عباس أبو الحسن بعد دهسه سيدتين: أترك مصيري للقضاء.. وضميري يحتم عليّ رعايتهما    الإفتاء: إذا طلبت الزوجة الطلاق في هذه الحالة لا تشم رائحة الجنة    رئيس نادي إنبي يكشف حقيقة انتقال محمد حمدي للأهلي    إبراهيم عيسى: التفكير العربي في حل القضية الفلسطينية منهج "فاشل"    سيارة انفينيتي Infiniti QX55.. الفخامة الأوروبية والتقنية اليابانية    سفير تركيا بالقاهرة: مصر صاحبة تاريخ وحضارة وندعم موقفها في غزة    استخراج اسماء المشمولين بالرعاية الاجتماعية الوجبة الاخيرة 2024 بالعراق عموم المحافظات    تمويل السيارات للمتقاعدين دون كفيل.. اليسر    رابط نتائج السادس الابتدائى 2024 دور أول العراق    اليوم.. ختام مهرجان إيزيس الدولي لمسرح المرأة بحضور إلهام شاهين وفتحي عبد الوهاب    أترك مصيري لحكم القضاء.. أول تعليق من عباس أبو الحسن على اصطدام سيارته بسيدتين    مأساة غزة.. استشهاد 10 فلسطينيين في قصف تجمع لنازحين وسط القطاع    تحرك برلماني بشأن حادث معدية أبو غالب: لن نصمت على الأخطاء    افتتاح أول مسجد ذكي في الأردن.. بداية التعميم    دراسة: 10 دقائق يوميا من التمارين تُحسن الذاكرة وتزيد نسبة الذكاء    ضميري يحتم عليّ الاعتناء بهما.. أول تعليق من عباس أبو الحسن بعد حادث دهسه سيدتين    «أعسل من العسل».. ويزو برفقة محمد إمام من كواليس فيلم «اللعب مع العيال»    اشتباكات عنيفة قرب سوق الحلال وانفجارات شرق رفح الفلسطينية    نائب محافظ بنى سويف: تعزيز مشروعات الدواجن لتوفيرها للمستهلكين بأسعار مناسبة    نشرة التوك شو| تفاصيل جديدة عن حادث معدية أبو غالب.. وموعد انكسار الموجة الحارة    جوميز: لاعبو الزمالك الأفضل في العالم    هل تقبل الأضحية من شخص عليه ديون؟ أمين الفتوى يجيب    حلمي طولان: حسين لبيب عليه أن يتولى الإشراف بمفرده على الكرة في الزمالك.. والفريق في حاجة لصفقات قوية    اجتماع الخطيب مع جمال علام من أجل الاتفاق على تنظيم الأهلي لنهائي إفريقيا    زيادة يومية والحسابة بتحسب، أسعار اللحوم البتلو تقفز 17 جنيهًا قبل 25 يومًا من العيد    نائب روماني يعض زميله في أنفه تحت قبة البرلمان، وهذه العقوبة الموقعة عليه (فيديو)    إيرلندا تعلن اعترافها بدولة فلسطين اليوم    النائب عاطف المغاوري يدافع عن تعديلات قانون فصل الموظف المتعاطي: معالجة لا تدمير    بينهم طفل.. مصرع وإصابة 3 أشخاص في حادث تصادم سيارتين بأسوان    "رايح يشتري ديكورات من تركيا".. مصدر يكشف تفاصيل ضبط مصمم أزياء شهير شهير حاول تهريب 55 ألف دولار    أهالي سنتريس يحتشدون لتشييع جثامين 5 من ضحايا معدية أبو غالب    الأرصاد: الموجة الحارة ستبدأ في الانكسار تدريجياً يوم الجمعة    روسيا: إسقاط طائرة مسيرة أوكرانية فوق بيلجورود    السفير محمد حجازي: «نتنياهو» أحرج بايدن وأمريكا تعرف هدفه من اقتحام رفح الفلسطينية    دبلوماسي سابق: ما يحدث في غزة مرتبط بالأمن القومي المصري    ب1450 جنيهًا بعد الزيادة.. أسعار استخراج جواز السفر الجديدة من البيت (عادي ومستعجل)    حظك اليوم برج العقرب الأربعاء 22-5-2024 مهنيا وعاطفيا    «الثقافة» تعلن القوائم القصيرة للمرشحين لجوائز الدولة لعام 2024    وثيقة التأمين ضد مخاطر الطلاق.. مقترح يثير الجدل في برنامج «كلمة أخيرة» (فيديو)    ملف يلا كورة.. إصابة حمدي بالصليبي.. اجتماع الخطيب وجمال علام.. وغياب مرموش    الإفتاء توضح أوقات الكراهة في الصلاة.. وحكم الاستخارة فيها    عاجل.. مسؤول يكشف: الكاف يتحمل المسؤولية الكاملة عن تنظيم الكونفدرالية    جوميز: عبدالله السعيد مثل بيرلو.. وشيكابالا يحتاج وقتا طويلا لاسترجاع قوته    طريقة عمل فطائر الطاسة بحشوة البطاطس.. «وصفة اقتصادية سهلة»    بالصور.. البحث عن المفقودين في حادث معدية أبو غالب    دعاء في جوف الليل: اللهم ألبسنا ثوب الطهر والعافية والقناعة والسرور    أبرزهم «الفيشاوي ومحمد محمود».. أبطال «بنقدر ظروفك» يتوافدون على العرض الخاص للفيلم.. فيديو    موعد مباراة أتالانتا وليفركوزن والقنوات الناقلة في نهائي الدوري الأوروبي.. معلق وتشكيل اليوم    وزيرة التخطيط تستعرض مستهدفات قطاع النقل والمواصلات بمجلس الشيوخ    شارك صحافة من وإلى المواطن    قبل اجتماع البنك المركزي.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الأربعاء 22 مايو 2024    إزاى تفرق بين البيض البلدى والمزارع.. وأفضل الأنواع فى الأسواق.. فيديو    المتحدث باسم مكافحة وعلاج الإدمان: نسبة تعاطي المخدرات لموظفي الحكومة انخفضت إلى 1 %    هل ملامسة الكلب تنقض الوضوء؟ أمين الفتوى يحسم الجدل (فيديو)    خبير تغذية: الشاي به مادة تُوسع الشعب الهوائية ورغوته مضادة للأورام (فيديو)    أخبار × 24 ساعة.. ارتفاع صادرات مصر السلعية 10% لتسجل 12.9 مليار دولار    حجازي: نتجه بقوة لتوظيف التكنولوجيا في التعليم    استعدادات مكثفة بجامعة سوهاج لبدء امتحانات الفصل الدراسي الثاني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدكتور محمد المخزنجي يكتب ل«الشروق»: أيها القاعدون أمام الشاشات.. ارفعوا كعوبكم
نشر في الشروق الجديد يوم 26 - 01 - 2023

يكتشف العلم فى عضلة متوارية إمكانيات فسيولوجية كامنة لم تُعرَف من قبل.. ويبنى على اكتشافه وسيلة طبيعية مذهلة البساطة هائلة المردود للوقاية من مهالك القعود الطويل أمام الشاشات الرقمية.
بعد قرن من تداوله، صار مصطلح «وقت الشاشة» screentime مقياسًا للساعات التى يقضيها الإنسان جالسًا أمام الشاشات الرقمية التى تكاثرت وتنوعت فى أيامنا، خاصةً هذه المرتبطة بالإنترنت، ومن ثم بات المصطلح معيارًا للخطورة الصحية المترتبة على هذا القعود إن طال زمنه، وقد أجمعت آراء المختصين على أن «وقت الشاشة الصحى» خارج نشاطات العمل ينبغى أن يكون أقل من ساعتين فى اليوم! لكن واقع الأمر يسخر بمرارة من هذا التقييد الزمنى الذى بات شبه مستحيل، وهو ما تُفصح عنه أحدث إحصاءات «وقت الشاشات» هذا العام، وعلى مستوى العالم.
كأنها جائحة رقمية
وفقًا لموقعى «كومباريتك» و«داتاريبورتال»، يقضى الشخص العادى فى جميع أنحاء العالم ما متوسطه 6 ساعات و57 دقيقة يوميًّا وهو جالس يحدق فى الشاشات المرتبطة بالإنترنت، وهذا يعنى أن إنسان أيامنا يقضى أكثر من نصف نهاره جالسًا! بينما التصميم الأساسى العظيم لتكويننا يقول إننا لم نُخلَق لنجلس معظم نهارنا، وبنظرة طبية تطورية فإنه ما من مخالفة لهذا التصميم إلا وتُفضى إلى المرض، ومن ثم بات حتميًّا أن تطلق الجهات الصحية إنذار: «البشرية فى خطر»!
خطر يمثله هذا الأَسْر الشامل للبشرية أمام شاشات عصرنا الوامضة، بدءًا من معاناة العينين، التى صار لها مصطلح طبى هو «متلازمة الرؤية الحاسوبية»، أو «الإجهاد الرقمى للعين»، وبقربها الآثار النفسية والعصبية وحتى الاجتماعية، لكن الخطر الأكبر بحجم شموله العددى واتساعه الجغرافى هو «متلازمة التمثيل الغذائى» metabolic syndrome.
حرق السعرات ومحرقة الشاشات
بإيجاز يُعرَّف التمثيل الغذائى بأنه: العمليات الكيميائية الحيوية التى يحوِّل الجسم من خلالها الطعام والشراب إلى طاقة لتشغيل آليات الجسد التى تُبقيه على قيد الحياة، ومن ثم فإن أى اضطراب للتمثيل الغذائى فى أجسامنا يهدد أداءنا لمهماتنا فى الحياة، وبتفاقُمه يقصف هذه الحياة، ووفقًا لمعطيات «هوبكنزميدسن» هناك خمسة مؤشرات لاضطراب التمثيل الغذائى تمثل عوامل خطر من جرَّاء القعود الطويل وتُفضى إلى أمراض القلب والأوعية الدموية ومضاعفاتها التى تكاد لا تستثنى جهازًا حيويًّا فى أجسامنا إلَّا وأعطبته، وهذا الخماسى المشئوم يتضمن: السمنة فى منطقة البطن، وارتفاع ضغط الدم، وارتفاع نسبة السكر فى الدم، وفى الدم أيضًا ترتفع الدهون الثلاثية، ويهبط الكوليسترول الجيد.
ويُلاحَظ أن مؤشرات الخطر الخمسة هذه وما ينجم عنها من عواقب مرضية لم تعد تستثنى الأطفال ولا المراهقين الذين يمثلون شريحةً كبيرةً ممن يتابعون هذه الشاشات فى وضع القعود المتيبس أو حتى الاضطجاع الخامل، وقد وثَّقت الأبحاث ارتباط هذه المتلازمة بزيادة «وقت الشاشات» بين الأطفال والمراهقين بنسبة 58٪، وبمعدل زيادة احتمال المتلازمة بنسبة 29٪ لكل ساعتين زائدتين من هذا الوقت يوميًّا، وبديهى أن كبار السن الذين لحقت قوافلهم بركب مستهلكى «وقت الشاشات» قعودًا هم فئة أيسر استهدافًا بمتلازمة اضطراب التمثيل الغذائى؛ لأن التمثيل الغذائى لديهم يبيت أكثر وهنًا مع التقدم فى العمر، وتكون أذيته أوخم وأسرع قصفًا لما تبقى من أعمارهم، لأن ضَعفَه فى شيخوختهم يتضاعف بإبطائه الذى يسببه بالجلوس!
رياضة الإنسان القاعد؟!
فى مواجهة هذا الخطر المُهدِّد لحيوية «الإنسان القاعد» وحياته أمام الشاشات، راجت إعلانات تزعم تحويل النقمة المرضية لهذا القعود إلى نعمة صحية عنوانها «معدات التمرين تحت المكتب»: مشَّايات متحركة مع العمل وقوفًا أمام مكتب مرتفع يحمل جهاز الكمبيوتر، وبدَّالات دراجات مصغَّرة تحت المكتب، وجميعها مُلحَق بعدادات رقمية تحسب السعرات التى يحرقها الجالس أمام الشاشة أو الواقف حيالها، عروض خلابة لكن ما من بحوث علمية رصينة وموثوقة تقطع بحجم العائد من هذه التمارين على هذه الأدوات! أما الذى لا شك فيه، ويمكن لمحه عبر فيديوهات هذه الرياضة الشاشوية، فهو العجز الواضح عن الثبات المطلوب للعمل بكفاءة على لوحات مفاتيح أو شاشات لمس الأجهزة الوامضة فوق المكتب، سواء من جلوس، أو من وقوف! وهو ما خَرج به كاتب هذه السطور بعد تجريب عملى وإمعان تأمُّلى، فأين النجاة؟!!
فى «نعل تحت بطن العجل»؟!
بتاريخ 22 سبتمبر الماضى، نشر موقع «نيورو ساينس نيوز» مقالًا عنوانه: «يمكن لعضلة «خاصة» أن تعزِّز حرق الجلوكوز والدهون لتنظيم التمثيل الغذائى لساعات أثناء الجلوس»، وكان المقال عن بحث استغرق سنوات لفريق علمى من جامعة هيوستن، بقيادة مارك هاميلتون، أستاذ الصحة والأداء البشرى بهذه الجامعة، وفى جولة سريعة عبر الإنترنت، تبين أن هناك عشرات المواقع العلمية والإعلامية تكتب وتتحدث عن هذا البحث بحماس مفهوم الدوافع، فهو يقدم لأكثر من خمسة بلايين إنسان مُهدَّدين بعواقب الجلوس الطويل أمام الشاشات، أملًا فى النجاة من شر هذه العواقب، وبتمرين يسير لعضلة واحدة فى رَبلة الساق أثناء الجلوس لا يتطلب إلا تكرار رفع الكعب عن الأرض ثم تركه يعود تلقائيًّا إلى مكانه، وجاء هذا التمرين كخلاصة تطبيقية لمخرَجات البحث، وأطلق عليه مبتكروه رمز «SPU» اختصارًا لجملة soleus push up، أى «تمرين ضغط النعل»! فعضلة soleus التى كانت موضوع البحث، اشتُق اسمها من أصل لاتينى بمعنى «صندل» وتُعرَّب إلى «نعل»، وتقع فى ربلة الساق calf وترجمتها «عِجل»، تحت عضلة أكبر هى gastrocnemius أى «بطن الساق»، فلو التمسنا ترجمةً لتحديد الموقع التشريحى لعضلة موضوعنا لقلنا إنها «النعل تحت بطن العِجل»!! ويبدو أن فريق هذا البحث وقد أذهلهم ما اكتشفوه من فرادة هذه العضلة استحسنوا وصفها بأنها «خاصة» أو فريدة special، وإن اضطروا إلى استخدام اسمها المَهين فى ورقتهم البحثية، لأنه سائد ومستقر فى مراجع علم التشريح، أما وأن هذا المقال مفتون بأعجوبة ما اكتشفه البحث فى هذه العضلة، فإنه لن يشير إليها إلا بالاسم الذى تستحقه، وهو: «الفريدة».
قلبان فى رِجلَينا
تنشأ هذه «الفريدة» برأسين متقاربين من قمة عظْمتى الساق خلف مفصل الركبة، ثم تهبط فى خلفية الساق متوسعة رقيقة فى شكل شبه بيضاوى يوصف بأنه «ماسى» لدى الإناث وعند منتصف الساق تتضاغط أليافها لتكوِّن وترًا قويًّا يتحد مع وتر عضلة بطن الساق فوقها، فيُكوِّنان معًا أغلظ أوتار عضلاتنا وأكثرها متانة: الوَتَر العَقِبِى calcaneal tendon أو العُرْقُوب، أو «وتر أخيل»، والذى يهبط منغرسًا فى ظهر عظْمة الكعب، فإذا انقبضت هذه «الفريدة» ترفع الكعب ويهبط طرف القدم إلى أسفل، وإذ انبسطت يعود الكعب للهبوط، وهذا هو المشهور من وظائفها الحركية التى تشارك عضلات أخرى فى المشى والجرى والرقص! كما أنها بانشدادها المرن تضغط على أوردة سيقاننا فتدفع بالدم غير المؤكسد ضد قوة الجاذبية إلى أعلى نحو القلب ومنه إلى الرئتين ليحمل الأكسجين ثم يعود إلى القلب ليدفعه مؤكَسدا إلى كل أنحاء الجسد، لهذا توصف العضلتان «الفريدتان» فى عمق رَبلتَينا بأنهما «القلبان الطرفيان فى رِجلينا»، ولولاهما لركد الدم فى سيقاننا وتخثر ثم صعدت خثراته لتخنق رئاتنا أو قلوبنا أو الأدمغة! فأى فريدتين هما؟!
ليس اختراعًا بل اكتشاف خبيئة.
إنه أمرٌ يكاد لا يُصدَّق، فتمرين SPU الذى يركز على تشغيل هذه العضلة وحدها فى ساقينا، وفى أثناء الجلوس، وتبعًا للنص الكامل لورقة البحث الأصلية المنشورة فى موقع «آى ساينس»، يكاد لا يتطلب أكثر مما يتطلبه جفن العين فى الإغماض والتفتيح! وقد وصفت الورقة البحثية هذا التمرين فى عنوانها بأنه «طريقة فسيولوجية فعالة لتعظيم واستدامة التمثيل الغذائى المؤكسِد لعضلة خاصة يُحسِّن تنظيم الجلوكوز والدهون». ومن المفارقات أن هذا البحث بدأ مشروعه بدراسة فروق أداء هذه العضلة بين الذكور والإناث، للتوظيف المناسب لكل جنس فى برامج اللياقة والصحة، وقد خضع للبحث خمسة وعشرون متطوعًا ومتطوعة فى مختبر فائق التقدم مدجج بأجهزة الرسم الكهربى لعمل العضلات، والرصد بالأشعة التلفزيونية، والمتابعة بالرنين المغناطيسى، وأخذ خزعات من العضلة بإبر دقيقة لتحليل ما يستجد عبر تفعيلها فى أوضاع مختلفة، خاصةً وضع الجلوس الذى سطع خلاله ما لم يكن معروفًا من فسيولوجية استثنائية لهذه «الفريدة»، وما أفضى إلى ابتكار تمرينها البسيط مدهش النتائج فى أثناء الجلوس SPU، فكيف يؤدَّى؟
بساطة بالغة ونتائج مذهلة
لأداء تمرين SPU، ووفقًا لتوصيات مبتكريه، تُتبع هذه الخطوات:
1 اجلس فى استرخاء بحيث يكون مفصل الركبة مثنيًّا بزاوية قائمة والقدمان مبسوطتين على الأرض، بينما الزاوية بين مشط القدم وعظمة قصبة الساق قائمة أيضًا.
2 ارفع الكعب (لكلتا القدمين) مع الحفاظ على أصابع القدم مثبتة على الأرض (هذه الحركة وتحت شروط الوضع السابق لا يكون مسئولًا عن إحداثها إلا انقباض العضلة «الفريدة» وحدها؛ لأن باقى عضلات الساق تكون فى حالة استرخاء).
3 عندما يصل الكعبان إلى قمة نطاق حركتهما، اتركهما ليهبطا تلقائيًّا لملامسة الأرض من جديد.
4 كرر التمرين.
واضح أنها خطوات بالغة البساطة يسيرة الجهد، لكن تحديدها لم يكن يسيرًا إلا بعد تجريب طويل للتوصُّل إلى الوضع الذى يجعل الخلايا العصبية الحركية تُنشِّط العضلة «الفريدة» وحدها، ومن ثم تكشف عما تكتنزه منفردة من قدرات استثنائية تثير غاية الدهشة، فوفقًا للبحث:
* بينما تُسهم العضلات ال 600 فى أجسادنا مجتمعة بحوالى 15٪ فقط من التمثيل الغذائى التأكسدى لكامل الجسم فى غضون ثلاث ساعات بعد تناول الكربوهيدرات، فإن «الفريدة»، وهى 1٪ فقط من وزن الجسم، قادرة على رفع معدل التمثيل الغذائى التأكسدى للكربوهيدات فى أثناء انقباضات هذا التمرين بمقدار الضعف، وحتى ثلاثة أضعاف، ولمجمل الجسد!
* برغم عدم تجاوُزها 1% من وزن الجسم، إلا أنه عندما يجرى تنشيطها عبر تمرين SPU تُحسِّن صحة التمثيل الغذائى فى بقية الجسم ولساعات عديدة، ما يؤدى إلى تقليل تراكُم الدهون الضارة وزيادة الجيدة وتخفيض سكر الدم مع تقليل الاحتياج إلى الإنسولين.
* تنظم جلوكوز الدم بما يفوق التمارين الرياضية كثيفة الجهد ونُظم إنقاص الوزن وأسلوب الصوم المتقطع.
* تتجاوز حدود تحسين التمثيل الغذائى الموضعى لها ليشمل الجسم بالكامل، وهو ما عكسه تحسُّن ظهور الجلوكوز فى الدم بنسبة 52٪ على مدى ثلاث ساعات بعد تناول مشروب الجلوكوز.
* قللت متطلبات الإنسولين بنسبة 60٪، وضاعفت معدل التمثيل الغذائى للدهون فى فترة الصيام بين الوجبات، مما قلل مستويات الدهون الضارة فى الدم.
* فى حين أن تمرين SPU يبدو مثل المشى الذى صُمِّمت أجسادنا لجعله يستخدم أقل كمية من الطاقة؛ لكونه النشاط الحركى الأكبر لأجسامنا وعلى امتداد العمر، إلا أن هذا التمرين ثبت استخدامه أكبر قدر ممكن من الطاقة ولفترة طويلة برغم أنه من جلوس، وهذا اكتشاف فسيولوجى غير مسبوق لعضلة واحدة ليست كبيرة، تستطيع عند تنشيطها بهذا التمرين البسيط أن تحرق سعرات وفيرة، فتقلل من تراكم السكر والدهون الضارة فى الدم.
نتائج واعدة بأن هذا التمرين البسيط يمكن أن يكون وسيلةً منقذة لتنحية الآثار الصحية السلبية للقعود الطويل أمام الشاشات أو تقليلها، ومن ثم تبعد الإصابة باضطرابات التمثيل الغذائى أو تخفف مخاطرها، خاصةً مزيجها السام الذى تتضمنه «متلازمة التمثيل الغذائى» المُفضية إلى أمراض القلب والشرايين ومرض السكرى من النوع الثانى، وما يستتبعها من نوبات قلبية وسكتات دماغية، تنتهى بالموت، أو ما هو أسوأ من الموت: «العته» Dementia المشتق اسمه من لفظة لاتينية تعنى «فقدان العقل» أو «الجنون»، بينما هذا المصير لا يحتمل هذه الفظاظة الواصِمة، فهو تراجيديا مفعمة بالشجن، لا تنال من المريض وحده، بل تنال من محبيه الذين قُدِّر عليهم أن يعتنوا به فى كل شئونه بينما هو تائه عن نفسه وعنهم، وقد يكون أرفق وأليق أن نمنح هذا المصير الإنسانى الأليم اسم «التيه»، فهل يُسهم «تمرين ضغط الفريدة» الهيِّن هذا فى إبعاد شبح هذه التراجيديا وغيرها، خاصةً عن مئات الملايين من كبار السن الذين لحقوا بعصر القعود أمام الشاشات؟ النتائج المفاجئة تهمس واعدةً: ممكن!
حتى الباحثين تذهلهم نتائج بحثهم
وعن مفاجأة هذه النتائج يعلق مارك هاميلتون المحرر الرئيس للدراسة قائلًا: «لم نحلم قَط بأن تتمتع هذه العضلة بهذا النوع من القدرات، لقد كانت داخل أجسادنا طوال الوقت ولم يفكر أحد من قبل فى كيفية استخدامها لتحسين صحتنا، فالاكتشاف يمكن أن يكون حلًّا لمجموعة متنوعة من المشكلات الصحية الناجمة عن قضاء ساعات كل يوم فى العيش مع تمثيل غذائى منخفض للغاية (نتيجة الجلوس) نموذجه أن المواطن الأمريكى العادى يجلس حوالى 10 ساعات فى اليوم، ويعانى أكثر من نصف البالغين الأمريكيين و80٪ من الأشخاص فوق 65 عامًا من مشكلات التمثيل الغذائى التى تسبب إما مرض السكرى أو مقدمات السكرى»، ويضيف: «إننا لا نعرف أى أدوية حالية أو واعدة تقترب من زيادة التمثيل الغذائى المؤكسد لكامل الجسم والحفاظ عليه بهذا الحجم، فتمرين SPU يبدو بسيطًا من الخارج، لكن فى بعض الأحيان يكون ما نراه بالعين المجردة ليس كامل القصة».
الكشف عن سر الأعجوبة
نعم نحن لا نعرف كامل القصة، لكن يمكننا من قراءة البحث ومحور تصريحات القائمين عليه أن نمسك بجوهرها الماثل فى التركيز على نتائج «التمثيل الغذائى التأكسدى» أو «الهوائى» الذى يتم فى وجود الأكسجين وتتفوق فيه العضلة الفريدة، مقارنة بالنوع الثانى من التمثيل الغذائى «اللاتأكسدى» أو «اللاهوائى» الذى يحدث فى غيبة الأكسجين، وكلا المسارين تستخدمه أجسامنا، وكلاهما ينتهى إلى إنتاج وحدات الوقود الذى تستخدمه خلايانا فى صورة الأدينوسين ثلاثى الفوسفات (ATP)، لكن ثمة فروقًا كبيرةً بينهما، يمكن تلخيصها فى:
* التمثيل الغذائى الهوائى يُنتِج وحدات الطاقة من الكربوهيدرات والأحماض الأمينية (اللبنات الأساسية للبروتين) والدهون، بينما ينتجها اللاهوائى من الجلوكوز والجليكوجين (الجزيئات المركبة من الجلوكوز) فقط.
* التمثيل الغذائى الهوائى ينتج أكثر من 35 جزيئة ATP من كل جزيئة جلوكوز، أما اللاهوائى فلا ينتج غير جزيئة واحدة ATP من كل جزيئة جلوكوز.
* التمثيل الغذائى الهوائى لا يترك وراءه مخلفات إلا الماء وثانى أكسيد الكربون فيسهل التخلص منهما عبر الزفير والعرق والبول، أما اللاهوائى فيُخلِّف حمض اللاكتيك الذى يتراكم فى العضلات الهيكلية فيعوق حركتها نتيجة ما يسببه من ألم.
* التمثيل الغذائى الهوائى تعتمد عليه أكثر الألياف العضلية بطيئة الانقباض (وهو نوع ألياف عضلتنا الفريدة وكذلك عضلات أسفل الظهر الحافظة لانتصاب العمود الفقرى)، لهذا تولِّد طاقة معقولة لفترات طويلة دون تعب، أما اللاهوائى فتُكثِر اللجوء إليه الألياف العضلية سريعة الانقباض فتتعب بسرعة، وإن كانت تولِّد طاقةً عاليةً لفترة قصيرة، ومثالها عضلات اليدين.
* التمثيل الغذائى الهوائى يتوافق مع ممارسة التمارين الهوائية (كتمرين ضغط الفريدة SPU والمشى، واليوجا، والتاى تشى)، التى لا تتطلب تسريع ضربات القلب بأكثر من 85٪ من الحد الأقصى لمُعدّلها، على غير ما تتطلبه التمارين اللاهوائية (كرفع الأثقال وتمارين القوة)، فهى تُسرِّع ضربات القلب بأكثر من حدها الأقصى.
أفلا يكفى كل ما سبق لتصديق احتمال أعجوبة هذا التمرين البسيط لعضلتنا «الفريدة»؟

انتشار واسع وتحفظات بازغة
الآن، وبعد بضعة أشهر من نشر البحث، تحول تمرين ضغط الفريدة SPU إلى حديث عشرات المواقع العلمية والإعلامية، وصار «تريند» على منصة TikTok، لكنه لفرط بساطته وغامِر وعوده، بدأ يُجابَه ببعض التحفظات، إذ بدا للبعض، من مجال الطب الرياضى خصوصًا، أنه يُقدَّم ك«حبة سحرية» تغنى عن كل تمارين اللياقة وتُبعد كل مخاطر خمول الحركة، وهو ما تحسَّب له مكتشفو التمرين، فبكَّروا بالإشارة إلى أنه «ليس وسيلة لياقة جديدة أو نظامًا غذائيًّا جديدًا، بل حركة فسيولوجية قوية تستفيد من ميزات عضلة البحث».
وفى تحفظ أكثر عمقًا، أشار البعض إلى أن نتائج البحث «الدراماتيكية» كانت حصيلة أداء المتطوع أو المتطوعة للتمرين لمدة 270 دقيقة فى اليوم (أى 4.5 ساعة!)، وهذا بالطبع كثير، لكن مَن قدموا هذا التحفظ لم ينتبهوا إلى أن أداء التمرين لكل هذا الوقت، وفقًا لورقة البحث، كان «تراكميًّا»، أى فى فترات منفصلة على مدار اليوم، وهو ما يوحى بأن هذا التمرين ببساطته المفرطة ونتائجه الواعدة يمكن أن يُستخدم كلما أتيح الوقت والمكان لأدائه، فى وسائل المواصلات، خاصةً فى أثناء الرحلات الطويلة، وعند مشاهدة التلفزيون، وفى صالات الانتظار وغيرها مما نطيل فيه الجلوس.
كما أنه لبساطته ويسره يمكن أن يدخل فى البروتوكولات العلاجية والتأهيلية والوقائية لمَن يعانون محدودية الحركة بسبب المرض، أو فى أعقاب الجراحات الكبيرة أو وهن الشيخوخة الطبيعى، ولأنه تمرين حركة، فإن مردوده لا يتوقف عند حدود تحفيز التمثيل الغذائى التأكسدى، بل يضيف تنشيط الدورة الدموية ومنع الجلطات الوريدية العميقة فى الساقين DVT عند المُعرَّضين لها.
حدود العلم وآفاق المَجاز
ليس أخيرًا، وبالنسبة لكاتب هذه السطور، وهو ضمن ثلثى البشرية المتجاوزين اضطرارًا وبحكم الكتابة وما يلزمها لمقنَّن الساعتين يوميًّا كحدٍّ صحى للجلوس أمام الشاشة، إضافةً إلى عبوره السبعين من العمر، فإن هذا «الاختراق» البحثى الذى أدى إلى اكتشاف تمرين SPU لا يُشكِّل لديه مجرد اقتراح يسير المنال لموازنة مخاطر القعود الطويل أمام الشاشة، بل يحيله إلى ما ظل يلمحه دائمًا فى العلم، كواقع ملموس يوحى بغير الملموس، كالمجاز الأدبى، وعظمة التصميم والمُصمِّم، وسحر الواقع فى كل ما نكتشفه فينا وفى الوجود من حولنا، موقف يحملنا على التهيؤ لتوقع القدرات الكامنة فى هذا كله، وبهذا كنت مهيأً للاحتفاء بهذا البحث وتبنِّى هذا التمرين، خاصةً وجعبة العلم نفسها تصادق على احتمال الأعجوبة فى هذه العضلة، فهى من زاوية فسيولوجية تتميز بتكوين خِلقى يجعلها قادرةً على أن تتفوق فى المتفوق، أى التمثيل الغذائى التأكسدى باهر المردود، فهى عضلة قانية الحمرة نتيجة ترويتها الغامرة بالدم المؤكسد، وأليافها طويلة متمهلة الانقباض فلا تتعب بسرعة، ثم إن خلاياها شديدة الثراء بمولدات الطاقة «الميتوكوندريا» التى ورثناها حصريًّا عن أمهاتنا، وبها يتم التمثيل الغذائى التأكسدى الغامر، مقارنةً بنظيره اللاتأكسدى محدود العطاء، والذى يهيم فى هيولى الخلية «السيتوبلازم»!
أمرٌ آخر ما يدعم هذا كله، من زاوية طبية أنثروبولوجية، فهذه «الفريدة» فى سيقان جنسنا البشرى: ظلت لمئات آلاف الأعوام تحمى أسلافنا وتحمينا من الانكفاء على وجوهنا عند وقوفنا على قدمين لنسعى فى الأرض، فهى على رقتها وتورُّدها عضلة بالغة قوة الشد فى مواجهة الجاذبية الأرضية العاتية، لهذا أصدق أعجوبتها، بل أمد الأعجوبة نحو مجاز الاحتمال، بأنها بمثال هذا البحث إنما تتقدم بقدَر، وعلى ميعاد، لتحمى قليلًا، وتنبه كثيرًا «إنساننا العاقل» ألا يترك نفسه ينكفئ على وجهه من قعود هذه المرة فيغرق فى إدمان الرقميات التى أبدعها عقله الحديث شديد الذكاء، طائش الحكمة، ولأنى من بنى هذا الإنسان، ودون أن أتخلى عن متعة المشى التى هى إحدى هبات التصميم الأساسى لهذه العضلة «الفريدة»، أجدنى عندما أجلس أمام شاشة الكمبيوتر، أؤدى تمرين SPU لاعبًا بكعبىَّ تحت المكتب كلما لسعنى الخاطر: رفع خفض، رفع خفض، رفع خفض، فارفعوا كعوبكم!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.