• ثورة 1919 كان لها وجه آخر فى الريف.. انتفاضة غضب وانفجار جياع مصر بها نصب تذكارى لضحايا الفيلق لكن لم يكن أحد يعلم عنه شيئًا أكد الدكتور محمد أبو الغار أن ثورة 1919 تعد ثورتين؛ الأولى للمدنيين فى ظل الكنيسة والأزهر والعمال تحت قيادة سعد زغلول، وكانت «هذه الثورة تطالب بالحرية والديموقراطية والعدالة الاجتماعية والبرلمان والدستور وإلغاء الحماية البريطانية»، أما الثورة الثانية فكانت فى الريف، مستكملا: «كانت انتفاضة ضد خطف المصريين وإجبارهم على المشاركة فى الفيلق المصرى، ثم حدثت ثورة جياع بسبب الاستيلاء على المحاصيل المصرية؛ وهو ما أدى لاحتكاكات مباشرة بين المواطنين الفلاحين والإنجليز». وللحديث عن ذلك الفيلق المصرى حلّ «أبو الغار» ضيفا على الكاتب الصحفى إبراهيم عيسى، فى برنامج «حديث القاهرة» المذاع عبر شاشة «القاهرة والناس»، مساء الخميس، ليكشف أن أساتذة التاريخ البريطانيين لم يتطرقوا لهذه الواقعة إطلاقا، بينما بحث فى شأنها 3 من الباحثين الأمريكان؛ الذين اهتموا بحالة الفلاحين فى هذه الفترة، فالتاريخ المصرى يحوى فى أعماقه خفايا وأسرارا، وهذا ما استشعره الباحث والسياسى والكاتب محمد أبو الغار، أستاذ النساء والتوليد بجامعة القاهرة، لذلك قرر البحث بين طيّات التاريخ المصرى، وأخرج للنور قصة «الفيلق المصرى» التى توثق جريمة اختطاف الاحتلال البريطانى أكثر من 500 ألف مواطن أغلبهم من فلّاحى مصر، والزج بهم فى غياهب الحرب العالمية الأولى، فى الفترة من 1914 إلى 1918.. وذلك عبر تأليفه لكتاب «الفيلق المصرى جريمة اختطاف نصف مليون مصرى»، الصادر حديثا عن دار الشروق. والكتاب يروى تفاصيل حادثة خطيرة لم يصدر عنها كتاب يؤرخ لها بالرغم من تأثيرها العميق على مصر. طلبت بريطانيا من الحكومة المصرية فى أثناء الحرب العالمية الأولى إصدار أوامرها إلى مأمورى المراكز والعمد بالقبض على شباب الفلاحين، وربطهم بالحبال وترحيلهم مع الجيش البريطانى إلى سيناء وفلسطين وسوريا ولبنان والعراق وغرب تركيا وجزر اليونان وفرنسا وبلجيكا وإيطاليا؛ ليقوموا بأعمال شاقة مثل بناء خط سكة حديد وتحميل وتفريغ السفن، وبالفعل تم ترحيل ما يقدر بحوالى 530 ألف فلاح حين كان تعداد مصر 12 مليون نسمة، وقُتل منهم حوالى 50 ألف فلاح أى 10% من فلاحى مصر. وعن رحلة البحث، أكد أنها اتسمت بالصعوبة خاصة فى ظل إجراءات دار الوثائق المصرية، مضيفًا: «أحد الباحثين الأمريكان مؤخرا أصدر كتابا بحثيا يوثق تعرض الفلاحين المصريين للسخرة والعنصرية فى هذه الفترة، واعتمد على وثائق من دار الوثائق المصرية؛ لذلك قررت اللجوء لنفس المصدر، ولكنهم طلبوا منى عضوية الجمعية التاريخية من أجل الاطلاع عليها، وبالفعل حصلت على العضوية وقدمت طلبا بالاطلاع على الوثائق المشار إليها وحتى الآن لم أحصل على رد». وأوضح أنه لجأ للمتحف الإمبريالى فى لندن، وبالفعل لبّوا مطلبه؛ واتفق عبر المراسلة على موعد السفر وتحديد الوثائق المطلوب الاطلاع عليها، مستكملا: «ذهبت فى الموعد ولم يطلبوا منى حتى جواز السفر، ووجدت الوثائق المطلوبة وطلبت تصويرها؛ ووافقوا مقابل شراء تذكرة بقيمة 10 جنيهات إسترلينية». وذكر أنه اهتم بمذكرات أحد الضباط الإنجليز يُدعى «فينابولوس»، مضيفًا: «هذا الشخص رافق الفلاحين المصريين فى الفيلق، وهو ضابط مكلف لا مُجند، وكان يكتب دائما خطابات للدواوين ولأصدقائه ولأسرته، وتمكنت من تصوير هذه الخطابات وواجهت صعوبات فى فك شفراتها وفهم لغتها؛ نظرًا لعمرها القديم الممتد منذ 114 عاما». وعن رد فعل الحكومة المصرية آنذاك فقد ذكر أنها نفذت التعليمات وساعدت فى تجميع الفلاحين وتكفلت بنقلهم، بل أيضًا قدمت سلفة للاحتلال الإنجليزى ما يقدر ب3 ملايين جنيه إسترلينى. وتابع: «هذه السلفة كانت مرتبات الفلاحين طيلة مدة الاحتلال، شاملة المأكل والمشرب، وبعض آراء المحللين تقدر هذا المبلغ الآن ب30 مليار إسترلينى، وعلى الدولة المصرية مطالبة الحكومة البريطانية بهذا المبلغ الآن وفقا لهذا المحلل الذى يدعى «أرون». وقال إن هذا العدد من المواطنين المصريين مات منهم حوالى 50 ألف مصرى، وعاد البقية إلى البلاد عام 1918؛ وهم محملون بشحنة هائلة من الغضب؛ جرّاء سوء المعاملة والمناخ غير الآدمى فى الحرب. واستكمل: «عندما عادوا كانوا محملين بغضب شعبى؛ نظرًا لأن مصر آنذاك كان بها حوالى مليون فلاح، وبعد تجنيد نصفهم؛ أدى ذلك لبوار الأرض الزارعية وتلفها؛ لذلك كان هناك حالة من الهجوم على أقسام البوليس، هذه الحملات بدأت عام 1914 وظلت المقاومة لها حتى عودة البقية عام 1918 فى ظل حالة من الشحن والغضب»، معتبرًا أنها بمثابة غضب عارم ساعد ثورة المدينة بقيادة سعد زغلول عام 1919. وكشف الدكتور محمد أبو الغار، السياسى المصرى وأستاذ طب النساء بجامعة القاهرة، عن وجود «نصب تذكارى» لتخليد ذكرى ضحايا الفيلق المصرى؛ مضيفا أن أحد أطباء الإنجليز اكتشف أن «التراخوما» هى السبب الرئيسى المعدى للإصابة بالعمى فى العالم، وقد أصيب بسببها عشرات الآلاف من المصريين؛ أبرزهم طه حسين، متابعا: «تم تخصيص مستشفى لهذا الباحث؛ تحت عنوان معهد الرمد التذكارى، فى هذا الوقت كان هناك لجنة إنجليزية مستقلة؛ لا تتبع الحكومة، كانت تبحث عن حقوق ضحايا الحرب من أجل الإمبراطورية، وبالفعل جاءت هذه اللجنة لمصر وبحثت تكريم الضحايا ال50 ألف». وذكر أن الحكومة المصرية آثرت بناء مسجد؛ ولكن اللجنة البريطانية لم توافق؛ نظرًا لأن كثيرا من الضحايا أقباط، متابعًا: «وقع الاختيار على إنشاء نصب تذكارى لهم، مع بناء معمل لأبحاث الرمد». وأوضح أنه بالبحث عن موقع النصب التذكارى؛ أدى ذلك إلى مستشفيى: «معهد أبحاث الرمد الرمد التذكارى»، متابعًا: «طلبت من أحد الأطباء البحث عن النصب فى المستشفى، وبالفعل وجده فى مستشفى الرمد التذكارى، ولا أحد يعلم عنه شيئا، لأنه خلف باب مغلق منذ عام 1930 ويمر أمامه آلاف المرضى والأطباء دون الالتفات له». من جانبه، أشاد الكاتب الصحفى إبراهيم عيسى، بكتاب الدكتور محمد أبو الغار، معتبرًا إياه يستحق التتويج بوسام الجمهورية من الطراز الأول، نظرًا لما يحتويه من أبحاث ووثائق تعد اكتشافا حقيقيا.