يقدم محمود عبد الشكور في كتابه "ونس الكتب"، الصادر عن منشورات إيبيدي، مجموعة من مراجعات الكتب المختلفة، حول كتب يرى أنها حرضته على الكتابة عنها، ودفعته لتقديمها بطريقة مركزة مكثفة، باحثًا عن مفاتيح كل كتاب، وعما وراء السطور والكلمات، ومكتشفًا كذلك السحر والسر بين سطور تلك المؤلفات. يستمد هذه الكتاب المدهش طزاجته من القراءة المتفردة لما بين السطور والحيوية التي رسم بها مؤلفه عالمه وانطباعه الخاص لكل ما يقراءه، فالقلم سيّال، والسرد شيق، والحكايات كثيرة، وهناك رغبة عارمة في التوثيق، وفي تسجيل عوالم يخشى المؤلف أن تتسرب من الذاكرة. يرى مؤلف الكتاب أن هذه الكتب تصنع جحيمًا مدهشًا توقده الأفكار، نارًا مقدسة لا تنطفئ أبدًا، تسرق المعرفة، وتهديها للإنسان، جحيمًا يحرق الجهل والتخلف والسطحية والتعصب وضيق الأفق، يحرق أيضًا الأفكار السخيفة والمضللة، ويعيد الاعتبار للعقل وللعواطف معًا. وعن "ونس الكتب"، يقول: مؤلفه لم يحدث أبدًا أن تعاملت مع الكتب على أنها أوراق وأحبار، وصور وعناوين، بل كنت أراها دومًا بشرًا متنكرين، مسحورين وكامنين، ينتظرون الخروج، مثل مردة عمالقة، ينتظرون تعويذة اسمها القراءة، كنت أشعر على الدوام بأن في مكتبتي مئات البشر، من كل الجنسيات والألسنة، وكنت أعرف بما يشبه اليقين، أن حضورهم الساكن المستسلم، يتحول ليلاً، بعد أن أنام، إلى ساحة للجدل والنقاش. انطلاقًا من إيمانه بأن لا شيء يبهجه مثل عمل فني استثنائي أصيل وناضج في رؤيته، وفي الطريقة التي أبدع بها يتنزه محمود عبد الشكور بين بساتين الكتب المختلفة ففيها يبدوا الإنسان من كل الزوايا، وليس من زاوية واحدة، وفيها يتحاور مع الكتب والسطور، كأنه يتحاور مع الأطياف التي تجسدت في هيئة بشرية عند الظلام، لا شيء يشبه هذه الخبرة، ولا شيء يعادل تلك الكائنات.