تصدر المحكمة الدستورية العليا، غدا السبت، حكمها في الدعوى المقامة لعدم دستورية عدد من مواد قانون الرياضة رقم 71 لسنة 2017 ولائحة النظام الأساسي لمركز التسوية والتحكيم الرياضي المصري الصادرة بقرار اللجنة الأوليمبية المصرية رقم 88 لسنة 2017 وتعديله بالقرار رقم 2 لسنة 2018. تداولت القضية في هيئة مفوضي المحكمة الدستورية العليا على مدار العامين الماضيين، حتى أودعت مؤخرا تقريرا أعده المستشار د. طارق عبدالقادر، الرئيس بهيئة المفوضين، برئاسة المستشار د. عماد البشري، رئيس الهيئة، أوصت فيه بعدم دستورية جميع هذه المواد وبالأخص: عدم دستورية المادة 66 من قانون الرياضة فيما نصت عليه من إتشاء مركز التسوية والتحكيم الرياضي داخل اللجنة الأولمبية المصرية، وما تضمنته المادة 68 من القانون ذاته من رئاسة اللجنة للمركز وقيام اللجنة باعتماد قوائم المحكمين بهذا المركز وتحديد أتعابهم. وعدم دستورية المادة 67 من قانون الرياضة فيما قررته من انعقاد اختصاص مركز التسوية والتحكيم الرياضي بناء على لائحة هيئة رياضية وسقوط الأحكام الواردة بالقرارات الصادرة من اللجنة الأولمبية التي أقرت انعقاد اختصاص المركز بتسوية جميع المنازعات الرياضية المحددة بقانون الرياضة وكذلك النصوص التي وردت بالأنظمة الأساسية للأندية الرياضية وتقيدت فيها بما أوردته اللائحة الاسترشادية في هذا الخصوص. وعدم دستورية المادة 69 من قانون الرياضة التي عهدت إلى اللجنة الأولمبية بوضع قواعد وإجراءات الوساطة والتوفيق والتحكيم، وسقوط قرار اللجنة الأولمبية بشأن لائحة النظام الأساسي لمركز التسوية والتحكيم الرياضي، وتعديلاته. وذكرت توصية المفوضين أن السلطة التشريعية لدى إصدارها قانون الرياضة عهدت إلى اللجنة الأولمبية بمهمة وضع قواعد وإجراءات عمل هذا المركز، ولم تمض السلطة التشريعية قدما في تحديد الأوضاع التنظيمية لوسائل الوساطة والتوفيق والتحكيم، مما يسقط قانون الرياضة في حومة المخالفة الدستورية، لأن المشرع تسلب من اختصاصه والتفت عن التزام دستوري عُهد به إليه وحده دون غيره. أي أن القانون كان يجب أن يتضمن بذاته هذه القواعد التنظيمية والإجرائية ولا يفوض فيها اللجنة الأولمبية. فضلا عن أن اللجنة الأولمبية التي تولت هذا الاختصاص بموجب القانون هي من أشخاص القانون الخاص، وبالتالي فهي ليست أهلا لإصدار أية لوائح عامة تنظيمية أو تنفيذية، ولا يملك المشرع أن يعهد إليها بإصدار تلك اللوائح. ووصف التقرير القانون في هذه النقطة الأولية بأنه تمادى في تسلبه من الاختصاص المنوط بالمشرع في الدستور، مما ينتج عنه بطلان المادة 69 وسقوط القرارات الصادرة من اللجنة الأولمبية المبنية عليها. وأضاف التقرير أن نصوص لائحة النظام الأساسي للمركز استحدثت تنظيما للطعن ببطلان التحكيمات التي يصدرها المركز، وحظر الطعن عليها بالطرق العادية، حاجبا المحاكم المصرية المفوضة دستوريا بولاية الفصل في هذه الأمور، مما يؤكد أن اللائحة جاوزت حدود التفويض التشريعي. كما أن أحكام هيئات التحكيم الصادرة طبقا لقانون الرياضة هي أحكام لها حجية ونافذة، شأنها شأن أحكام هيئات التحكيم الأخرى التي تصدر في منازعات التحكيم المدني والتجاري بناء على اتفاق الخصوم وفقا لقانون التحكيم المصري، وبالتالي فتلك الأحكام تعتبر عملا قضائيا يفصل في خصومة، بما مؤداه وجوب تقيدها بالمبادئ الأساسية لضمانات التقاضي، ووجوب إجازة الطعن على أحكام التحكيم أمام المحاكم المختصة في مصر. ويؤكد هذا أن النصوص المكوّنة والمنظمة لمركز التحكيم الرياضي مشوبة بعيب دستوري آخر هو الخروج عن القواعد العامة بشأن قابلية الأحكام الصادرة من المحاكم وهيئات التحكيم للطعن عليها بالبطلان في المحاكم المختصة سواء القضاء العادي أو قضاء مجلس الدولة. وتخالف لائحة النظام الأساسي الدستور في موضع آخر هو إنشاء دوائر للبطلان في مركز التحكيم، مما يحول دون بسط ولاية المحاكم الوطنية على أحكام التحكيم الرياضي، مما تسقط معه دستورية جميع المواد المنظمة لعمل تلك الدوائر. كما ألقى التقرير الضوء على عدم دستورية الوضع الإداري والتنفيذي للمركز، فعلى الرغم من وصفه في قانون الرياضة ك(مركز مستقل) إلا أنه أخضعه لإشراف اللجنة الأولمبية وجعله تابعا لها بالكامل، متجاهلا أن اللجنة ذاتها طرف في أغلب المنازعات الرياضية الناشئة عن العمل بقانون الرياضة، مما يهدر استقلالية هذا المركز. وشدد التقرير على أن استقلال هيئة التحكيم من المبادئ الأصولية التي تقوم عليها الأنظمة المتقدمة، تطبيقا لمبدأ خضوع الدولة للقانون، وضرورة عدم إخلال التشريعات بالحقوق والضمانات التي يعتبر التسليم بها في الدول الديمقراطية مفترضا أوليا لقيام الدولة القانونية، وعدم جواز أن يكون العمل القضائي موطنا لشبهة تداخل تجرده وتثير ظلالا قاتمة حول حيدته. وأشار تقرير هيئة المفوضين أيضا إلى أن رسم طريق اللجوء لهذا المركز كوسيلة وحيدة لفض المنازعات والتوفيق، وعقد الاختصاص له وحده بناء على نص ورد بلائحة هيئة رياضية، هو أمر يخرج عن الأصل العام في شأن التحكيم الرضائي، والذي يجب أن يكون وليدا لاتفاق الخصوم على اللجوء إليه كطريق بديل عن اللجوء إلى القضاء لفض المنازعات وفي الحدود والأوضاع التي تتراضى إرادتهم عليها.