جدول امتحانات الترم الثاني للصف الخامس الابتدائي في الغربية    احتفالات جنونية بالتأهل.. ملخص مباراة منتخب الشباب ضد غانا بأمم أفريقيا (فيديو)    متابعة وتقييم الأداء بمستشفيات أشمون لدعم تطوير المنظومة الصحية    «المشاط»: 1.158 تريليون جنيه سقف الاستثمارات العامة للعام المالي المقبل    مصرع عامل غرقا في ترعة الجيزاوي بالعياط    زلزال بقوة 5.3 ريختر يضرب شمال سومطرة في إندونيسيا    المركز الثقافي الأرثوذكسي يكرم د. شوقي علام ويشيد بدوره التنويري    من الإعارة إلى التألق.. إيريك جارسيا "ورقة رابحة" في يد فليك    ترامب يدافع عن الطائرة هدية قطر: لست غبيا لأرفضها.. وقدمنا لهم الكثير من مساعدات الأمن والسلامة    خناقة بالشوم وألفاظ خارجة داخل مسجد بالسلام.. ومصدر يكشف مصير المتهمين    محبوس بكفر الدوار ومزور اسمه.. كيف سقط المتهم في جريمة شقة محرم بك؟    وزير السياحة: مصر ماضية بخطى ثابتة لاستعادة آثارها المهربة بطرق غير شرعية    أستاذ علوم سياسية: إنهاء صفقة عيدان ألكسندر خطوة مهمة فى دعم القضية الفلسطينية    تطور جديد فى خلاف أبناء محمود عبد العزيز ضد بوسي شلبي    أحمد فهمي يستعد لمسلسل جديد بعنوان «ابن النادي» (تفاصيل)    «بيئة العمل تحتاجهم».. 4 أبراج تترك أثرًا إيجابيًا لا يُنسى في أماكنهم    عالم بالأزهر: هذا أجمل دعاء لمواجهة الهموم والأحزان    أتالانتا ضد روما.. التشكيل الرسمي لقمة الدوري الإيطالي    إطلاق الخطة العاجلة للسكان والتنمية والبرنامج القومي للوقاية من التقزم    ما حكم إقامة العلاقة الزوجية أثناء الحج؟.. أمين الفتوى يجيب    نادية الجندي تخطف الأنظار بإطلالة شبابية جديدة | صورة    المؤبد لقاتل شقيقه داخل مزرعة مواشي بالدقهلية بعد تنازل الأب عن الحق المدني    أمينة الفتوى: هذه أدعية السفر منذ مغادرة المنزل وحتى ركوب الطائرة لأداء الحج    أمينة الفتوى: الزغاريد عند الخروج للحج ليست حراماً لكن الأولى الالتزام بالأدب النبوي    الأمم المتحدة: سكان غزة يواجهون مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي    يونيفيل: العثور على 225 مخبأ للسلاح جنوبي لبنان    طلاب إعلام الاهرام الكندية تعيد فرقة رضا للجمهور ب إبهار تراثي عصري جديد    بالصور.. الكشف على 3400 مواطن في قافلة طبية لجامعة أسيوط بغرب أسوان    أهم 60 سؤالاً وإجابة شرعية عن الأضحية.. أصدرتها دار الإفتاء المصرية    تأجيل إعادة محاكمة 5 متهمين ب"الخلية الإعلامية" لجلسة 10 يونيو    معاش المصريين العاملين بالخارج 2025: الشروط والمستندات وطريقة الاشتراك    «تلاعب في العدادات وخلطات سامة».. 5 نصائح لحماية سيارتك من «غش البنزين»    أسعار الحديد ومواد البناء اليوم الإثنين 12 مايو 2025    يُسلط الضوء على المواهب الصاعدة.. الكشف عن الشعار الرسمي لكأس العالم تحت 17 سنة    الكرملين: بوتين حدد موقفه بشكل واضح بشأن استئناف المفاوضات مع أوكرانيا    تفاصيل الحملة القومية الأولى ضد مرض الحمى القلاعية وحمى الوادى المتصدعة أسوان    اعتماد أوروبي لقصر العيني كمركز متخصص في رعاية مرضى قصور القلب    رئيس جامعة أسوان يتفقد امتحانات كلية التجارة    موعد تسليم دفعة جديدة من وحدات مشروع جنة بالقاهرة الجديدة    موعد وقفة عرفة 2025.. فضل صيامها والأعمال والأدعية المستحبة بها    براتب 6500.. فرص عمل في شركة مقاولات بالسعودية    «بعبع» تسريب امتحانات الثانوية العامة.. هل يتكرر في 2025؟| ننشر خطة «التعليم» كاملة    محافظة الجيزة: انتهاء أعمال إصلاح الكسر المفاجئ بخط مياه بمدخل مدينة هضبة الأهرام    فانتازي.. ارتفاع سعر لاعب مانشستر سيتي    استمرار حملة "تأمين شامل لجيل آمن" للتعريف بالمنظومة الصحية الجديدة بأسوان    مصادر: بورصة مصر تبحث قيد فاليو الأربعاء المقبل    تداول 14 ألف طن بضائع عامة ومتنوعة بموانئ البحر الأحمر    العراق: الواقع العربي يتطلب وقفة جادة لتحقيق العدالة الاجتماعية    في اليوم العالمي للتمريض.. من هي فلورنس نايتنجيل؟    عاجل- رئيس الوزراء يتابع ملفات الاتصالات.. ومبادرة "الرواد الرقميون" في صدارة المشهد    تقييم صلاح أمام أرسنال من الصحف الإنجليزية    براتب يصل ل 500 دينار.. 45 فرصة عمل بالأردن في شركات زراعية وغذائية وصناعات خشبية (قدم الآن)    البنك الأهلي يرغب في ضم كريم نيدفيد    انطلاق فعاليات الدورة التدريبية الرابعة بجامعة القاهرة لأئمة وواعظات الأوقاف    رئيس «دي إتش إل» يتوقع استفادة من التوترات التجارية بين واشنطن وبكين    حالة الطقس اليوم في السعودية    أمام العروبة.. الهلال يبحث عن انتصاره الثاني مع الشلهوب    مسار يواجه أسمنت أسيوط.. والمدينة المنورة يلتقي الأقصر في ترقي المحترفين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حوارات هيكل (الجزء الحادي عشر)
نشر في الشروق الجديد يوم 20 - 04 - 2010

نتحدث لمرات عن حركة التاريخ ويخيل لبعضنا من واقع الكلمة «حركة التاريخ» أننا نتحدث عن شىء مجرد وبشىء غير محسوس لكن واقع حركة التاريخ أنها ليست مجرد أحداث تتوالى يتلو بعضها بعضا دون عقل.
ومن اللحظات الدالة بشدة عن حركة التاريخ هى تلك الفترة التى ظهرت فيها مظاهرات الشباب فبينما حركة شباب فى القاهرة تجرى، يتصور بعض الناس أن هذا يعطل كل شىء والغريب أن هذه الفترة بالتحديد فترة حركة الشباب، الجبهة لم تتأثر وهناك حركة فى القاهرة تبدو وكأنها درجة من درجات الفوضى، وفى هذه اللحظة تقاتل الجبهة بقدرة ونظام وكفاءة.
وكانت فى هذه الفترة المحكمة العسكرية لقيادات الطيران، ويصدر الفريق الحديدى رئيس المحكمة، أحكاما بالسجن ويخرج الشباب إلى شوارع القاهرة، وكان الأمر يستحق أن نطل عما يجرى فى ميدان القتال والتداعيات التى نشأت على حركة الطلبة وعن حركة وحيوية الشباب وخروجه فى شوارع القاهرة.
إغراق الغواصة داكار
ووقعت معركة فى ذلك الوقت أظن أنها لم تأخذ حقها وهى إغراق الغواصة داكار، ففى 25 يناير قبل مظاهرات الطلبة وقبل أحكام الطيران حدث أن قيادة البحرية بدأت ترصد الغواصة، شعرت بمحركاتها اثنتان من مدمرات الأسطول المصرى فى ذلك الوقت كانتا تعملان فى شمال دمياط، فى الموقع الذى أغرقت فيه أو حوله المدمرة إيلات من قبل، وصدرت أوامر من المدمرتين بملاحقة هذه الغواصة، وتم رصدها يوم 25 ليلا ويوم 26 شعروا بأن الغواصة شعرت بوجود رقابة فدخلت الغواصة فى أعماق أبعد وفى يوم 27 حاولت الغواصة إغلاق محركاتها لكى لا يبدو صوت وإخفاء أثرها، لكن فى نفس اليوم صدرت أوامر للمدمرتين أن يقوموا بالالتفاف حول المنطقة التى يشتبه أن فيها الغواصة ويقوموا بضرب قنابل أعماق، لأنه كان هناك خوف وقلق بأن ترسل إشارات لطيران وأن تكون المدمرات مكشوفة أمام الطيران الإسرائيلى، وفى مساء 27 صدرت أوامر بأن يقوموا بدائرة حول منطقة الاشتباه ثم ضربت 18 قذيفة أعماق وتحركت المدمرتان للعودة لقواعدهما ومنهما التى كانت تتابع المدمرة المصرية أفاتر، فالرصد موجود ومستمر وكان هناك شعور بأن الغواصة غرقت، ولكنها أصدرت إشارة خافتة جدا لطلب النجدة sos وقائدها كان يبدو أنه فى موقف حرج وسنعرفه فيما بعد، لأنه أعلن وأذيع فى الوثائق الإسرائيلية.
وبعد أن أعطت الغواصة الإشارة التقطتها محطة قبرص وقيادة البحرية فى إسكندرية لم تلتقط الإشارة كاملة نتيجة لأن الإشارة كانت باهتة ضعيفة لا أحد يستطيع أن يقدر ما فيها لكن أصبحت قيادة البحرية صباح 28 يناير وهى على ثقة تقريبا أن هذه الغواصة غرقت، وتوجه الفريق محمد فوزى والفريق عبدالمنعم رياض، وطلب الفريق فوزى من جمال عبدالناصر أن يعلن خبر اغراق الغواصة، لكن جمال عبدالناصر وقتها بالتشكك وبالعقد الناشئة عن بيانات وبلاغات كانت مبالغا فيها وما تلاها بدأ يقول مثل كل المرات إنه يريد يقينا، وقال إنه لا يريد أن نقوم بالإعلان والتهليل ونقول إننا حققنا انتصارا دون أن يكون لدينا دليل لأنه يخشى أن إسرائيل ستتكتم على الخبر إذا كان صحيحا، وأنه ليس من المعقول أن تغرق غواصة ولا يظهر لها أثر على سطح البحر كنوع من الحطام أو بقع زيت وبالتالى فهو طالب تأكيد لأنه لا يقبل إعلانا إلا إذا كان هناك دليل خصوصا فى رأيه أنه لو كان هذا الخبر ليس دقيقا فقد يؤثر على قيمة العمل الذى أدى إلى إغراق المدمرة إيلات، فبدأت قيادة البحرية ترسل دوريات فى اليوم التالى وتحاول تصوير المنطقة وأن تلتقط أى أثر أو صور ليكون دليلا على الإغراق.
ولما أرسلت الطائرات فى الدوريات للتسجيل لم تستطع الاقتراب لأنها وجدت نشاطا إسرائيليا كثيفا حول هذه المنطقة بحريا وجويا ولم يكن هناك داع للاشتباك لأنها كانت طائرات استطلاع ووجد عبدالمنعم رياض تواجد مثل هذا النشاط وبهذه الكثافة يدل على أنه بالفعل يدل على شىء ولكن عبدالناصر كان متشككا.
وفى ذلك الوقت صدرت الأحكام وبدأت المظاهرات والبحرية تحضر الأدلة وجمال عبدالناصر يقول إنه لا يثق، ولكن كان هذا الموضوع حساسا بمعنى أنه خبر إغراق غواصة تابعة للقوات الإسرائيلية وهى عملية كبيرة قد تبدو للتغطية على مظاهرات الشباب، وقد يبدو أننا نحاول التأثير على هؤلاء الشباب أو الرأى العام أن هناك معركة دائرة وأن هناك أشياء كثيرة جدا تتحقق، وبالتالى هذا التظاهر ليس هناك ما يظهره، وأن الحساسية من إحساس بالطلب ليقين زائد لا يستطيع أحد مع معركة أو فى غواصات أو مع طائرات أن يقدم دليلا يقينيا قاطعا وحاسما. وبالتالى أمامنا دلائل وشواهد تشير إلى حدوث شىء وخلط الحساسية يجعل هذا غير مقبول والإسرائيليون بعد كذا وقت بدأوا ييأسوا من البحث وأن الغواصة بها أكثر من 70 ضابطا هم طاقمها، والحجم وما فيها يدعو إلى مسألة مهمة.
وبالتالى هناك تهيج وقلق أن يتم إعلان شىء وفى يوم 6 مارس أعلن الجنرال موشى ديان فى الكنيست غرق الغواصة الإسرائيلية داكار فى نفس النقطة تقريبا التى كنا ندور فيها، وأنا هنا أمامى بيانه فى الكنيست والوثائق التى ظهرت فيما بعد.
وكانت إنجلترا فى ذلك الوقت باعت لاسرائيل غواصتين كانتا مبيعتين سنة 1943 فى الحرب العالمية الثانية فى المرحلة الأخيرة لها وعندما ثبتت فاعلية الغواصات وتقدمت صناعتها وأصبحت مزودة بإمكانيات لم تكن متوافرة فى أجيال من الغواصات السابقة التى عرفنها. وكانت واحدة من اثنتين دخل عليهما التجديد من طراز عمل 43 ولكن لما اشترى الإسرائيليون هذه الغواصات طلبوا التجديدات وباعت الغواصتين وكان اسمها بوبن ولكن الإسرائيليين طلبوا تغيير اسمها لداكار يعنى وحش البحر، وكانت الغواصة الأخرى تقفو أثرها بعد يوم أو يوم ونصف فالجنرال ديان يقف فى الكنيست فى يوم 6 مارس يعلن أن إسرائيل ونتيجة لسوء الحظ فقدت إحدى الغواصتين الكبيرتين اللتين حصلت عليهما أخيرا، وأعطى تفاصيل عن عدد الضباط والبحارة والقادة وكانت الغواصة كانت تحت قيادة أحد رواد بناء الغواصات الاسرائيلى وهو الكوماندا رانل وعرفنا عنه كثيرا فيما بعد، وتم إعلان يوم حداد فى إسرائيل. ولما تم الإعلان لم يكن لدينا وسيلة نقول ماذا جرى إلا نشر ما قاله ديان ثم نستشهد بتأكيد حدوث الواقعة.
وعرفت من عبدالمنعم رياض أن بعض ضباط البحرية بلغ الضيق أشده لأنه بعد المدمرة إيلات وبعد ضربها بزوارق، وبعد ما قام به أسطول المدمرات المصرى قام بعمل هائل لم يأخذ حقه وكانت هناك رغبة فى إظهاره لكن الظروف لم تسمح بإظهاره وتضايق كثير من الناس لأنه بدا أن هناك ترددا أو خشية من إعلان نجاح ليس هناك ما يبرره.
وفى ظروف متصلة ببعضها حتى إن الوثائق الإسرائيلية تقول لى وتؤكد لى كل رواية لضباط البحرية المصرية وتؤكد أن الغواصة شعرت بمن يتابعها بشكل أو بآخر فطلبت بعد أن قامت من ميناء بورتسموث هى والغواصة الأخرى ودارت حول شواطئ أوروبا داخلة فى مضيق جبل طارق وطلب منها أن تغطس حتى لا تظهر لأنها كانت عائمة فى المسافة من إنجلترا لجبل طارق، ولما فاتوا من جبل طارق متقدمين من ميناء حيفا بدا أن يطلب منه أن يتقدموا غاطسين وفى قياس الملاحة لم يكن هناك قائد غواصة يستطيع أن يحسب بالضبط سرعة وصوله لميناء يستطيع أن يصل إليه ولكنه وصل مبكرا عن ما قدم وكان مطلوبا منه فطلب إليه أن يظل فى البحر ولا يظهر فى حيفا مرتين طلب منه، لأنه كان هناك احتفال فى ميناء حيفا لاستقبال الغواصتين والقيادة الإسرائيلية لا ترغب فى دخول الغواصتين قبل ميعادهما ويضيع الاحتفال بالاستقبال، وكان مرتبا أن يظهروا ويدخلوا الميناء وسط احتفال يزيد قوتها.
ولما وجد قائد الغواصة أنه لا بد أن يتأخر لعدة ساعات شاء حظه أن يتقدم لخط يقع ما بين خان يونس وميناء دمياط فالتقطته المدمرات المصرية وتحكى المركب أنها أرسلت بالفعل إشارة sos ويظهر أن محطة قبرص التقطت إشارة واضحة ولقد التقطناها وكانت باهتة وقد التقطتها محطة كريت وأبلغت الإسرائيليين بها ولكن بعد الوقت.
ولكن تحكى الوثائق أن الغواصة غطست فى هذه المنطقة العميقة وبدت تحاول أن تخفى حركة وجودها لكن واضح أن قذائف الأعماق قسمتها نصفين وأنه غطست ل2 ونص كيلو تحت سطح البحر بكل من فيهم وأخيرا بعد معاهدة السلام طلبت إسرائيل تصريح من أمريكا بعد 26 سنة من الحادث للبحث فى المياه القريبة من خان يونس ودمياط ووجدوا الحطام واستطاعوا تصويره.
وثائق حلف وارسو
وجدنا فى ذلك الوقت أنه لم يربط أحد كفاية أن حركة الشباب فى مصر أو حركة الرغبة فى التغيير فى مصر جزء من الحركة العالمية للشباب فى هذا العام الذى سمى بعام المتاريس وأن طبيعة الأمور سواء كانت متعلقة بشباب أو الشباب كله عموما وأن هناك رغبة لشباب جديد يتقدم لأن الزمن يقوم بدوره والأفكار تسبقها أفكار وما كان جديدا بالأمس يصبح اليوم قديما وهذا طبيعة حركة التغيير أنها تجدد وفق ما يراه العقل من ضرورات الحرية البشرية وضرورات الإنسان ويقال باستمرار إن الحركة السياسية فى العالم تتبع الطموحات المتعلقة بكل جيل ورؤاه بمعنى الحرية الشاملة فيما يتعلق بعصره وفى زمنه، ولم يربط أحد هذا بالقدر الكافى فى ذلك الوقت لكننى أجد الكتلة الشيوعية وأن ما يجرى فى مصر يعنى يستوجب بشكل أو بآخر نوعا من الحل السياسى وأجد فى الوثائق السوفيتية التى ظهرت بعد سقوط الاتحاد السوفيتى أجد أن فيها كنزا من المعلومات يجب أن نرجع لها.
وأجد محضر اجتماع لدول حلف وارسو أجد أنها كانت تبحث الوضع فى مصر وما الذى يجرى وما الممكن أن يجرى بعد ذلك وترى أن القوات المصرية تحارب وهذه القوات المسلحة المصرية تقاتل وإذا لم تكن وراءها جبهة داخلية متماسكة سيكون هناك إعادة نظر وبدا أن هناك كلام هل آن الوقت أن مصر تقبل بحل سلمى وأنه ليس هناك داع لما بدا أنه مكابرة وحل سلمى معقول وأجد أن الكتلة السوفيتية فى الاجتماع آراء متنوعة ومختلفة جدا وأجد برجنيف رئيس الاتحاد السوفيتى يأخذ موقفا صلبا لأنه له مصلحة لاستمرار المقاومة المصرية وأنه يعاتب على بعض ما جرى وأنه مندهش من استعمال أسلحة لأنهم اعتبروا أن السلام السوفيتى أهين بالطريقة التى استعمل بها فى سيناء وجزء كبير منها لم يستخدم بعد وقوعها فى أيدى الإسرائيليين بعد قرار الانسحاب وبالطبع ذهبت للأمريكان، وكان الاتحاد السوفيتى ضيق الصدر مما حدث لكنه كان لديه مصالح كبيرة لأن مواقع صفقاته أو مواقع علاقته فى الشرق الأوسط مهددة وتبين أن برجنيف أخذ موقفا متصلبا وأن برجنيف يقول إن هناك حلولا معروضة على مصر، وقال برجنيف فى محضر الجلسة إن الاتحاد السوفيتى مصمم على مساعدة مصر والدول العربية فى مواجهة ما تعرضوا له خصوصا وأن الأمريكان يقوموا بتصدير السلاح علانية لإسرائيل ويقول إنه قابل على صبرى فى ذلك الوقت فى موسكو وعلى صبرى قال له إنه لديهم شهادة رئيس أركان حرب الجيش السوفيتى الجنرال مارشال زاخروف والذى قال لكم إن الجبهة المصرية تماسكت وأن هناك قدرة دفاعية طيبة واطمئن إليها، ولكن فى هذه اللحظة تدخل الزعيم البولندى جوملكا وقال إنه لا يشكك فى قول المصريين أنهم جاهزين للدفاع خصوصا أنه رئيس أركان حرب الجيش السوفيتى يؤيد ذلك، ثم يدخل الرئيس تيتو فى هذه المناقشة فيقول أن عبدالناصر يعرض وجهة نظره على أساس تسليح جيشه ليكون قادرا على الدفاع وأن وجود جيش قادر على الحركة ضرورى جدا من أجل السلام، ثم يرد جوملكا ويقول إنه ليس هناك فرق بين الحالتين لأنه قادر على الدفاع منه قادر على الهجوم ونحن نخشى أن نتورط والكتلة السوفيتية تخشى أن تتورط ويطلب زعيم ألمانيا الشرقية فى ذلك الوقت الكلمة ويقول إنه من الجيد أن يقول المصريين أنهم مستعدون للدفاع وأن القدرة الدفاعية معناها وجود القدرة الهجومية ثم نسأل ما نهاية الطريق ونريد المعرفة من المصريين ما هى نهاية هذا الطريق بمعنى أن يقولوا ما هى رؤاهم للحل السلمى وأنه لابد أن يروا نموذج لهذا الموضوع، وقال إن المصريين طلبوا منا 2 خبراء فى الطيران ولكننا ترددنا فى أول الأمر لأننا خشينا أن يبدو فى إرسالهم تشجيع للمصريين على الحرب ونحن غير معتقدين فى الحرب وبعد ذلك تابع الرئيس تيتو كل هذه المناقشات وبعد ذلك بدا تيتو يقلق لأنه هناك أحوال تجرى على الجبهة المصرية وقتال وجبهة داخلية تبدو متحركة وفيها أسباب للقلاقل ولا أحد يربطها لأسابها بالكامل فيدخل تيتو لكى يبدى رأيا وأبدا رأيه، ورأى أنه من واجبه أن يرسل لجمال عبدالناصر ويعطى له ملخص للكلام ورأيه ووجدت رسالة الرئيس تيتو يرمى إلى الصداقات التى كنا نقوم بها فى ذلك الوقت، وأجد أن هذا الجواب يستحق الدراسة أجد أنه يقول إنه بعد حلف وارسو بدا أنه مهتم ومشغول بالموضوع وأنه يجب على مصر أن تبدا ويعمل اتصال على شكل زيارة يقوم بها جمال عبدالناصر لموسكو لأنه مطلوب تثبيت الاتحاد السوفيتى، ويعرف الاتحاد السوفيتى أكثر ومباشرة على طباعنا ورؤانا للمستقبل ويطلب أنه لا بد من التفكير.
وفى نفس الوقت ذهب له ناحوم جولدمان لأن إسرائيل تتابع ما يحدث وتشعر أن الكتلة السوفيتية داخل الحلبة، وكان الاتحاد السوفيتى قد دفع مجهودا وسلاحا لتأييدنا ووصلنا لموقف لا يبدو فى الأمور بشكل أو بآخر ليست قادرة كما يروها من الخارج فبدا أن هناك قلقا.
رسالة من تيتو
وقال تيتو فى جوابه لعبدالناصر: السيد الرئيس والصديق العزيز وحكى على ضرورة الاتصال المستمر، وبعد ذلك يقول أود أن أحيطكم علما بالحديث الذى أجريته حديثا فى بيوجراد مع ناحوم جولدمان والأخير كان فى ذلك الوقت رئيس المؤتمر اليهودى العالمى، والذى يمثل كل يهود العالم، وأنه زوده معلومات عن الموقف فى اسرائيل وحكى تيتو عن المعلومات التى سمعها من الدكتور جلودمان وقال له إن هناك فرصة لا بد من استغلالها وأنه حدث استفتاء إسرائيلى وكتبت نتائجه وأظهر أن 68% يرون أن إسرائيل عليها أن تعيد كل الأراضى المحتلة خلال الحرب إذا كان ممكنا للوصول لاتفاق سلام وبعد ذلك يقول إن هناك تغييرا فى الموقف العام ويقول إن الموقف السوفيتى يقلق كثيرين فى إسرائيل ويشعرهم بقلق وقد تكون هيبتها معرضة مع أصدقائها فى الشرق الأوسط وتتصرف بأقوى مما يقدره وقال إنهم خائفين من القنبلة الديمغرافية وقلقين من ضم أراض كثيرة لسكانها نتيجة تغيير أوضاع، وكانوا على اتصال بالملك حسين والملك حسين قابل الجلاء من الضفة الغربية كلها فى مقابل تصحيحات بسيطة فى الشمال والجنوب حول وضع القرى المقسمة على الناحيتين وحتى ديان كان يقول إنه لا يهمه من عمل اتفاقية سلام وهو يعرف أن العرب ليسوا مستعدين لهذه اللحظة نفسيا لاتفاقية سلام لكن بعد انتهاء حالة الحرب وهذا يكفيه.
ثم اكتشف بعد ذلك شروط الحل التى وضعها هى بالضبط ما وصلنا إليه فى نهاية المطاف وبعد حروب طويلة ولكن فى ذلك الوقت وبعد حروب، فبالنسبة للقدس قال إنها توضع تحت إشراف دولى والأماكن المقدسة إلى آخره.
ولما أرسل تيتو الجواب لعبدالناصر أرسل لى نسخة عليها علامة تخصنى بأن جولدمان يقول لتيتو: قد أشير على من أجل هذا الغرض ببحث هذه التسوية مع هيكل وهو ليس بمسئول رسمى مقترحا بطريقة عابرة أن يتم هذا الاجتماع فى نيويورك، وقال أن ديان يشكر جهده ويريد حلا سلميا وأنه على أى حال رجل ليس مسئولا، فمن الممكن أن يقول لى ما يشاء وأنا أقول ما أشاء دون أن يكون ذلك رابطا للسياسة المصرية لأننى ليس لدى صفة رسمية.
وكان رأى جمال عبدالناصر أنه بالطبع لا، ولا ينبغى فى هذا الظرف ولا تحت أى ظرف من الظروف أن يتم أى اتصال سياسى لا عن طريق المجمع اليهودى أو الوكالة اليهودية أو الأمريكان ولا على أى أحد أبدا وأنه لا يمكن البحث فى قضية سلام إلا اذا كان هناك شىء عملى على الأرض يبرر أن هذا يحدث.
ولم يلبث أن أرسل تيتو هذا الجواب والرئيس رد عليه وقال له إنه سيذهب للاتحاد السوفيتى بحسب اقتراحه وأجلس مع قادة الاتحاد السوفيتى وأن يجلو كثيرا وانا أخذت بكل هذا لكنه لم يكن قابلا للتنفيذ.
اقتراح طليانى
ومن ضمن الأحداث وقتها حركة نجد أنها من الحزب الشيوعى الطليانى وكانت إيطاليا لديها تطلع للبحر الأبيض، وبدأ الحزب الشيوعى الإيطالى يتحرك وبدا يأتى عمدة فرانس لابيرا وأتى لعبدالناصر واقترح عليه وعلى لقاء بينى وبين أبايبان فى فلورانس وأن هذا الاجتماع يتم فى متحف فلورانس المشهور جدا، بصفتى معبرا عن الرئيس أو صديقا له ونتكلم فى فلورانس وبعد أن قابل لابيرا جمال عبدالناصر دخل مكتبى ومعه تمثال يبحث عن السلام، وقلت له إنه ليس ممكنا ثم أظهر لى رسالة جولدمان له واقتراحه الأصلى ونتقابل أبايبان فى سنيوريا.
وبعد أن ذهب أتى لنا الحزب الشيوعى الإيطالى مباشرة وهو بايتا وكان عضوا فى مجلس الشيوخ، وأتى باقتراح لا تزال له أصداء إلى الآن، ويقول إننا لا نستطيع القيام بأى اجتماعات ثنائية ولا سرا ولا علنا وأننا نبحث عن السلام والأمر يقتضى أننا نلا قى إيطار لا يثير حساسيتكم ولا يضايق جماهيركم وأنه يكون فى إطار المعقول.
وبعد أن قابل الرئيس أتى لى يقول إنه يريد عمل تجمع للبحر الأبيض وتجمع فيه يكون فيه كل دول البحر الأبيض، وأن يكون البحر الأبيض حوض سلام بدلا من أنه حوض حرب وحوض ثقافة بدلا من أنه حوض عداء ثم سأله هل ستكون اسرائيل موجودة فقال له بالطبع، فقال له عبدالناصر إن هناك صراعا أكثر من هذا كله ولا بد من وجود حل له قبل البحر الأبيض ولا بد أن نجد وسيلة للحق الموجود الضائع فى فلسطين ولا بد أن يعود والعدوان على الدول العربية منطق فرض أشياء بالقوة فلا تقول لى أن أجلس وقتها فى مؤتمر للبحر الأبيض.
ولما جاء لى بيتا فى اليوم التالى فى الحقيقة لم أكن أعرف ماذا قال عبدالناصر له لكن لما سمعته تقريبا لم تختلف إجابتى وقلت له بحر أبيض إيه ونحن لدينا قضية ومشغولون بسيناء وبالضفة الغربية وكلنا مشغولون بهم وأن هناك قضية تحرير لا بد أن تسبق كل ما بعدها، ولكن لا تقول لى قضايا التنسيق وقضايا الشعوب فهذا كله جيد، وكل هذا أوافق عليه ونسعى فيه ولكن هذا ببساطة لا يمكن وليس كافيا أن تتصور الناس لقضايا ومشاكل أن توضع فى إطار واسع كبير من العلاقات غير المحددة ولا بد لأى دولة أن تكون واضحة وأنا أتذكر أن الرئيس عبدالناصر كان يقول نحن جاهزون لأى تعاون دولى ولكن مثل هذا التعاون الوثيق يقترحه لا تستطيع أن تتعاون ولا تتدخل فى تنظيم واحد ضيق ومحدد بهذا شكل إلا دول تربطها مصالح مشتركة، إلا دولة تربطها جغرافيا متصلة ودولة عندها أمن واحد، وبالفعل أن البحر الأبيض منطقة تعاون ثقافى لكن الأمن هنا يسبق الثقافة.
وجلس معى بيتا فى اليوم الثانى وكان مستوليا عليه أن هذه هى الفرصة لحل الصراع العربى الإسرائيلى فى إطار حوار ثقافى وحضارى أكبر منه وأكبر من فكرة السلاح، والغريب جدا أن فكرة البحر الأبيض عادت ولا تزال موجودة، بعد حرب الخليج على سبيل المثال وجدنا المؤتمر الأوروبى الدولى فى برشلونة كان اسمه أوروبا والمتوسط، وقبلنا الاشتراك فيه وأنا كنت أتساءل عن تغير الهدف ولكن الهدف هو نفس الهدف باستمرار ولها قدرة لأزمنة معينة وفكرة تطرح نفسها بوقت معين، فالذى طرحه الرومان فى السيطرة على البحر الأبيض هو ما نعرفه بحرنا على رأى موسيلينى وفى هذا الإطار بعد حرب الخليج يريد الأمريكان والأوروبيون أن يعزلوا الساحل عن الداخل العربى وأن يأخذوا الدول العربية المطلة على البحر الأبيض ويعزلوها عن دول العمق والموجود فيها كل موارد الثروة، وعملنا بالفعل معاهدة برشلونة وانضممنا لها وبدا أن هذه المعاهدة لم تحقق شيئا.
خلاصة موجزة
وما أود أن أقوله فى النهاية إنه فى تلك المرحلة من سنة 68 والشباب يتحرك والجبهة تتحرك وبعض أصدقائنا يقلقون وبعض أصدقائنا يطرحون مشروعات بدا أن هناك قلق ونحتاج لمجهود أكبر لكى نوضح لأصدقائنا قبل أى أحد، وأهم شىء فى أى صراع أن يحاول كل طرف داخل فى الصراع أن يتأكد من سلامة خطوطه كلها وهو ومن معه والناس المتصلين به والقوة المؤيدة له لكى يعرف ويتأكد أن قواعده فى خوض صراعه وقواعد مأمونة وصلبة وماضية فى تأييدها له لأنه أمامه شوط طويل، وهكذا فى ذلك الوقت بدا التاريخ يتحرك وبدا مرحلة أخرى ويجب أن نخطو ما قبلها وهى تدعيم موقف أصدقائنا.
حوارات هيكل (الجزء الأول)
حوارات هيكل (الجزء الثاني)
حوارات هيكل (الجزء الثالث)
حوارات هيكل (الجزء الرابع)
حوارات هيكل (الجزء الخامس)
حوارات هيكل (الجزء السادس)
حوارات هيكل (الجزء السابع)
حوارات هيكل (الجزء الثامن)
حوارات هيكل (الجزء التاسع)
حوارات هيكل (الجزء العاشر)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.