كان الإمام الغزالي أحد أعلام عصره وأحد أشهر علماء المسلمين في القرن الخامس الهجري، وهو الفقيه والفيلسوف، صوفيّ الطريقةِ، شافعيّ الفقهِ، ولُقب بحجة الإسلام. وفي هذا السياق، تعرض "الشروق" في شهر رمضان الكريم وعلى مدار أيامه، حلقاتها اليومية من سلسلة "أشهر الأئمة في التاريخ الإسلامي"، لتأخذكم معها في رحلة نتعرف فيها على بعض الشخصيات التاريخية الإسلامية من أئمة الإسلام الذين سطروا أسمائهم بحروف من نور. وفي هذه الحلقة نرصد محطات بارزة في حياة الإمام الغزالي، استنادا لكتاب "سير أعلام النبلاء" للإمام الذهبي. مولده ونشأته ولد أبو حامد محمد الغزّالي عام 450 ه، في «الطابران» من قصبة طوس، وهي أحد قسمي طوس التابعة للدولة السلجوقية، وقيل بأنّه وُلد عام 451 ه، لأسرة فقيرة الحال، إذ كان أباه يعمل في غزل الصوف وبيعه في طوس، ولم يكن له أبناء غيرَ أبي حامد، وأخيه أحمد والذي كان يصغره سنّا كان أبوه يميل للصوفية، لا يأكل إلا من كسب يده، وكان يحضر مجالس الفقهاء ويجالسهم، ويقوم على خدمتهم، وينفق بما أمكنه إنفاقه، وكان كثيراً يدعو الله أن يرزقه ابنا ويجعله فقيها، فكان ابنه أبو حامد، وكان ابنه أحمد واعظا مؤثرا في الناس. ولما قربت وفاة أبيهما، وصّى بهما إلى صديق له متصوّف، فلما مات أقبل الصوفيّ على تعليمهما حتى نفد ما خلّفهما لهما أبوهما من الأموال، ولم يستطع الإنفاق عليهما. وعند ذلك قال لهما: "اعلما أنّي قد أنفقت عليكما ما كان لكما وأنا رجل من الفقر والتجريد بحيث لا مال لي فأواسيكما به وأصلح ما أرى لَكمَا أن تلجئا إِلَى مدرسة كأنكما من طلبة الْعلم فَيحصل لَكمَا قوت يعينكما على وقتكما»، ففعلا ذلك وكان هو السبب في علو درجتهما. رحلة الغزالي في طلب العلم بدأ الإمام الغزالي طلبه للعلم في صباه عام 465 ه، فأخذ الفقه في طوس على يد الشيخ أحمد الراذكاني، ثم رحل إلى جرجان وطلب العلم على يد الشيخ أبو النصر الإسماعيلي، وفي عام 473 ه رحل الغزّالي إلى نيسابور ولازم إِمام الحرمين أبو المعالي الجويني (إمام الشافعية في وقته، ورئيس المدرسة النظامية). ودرس عليه الغزالي مختلف العلوم، من فقه الشافعية، وفقه الخلاف، وأصول الفقه، وعلم الكلام، والمنطق، والفلسفة، وجدّ واجتهد حتى برع وأحكم كل تلك العلوم، ووصفه شيخه أبو المعالي الجويني بأنه: "بحر مغدِق"، وجعله مساعدا له في التدريس، وعندما ألف الغزالي كتابه "المنخول في علم الأصول"، قال له الجويني: "دفنتني وأنا حيّ، هلّا صبرتَ حتى أموت". وصل الغزالي إلى بغداد في جمادى الأولى سنة 484 ه، في أيام الخليفة المقتدي بأمر الله العباسي، ودرّس بالمدرسة النظامية حتى أُعجب به الناس لحسن كلامه وفصاحة لسانه وكمال أخلاقه، وأقام على التدريس وتدريس العلم ونشره بالتعليم والفتيا والتصنيف مدّة 4 سنوات. فاتسعت شهرته وصار يُشدّ له الرّحال، ولُقّب يومئذٍ ب"الإمام" لمكانته العالية أثناء التدريس بالنظامية في بغداد، وكان يدرّس لأكثر من 300 من الطلاب في الفقه وعلم الكلام وأصول الفقه. الغزالي والرد على الفلاسفة انهمك الغزالي في البحث والاستقصاء والردّ على الفرق المخالفة بجانب تدريسه في المدرسة النظامية، فألّف كتابه "مقاصد الفلاسفة" يبيّن فيه منهج الفلاسفة، ثمّ نقده بكتابه "تهافت الفلاسفة" مهاجما الفلسفة ومبيّنا تهافت منهجهم. الغزالي والتصدي للفكر الباطني لم يكتف الإمام الغزالي بهذا بل تصدّى للفكر الباطني (وهم الإسماعيلية) الذي كان منتشرا في وقته و أصبح الباطنيون ذوو قوّة سياسية، حتى أنّهم قد اغتالوا الوزير نظام الملك عام 485 ه الموافق 1091، وتُوفي بعده الخليفة المقتدي بأمر الله، فلما جاء الخليفة المستظهر بالله، طلب من الغزالي أن يحارب الباطنية في أفكارهم، فألّف الغزالي في الردّ عليهم عدة كتب وهي: "فضائح الباطنية" و"حجّة الحق" و"قواصم الباطنية". الزاوية الغزالية وفي سنة 488 ه،خرج الغزالي إلى الشام قاصدا الإقامة فيها، مُظهِرَا أنه متّجه إلى مكة للحجّ حذرا أن يعرف الخليفة فيمنعه من السفر إلى الشام، فوصل دمشق في نفس العام، ومكث فيها قرابة السنتين لا شغل له إلا العزلة والخلوة، والمجاهدة، اشتغالا بتزكية النفس، وتهذيب الأخلاق. فكان يعتكف في مسجد دمشق، يصعد منارة المسجد طول النهار، ويغلق على نفسه الباب، وكان يكثر الجلوس في زاوية الشيخ نصر المقدسي في الجامع الأموي، والمعروفة اليوم ب"الزاوية الغزالية" نسبةً إليه. وبعد ذلك رحل الغزالي إلى القدس واعتكف في المسجد الأقصى وقبة الصخرة، ثم ارتحل وزار مدينة الخليل في فلسطين، وما لبث أن سافر إلى مكة والمدينة المنورة لأداء فريضة الحج، ثم عاد إلى بغداد، بعد أن قضى 11 سنة في رحلته، ألّف خلالها أعظم كتبه وهو "إحياء علوم الدين"، وقد استقر أمره على الصوفية. أهم مؤلفاته 1- كتاب إحياء علوم الدين كان من أشهر مؤلفات الغزّالي في التصوف كتابه إحياء علوم الدين، والذي حاز شهرةً كبيرة لم يقاربه أي كتاب من كتبه الأخرى، حتى صارت نسخه المخطوطة منتشرة في مكتبات العالم. 2- الاقتصاد في الاعتقاد 3- بغية المريد في مسائل التوحيد 4- إلجام العوام عن علم الكلام 5- المعارف العقلية ولباب الحكمة الإلهية 6- فتاوى الغزالي 7- المنخول في علم الأصول اقرأ أيضا: أئمة الإسلام (6).. الإمام مسلم.. التاجر الذي استخدم مهنته لنشر العلم