فى منتصف الثمانينيات فاجأ زياد الجميع بألبوم «أنا مش كافر»، الذى يشبه عنقودا فنيا من مواهب وابتكارات زياد، كاتب الأغنية والملحن والمناضل السياسى والمطرب والعازف ومهندس الصوت أيضا. موهبته الفريدة جعلته فى هذا الألبوم يقف على منصة الثقة المطلقة، ولا يتردد فى التجريب الذى لا تخلو منه أغنية واحدة من المقطوعات الثمانى. حتى افتتاحية الشريط بصوت زياد كانت موجعة: «هايدا الشريط حقه 20 ليرة، واللى يبيعه أغلى من هيك بيكون حرامى، واللى يبيعه أرخص من هيك برضو بيكون حرامى، بس حرامى غير شكل، لأنه شريط غير شكل». يقصد زياد أن هناك «توظيفا سياسيا» لسرقة الشريط، ليس فقط من جانب الخصوم، بل ربما من جانب الأنصار، فالشريط فى النهاية كان «إعلانا سياسيا». هل توجد صراحة إلى هذا الحد؟. لكن ما يلى من أغنيات كان اختراعا على كل صعيد. الأغنيات تبدأ بهجائية الافتتاح «أنا مش كافر»، ضد كل من «يصلى الأحد أو الجمعة، وقاعد يفلح فينا على طول الجمعة»، وتنتهى بصلاة إلى شهداء الجنوب اللبنانى زمن الاحتلال الإسرائيلى. كان الشريط أيضا تجربة لا تنسى فى تحويل مواقف سياسية واقتصادية إلى أغنية جميلة، لا يمل منها المستمع، مثل «الله يساعد»، التى ترقى إلى مستوى البيان السياسى على طريقة المانفيستو الشيوعى، مع رفيقتيها «شو عدا ما بدا»، وشو ها الإيام». لم تصل الأغنية السياسية فى الوطن العربى إلى ما حققه زياد فى الكلمة البسيطة والعمق غير العادى فى الوقت نفسه مع اللحن الجذاب، بالإضافة إلى ما يتميز به من دقة متناهية فى التنفيذ والتسجيل والتوزيع والميكساج. وهذا ما لم يتوافر ربما لتجارب الغناء السياسى الأخرى، مثل الشيخ إمام فى مصر، أو مارسيل خليفة فى لبنان. ووصلت شجاعة زياد فى التعبير السياسى الخشن إلى درجة الهجوم اليومى على خصوم سياسيين مسلحين، دون أن يطرف له جفن، فقد هاجم أحزابا تملك ميليشيات للقتل فى لبنان الممزق بالحرب الأهلية، وانتقد السوريين الذى كانوا موجودين فى لبنان فى أغنية من عبارة واحدة: ياللا كشّوا بره!. ووصل به التفانى فى خدمة موقفه السياسى إلى تخصيص أغنية ضد الرئيس السورى الراحل، ساخرة ومحرضة وقاسية، تبدأ باعتذار عن عدم وجود «زعيم وطنى تقليدى يمكن إهداء الأغنية له»، ثم بمشاهد صوتية لاقتحام الجنود السوريين لبيوت اللبنانيين. زياد لا يخاف، خلاصة مخيفة لمن يعرف أن لبنان هو دائما ساحة محتملة للعقاب ثم للثأر، ولم يكن اغتيال الحريرى، المدجج بكل أسلحة الكشف عن الأسلحة، آخر أشكال الحوار السياسى الدامى فى لبنان الأخضر.