إيمان حيلوز: سعر الاشتراك الجديد لا يزال الأقل مقارنة بكل دول العالم - أشترى الكتب الورقية وستبقى فى مقدمة اختياراتى - فكرة الدفع الشهرى المسبق محفزة نفسيا - ليس لدينا رأس مال بالمعنى التقليدى هذه هى أسباب نجاحنا فى مصر والسعودية - القراءة عبر التطبيقات أفضل وسيلة لمحاربة الكتب المزورة والمسروقة يُجمع الناشرون العرب على وجود أزمة اقتصادية تعانى منها صناعة النشر، وقد تفاقمت هذه الأزمة مرتين خلال أقل من 3 سنوات، مرة بسبب جائحة كورونا خلال العام 2020، ومرة بسبب الآثار الناجمة عن الحرب الأوكرانية الروسية هذا العام وانعكاساتها على الأسواق المحلية، إلا أن آمالا كثيرة يعقدها البعض على نجاح التطبيقات الإلكترونية المخصصة للقراءة فى الحد من آثار الأزمة وتقليص آثارها. وخلال أقل من 3 أعوام جمع تطبيق «أبجد» حوله الآلاف من القراء حول العالم، ونجح فى اكتساب ثقة ما يزيد عن 220 ناشرا فى مختلف دول العالم العربى. ومن ثم بات التعرف على التطبيق وقصة نجاحه وسياساته مسألة ملحة، ومن هنا جاءت فكرة الحوار مع إيمان حيلوز المسئولة عن التطبيق والتى كشفت قصة البداية والأهداف التى تعمل على تحقيقها. وقبل أيام قليلة أعلنت "أبجد" رفع أسعار اشتراكها السنوي مما أثار غضب بعض القراء، وفي البداية سألنا إيمان حيلوز.. لماذا اتخذتم هذا القرار في توقيت صعب تزامن ورفع أسعار الكتب الورقية؟ البيان الذي أصدرناه كان واضحا في تبرير القراء، فقد كان دخول السوق المصري حلمنا الكبير، وتكبدنا العديد من الخسائر حتى يظل سعر الاشتراك الشهري مقارباً ل2 دولار وهو السعر الأقل بين كل دول العالم. يتعامل أبجد بالدولار في كل مصاريفه، وفي النصف الثاني من عام 2022، تضاعفت تكاليف تقديم الخدمات عالمياً، مثل تكاليف الاستضافة وحقوق النشر وتطوير البنية التكنولوجية الضرورية للتطبيق لتتمتعوا بأفضل تجربة قراءة ممكنة ولكي يصلكم أكبر عدد من الكتب الجديدة والحصرية والنادرة. وبناء على ما سبق، وحتى نتمكن من استكمال تقديم خدماتنا في مصر بنفس المستوى، لم يبقَ أمامنا خيار سوى أن نعادل سعرنا السابق في مصر ليماثل سعر الصرف الحالي للدولار ليصبح سعر الاشتراك الشهري 4 دولارات مع العلم أن سعر الاشتراك الجديد لا يزال الأقل مقارنةً بكل دول العالم بمقدار 33%. والسعر الجديد للاشتراك الشهري هو 120 جنيها مصريا وهو مبلغ لا يغطي سعر كتاب واحد لدى أغلب الناشرين، وكما قلت فإننا ندرك تماماً ما تمرّون به من أزمات اقتصادية، ويعلم الله فأن أبجد والناشرون والكُتَّاب قد تضافروا لإبقاء سعر الاشتراك ثابتاً داخل جمهورية مصر العربية لأطول فترة ممكنة، وهو ما نجحنا فيه لمدة 11 شهراً. كلمة أخيرة: المشهد الثقافي في مصر يحتاج لدعمكم حتى يتجاوز أزمة ارتفاع تكلفة الطباعة والورق والنقل وأسعار الصرف المتقلّبة. ما هى قصة ميلاد هذا التطبيق؟ القصة بدأت عام 2012، قبل ذلك كنت أدرس علوم الكومبيوتر فى جامعة الأميرة سمية بالأردن، وعقب التخرج عملت فى مجال «السوفت وير» مع عدة شركات، ثم علمت بوجود مؤسسة لدعم المشروعات الصغيرة بالأردن تسمى oasis500، عليك أن تبدأ معهم بالتدريب المتواصل لمدة أسبوع وخلال تلك المدة، تتعلم كيف تستعرض ما يدور فى رأسك من أفكار، ثم يدرسون معك كيفية تحويلها إلى «بيزنس» لتكون فى صيغة ربحية، ولأنى محبة للقراءة، كانت فكرتى تطوير منصة للقراءة لجمع مجتمع القراء العرب فى مكان واحد، مع وجود متجر لبيع الكتب عبر الإنترنت، وبالفعل حصلت على بذرة الاستثمار الأولى وهى منحة ساعدت على ظهور «أبجد» فى صورته الأولى من 2012 وحتى 2016، آنذاك كانت مهمتنا العمل على تكوين مجتمع القراء، ثم الحصول على تقييمات الكتب ونجحنا فى ذلك إلى حد بعيد، وساعدنا القراء على تطوير الفكرة بشكل تجارى؛ لأنهم كانوا يتساءلون دائما عن الكيفية التى تمكنهم من الحصول على أى كتاب بعد قراءة أى تقييم له وكنا نواجه دائما بسؤال: كيف يمكننى أن أقرا الكتاب؟ تعاملنا فى البداية مع السؤال كمزحة ملازمة لعملنا، لكن مع تكراره فكرنا فى تقديم إجابة وخلق وسيلة تساعد على تلبية هذا الطلب؟ ومن هنا كانت الخطوة الثانية بعد أن اكتشفنا وجود فجوة فى الأسواق العربية بشأن تلبية الطلب على الكتاب الإلكتروني. ما هى الصعوبات التى واجهتكم فى البداية؟ كانت التجربة صعبة جدا، فلم تكن دور النشر مهيأة لفهم ما نسعى إليه، ولم يكن القارئ نفسه قد رتب أولوياته للتعامل مع التطبيقات الإلكترونية لأن استعمال التطبيقات كان محدودا فى عالمنا العربى. ومن المثير أن محاولاتنا الأولى كانت حافلة بالأخطاء وفاشلة أحيانا، وعندما بلغنا العام 2016 كنا قد أدركنا تماما عناصر الإخفاق وعملنا على إصلاحها وأهم ما توصلنا إليه هو حاجتنا إلى تطبيق شبيه بما تقدمه «نتفيلكس» «سبوتيفاى» لذلك عملنا على تهيئة القراء لقبول فكرة الاشتراك الشهرى، والتأكيد على أن القراءة عبر هذا التطبيق ستكون أفضل من قراءة الكتب المزورة بنظام مغاير لما هو متاح بالسرقة بنظام pdf. ومنذ البدء اكتشفنا أن قطاعا كبيرا جدا من الناس يرفض الكتب المقرصنة ويميل للحصول عليها بطريقة شرعية وهذا القطاع منحاز للارتقاء بمستويات الجودة فى أى منتج يبحث عنه، والأهم أن هناك سيكلوجية للشراء تجعل من فكرة الدفع المسبق محفزة جدا ومن ثم كانت الفكرة الأهم هى إتاحة التطبيق على الهواتف والأجهزة اللوحية، بالتدريج اكتسبنا ثقة مختلف الأطراف القراء والناشرين، فضلا عن نجاحنا فى اكتساب سمعة لدى مؤسسات اقتصادية معنية بتطوير الكيانات المماثلة وحصلنا فى نهاية عام 2013، على جائزة محمد بن راشد آل مكتوم لأفضل مشروع عربى ناشئ. متى جاءت نقطة التحول الرئيسية فى المشروع؟ فى الغالب حدث هذا فى 2018، عندما ظهر التطبيق بنسخة جديدة حلت المشكلات التقنية التى كانت موجودة فى النسخ السابقة وكذلك نجحنا فى جمع عدد أكبر من دور النشر التى اكتسبنا ثقتها وآمنت بجدية عملنا وعملنا معها على توفير الكتب الإلكترونية بنسخة لا تختلف عن النسخ المتاحة على كافة التطبيقات العالمية الشهيرة مثل «كيندل» أو google play واستثمرنا كثيرا فى هذا الجانب وبكل ثقة أؤكد لك أننا ننافس حاليا على صعيد عالمى وليس على الصعيد الإقليمى، من جهة أخرى ساعدتنا جائحة كورونا على إحداث طفرة أخرى زادت من عدد القراء ومن عدد دور النشر التى كنا الوسيلة الرئيسية للإعلان عن وجودها ومن ثم عندما وصلنا لعام 2021 كنا قد حققنا شهرة كبيرة فى مصر والسعودية على نحو لم نكن نحلم به. ما هو تفسيرك لهذا النجاح فى هذين البلدين تحديدا؟ بالتأكيد الكثافة السكانية تلعب دورا فى هذا، لكن الأرقام على الأرض تقول إن معارض الكتاب فى القاهرة والرياض هى الأكثر جذبا للجمهور لذلك نركز عليها تسويقيا، إدراكا منا لقوة تأثير البلدين على صعيد إقليمى، ومن ناحية أخرى لدينا وجود مكثف فى بلد مثل الإمارات بسبب رسوخ فكرة التعامل مع التطبيقات الإلكترونية، فضلا عن وجود قوى شبابية تمثل جنسيات مختلفة داخل هذا البلد، هى الأكثر تفاعلا مع الخدمات التى يتيحها التطبيق. ما هى المؤسسة المالية التى قامت بدعمك منذ البداية؟ بدأنا بمنحة تسمى بذرة الاستثمار مقدمة للمشروعات الصغيرة من oasis500 كما أشرت فى البداية، حينها كنت وحدى ومعى زميل آخر اسمه تميم مسئول عن الجانب التقنى وظل معنا لنحو أربع سنوات وكان معنا بعض الشباب ممن يعملون بالقطعة لإنجاز مهام محددة، وفى 2014، افتتحنا حملة للتمويل الجماعى عبر موقع يوريكا للحصول على مساهمات مالية تسهم فى تطوير الموقع. واستطعنا خلال 90 يوما جمع 161 ألف دولار من 43 مستثمرا حول العالم. وبحلول نهاية عام 2020، تمكّنا من حصد جولة استثمارية بقيمة مليون دولار بقيادة الصندوق الأردنى للريادة، وصندوق رمال كابيتال، وصندوق JordInvest. كما حصلنا على دعم آخر من مؤسسة عبدالحميد شومان فى شكل منحة كانت هى الأكبر فى الأردن وفلسطين كانت بحدود 200 ألف دينار أردنى. لسنة 2018 وبفضلها اشتغلنا على التطوير التقنى. وفى الوقت الحالى هل لدينا مؤشرات عن حجم رأس المال ومصادره، وسبل إنفاقها وطرق الدفع للناشرين؟ ليس لدينا رأسمال بالمعنى التقليدى، نحن لا نشترى حقوقا، فقط ندفع للناشر 50 بالمائة من الإيرادات التى تأتى من القراءات التى توجه لأى إصدار من بين منشوراته. من أهم مميزات الديجيتال، أننا نتعرف على اتجاهات القراءة، وعلى الكتب الأكثر طلبا وعلى أعمار القراء وبلدانهم هل يتيح التطبيق للناشرين المتعاونين معه مثل هذه البيانات؟ عندما بدأنا كنا مهتمين أكثر بإرسال التقارير المالية وفى الوقت الحالى أصبح بعض الناشرين يطالبنا بتقارير عن مؤشرات القراءة وأعمار القراء وصور تفاعلهم مع الكتب، هل يكملونها من مرة واحدة أم يقرأون على مراحل ومتى يتوقفون، أظن أنها بيانات مهمة قد تساعد الناشرين على بناء سياسات النشر فى الدور التى يمثلونها وفى خطتنا المقبلة سنعمل على تطويرها لبناء دراسات متخصصة حول الموضوع. ما هى أهم المؤشرات التى تم استخلاصها من التعامل مع هذه البيانات حول اتجاهات القراءة عربيا؟ المؤشرات الأولى توضح زيادة حجم الطلب على ثلاثة أنواع من الكتب، والأدب يأتى فى المقدمة وهى سمة عالمية وعربية، مع ملاحظة أن هناك من يروج لفكرة أن الأعمال المترجمة تحظى بفرص أفضل من غيرها وهى مسألة غير دقيقة من وجهة نظرى حيث تتساوى فرص القراءة بين ما ينتج محليا وما يترجم من لغات عالمية وفى المرتبة الثانية من حيث الإقبال بطبيعة الحال كتب البيزنس والتنمية البشرية وتمثل المرتبة الثالثة مفاجأة كبرى حيث هناك إقبال كبير على كتب الفلسفة وبالذات فى السعودية ودول الخليج. وكيف تحددون أسعار الاشتراك الشهرى، هل لديكم تقارير عن قوة العمل ونسب الاستهلاك فى كل الأسواق؟ تسعير الاشتراك الشهرى يعتمد على استراتيجيات حول قوة العملة ومتوسطات الدخل للفرد فى كل بلد، فضلا عن دراسة صور الثقافة السائدة وبالتالى تختلف أسعار الاشتراك فى مختلف التطبيقات من بلد لآخر وأؤكد لك أن هذه العملية كانت من أصعب الأمور التى واجهتنا فى البداية. هل لديك معايير فى اختيار الناشرين المتعاونين مع التطبيق؟ لا تختلف سياستنا عن أى مكتبة موجودة على الأرض، نلتقى دوما طلبات للتعاون من ناشرين على امتداد العالم العربى ونختار منها الكتب التى يرغب القارئ فى الإطلاع عليها، نحن نهتم بالكتب التى نعرف مدى جودتها ونرغب فى إتاحتها أمام القارئ وبالتالى فالأولوية للناشرين الذين يملكون كتبا مرتفعة القيمة وذات جودة عالية ويسددون ما عليهم من حقوق نشر أو ترجمة، فنحن معنيون بهذا الجانب أيضا، ويهمنى أنت لاحظ أن هناك كتبا لا تقع فى دائرة اهتمامنا مثل الكتب الأكاديمية وكتب الأطفال؛ لأن تطبيقات أخرى تشتغل عليها. يرى الناشرون أن التطبيقات ستكون بمثابة الحل السحرى للأزمة الاقتصادية فى قطاع النشر لأنها تساعد الناشر والقارئ دون إجحاف بحقوق الطرفين وسؤالى: كيف تدفعون حقوق الناشرين من عائد اشتراكات القراء وما هى النسب التى تدفع؟ ضمن العقود التى نوقع عليها من الناشرين مادة تقول إننا نلتزم بالدفع 3 مرات سنويا فكل شهر نتمكن من تقديم بيانات دقيقة عن أعداد القراء الذين دخلوا على أى كتاب داخل التطبيق وبعد 4 أشهر نقدم للناشر النسبة المتفق عليها بنص العقد وداخل كل كتاب صفحة لا يراها المشترك ويراها الناشر تسمى إدارة الحساب من خلالها يستطيع تغيير اللوجو والتحكم فى جودة المحتوى ومتابعة أعداد القراء وفى نفس الوقت تلقى التقارير المالية ومن ثم فالأمور تجرى بأكبر درجة من الشفافية ولدينا طموح فى أن نستطيع مستقبلا الاستثمار فى إدارة العلاقة مع الناشرين بشكل أفضل لتحسين السوق وأعترف أن آلياتنا فى أمور التحويل المالى وإدارة الحسابات لا تزال أقل من طموحنا فى هذا الشأن، فقد اجتهدنا أولا لبناء تطبيق للقراءة وتوسيع حجم الأسواق الناشئة وبالتالى ركزنا على فرص النجاح مع القارئ وبما أننا نجحنا فى ذلك، فخطوتنا المقبلة ستكون هى العمل مع الناشر بإتاحة بيانات حول اتجاهات القراءة إلى جانب تيسير سبل التحويل البنكى والحصول على الحقوق بطريقة أسرع. بعد سنوات من العمل هل ساهمت هذه التطبيقات فى التأثير السلبى على حضور الكتاب الورقى؟ أقول لمن يزعم ذلك، الغرب سبقنا فى التعامل مع الكتاب الإلكترونى منذ ربع قرن ولا يزال الكتاب الورقى هناك صامدا ولو كانت هناك نية لإعلان وفاته لكان قد مات منذ زمن، فالكتاب تجربة معايشة لها أبعادها النفسية وهو أيضا هدية لها قيمتها وأنا شخصيا اشترى الكتب الورقية إذا أردت أن أدلل حالى أو إذا رغبت فى تقديم هدية لأصدقائى. ومن جهة أخرى تساعد هذه التطبيقات فى عودة الاهتمام بالقراءة وبينما يصل الكتاب الورقى لمئات القراء فإن الكتاب الإلكترونى يصل للملايين وهو يمثل حلا وحيدا لإنهاء مشكلات الرقابة والجمارك ووقف تجارب القرصنة والحد من سوق تزوير الكتاب. وأقول للناشرين دائما إن الأموال التى تأتى لنا من الاشتراكات هى ذاتها التى كانت تأتى من القارئ الذى كان يفضل فى السابق قرصنة كتاب، فلم تكن المشكلة فى المال وإنما فى الإتاحة، وهذا ما نفعله الآن. فلدينا مشتركون كانوا فى السابق من بين أشهر مقرصنى الكتب والآن هم من الداعمين لمشروعنا وبعضهم يشترى اشتراكات ويعمل مسابقات وهذه قصص نجاح تؤكد صحة ما راهنا عليه.