أسعار الذهب والسبائك اليوم الأحد 12 مايو    مفاجأة في سعر الدولار اليوم في البنوك    بورصة الدواجن اليوم بعد الانخفاض.. أسعار الفراخ والبيض الأحد 12 مايو 2024 بالأسواق    الحكومة: إجمالي الأجانب المقيمين في مصر 9 ملايين مهاجر    بايدن: وقف إطلاق النار في غزة مشروط بإطلاق حماس سراح الرهائن    حماس تعلن وفاة محتجز إسرائيلي في غزة    جوميز يستقر على تشكيل الزمالك أمام نهضة بركان في ذهاب نهائي الكونفدرالية    موعد مباراة الأهلي القادمة أمام الترجي التونسي في ذهاب نهائي دوري أبطال إفريقيا    أول تعليق من بلدية المحلة بعد خسارته أمام الأهلي    ترتيب هدافي الدوري الإسباني قبل مباريات اليوم الأحد 12- 5- 2024    "هتذاكر وتعيِّد".. إجازة عيد الأضحى 2024 هُدنة طلاب امتحانات الثانوية العامة    طقس اليوم حار نهارا مائل للبرودة ليلا على أغلب الأنحاء.. والعظمى بالقاهرة 29    السكة الحديد تعلن عودة حركة القطارات بين محطتي الحمام والرويسات بمطروح    التعليم توجه تحذير لطلاب صفوف النقل اليوم    محمد رمضان يتألق في حفل زفاف ابنة مصطفى كامل    إسلام بحيري يكشف مصادر تمويل حركة تكوين    بعد.سحبه من الأسواق.. الصحة: لم نستورد أي لقاحات من استرازينيكا منذ عام    "اعرف هتقبض إمتى".. متى يتم صرف مرتبات شهر مايو 2024؟    أستراليا تشكل لجنة لمراقبة تأثير مواقع التواصل الاجتماعي على المجتمع    رئيس اليمن الأسبق: نحيي مصر حكومة وشعبًا لدعم القضايا العربية | حوار    وزير الرياضة يفتتح أعمال تطوير المدينة الشبابية الدولية بالأقصر    45 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات على خط «طنطا - دمياط».. الأحد 12 مايو    نشاط مكثف وحضور جماهيرى كبير فى الأوبرا    الهدنة بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية قد تبدأ خلال ساعات بشرط وحيد    تثاءبت فظل فمها مفتوحًا.. شابة أمريكية تعرضت لحالة غريبة (فيديو)    مفاجأة صادمة.. سيخ الشاورما في الصيف قد يؤدي إلى إصابات بالتسمم    «آمنة»: خطة لرفع قدرات الصف الثانى من الموظفين الشباب    الحكومة: تعميق توطين الصناعة ورفع نسبة المكون المحلى    بطولة العالم للإسكواش 2024| تأهل 4 لاعبين مصريين للجولة الثالثة    طلاب الصف الثاني الثانوي بالجيزة يؤدون اليوم الامتحانات في 3 مواد    البحرية المغربية تنقذ 59 شخصا حاولوا الهجرة بطريقة غير شرعية    ما التحديات والخطورة من زيادة الوزن والسمنة؟    عاجل.. غليان في تل أبيب.. اشتباكات بين الشرطة الإسرائيلية ومتظاهرين واعتقالات بالجملة    عمرو أديب ل إسلام بحيري: الناس تثق في كلام إبراهيم عيسى أم محمد حسان؟    يسرا: عادل إمام أسطورة فنية.. وأشعر وأنا معه كأنني احتضن العالم    أبو مسلم: العلاقة بين كولر وبيرسي تاو وصلت لطريق مسدود    "الأوقاف" تكشف أسباب قرار منع تصوير الجنازات    يا مرحب بالعيد.. كم يوم باقي على عيد الاضحى 2024    أستاذ لغات وترجمة: إسرائيل تستخدم أفكارا مثلية خلال الرسوم المتحركة للأطفال    ملف رياضة مصراوي.. مذكرة احتجاج الأهلي.. تصريحات مدرب الزمالك.. وفوز الأحمر المثير    خطأ هالة وهند.. إسلام بحيري: تصيد لا يؤثر فينا.. هل الحل نمشي وراء الغوغاء!    رئيس بلدية رفح الفلسطينية يوجه رسالة للعالم    أرخص السيارات العائلية في مصر 2024    حبس سائق السيارة النقل المتسبب في حادث الطريق الدائري 4 أيام على ذمة التحقيقات    إصابة 7 أشخاص إثر انقلاب ميكروباص بمدينة 6 أكتوبر    بعيداً عن شربها.. تعرف على استخدامات القهوة المختلفة    حظك اليوم برج العذراء الأحد 12-5-2024 مهنيا وعاطفيا    «التعليم» تعلن حاجتها لتعيين أكثر من 18 ألف معلم بجميع المحافظات (الشروط والمستندات المطلوبة)    4 قضايا تلاحق "مجدي شطة".. ومحاميه: جاري التصالح (فيديو)    علي الدين هلال: الحرب من أصعب القرارات وهي فكرة متأخرة نلجأ لها حال التهديد المباشر للأمن المصري    خلال تدشين كنيسة الرحاب.. البابا تواضروس يكرم هشام طلعت مصطفى    وزارة الأوقاف تقرر منع تصوير الجنازات داخل وخارج المساجد    تيسيرًا على الوافدين.. «الإسكندرية الأزهرية» تستحدث نظام الاستمارة الإلكترونية للطلاب    رمضان عبد المعز: لن يهلك مع الدعاء أحد والله لا يتخلى عن عباده    الرقابة الإدارية تستقبل وفد مفتشية الحكومة الفيتنامية    رئيس"المهندسين" بالإسكندرية يشارك في افتتاح الملتقى الهندسي للأعمال والوظائف لعام 2024    نقيب الأطباء يشكر السيسي لرعايته حفل يوم الطبيب: وجه بتحسين أحوال الأطباء عدة مرات    ما حكمُ من مات غنيًّا ولم يؤدِّ فريضةَ الحج؟ الإفتاء تُجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحريات العامة.. الثروة التاريخية للبنان
نشر في الشروق الجديد يوم 14 - 05 - 2023

عرف لبنان نظرا للتركيبة الاجتماعية التى تمّ تأسيسه عليها منذ نشوئه، نعمة وجود حيّز كبير من الحريّات العامّة وتداول على السلطة ورخاء نسبى لمواطنيه ومواطناته رغم أنه ليس بلدا نفطيّا. لكن الحرب الأهلية والتدخلات الخارجية، ليس فقط العسكرية بل حتّى خاصّة تلك اليوميّة لممثّلى الدول، أبرزت أنّ نموذج حوكمته «الديموقراطى يعتريه خلل جوهرى. ثم جاء الانهيار المالى ليقضى على الرخاء النسبى وليُفاقِم انعدام المساواة بشكل كبير وليعطل إمكانيات النمو. وانتهى الأمر بغياب أى إصلاح حقيقى يزيل آثار الأزمة وهيمنة مال وسلطة على وسائل الإعلام ومؤسسات المجتمع المدنى... وأخيرا كم أفواه المحامين والقضاة والملاحقات الأمنية للبنانيين والمقيمين.. ووصولا إلى منع نشر سعر صرف العملة الوطنية فى السوق.
فماذا بقى من النموذج الذى كان يمثّله لبنان للشعوب العربيّة الأخرى.. وخاصّةً من حيث صون الحريّات العامّة و«الديموقراطية؟» وما المشهد الذى يقدّمه إذا آلت الانتفاضات العربيّة التى طالبت بالحرية والكرامة إلى نهايتها، ثم تم أخذها إلى آلام الصراعات الأهلية، إلى ما يشابه وضعه الحالى؟
• • •
هكذا يطرح النموذج اللبنانى تحديات جوهرية عدة. أولها حول معنى «الديموقراطيّة» ذاتها. فهل هى مجرّد انتخابات، ولو صوريّا حرة، ومجلس نيابى؟! فى ظل أحزاب شكّلها «أمراء حرب» طوائف وجماعات ومناطق، دون برامج لجميع مواطنيها ومواطناتها، وفى ظل نخر أسياد السلطة القائمة لمؤسسات الدولة، وتقاسمهم لجميع مستوياتها حتى أصغرها، وتعطيل وظائفها. فما الفرق إذا بين هذا «النظام الديموقراطى والأنظمة الشمولية؟ لا شىء سوى «تعددية السلطة».. لكن مع عطالة الدولة بانتظار توافقات محلية ترعاها دول خارجية. وحينما تأتى هذه التوافقات يتقاسم «أمراء الحرب» الغنائم من خلال الصفقات العامة والاحتكارات، دون إمكانيّة للمحاسبة، إذ إنها سرعان ما تخضع لاعتبارات توازنات اجتماعية يفرضها «أمراء الحرب» أنفسهم.
يقترح البعض «اللامركزية» كحل سحرى وهمى، فقط بغية إلغاء التعددية، وكأن مؤسسات الدولة على الصعيد المحلى أكثر نجاعة وتستطيع إدارة الموارد المحليّة، وفى حالة لبنان إدارة تدفقات تحويلات المغتربين أو أموال الخارج، بشكل ناجع. وكأن «أمراء الحرب» ليسوا أيضا.. سلطة محلية تقوم على الزعامة والاستزلام.
هذا تحدٍّ حقيقى. إذ لا يُمكن إرساء ديموقراطية ولامركزية ناجعة دون أحزاب وطنية فاعلة، تشمل كافة الفئات الاجتماعية وذات برامج تطمح لازدهار الجميع، ودون دولة مؤسساتية قادرة وطنيّا على كبح الاحتكارات وتجاوزات السلطة وضمان أن هذه السلطة.. تقوم على التداول. هكذا أتى فشل محاولات إرساء «ديموقراطية» انتخابات ومجلس نيابى فى الدول التى شهدت انتفاضات «الربيع العربى»، بالتحديد لأن الأحزاب القائمة لم ترقَ إلى طرح يشمل جميع المواطنين والمواطنات وهبّت لتقاسم النفوذ ضمن الدولة، ما دفع القائمون على مؤسسة الجيش والأمن إلى القفز للاستيلاء.. على السلطة.
التحدى الآخر المطروح هو نموذج «التنمية؟» واللافت فى الحالة اللبنانية هو حجم «خسائر» البلاد التى فضحها الانهيار المالى، حوالى 70 مليار دولار، أى أضعاف مضاعفة عن حجم الأموال المطلوبة للنهوض بالبنى التحتية وباقتصاد البلاد ومجتمعها. وفى الواقع، لا يُمكن أن تترسّخ سلطة تهيمن على الدولة دون احتكار موارد البلاد، مهما كانت، لمصلحتها بغية استخدامها فى استزلام الولاءات. سواء أكانت تلك السلطة تعددية أم شمولية. ما يعنى أنه لا يُمكن أن يكون هناك تنمية ولا إعادة إعمار بعد الحروب أو الكوارث دون بالتحديد تقويض «ريوع» السلطة من موارد البلاد أو من الخارج. هذه هى معركة الحفاظ على «المال العام» والإدارة المالية والنقدية التى لا يُمكن أن تُخاض دون قضاء مستقل (والقضاء مؤسسة أساسية فى الدولة) ودون حريات عامة تسمح بمحاسبة السلطة القائمة.
بالتأكيد، لا تسمح الأنظمة الشمولية بوجود الحريات العامّة. واللافت أن الحريات العامة فى البلاد التى شهدت انتفاضات الطموح إلى الحرية والكرامة أضحت أسوأ اليوم مما كانت عليه قبل الانتفاضة. حساسية مفرِطة تجاه انتقاد السياسات العامة ومحاسبة السلطة القائمة. «الزَم الصمت وإلّا.»... وكان لبنان فى المقابل يعيش حالة «قل ما تشاء ونحن سندير البلاد كما نشاء.. ستصوّت فى النهاية لنا، لأنّك ستحتاج للخدمات والأموال التى نوزعها إذا ناصرتنا».
• • •
لكنّ الواقع اليوم هو تقليص الخدمات بعد الأزمة حتى عن حدها الأدنى، فلا كهرباء ولا طبابة ولا أجور، وفقر ينتشر بشكل واسع. هكذا تحولت المعادلة إلى توجيه اللوم على «الآخر»، اللاجئ السورى وإلى قمع الحريات: «كل المصائب تأتى من اللاجئين... فاسكت حتّى نجد لهم حلا».
بالتأكيد أيضا، تحمل لبنان والشعب اللبنانى عبئا كبيرا جدا من اللاجئات واللاجئين السوريين. ولكنهم اليد العاملة الرخيصة لأعمال لا يقوم بها اللبنانيون واللبنانيات، حتى قبل الصراع السورى، فى كافة البلدات والقرى. وهذا ما يزيد من إنتاجية البلاد. وأتت معهم مساعدات خارجية توزع أغلبها بالليرة اللبنانية عليهم من قبل أحد المصارف اللبنانية. ما يعنى أن هذه المساعدات تأتى بعملة صعبة لاقتصاد البلد وتنمى الاستهلاك والإنتاج. كما جلب وجودهم مساعدات أخرى خارجية لدرء أعباء تواجدهم وكذلك الأزمة الحالية. ليس كل السوريين فى لبنان لاجئين، بل أيضا بينهم أصحاب مهن وفعاليات اقتصادية عانت من الصراع فى سوريا ومن العقوبات ثم فقدت أموالها فى الأزمة كما اللبنانيين. ولا علاقة للسوريين بالانهيار المالى اللبنانى، فهو نتيجة سياسات السلطة «التعددية» وتورط عدة دول خارجية معها.
ليس لوم «الآخر»، المقيم، حكرا على الوضع اللبنانى، بل يتردد عموما فى جميع البلدان، حتى تلك «الديموقراطية»، زمن الأزمات. ف«الآخر» مكسر عصا الأزمات ومبرر كبح الحريات. وفى مناخ التهييج حول «الآخر»، يتم إسكات أصوات المحامين اللبنانيين لدفاعهم عن أموال المودعين وتجاوزات السلطة، ويتم كبح القضاة الذين يحققّون فى التجاوزات أو يطردون، ويتمّ اعتقال السوريين الشباب دون إقامة صالحة وإرسالهم إلى الحدود، فى حين لا تعمل مؤسسات الدولة أصلا لتنظيم إقامتهم.
فالمطلوب من المحامين والقضاة الالتزام بقواعد مسار «اللا إصلاح» كى يفقد المودعون الأمل ويتحملون طوعا الخسارة المالية الكبرى. وعلى السوريين اللاجئين أن يستزلموا ل«أمراء حرب» لبنان كى يحصلوا على إقامات ومساعدات وخدمات، كما اللبنانيين.
ليس من السهولة بمكان إيجاد حل لأوضاع لبنان. ربما الأفضل أن يَرحل أو يُرحَّل جميع السوريين إلى سوريا دفعة واحدة وتتحمل السلطة هناك عبئهم. رغم أن هذا لن يعيد اللبنانيين، وخاصة الشباب، الذين هاجروا من جراء الأزمة بحثا عن عمل كريم. ليس فقط لأنهم فقدوا الأمل ب«الإصلاح» وتجاوز الانهيار المالى، بل خاصة لأن لبنان يفقد ميزته الأساسية.. وهى الحريات العامة.
تبقى الحريات العامة هى مكمن التحدى الحقيقى للنموذج اللبنانى ورهانه الأساسى هو قدرته على الحفاظ عليها. إنها الثروة التاريخية التى لا يُمِكن لا للنفط والغاز ولا لتدفق السواح والمستثمرين التعويض عنها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.