مطالب الجيش والأمة معًا، وهى الخطوة التي قادت إلى الثورة العربية لاحقًا، وأدت إلى تأمر الخديوي ضد عرابي وجنوده الذي رأى في الثورة تهديد لعرشه، ثم تدخل بريطانيا عسكريًا في مصر بدعوى تنظيم الأحوال المالية وضمان سداد القروض للدول، ومن بعدها ضرب قوات الاحتلال للإسكندرية وعن ذلك يورد عبد الرحمن الرافعي: «في الساعة السابعة من صبيحة يوم الثلاثاء 11 يوليو 1882، أعطى الأميرال سيمور قائد الأسطول الإنجليزي الرابض على شواطئ الإسكندرية. إشارة الضرب. الذي كان شديدًا مروعًا. وكانت قنابله محكمة المرمى. شديدة الفتك. وقتل من المصريين خلال هذه الفظائع نحو ألفين، ولم تزد خسائر الإنجليز على خمسة من القتلى وتسعة عشر جريحا" لتنتهى المقاومة بعدما لعبت الخيانة دورها حتى أن عرابي لم يجد معه في رفضه للاستسلام سوى عبدالله النديم وأربعين جندي من السواري، وألف خفير. إخفاق الثورة العرابية لم يمنع المصريين من المقاومة ضد الإنجليز، حيث تشكلت جمعيات سرية غراضها إخراجهم وقلب نظام الحكم في مصر، وهيالمقاومة التي تعددت صورها وأشكالها واستمرت وتبلورت في ثورة 1919 بقيادة سعد زغلول ، حتى نالت استقلالها الصوري" بتحفظاته الأربعة في تصريح 28 فبراير 1922، الذي صدر بعد مفاوضات برئاسة عدلي يكن، رفضها سعد زغلول وحزبه، وكان هذا التصريح وكتابة دستور 1923، ثم انتفاضة الطلبة وتوقيع معاهدة 1936 ثم إلغائها خطوات هامة للحركة الوطنية المصرية في طريق الاستقلال». بموجب تصريح 28 فبراير عاد منصب وزير الخارجية إلى مصر، واستطاعت مصر تحقيق التمثيل السياسي والقنصلي، وتحولت مصر من الملكية وتمكنت من جعل نظام الحكم فيها دستورياً، وعن ذلك يقول المؤرخ أحمد الرافعي: على الرغم من أن التصريح أعطى مصر استقلالاً صورياً أكثر منه جدياً، إلا أنه نقل القضية المصرية للأمام، وأمكنها من الاستقلال ببعض شئونها، وأن تتخذ الدستور نظاماً للحكم فيها ولكن السيادة الناقصة والدستور الناقص خير من الحماية ومن الحكم الاستبدادي معاً".