كالمحارب الذي وجد نفسه في معركة لا يملك فيها أي سلاح للدفاع عن نفسه من ضربات العدو.. هذا هو شعور مريض التصلب الجانبي الضموري – ALS، الذي يعد مرضًا فتاكًا أكثر بشاعة من السرطان؛ لأن سبب الإصابة به غير معروفة وليس له علاج، فيتوفى معظم المرضى بعد مرور 5 سنوات فقط من تشخيصهم بالمرض. وبدوره، فتحت «الشروق» ملف مرض التصلب الجانبي الضموري في مصر، والذي يعد أشهر المصابين به هو لاعب الأهلي السابق مؤمن زكريا، الذي لم يعلم أحد من جمهوره قبل ذلك ما هي طبيعة مرضه، وما هي أعراضه، وفي هذا الملف نناقش تفاصيل المرض الخطير مع المرضى والأطباء، خاصة بعد ظهور بصيص من الأمل في علاجه، عن طريق اعتماد هيئة الغذاء والدواء الأمريكية لدواء جديد منذ عدة أيام، قيل إن نتائجه واعدة في شفاء المرضى، فهل يوجد أمل في استيراد هذا الدواء سريعًا ومعالجة مرضى التصلب الجانبي الضموري قبل أن يحصد المرض اللعين المزيد من الأرواح؟. كما تواصلت «الشروق» مع مجموعة من مرضى التصلب الجانبي الضموري الذين كونوا مجموعة دعم على تطبيق "واتس آب"، حيث لا يتعدى عددهم ال100 مشترك؛ لمشاركة أحدث الأخبار عن العلاجات، وعرض تجربة كل شخص مع الآخرين، والحصول على المواساة والتشجيع من شخص يعلم حجم المعاناة التي يمر بها. • نهاية الخدمة لطبيب ناجح لم يكن يعلم استشاري الأنف والأذن والحنجرة دكتور وليد حسني الذي يبلغ من العمر 45 عامًا، أن خبرته الطبية الطويلة لن ستساعده في التعرف على مرض التصلب الجانبي الضموري بسهولة، مشيرًا إلى أن إصابته بالمرض بدأت منذ 3 سنوات ونصف، عندما شعر بحركة غير طبيعية في رجله، وتطورت مع الوقت حتى أصبح يتحرك بصعوبة، ولم يكن يتوقع أن هذا الثقل الذي يشعر به في حركة رجله سيتحول إلى خبر من أسوأ الأخبار التي سمعها في حياته، وهو إنه مريضًا بمرض ALS. وتدهورت صحة "حسني" مع مرور السنوات حتى أصبح يسير بصعوبة على عكاز، وفي بعض الأوقات يجلس على كرسي متحرك، هذا بجانب إصابته بضعف في عضلات التنفس منذ أكثر من عام، قائلًا: "أنا وكثير من المرضى نحتاج إلى جهاز تنفس صناعي خاصة خلال النوم؛ لضخ الهواء في الرئة بعد ضعف العضلات فالمريض لا يمكن أن يستغنى عن هذا الجهاز، فإذا انقطعت الكهرباء لدقائق تكون كارثة بالنسبة لنا؛ لأننا نتوقف عن التنفس". ولا يعلم "حسني"، سبب علمي واضح لإصابته بالمرض، ولكن بحكم أنه طبيبا، قرأ جميع ما نشر عن التصلب الجانبي الضموري ليعلم جيدًا ما هو مقبل عليه، موضحًا أنه وجد أن الدراسات تؤكد إصابة الأشخاص بالمرض بعد عمر الخمسين. وأكد أن المرض تطور ف90% من الإصابات التي يعلمها حاليًا من الشباب في الثلاثينات والأربعينات من عمرهم، وأبرزهم لاعب الأهلي السابق مؤمن زكريا، وهو شخص رياضي وصغير في العمر، هذا بالإضافة إلى تعامل "حسني" مع العديد من الرياضيين الآخرين المصابين بالمرض، وتحولوا خلال سنتين أو 3 من إصابتهم به لأشخاص يجلسون على كرسي متحرك وعاجزين عن التنفس، فيحصلون على الهواء من خلال شق حنجري ويأكلون عبر أنبوب تغذية. وعن علاج المرض، يقول حسني ل«الشروق»: "ما نحصل عليه من أدوية لا تعالج المرض، بل تقلل من تدهور الصحة، فنحصل على أدوية يصل سعر علبتها الواحدة إلى 1200 جنيه، فهي باهظة الثمن، ولا يستطيع بعض المرضى شراءها، ولكنها غير فعالة حتى لم يحصلون عليها، حتى الحقن الموجودة في الخارج واستطعنا شراءها، كان لها مضاعفات سلبية أكثر من أنها إيجابية، فتدهورت صحة العديد ممن حقنوا بها، وهم يظنون أنها الأمل في العلاج". وأضاف: "تجرى حاليًا العديد من التجارب السريرية على أدوية جديدة للقضاء على التصلب الجانبي الضموري، ويبدو أن النتائج المبشرة بدأت تظهر من خلال اعتماد هيئة الغذاء والدواء الأمريكية لأحد العلاجات الذي قيل إن نتائجه جيدة، وهو عبارة عن أكياس فوار، يحصل عليه المريض مرتين يوميًا مدى الحياة، تقدر تكلفته ب158 ألف دولار للمريض في العام، وهو من الممكن أن يزيد عمر المريض لمدة 9 أشهور، بجانب أنه أوقف تطور المرض لدى بعض المرضى، وحسن من وظائف التحدث للمرضى الذين توقفوا عن الكلام، كما جعل العديد من المرضى يتنفسون من جديد". وأوضح "حسني"، أنه بمتابعتهم لأخبار الدواء الجديد، بدأ مرضى التصلب الجانبي الضموري في الحصول عليه من أمريكا ضمن التأمين الصحي مجانًا، أما غير الأمريكيين فبدأوا يشترونه بمبالغ خرافية، مؤكدًا أنه يتمنى أن يصل الدواء إلى مصر قريبًا بعيدًا عن الإجراءات الروتينية، وهي انتظار اعتماد الدواء في بلاد أخرى، حتى تستورده مصر في النهاية؛ لأن الانتظار سنوات سينهي حياة العديد من المرضى الحاليين المصابين بالALS. • نداء إلى الرئيس عبد الفتاح السيسي وجه "حسني" رسالة إلى الرئيس عبد الفتاح السيسي قائلًا: "أرجوك وفر لنا هذا الدواء، فهو الأمل بالنسبة لنا في الحياة، نستطيع إطلاق حملة تبرعات عبر وزارة التضامن الاجتماعي لتوفير الدواء، خاصة وأن عددنا لن يتجاوز المئة مريض، فنحن نستطيع أن نحصل عليه بالتكاتف سويًا، ولكن أجلبوا الدواء إلى مصر أولًا، حتى نبدأ إجراءات التبرعات، ونعطه للمرضى، فهو من الممكن أن يوقف تدهور بعض الحالات، ويتسبب في شفاء آخرين، نريد أن تضامنوا معنا في حملتنا للحصول على الدواء كي نحمي المزيد من خطر الوفاة". • مناشدة الإعلاميين والفنانين ناشد "حسني"، الإعلاميين والفنانيين تبني حملة تسهيل إجراءات الحصول على دواء مرض التصلب الجانبي الضموري، خاصة الفنان تامر حسني الذي تحدث عن مرض التصلب من قبل. وأوضح أن نجومية تامر حسني ستساعد الحملة في الانتشار والتوعية بخطورته، وضرورة تسريع إجراءات الحصول على الدواء، مؤكدا أنه حتى الآن يعد أحد أخطر الأمراض في العالم، الذي تعدى في خطورته السرطان لأن معظم السرطانات لديها أسباب وعلاجات على عكس الALS، الذي يصيب الإنسان ويميته دون وجود أي سبب للإصابة أو علاج. وأنهى مرض التصلب الجانبي الضموري، حياة الطبيب وليد حسني المهنية، فهو لا يستطع التحكم في جميع عضلات جسده، فاضطر إلى إتمام إجراء المعاش لأن حالته الصحية لا تسمح باستكمال عمله، قائلًا: "أنا وبقية المرضى في انتظار الأمل". ولم تختلف الأعراض كثيرًا بين دكتور حسني وبين رشا عبدالفتاح التي تبلغ من العمر 44 عامًا، سوى أن حالتها تدهور باستمرار، فهي تتحرك بصعوبة، وأصبحت ابنتها تساعدها في كل شيء حتى في تناول الطعام وتمشيط شعرها؛ لأنها لا تستطع تحريك يدها بسهولة، وذلك بعد عام واحد فقط من إصابتها بالتصلب الجانبي الضموري. وكانت "رشا" نشيطة ومحبة للحركة، فهي كانت تعمل مدرسة رياض أطفال بإحدى المدارس بالإسكندرية، ولكن يومًا بعد يوم أصبحت غير قادرة على هذا المجهود البدني الكبير، فحصلت على إجازة مرضية لصعوبة الحركة، وعدم قدرتها على التحدث حتى مع الأطفال فقد تغير صوتها، وأصبحت تتحدث بصعوبة شديدة، مع الشعور بمشكلات خلا التنفس. • توقف بعد حركة.. وأم أصبحت الابنة وتقول رشا ل«الشروق»: "بدأت أشعر بالمرض يتخلل جسدي منذ عام واحد فقط، عندما شعرت برعشة بسيطة في ذراعي، فقد كنت أشعر بأن الرعشة تسري في العضلات نفسها، ولم أهتم نظرًا لبساطة الأمر، ولكن أصبت بتشنجات بعدها في كف يدي، ثم رجلي، ثم أصبحت التشنجات في كامل جسدي، فذهبت إلى طبيب مخ وأعصاب، وهو لم يشخصني بمرض التصلب الجانبي الضموري مباشرة لصعوبة تشخصيه، ولكنه استبعد مرضًا تلو الآخر، حتى وصل إلى هذا التشخيص في النهاية". ولم يبلغ الطبيب "رشا" باسم مرضها مباشرة، ولذلك بحثت عن اسمه وفقًا لما يعالجه الدواء الذي وصف لها؛ لتجد أنها مصابة بالALS وأن دواءها ما هو إلا لتأخر تطور المرض وليس لعلاجه، مشيرة إلى أن هذا الدواء لم يشفع في إيقاف التدهور لأن حالتها تسوء يومًا بعد يوم. وأوضحت "رشا"، تأثير المرض عليها قائلة: "تفاجئت كثيرًا عند أصبت بالمرض فلم نعلم لم سبب، ولم أكن أشكو من أي شيء قبلها، كما أنني أحب الحركة، والآن لا أتحرك أبدًا فابنتي هي من تفعل كل شيء في المنزل، وأصبحت مسؤولة عني بشكل كامل فلا أستطيع فعل أي شيء، وبجانب ضعف الحركة أصبحت أتحدث بصعوبة شديدة وبالكاد أتنفس، أما وزني فلصعوبة البلع أصبحت لحم على عضم". ووجهت "رشا"، رسالة إلى الرئيس عبدالفتاح السياسي قائلة: "عندي أمل في الله كبير، بأمر الله نحصل على الدواء الجديد لعلاج التصلب الجانبي الضموري، فلن أفقد الأمل أبدًا، وأوجه نداء إلى الرئيس عبد الفتاح السيسي؛ لأنه شخص طيب وحنون فهو يمكن أن يأمر بالحصول على الدواء وإعطاءه لنا لإنقاذنا من الموت، ومتأكدة من أن الله كريم". • الزوجة هي السند يعتبر أحمد حلمي من المرضى النادرين المصابين بالتصلب الجانبي الضموري؛ وذلك لأنه أصيب به في مقتبل حياته فتم تشخصيه بالمرض في عام 2014، أي وهو يبلغ من العمر 29 عامًا فقط، وهو ما زال يقاومه حتى الآن. ويرجع "حلمي" مقاومته للمرض إلى الكرم الإلهي قائلًا: "ذهبت في بداية مرضي إلى دكتور أخصائي، فشك في إصابتي بالتصلب الجانبي الضموري، واقترح عليّ الذهاب إلى طبيب استشاري، وتأكدت من إصابتي به، وبدأت رحلت علاج، وذهبت إلى 3 أطباء في اليوم الواحد، في محاولة للسيطرة على صحتي من التدهور". وأوضح حلمي، أن المرض أصاب عضلاته مباشرة وهو يضعف العضلات واحدة تلو الأخرى، حتى يصل إلى أكبر عضلة وهي عضلة التنفس، مشيرًا إلى أن التشخيص المبكر للمرض والمتابعة الدورية مع أطباء الصدر والمخ والأعصاب قد يساعد على منع التدهور السريع للحالة، التي قد تصل إلى الإصابة بالشلل التام، وعدم الحديث أو القدرة على تناول الطعام أو الشرب، ضاربًا مثال بأشهر من أصيبوا بالمرض في العالم، وهو العالم ستيفن هوكينج. وتحدث "حلمي" مع «الشروق» عن تأثير المرض على حياته الشخصية قائلًا: "كنت أعمل موظفًا بإحدى مستشفيات الأطفال، ولكنني حاليًا أنهي أوراق المعاش، بالرغم من أن عمري 37 عامًا فقط، فلا أستطيع ممارسة عملي بمفردي؛ لأنني أتحرك بواسطة الاتكاء على عكاز، ولا أستطيع الوقوف بعد الجلوس على الكرسي، ولدي دائمًا عدم اتزان، مما يجعلني أسقط على الأرض فجأة، وتكون السقطة مؤلمة نفسيًا وجسديًا، لصعوبة التحكم في جسدي خلال الوقوع، مما يجعلني أصيب بإصابات شديدة". واختتم: "أصيب جزء من رئتي بالمرض، فتأثرت عضلة الحجاب الحاجز، وأعيش حاليًا بمساعدة زوجتي، فهي من تساعدني على تناول الطعام والشراب وحتى الاستحمام، فهي أصبحت المسؤولة عن كل شيء يخصني.. والحمد لله على كل شيء".