جاءت زيارة جنوب السودان لحضور مؤتمر الاستثمار العربى فى الجنوب الذى دعت إليه الجامعة العربية لتؤكد بوضوح أن كل الخيارات بالنسبة لمستقبل الجنوب السودانى مازالت قائمة وبنسب تكاد تكون متساوية. فالجنوبيون الذين يديرون مؤسساتهم ككيان مستقل تقريبا عن الحكومة المركزية فى الخرطوم هم أنفسهم الذين يدركون صعوبة الانفصال عن السودان فى ظل ضعف تلك المؤسسات وغياب الرؤية الموحدة لدول الجوار حول كيفية التعامل مع ظهور دولة جديدة فى الإقليم. ففى ظل دعوات الانفصال عن العرب والشمال جاءت استعدادات حكومة الجنوب لعقد مؤتمر الاستثمار العربى فاقت كل تصور فقاعات مجهزة بأحدث وسائل الاتصال وأوراق عمل توزعها فتيات معظمهن من كينيا الأقرب إلى جوبا عاصمة الجنوب السودانى يلبسن لبسا أوروبيا أما لغة التعامل فكانت الانجليزية والعربية، وفى المنتجع المقام به المؤتمر يعمل أكثر من خمسة عشر مصريا فى التخصصات السياحية إلى جانب عيادة طبية بجوار المنتجع يديرها أطباء مصريون. استقبل الجنوبيون وفد الجامعة العربية والمستثمرين العرب فى مطار جوبا بالرقص وأغانى شعبية والسلام الجمهورى لحكومة جنوب السودان. وناقش المؤتمر قائمة مشروعات تقدمت بها حكومة الجنوب وشرح مايكل مكوى لويث وزير الشئون القانونية والتنمية الدستورية فى حكومة جنوب السودان الضمانات التى توفرها حكومة الجنوب للمستثمرين وقال: «تعال واستثمر فى جنوب السودان»، داعيا رجال الأعمال العرب إلى تنفيذ ما طرحوه من مشروعات وقال إن لدينا أولويات، الزراعة والأمن الغذائى، التركيز على الزراعة يكون أفضل، فالأرض شديدة الخصوبة فلا تحتاج إلى أسمدة. من ناحيته، أرجع عمرو موسى الأمين العام لجامعة الدول العربية تأخر الجامعة فى عقد مؤتمر الاستثمار بالجنوب وتردد رجال الأعمال فى الاستثمار إلى الاضطرابات التى شهدها الجنوب الا انه أكد التزامه تجاه السودان الواحد بدفع عجلة التنمية فى الشمال والجنوب ضمن ما نص عليه اتفاق السلام الموقع منذ خمس سنوات. وتتسع أرض الجنوب السودانى لتشغل 700 ألف كيلومتر مربع أى ما يعادل 28 فى المائة من مساحة السودان، ويضم الإقليم عشر ولايات وللجنوب حدود تمتد إلى 2000 كيلومتر مع خمس دول، هى إثيوبيا وكينيا وأوغندا والكونغو وافريقيا الوسطى.. كما تشكل المراعى 40 فى المائة من الجنوب السودانى، والاراضى الزراعية 30 فى المائة بينما تشغل الغابات الطبيعية 23 فى المائة، والسطوح المائية 7 فى المائة، الأمر الذى صوره بعض دبلوماسيين مشاركين على أنه خطر على الجنوب فى حال الانفصال لما تتمتع به هذه الدول من جيوش قوية يمكن من خلالها الاستيلاء على جنوب السودان، نظرا للخيارات التى يتمتع بها إضافة إلى البترول. من ناحيته، أكد السفير محمد عبدالله مسئول اتفاق السلام فى الحكومة السودانية ل«الشروق» أن المجتمع الدولى لم ينفذ تعهداته فمنذ توقيع اتفاقية نيفاشا للسلام عام 2005 وعد الطرفين بخمسة مليارات دولار للتنمية ولم يدفع طوال هذه السنوات سوى ملايين قليلة لا تتعدى 200 مليون دولار، مؤكدا أن السودان غنية بثرواتها وعدد سكانها قليل، والآن تشكو الصحف المحلية فى الجنوب من هجمة الدول المحيطة بالجنوب على جوبا والشمال لن يفقد كثيرا عند الانفصال ولكن سيكولوجيا هى أرض سودانية ولا يريد سودانى واحد فى الشمال الانفصال ولكن اذا كان ثمن الوحدة الموت والصراع وشن هجوم على السودان فى المحافل الدولية وتشويه سمعتها.. فلتنفصلوا، وأضاف ان السودان مقبل على مرحلة انتخابية وتحول سياسى وحزب المؤتمر الوطنى الحاكم لا يستطيع أن يقرر ما يشاء وحده بعد الانتخابات، فالوضع سيكون مختلفا وحينئذ لن تكون هناك اى تنازلات مع الجنوب. وبدوره اعتبر الدبلوماسى البريطانى ديرك بلمبلى رئيس مفوضية التقويم والتقييم لاتفاقية السلام بين الشمال والجنوب بالسودان، أن الاستثمار العربى فى جنوب السودان سيحقق نوعا من «المصالحة» ليس فقط بين الشمال والجنوب، ولكن مع العالم العربى ككل. وقال سفير السودان فى القاهرة ومندوبها لدى جامعة الدول العربية عبدالرحمن سر الختم إن نجاح المؤتمر العربى للاستثمار والتنمية فى جنوب السودان فاق ما كان متوقعا، مشيدا بالتحضيرات من قبل الجامعة العربية وحكومة السودان وحكومة الجنوب. ولفت سر الختم فى ختام المؤتمر إلى أن حجم المشاركة العربية كان كبيرا، كما كان هناك التزام دقيق بالمواعيد وما اتفق عليه وقال سر الختم إن الوحدة بين الشمال والجنوب ليست شرطا على المؤتمر أو على الاستثمارات المرتبطة به، لكن من المؤكد أن أحد الأهداف العميقة للمؤتمر هو تعزيز الوحدة الطوعية بين الشمال والجنوب.