عن دار «خطوط» في العاصمة الأردنية عمَّان، صدر اليوم « كتاب الغواية »، للروائي عزت القمحاوي ، في طبعة جديدة منقحة، وتضم ثلاث رسائل جديدة، في كتاب يضم رسائل إلي حبيبة لا يسميها الكاتب، وتجمع بين سيرة الحب وسيرة الكتابة، حيث تتضمن الرسائل إشارات إلى رواية «الحارس» التي كان يكتبها في زمن الرسائل. ينتمى الكتاب إلى الخط غير الروائي في كتابات القمحاوي، وينفتح على أجناس الكتابة المختلفة، بأسلوب يعتمد التداعي الحر، للأفكار والذكريات الخاصة وما يتشابه معها من أفكار في أفلام وكتب ولوحات فنية. في التعريف بالطبعة الجديدة من الكتاب نطالع على الغلاف الأخير: «رسائل مفعمة بالشغف من الكاتب إلى حبيبته، لكن غواية هذا الكتاب لا تمضي في مسار واحد، بل يلتقي فيه الحب، مع القراءة والكتابة، مع ولع الخلود؛ الرغبة التي ينشدها كل البشر من أباطرة يأمرون بتشييد الأنصاب الضخمة، ومبدعين يتركون ما يدل عليهم، وحتى البسطاء الذين يسعون إلى بقاء أسمائهم عبر أسهل وسيلة للخلود: إنحاب الأبناء! يحتفي عزت القمحاوي في هذا الكتاب برؤية تعتبر الكتابة والقراءة عملاً واحدًا يشترك فيه الكاتب والقارئ؛ فطعم تفاحة لا يأتي منها بذاتها ولا من فم من يأكلها بل باجتماع الإثنين، لهذا يومئ أكثر مما يلمس، ويترك للقارئ شريكه في توليد المعنى مساحاته الخاصة. عندما صدرت الطبعة الأولى من الكتاب عن دار العين المصرية عام 2009، بدا واضحًا أن الكاتب يحفر في المسار الذي بدأه في «الأيك» عام 2002، حيث التأملات والحكايات حول الحواس، ثم كان « كتاب الغواية » في شكل رسالة الحب، لكن مشاغل المتراسلين تتركز على النقد وآليات القراءة، وقد امتد مسار النصوص التي يصعب تصنيفها في كتب أخرى، أحدثها « غرفة المسافرين » الذي صدر عن الدار المصرية اللبنانية مطلع هذا العام، والذي صدرت منه طبعتان في شهر واحد، ويتعلق بفلسفة السفر من خلال تأملات الكاتب ومن خلال تتبع موضوع السفر في الروايات وألف ليلة وليلة التي يعتبرها القمحاوي كتابًا في السفر، الذي يعد روح النص حيث يتطلب الإقناع بالحكمة والغرابة والمعجزة عندما تأتي من بعيد. وفي تصريح ل"بوابة الأهرام" قال الكاتب، إن الطبعة الجديدة من « كتاب الغواية » تحمل الكثير من التعديلات، خصوصًا في الأسلوب، جهة خفة وسهولة الجملة بعد هذه السنوات من تأمله للكتاب من موقع القارئ. «هناك من يؤمنون بأن الكتاب ملك لصاحبه طوال حياته، وأنا منهم» يقول القمحاوي مبررًا التعديلات التي أدخلها على النص، ويؤكد أن هذا النوع من الكتب ليس متعدد الهويات فحسب، بل هو نص مفتوح، قابل للإضافة دائمًا. إحدى الرسائل الجديدة في الكتاب بعنوان: «ما نجده في الكتب القديمة» حول عملية إعادة قراءة الكتاب نفسه بعد مرور سنوات وما نكتشفه من خفاياه، نرى أجزاء كانت مدهشة في القراءة الأولى أصبحت عادية في القراءة الثانية، وبالعكس نندهش من أشياء مررنا عليها مرور الكرام، كذلك نجد علامات وقواطع القراءة، ونقتبس منه: وقفت أمام رف دوستويفسكي، في كبد المكتبة. بعد لحظات حيرة وقع اختياري على «الأبله». كان بوسعي أن أحمل المجلد الأول وأدع الثاني في مكانه، حيث سيحتاج الأول إلى عدة أيام من القراءة، لكنني أخرجت المجلدين معًا، بإحساس من يلتقي بصديق عائد من غربة سنوات، ويريد أن يعرف كل أخباره دفعة واحدة. هيَّأت مكانًا مريحًا لجلسة ستطول، تأملت الغلاف بالرسم الفطري الذي يليق بهذه الرواية بالذات، بيانات الكتاب تزحم شريطًا رفيعًا أعلى الغلاف: العنوان واسم المؤلف والمترجم سامي الدروبي والمراجع أبوبكر يوسف ورقم المجلد، بينما تحتل اللوحة بقية الغلاف، حيث يقف الأبله في ظلام تبدده هالة القديسين حول رأسه، بينما يرسل نظرة إلى البعيد. قلَّبت الكتاب، وجدت أن كلمة الغلاف الأخير موجهة إلى القارئ دوستويفسكي نفسه، وكنت لا أذكر أنني انتبهت لقراءة ظهر الكتاب من قبل. يقول فيها إن الرغبة التي حملته على تأليفها هي الكتابة عن شخص رائع «فكرة الرواية هي فكرتي القديمة المحببة والصعبة، إلى درجة أنني ظللت طويلاً لا أجرؤ على تناولها.. والفكرة الرئيسية للرواية هي تصوير إنسان رائع تمامًا، ولا يوجد شيء أصعب من ذلك في الدنيا وخاصة الآن»! فهمت لماذا اخترت دوستويفسكي، ولماذا هذين المجلدين بالذات من بين ثمانية عشر مجلدًا من أعماله تضمها مكتبتي. "كنت في الحقيقة، أحب أن أقرأ عن شخص رائع تمامًا، ولم تكن هذه الرغبة واضحة في ذهني بهذا التحديد، وهذه بعض فضائل الأدب العظيم؛ فهو يلبي أشواقنا المبهمة التي نعجز عن توصيفها أكثر مما يقترح علينا من أشواق جديدة، ويحيي ما أهملناه في أنفسنا أكثر مما يثير فينا من مشاعر لم نعرفها من قبل". فعلت ما أفعله عادة قبل بدء قراءة كتاب للمرة الثانية، أخذت أفر صفحاته لاكتشاف ما يتربص بي بينها، إجراء يشبه إضاءة البيت وتفقد زواياه الخفية عند العودة من الخارج ليلاً، ما يخفيه الكتاب غالبًا هو تذكارات قراءتي السابقة. كنت في زمن قراءتي الأولى أبحث عن آثار الآخرين في الكتب؛ حيث سبقت الرغبة في القراءة القدرة على شراء الكتب، ولست وحيدًا في هذا، كل أبناء القرى بدأوا قراءاتهم باستعارة الكتب أو بالعثور عليها في صندوق منسي، ومثلما يتصور أمثالك من أبناء وبنات المدينة أن الدجاج يولد وينمو منتوفًا داخل كيس في ثلاجة، نعتقد نحن أبناء القرى أن الكتب مخلوق أزلي صنعه الخالق لتتناقله الأيدي، وليس سلعة تُشترى بالمال. هذا الاعتياد على آثار الآخرين جعل بكارة الكتاب آخر ما أحرص عليه. بعكسكم أنت ومانجويل ومن لا أدري من القُراء المرفهين، (لا تزعلي، أمزح بالطبع) لا أشعر بالغيرة من القراء السابقين، بل أتشمم روائحهم بسعادة وأتسلى بالتلصص على أذواقهم في القراءة من خلال الفقرات التي أبرزوها بخربشاتهم، ولم تزل هذه المتعة متاحة من خلال باعة الكتب المستعملة، التي توفر متعة إضافية لهواة النميمة الأدبية عندما يكتشفون أن إهداء كاتب شهير إلى كاتب شهير آخر انتهى إلى سوق الكتب المستعملة، أو إذا اكتشفوا عبارات تملق من كاتب كبير لسياسي تحت مستوى الشبهات!. « كتاب الغواية » للروائي عزت القمحاوي