الراوي والحكايات جزء أصيل من ثقافتنا، وكان الناس يجلسون أمام المقاهي يستمعون لحكايات أبوزيد الهلالي والزير سالم، والأطفال يجتمعون لكي يسمعوا قصص الجدة في الدار. وفي رمضان تجتمع الأسر حول الحكايات الدرامية وأمام الفوازير، والحكاية تجذب الكثيرين، لذلك نقدم في سلسلة مكتوبة خلال شهر رمضان الكريم مجموعة من الحكايات التي تتعلق بالحضارة المصرية القديمة وتحديداً عن تفاصيل الحياة اليومية. ويستمر حديثنا عن حياة الفرد المصري القديم وعلاقته بالطبيعة من حوله وتسخيره لها؛ لصناعة أدوات مختلفة استخدمها في قضاء مصالحه أو اعتبرها زينة وحُلي وغيرها ومواد أخرى وُظفت في البناء والتعمير، وهو ما تحدث عنه كتاب "المواد والصناعات عند قدماء المصريين"، من تأليف ألفريد لوكاس، وترجمة دكتور زكي إسكندر، وإصدار الهيئة المصرية العامة للكتاب، وفي الفصل الثامن ينتقل لوكاس إلى صناعات الألياف قديماً. خصص لوكاس جزءً كبيرًا من هذا الفصل للحديث عن المنسوجات في مصر القديمة، وذكر فيه الكتان والصوف والقطن وعلاقته بالحياة قديماً ومدى انتشاره في عهود الأسرات المختلفة. والمنسوجات التي بقيت من مصر القديمة، هي التي وجدت في المقابر وتقتصر غالباً على لفائف الموتى، إلا أنه قد يعثر أحياناً فوق الجسم على ثوب وأخرى كانت توضع في المقبرة، وكان الغزل والنسج من أقدم الصناعات التي مارسها المصريون القدماء، إذ وجدت منسوجات في مصر منذ العصر الحجري الحديث، أما مناظر زراعة الكتان وضربه لاستخراج الألياف منه والغزل والنسخ. يذكر أن بعض هذه العمليات قد صورت على جدران عدة مقابر من الأسرة الثانية ببني حسن والبرشا، وكذلك جدران بعض مقابر من الأسرة الثامنة عصر بطيبة، وعثر بطيبة أيضاً على نموذج من الأسرة ال11 تشاهد فيه النساء وهن يقمن بالغزل والنسج وهذا النموذج معروض بالمتحف المصري. واُستخدمت نباتات مختلفة في صناعة المنسوجات أولها الكتان، الذي كان يزرع في مصر منذ أقدم العصور، وعثر على الأقمشة الكتانية منذ الحقبة النيوليثية وفترة البداري وعصر ما قبل الأسرات، والأسرة الأولى على النوالي، وتختلف الأقمشة الكتانية بين رقة الشاش ودقته وسمك الخيش وخشونته، حيث كانت تعالج سيقان القنب للحصول منها على الألياف، ثم تنظف وتدق وتمشط وتغزل وتلف وهناك لوحات ملونة موجودة في المقابر توضح هذه العملية. وقد عثر في مقبرة تحتمس الرابع على أجزاء صغيرة من الأقمشة الكتانية المزركشة بصور ملونة، كما وجدت في مقبرة توت عنخ آمون عدة أشياء من الأقمشة الملونة أيضاً، ويوجد في المتحف المصري 3 نماذج من الكتان ذي طيات من الأسرة الثامنة عشر. كما ذكر لوكاس بالإضافة إلى الكتان، الصوف ولكن لم يعثر في المقابر حتى عصر متأخر إلا على القليل من الصوف ومع ذلك لا يوجد أدنى شك أن المصريين الذين كان لديهم قطعان كبيرة من الغنم قد استعملوا الصوف كأغطية، وذلك ما ذكره هيرودوت: "كان المصريين يلبسون ثياباً فضفاضة من الكتان موشاة بالصوف الأبيض". وقد وجدت الملابس الصوفي في مقابر يرجع تاريخها إلى بدء العصر المسيحي، كما أن الصوف المصبوغ استخدم لتوشية الأقمشة الكتانية، وفي حالات قليلة وجدت أقمشة محكاة من الصوف البني والصوف الأبيض في عصر ما قبل الأسرات، ووجد في هرم منقرع بالجيزة جزء من الهيكل العظمي ملفوف في قماش من صوف خشن ذي لون أصفر.