انطلاق امتحانات نهاية العام 2024 بجامعة برج العرب التكنولوجية    محافظ المنيا: توريد 318 ألف طن قمح للصوامع منذ بداية الموسم    تصل ل1890 جنيها.. ننشر الحد الأقصى لصرف زيادة المعاشات 15% قبل العيد    «الدقهلية» تتسلم 1.2 مليون ذريعة سمك بلطي دعما من «حماية البحيرات»    "كل العيون على رفح".. حملة انستجرام تتجاوز 40 مليون مشاركة خلال ساعات    وزير خارجية النرويج: مصر دعمتنا في قرار الاعتراف بالدولة الفلسطينية    «حماة الوطن»: زيارة الرئيس السيسي إلى الصين تعزز العلاقات الثنائية بين البلدين    «القاهرة الإخبارية»: لابيد يجتمع مع ليبرمان لبحث خطة عمل لاستبدال حكومة نتنياهو    برشلونة يرفض رحيل هذا الرباعي في الصيف    روديجو يحسم الجدل حول رحيله عن ريال مدريد    وزير الرياضة يستقبل رئيس الاتحاد الأفريقي للكرة الطائرة جلوس    ملخص علم النفس والاجتماع لطلاب الثانوية العامة 2024    تأجيل محاكمة المضيفة المتهمة بقتل ابنتها في التجمع الخامس    «تعليم القاهرة» تشدد على توفير بيئة امتحانية آمنة لطلاب الثانوية العامة    مطار الأقصر الدولي يودع حجاج بيت الله الحرام في رحلاتهم الأولى لموسم 1445 ه    دراسة: الفراعنة تدخلوا جراحيا لعلاج السرطان والدليل جمجمة عمرها 4000 عام    «السرب» يتصدر إيرادات الأفلام بدور العرض.. وعالماشي في المركز الأخير    نقابة المهن السينمائية توجه رسائل للفائزين بجوائز الدولة التقديرية    تفاصيل دور جومانا مراد في «مفترق طرق» قبل العرض رقميًا    الكشف على 1622 مريضا ضمن قافلة علاجية مجانية بمركز بلقاس بالدقهلية    3 عناصر غذائية تحسن المزاج وتجنبك العصبية في الصباح.. احرص على تناولها    التحليل الفني لمؤشرات البورصة المصرية اليوم الأربعاء 29 مايو 2024    السؤال الذى لم تجب عنه الحكومة!    حماس تحمل واشنطن مسئولية المجازر المروعة برفح وتدعوها إلى وقف شراكتها في قتل الفلسطينيين    اتهام كوريا الشمالية بإرسال بالونات تحتوي على قاذورات وفضلات عبر حدودها مع كوريا الجنوبية    إسكان النواب: يجب حل مشكلات الصرف الصحي بعد مخصصاتها الضخمة بالموازنة الجديدة    مزايا تأمينية وحوافز شهرية.. جهاز تشغيل الشباب بالجيزة يعلن فرص عمل جديدة    228 طالبا ب"صيدلة الإسماعيلية الأهلية" يؤدون اختبار "مدخل إلى علم الجودة" إلكترونيا (صور)    مهدد بالإيقاف 4 سنوات.. محامي رمضان صبحي يكشف مفاجأة    دياب: نحتاج 4 مواسم لضبط مواعيد الدوري المصري مع العالم    "يرمي الكرة في ملعب ريال مدريد".. باريس يحتجز مستحقات مبابي    «المشاط» تبحث مع وزير التنمية البريطاني التعاون بمجال الزراعة والأمن الغذائي    لماذا أسلم البروفيسور آرثر أليسون؟    حريق يتسبب في تفحم محتويات شقة سكنية في منطقة الحوامدية    مصرع شخص إثر حادث انقلاب موتوسيكل في الشرقية    جيش مصر قادر    «تقدر في 10 أيام».. أماكن المراجعات المجانية للثانوية العامة في المنيا    بالأسماء.. ننشر نتيجة الشهادة الإعدادية 2024 بمحافظة الوادي الجديد    إدعى إصدار شهادات مُعتمدة.. «التعليم العالي» تغلق كيانًا وهميًا في الإسكندرية    الجيش الإسرائيلي: مقتل 3 جنود وإصابة 10 في معارك رفح    وزيرة الهجرة تستقبل أحد أبناء الجالية المصرية في كندا    فرقة aespa ترد على رسائل شركة HYPE للتخلص منها    السبت | «متحف الحضارة» يحتفي برحلة العائلة المقدسة    مصطفى كامل يهنئ الدكتور رضا بدير لحصوله على جائزة الدولة التقديرية    ماجواير يستعد لمحادثات حاسمة مع مانشستر يونايتد    وزير الإسكان يبحث وضع خطة عاجلة لتعظيم دور الهيئة العامة للتنمية السياحية    لجنة القيد تحت التمرين.. بداية مشوار النجومية في عالم الصحافة    «السبكي» يستقبل رئيس «صحة النواب» في زيارة تفقدية لمستشفى شرم الشيخ الدولي    جامعة القاهرة: قرار بتعيين وكيل جديد لطب القاهرة والتأكيد على ضرورة زيادة القوافل الطبية    بعد ترميمه.. "الأعلى للآثار" يفتتح مسجد الطنبغا الماريداني بالدرب الأحمر    وزارة الصحة تكشف المضاعفات الخطرة للولادات القيصرية غير المبررة.. انفوجراف    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 29-5-2024    صلاة الفجر من مسجد الكبير المتعال فى بورسعيد.. فيديو وصور    حج 2024| ما الفرق بين نيابة الرجل ونيابة المرأة في الحج؟    حج 2024| هل يجوز حلق المحرِم لنفسه أو لغيره بعد انتهاء المناسك؟    نصف شهر.. تعرف على الأجازات الرسمية خلال يونيو المقبل    واشنطن: هجوم رفح لن يؤثر في دعمنا العسكري لإسرائيل    المدير التنفيذي للأهلي: الخطيب لم ينفذ البرنامج الطبي الخاصة به بسبب نهائي إفريقيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لماذا لا نقرأ التتالوج؟!
نشر في الشروق الجديد يوم 17 - 04 - 2023

أهوى قراءة نشرات الأدوية، والملصقات على المساحيق والمنظفات وغيرها من المنتجات، وأوراق الجرائد الملفوف بها الساندوتشات، وغارقة فى الزيت الحار، وعلى الرغم من إيمانى أن لا شىء يُغنى عن القراءة بشكل عام، إلا أنه قليلا ما أتوقف لأقرأ كتالوج أى من الأدوات الكهربائية، أو الأثاث الحديث الذى يعتمد تركيب قطعه بعضها البعض بقطع صغيرة أخرى، وأجدها لعبة تحدٍ أن أنجح فى التعامل مع هذه الأشياء عن طريق التجريب والخطأ طالما لا تتسبب محاولاتى فى تخريبها، وهو ما أسميه بالذكاء الفطرى للمصرى، وفى تسميات أخرى يُعرف ب«الفتى».
ولأن مجلس إدارة العالم أدرك حاجة الناس للمساعدة، فقد أتاح جوجل وموقع اليوتيوب الإجابة عن كل سؤال بخصوص تركيب وصيانة الأعطال البسيطة لكل شىء، إلا أن وجود هذه الفيديوهات لا يُغنى عن قراءة الكتالوج كما أكد لى أحد أصدقائى المتخصصين فى كل شىء تقريبا، خاصة أنه الوسيلة لمعرفة إن كان العطل بسبب سوء استخدام أم عيب صناعة.
• • •
ثلاث قطط فى شقتى، تصيبهم حالات من الانتعاش، حيث يطاردون بعضهم البعض، ويتعلقون فى جميع الأشياء حتى رقبتى، وفى أحد المرات تعلق أحدهم بالتلفزيون، وحاول الآخران جذبه واختلط عليهما ذيله مع الأسلاك، وأدركت أن لطفى الزائد تجاه هذه الكائنات بريئة الطباع صار يهدد هيمنتى وأجهزتى، واستخدمت لهجة حادة من أجل لفت نظرهم أن التلفزيون خط أحمر، وما كاد أن يمر يومان، حتى تعلق القط مرة أخرى، وهذه المرة سمعت صوت طقطقة يصدر عن الجدار، وتبين أن الحامل تزحزح قليلا من مكانه.
التلفزيون الذى سبق وقام كهربائى بتعليقه على الحائط، قررت إنزاله وتركيب الأرجل له ووضعه قريبا من الأرض، وتذكرت أن الكهربائى استخدم الكتالوج أو «التتالوج» كما ينطقه، وأبهرنى طلبه حينها، لأنه على عكس أقرانه من العمال الذين لا يكترثون لهذه الأوراق، وعن نفسى أتحدث أيضا.
لم أتذكر أين احتفظت بالمسامير الخاصة بالأرجل مع الكتالوج، طمأنت نفسى أن المسامير كلها تتشابه، وبحثت فى علبة الأدوات، وبعد اختبار العشرات، وجدت عدة مسامير يفصلها عن المقاس المضبوط أقل من سنتيمتر.
لم يكن التلفزيون ثابتا بشكل كافٍ بسبب عدم ملاءمة المسامير، الأمر الذى أرهق ذهنى بكل السيناريوهات المحتملة لسقوطه، إما لأسباب طبيعية، أو لحادثة، المتهم الأول فيها القطط، وكل عدة أيام أطمئن على ثبات الأرجل النسبى.
وفى أحد الأيام وبشكل أقرب إلى تدخل إلهى لإنهاء معاناتى مع القلق، وجدت الكتالوج والمسامير أثناء إعادة ترتيب أحد الأدراج، أعدت الكتالوج مكانه، وبعد ساعتين كدت أن أبكى فيهما من عدم ملاءمة المسامير المختارة للتلفاز، صور لى ذهنى أنها مؤامرة إلكترونية ضدى.
وفى خلال هذه الهدنة القصيرة، تذكرت جملة صديقى «أبوس إيدك اقرى الكتالوج»، أحضرته وتصفحته وأنا عابسة وأسخر من المكتوب لأنه بالنسبة لى معروف بالفعل، حتى طالعتنى الصور موضحة أن الأرجل لابد أن تميل قليلا حتى يتم توزيع ثقل التلفزيون، وأنا كنت أفعل العكس كليا، بدفعها حتى تكون فى خط مستقيم، تجسد لى صديقى فى الصالة وهو يقهقه ويسخر منى أنا وآخرين.
• • •
إلى جانب إلحاح صديقى على أن أقرأ الكتالوج، لا يتوقف عن الاندهاش كلما رويت له كيف أعدت الحياة إلى غرفة مظلمة بتغيير اللمبة، أو شد أسلاك جديدة، وغيرها من الأعطال البسيطة المنزلية، التى قمت معها بدور الكهربائى أو السباك، خاصة أن والدى لعب هذا الدور طوال حياتنا وما زال يلعبه رغم بلوغه الخامسة والسبعين، وأحسن تعليمنا الكثير.
شعارى الدائم ونصيحتى لكل صديق وصديقة، طالما لديك العدة كاملة فى المنزل من أصغر مسمار و«فيشر»، ومفكات وزردية، وصولا إلى الشنيور بكافة «البُنط» والسلم، فأنت فى أمان من الحاجة إلى العمال قدر الإمكان، وبالنسبة لى لا أرتاح إلا بعد أن أعرف بنفسى طبيعة العطل حتى لو لجأت فيما بعد إلى مساعدة، ولأسباب خفية أو لأن أمى تدعو لى، فنادرا ما أعجز عن حل المشكلات البسيطة.
ولكن على الرغم من المعرفة التى أورثها لى أبى، ودعاء أمى، إلا أن العلم أثبت أن لكل صنايعى هفوة، وكانت هفوتى عندما توقف فرع النور فجأة عن العمل، وأدركت أن مشكلته فى الفيشة التى تحتاج إلى إحكام عقدة السلك بداخلها، وفى دقائق كنت قد أتممت المهمة، أمسكت بنهايته، ووضعت الفيشة فى البريزة وأثبت لى أنه يعمل بنجاح، بتعرضى لصعقة كهربائية أطاحت بى حتى كاد أن يتوقف قلبى، ولولا أن الشبشب فى قدمى، وأصابعى بعيدة من الطرف الآخر من السلك، ربما كنت الآن بعيدة عن كتابة هذا المقال.
هدأت وفركت يدى المصعوقة، وبحثت عن سبب مرور التيار فى جسدى، واكتشفت أن طرف فرع النور غير محمى بشريط لحام يعزله، هززت رأسى غاضبة من نفسى لفداحة الخطأ الذى وقعت فيه، لأن الكشف عن الأسلاك العارية، واختبارها بالمفك المخصص لهذا والمعروف ب«مفك التست»، من البديهيات قبل البدء فى أى عمل متعلق بالكهرباء، وصار لدى يقين الآن أن تجربتى فى صيانة الأعطال، وكوب الشاى الخمسينية الذى أضعه بجوارى أثناء العمل، أداء غير كافٍ حتى ألعب دور الصنايعى المحنك بهذه الأريحية.
• • •
«احنا شعب ملوش كتالوج»، ولدينا أذكى طفل فى العالم، هكذا نحب التفاخر، ولكن يبدو لى الآن أن افتقارنا للكتالوج والاعتماد على ذكائنا الفطرى، مُكلف ومضيعة للوقت وخسائره أكبر بكثير من بذل تلك الدقائق المعدودة للتعرف على ما بين أيدينا، عوضا عن أن نقع ضحايا المؤامرة الخفية المتخيلة، كما شعرت أنا تجاه التلفزيون وكنت فى طريقى لكتابة شكوى لدى جهاز حماية المستهلك أستغيث من تلفاز لا تناسبه أرجله.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.