انهارت مئذنة مسجد لالة خناتة - في مدينة مكناس الإمبراطورية التاريخية - التي يرجع تاريخها لقرون - بينما كان المؤذن يؤذن لصلاة الجمعة يوم 19 فبراير لتقتل أكثر من 40 مصليا دفنوا في الرمال والطين. يتحدث هشام ضو -29 عاما- وهو متطوع للعمل مع جمعية الهلال الأحمر:"مع استمرار البحث أدركنا أن جميع المحاصرين تحت الأنقاض تقريبا لقوا حتفهم... معظمهم أصيب بالاختناق تحت الرمال". وتعتني السلطات عادة بالمساجد في المغرب لكن الإهمال وانهيار المئذنة في مكناس يعكس تدهورا منذ فترة طويلة لمدن المغرب التاريخية. وتعزو السلطات المغربية انهيار مئذنة مكناس إلى أضرار لحقت بها نتيجة الأمطار الغزيرة. وتتصدع مناطق في البلدات القديمة المحاطة بأسوار في المملكة والتي ترمز إلى سطوة وثراء الإمبراطوريات الغابرة. وتدهورت مدينتا مكناسوفاس اللتان شيدتا في القرنين الحادي عشر والتاسع عندما هجرت الطبقة الوسطى الثرية البيوت المترفة في المناطق القديمة وانتقلت إلى أحياء جديدة أكثر رحابة وأحسن تنظيما. وحل الفقراء الذين هجروا الريف محلهم وقسمت البيوت القديمة الكبيرة لتتسع لعدة عائلات كانت تسكن في هذه الأحياء بالإيجار ومن ثم لم يكن لديها حافز قوي للحفاظ على المنطقة المحيطة. وأهمل الاستثمار الأجنبي الذي سجل أرقاما قياسية في قطاع العقارات المغربي إلى حد كبير المدن القديمة المليئة بالأزقة الضيقة. وبينما احتضنت عمليات تطوير البيوت الراقية والمنتجعات الجديدة المطلة على البحر الأقواس والقناطر الأندلسية الجميلة والأفنية الظليلة والنافورات التي ميزت العمارة في عصر الإمبراطوريات فإن المدن التاريخية كانت تكافح لإعادة اكتشاف مجدها الغابر. ونمت الأعشاب وسط أجزاء من أسوار مكناسالعالية. وفي فاس وضعت دعامات خشبية لتدعيم جدران منازل البلدة التي يرجع تاريخها لقرون. وقال كمال الذي يعمل مرشدا سياحيا في فاس : "لن يعيش كثير من الناس في المدينة. يقولون إنها في حالة مزرية.. هناك أكوام من القمامة والأطفال هناك لا يحصلون على قدر جيد من التعليم ويرددون عبارات بذيئة." ومضى يقول "بمجرد أن تكسب أسرة فقيرة تعيش في المدينة دخلا كافيا كي تعيش حياة أفضل تدفعها غريزتها إلى الخروج". وقال محمد فوزي - والي مكناس- الأسبوع الماضي إن أكثر من 500 مبنى في المدينة التي كانت جوهرة إمبراطورية الملك مولاي إسماعيل المهيب القوية في حاجة للإزالة أو التدعيم أو الترميم من بينها حوالي 160 مهددة بالانهيار. وأضر انهيار المئذنة على ما يبدو بصورة مكناس كمزار سياحي. وقال شخص يدير بيتا للضيافة في الحي السكني بمكناس "لم أتلق حجزا واحدا منذ أن انهارت المئذنة... يبدو الأمر كما لو أن السياح يعتقدون أن المدينة كلها على وشك الانهيار. وهذه سذاجة". ومكناس وشقيقتها الأكبر فاس مدرجتان ضمن قائمة منظمة الأممالمتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو) للمواقع الأثرية ولكن هذه العبارة فقدت الكثير من معناها في مدينة مكتظة وينتشر فيها الفقر مثل فاس بشوارعها التي يصل عددها إلى 9400 شارع وسكانها الذين يزيد عددهم على 150 ألفا. وقال على الإدريسي القيطوني - وهو شاعر وفنان تشكيلي وسجين سياسي سابق من فاس- : "هناك حوالي أربعة آلاف مبنى قد تتعرض للإزالة من بينها 1800 مبنى في حالة سيئة جدا". وفي عام 2004 انهار منزل على مسجد في المدينة مما أسفر عن سقوط 11 قتيلا. وقال فؤاد السرحيني - الذي يدير وكالة للتطوير في فاس- : "قلنا كفى.. علينا أن نتحرك لوقف هذه الخسارة لأرواح البشر". واستطرد قائلا "الحل الوحيد هو تدعيم المباني التي أصبحت في حالة حرجة". وجرى تدعيم حوالي 1200 مبنى مهدد بسقالات. ويتطلع السرحيني الآن إلى نظام للدعم من الدولة وإعفاءات ضريبية وقوانين لإجبار الملاك على الاضطلاع بمسؤولياتهم عن مبانيهم لوقف التدهور. وقال إن شركته استهدفت ترميم 500 مبنى بين عامي 2009 و2011 ولكن التحدي الأكبر هو خلق ديناميكية جديدة في فاس وهي مدينة شيدت في القرن التاسع وبها أقدم جامعة في العالم والتي لا تزال عاصمة المغرب الروحية. وتسارع انهيارها عندما جعلت فرنسا القوة الاستعمارية السابقة الرباط مركزا إداريا للمملكة وأصبحت البلدات الساحلية محل اهتمام التنمية في المغرب. وأنشأ الإداريون الفرنسيون أحياء جديدة وعصرية خارج الأسوار المتصدعة للبلدات القديمة بطرق واسعة تتناقض بشكل صارخ مع الأزقة الضيقة في البلدات القديمة. وقال السرحيني: "عندما صادر المستعمر الأراضي خارج المدينة بدأ في عزل المدينة عن إمكانيتها الاقتصادية والمالية". لكنه استطرد قائلا: "لا يمكن لوم القوة الاستعمارية وحدها. فالمدينة تضمحل على مدى 150 عاما". ولا تزال المدن القديمة على الرغم من تدهورها مقرا للمدارس والمدرسين والمكاتب الإدارية ومراكز الشرطة. وحول الأجانب الكثير من البيوت إلى دور للضيافة معظمها بالقرب من الأسوار الخارجية للمدينة كي يسهل على السياح الذين تتزايد أعدادهم معرفة طريقهم. لكن السكان المحليين يقولون إن فساد المسئولين وسوء إدارة السلطات وعدم وضوح قوانين ملكية العقارات تجعل الاستثمارات أكثر خطورة وتحول دون إحياء المدن التاريخية. وقال على الإدريسي: "تغير أكثر من نصف سكان فاس في أقل من 30 عاما". وتابع قائلا: "فاس مريضة. لم تعد تدرك ماضيها وليست لديها أدنى فكرة عن مستقبلها".