أثارت رسالة ذات طابع «ودي» على تطبيق المراسلة الفورية «ماسينجر» التابع ل«فيسبوك»، الشكوك في نفس المرأة الثلاثينية "ندى ي." 32 عاما، بشأن طبيعة علاقة زوجها بزميلته في العمل. «بينما كان ابني يلعب على اللاب توب الخاص به، وجدتُ تنبيهات لرسائل متبادلة بها نوع من (الملاطفة) بين زوجي وفتاة أخرى، وذلك بعدما نسى الصفحة الخاصة به مفتوحة على (اللاب)»، هكذا بدأت (ندى) حديثها حول تفاصيل واقعة الخلاف الكبرى مع زوجها، والتي أدت إلى الانفصال. خلقت وسائل التواصل الاجتماعي حالة من الشك بين «ندى»، وزوجها (40 عاما)، حتى انتهى الأمر إلى الانفصال بعد 10 سنوات من الزواج. لم تكن هذه هي المرة الأولى التي عبرت فيها "ندى" عن غضبها من تواصل زوجها مع هذه الفتاة -وفقًا لما ذكرته في حديثها ل"الشروق"- إذ كان مبرره أنها "محادثات لا تحمل أي نوع من الترابط"، ولكن استمراره لوقتٍ طويل على منصات التواصل الاجتماعي وإجراء محادثات مختلفة، ساهم في "خلخلة الثقة" بينهما، حتى رأت دردشة أخرى بينهما، وهو ما دفعها لطلب الطلاق: "الرسائل المتبادلة بينهما لم تكن غرامية، لكن لا أقبل أن تشاركني امرأة أخرى في زوجي". لم تنف "ندى"، مهندسة الديكور، أنها ربما تكون "بالغت في تقدير طبيعة علاقة زوجها بتلك الفتاة"، لكن قضاء أغلب وقت فراغه على السوشيال ميديا أثار شكوك عديدة. وبحسب بيان سابق صادر عن دار الإفتاء، وتحديدا في الأول من أكتوبر 2022، فإن "غيرة الأزواج المبالغ فيها وتداخل ذلك مع مظاهر السوشيال ميديا، من العوامل المسببة لزيادة حالات الطلاق، طبقًا لما أثبتته عدة دراسات اجتماعية وإحصائية، بمعدل 27% من حالات الطلاق". وانطلاقًا من كون "منصات التواصل الاجتماعي" مساحة واسعة للتواصل، رأت هدى زكريا، أستاذ علم الاجتماع، خلال حديثها ل"الشروق"، أنه يجب أن يعرف كلًا من الزوجين طبيعة العلاقة مع الجنس الآخر، حتى تزيد بينهما الثقة ويتلاشى "الشك" المحتمل. "أخذت السوشيال ميديا مساحة من علاقتي بزوجي، فنشر صورة لي على (فيسبوك) أو (إنستجرام) كانت تثير غيرته بشدة، بالإضافة إلى أن نشر منشور يحمل طابعا تعبيريا خاصا، كان يغضبه أيضًا"، أضافت "ندى" ل"الشروق". ووفقا لما أكدت عليه أستاذ علم الاجتماع، فإن خروج تفاصيل العلاقات من الخاص إلى العام، يُزعزع من قوة الروابط المشتركة بين الزوجين: "البيوت مقفلة على بلاوي متلتلة". ووفقًا لآخر إحصاء صادر من الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، فإن حالات الطلاق على مستوى الجمهورية لعام 2021 قد بلغت 254 ألفا و777 حالة طلاق، مقارنة بالعام الذي سبقه، والذي شهد تسجيل 222 ألفا و39 حالة طلاق. كما أصدر الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، عددا من المؤشرات الإحصائية المتعلقة بالأسرة المصرية، والتي بيّنت ارتفاع حالات الطلاق بنسبة 14.7% خلال عام واحد. بينما أكدت ندى، أن مواقع التواصل الاجتماعي، وخاصة "فيسبوك"، كانت سببًا رئيسيًا في انفصالها عن زوجها، رأت "زيزي خ."، خريجة كلية الآثار عام 2015، وتعيش في محافظة الجيزة، أنها أحد المسببات التي دفعتها للانفصال: "بسبب الغيرة والمقارنات حذفني زوجي من قائمة الأصدقاء على فيسبوك". وأضافت، في حديثها ل"الشروق": "قبل أن يحذفني زوجي من على فيسبوك، كنت أشارك صورا لي على صفحتي الشخصية، وبمجرد أن يُعلق أي صديق أو زميل لي عليها، يستشيط غضبًا ويطلب مني حذفهم وحذف التعليقات أيضًا"، متابعة: "الأمر كان محل رفض من جانبي في البداية، لكن حفاظًا على استقرار الأسرة آثرت على نفسي، ونفذت ما طلبه مني". دفعت الغيرة المبالغ فيها من زوج "زيزي"، إلى دخوله إلى حسابها من هاتفها الشخصي، والبحث في الرسائل والصور الخاصة بها على فيسبوك؛ بغرض حذفها تارة، أو مناقشتها في أمر رسائل محددة بشكل مبالغ فيه، حتى تراكمت الخلافات بينهما، فضلًا عن دوافع أخرى، حتى انتهى الأمر بالانفصال. وبالعودة إلى ما ذكرته دار الإفتاء في هذا الإطار، فقد أكدت أيضًا أن "الفضول والشعور بالغيرة يدفع بعضَ الأزواج إلى تتبع أسرار الطرف الآخر مع سوء الظن والتفتيش حول الخصوصيات، وهو ما عدَّه الشرع الشريف سلوكًا سيئًا؛ لتضمنه انتهاك الحرمة والخصوصية، وفي ذلك يقول صلى الله عليه وسلم: (إِنَّكَ إِنِ اتَّبَعْتَ عَوْرَاتِ النَّاسِ، أَفْسَدْتَهُمْ أَوْ كِدْتَ أَنْ تُفْسِدَهُمْ)". وفي ظل أجواء يملؤها "الشك" وتكرار الخلافات بين "زيزي" وزوجها، انتهى الأمر بالانفصال بينهما بعد زواج استمر ل5 سنوات، والنتيجة فتاة لم تبلغ الخامسة من عمرها، لم يقبل أن يتكلف بمصاريفها الشهرية. وترى الدكتورة ميرفت العماري، استشاري الطب النفسي، أن "السوشيال ميديا" ما هي إلا عرض لمرض، إذ تُعد كاشفة ل"عوار" في العلاقة أساسًا: "الخيانة على سبيل المثال موجودة من زمان، لكن وسائل التواصل أظهرت ما في باطن الشاعر". وقالت، ل"الشروق": "الاتهام الحقيقي ليس للسوشيال ميديا، بل يجب أن يوجه للأشخاص أنفسهم، لأن العلاقات أصلًا ليست متماسكة أو حقيقية". هموم الأسرة المصرية المتراكمة والمرتكزة في جانب منها إلى "الشك والمقارنات" التي خلقتها السوشيال ميديا نفسها، دفعت عدد من الشباب إلى تأسيس صفحة بعنوان "مشاكل اجتماعية للنقاش"، وذلك بغرض تبادل الآراء بشأن العلاقات الزوجية والخلافات الأسرية. وسرعان ما تحولت الصفحة التي تأسست منذ سنوات، إلى أكبر منصة لتبادل الآراء بشأن العلاقات الزوجية، حتى أصبحت الحياة الأسرية على المشاع، إذ تضم أكثر من مليون شخص. وعليها يبدأ رواد موقع "فيسبوك" في عرض مشاكلهم الزوجية، بغرض البحث عن حل، ويُفعل الكثير منهم، خاصة السيدات، خاصية "مجهول الهوية" عند مشاركة أي منشور. تقول فتاة، فعلت خاصية "مجهول الهوية": "أنا متزوجة وعندي ولدين، كنت مبسوطة مع جوزي أول ما اتجوزنا، وكنت راضية إني أعيش معاه على الحلوة والمرة، بس بعد الظروف والغلاء اللي حصل وإحنا حالنا على قدنا، مبقتش قادرة أتحمل، واللي بيزيد الموضوع ضيق من ناحيتي إني باشوف بنات على فيسبوك، اللي بتعمل تجميل، واللي بتروح أجمل الأماكن، بينما أنا محرومة من كل دا بسبب الوضع المادي. أنا تعبت من حياتي، وكتير زعلانة على ولادي، وأوقات بافكر في الطلاق". في التعليقات على المنشور، طرح الكثير من رواد "فيسبوك"، العديد من الحلول حول هذا الأمر، جاءت في سياق إمكانية انفراج الحال وتحسن الأحوال المادية مستقبلًا، وضرروة الحفاظ على أسرة مترابطة، بينما أشار آخرين إلى أن "الانفصال هو الحل". وعن انتقال الأمور الخاصة بين الزوجين إلى العامة حيث "مواقع التواصل الاجتماعي"، قالت استشاري الطب النفسي، ميرفت العماري، إن "الناس دائمًا في حاجة إلى أن تُسمع وتُشاهد، لكن الأمر لا يخلو من المبالغات والشكوى في المطلق أحيانا". منذ 10 أعوام، أعدت المجلة العائلية الأمريكية "ريدرز دايجست"، دراسة عن العلاقات الرومانسية، تحت عنوان "The Normal Bar"، وأُجريت على أكثر من 100 ألف شخص، أظهرت أن "الملل كان دافع 71% من الرجال و49% من النساء للخيانة الزوجية". وتخبرنا الدراسة التي تأتي في سياق ثقافي واجتماعي، أن الملل له آثار عديدة على مستقبل أي علاقة، وما يجتذبه من أفكار سلبية تطرأ على أحد الزوجين أو كليهما، لتظهر في النهاية عبارات مثل "ربما تزوجت الشخص الخطأ"، أو "يبدو أن الحب بيننا انتهى". وتخلق السوشيال ميديا حالة من الوفرة والقدرة على إقامة علاقات سريعة للرجل والمرأة، وهو ما يصطدم مع النمط الروتيني للعلاقات الزوجية التي يصيبها كثيرًا "الملل وفقدان الشغف"، ليصل الأمر في النهاية إلى الانفصال، وهو ما عبرت عنه الدراسة المشار إليها. "تبحث النساء عن حياة مثالية في السوشيال ميديا لا تتحقق في الواقع إلا ما ندر"، هكذا علق "حسام ج."، 31 سنة، مترجم متخصص في إحدى الشركات، قائلا: "اقتربت من زميلتي في العمل منذ سنة وكنا على وشك الارتباط الرسمي، لكن لم ينجح الأمر بسبب المقارنات ومحاولاتها المستمرة تحقيق ما يحدث في فضاء السوشيال ميديا، في الواقع". وتابع: "كان يثير انتباهها بشدة فيديوهات (الكابلز) التي يتم تصويرها بشكل محترف في أماكن خارجية مثل الفنادق والمنتجعات السياحية، ومن ثم تدعوني إلى تطبيق ذلك، وهو ما لا يتوافق مع قدراتي". وأضاف: "السوشيال ميديا تصنع عالمًا مثاليًا، وهو ما يدفع الفتاة لمحاولة تطبيق ذلك مع شريكها، مثال على ذلك أن الفتاة التي كنت مرتبطا بها، كانت ترغب في أن أكون مفتول العضلات مثل شباب السوشيال ميديا، وأن أخرج معها في أماكن معينة تحتاج إلى مبالغ كبيرة، وهذا يفوق قدراتي، وبالرغم من محبتي لها، لكن لم أتمكن من الاستمرار".