أسامة علام: أنا لست كاتبا تقليديا.. وعلاقتى بالكتب علاقة صداقة خالصة المنسى قنديل: أسامة علام يجيد استخدام الخيال ومخلص لعمله ممتن لدار الشروق لاستجابتها لرغبتى فى صدور الكتاب برسومات مصورة سيد محمود: أسامة علام كاتب مبدع.. وتغلف معانى الفقد والوحدة أغلب القصص «تجمع أدبى متميز يتسع للجميع، وأجواء ساحرة يغمرها الحب والحنين للوطن والألفة وفتح أبواب الذكريات»، تمت مناقشة كتاب «طريق متسع لشخص وحيد» للكاتب أسامة علام، والصادر عن دار الشروق، فى مبنى قنصلية بوسط البلد، الأسبوع الماضى. حضر الحفل، الذى أداره الكاتب سيد محمود، مجموعة كبيرة من الأدباء والكتاب والمثقفين من بينهم دكتور محمد المنسى قنديل، والكاتبة نورا ناجى، والروائية ضحى عاصى، والكاتب طارق إمام، والدكتورة نشوى صلاح والكاتبة مروة سمير والكاتب أحمد عبدالمجيد والكاتب وحيد الطويلة. الكاتب أسامة علام استهل حديثه، بالتطرق إلى ظروف وملابسات كتابة أحدث مؤلفاته الأدبية «طريق متسع لشخص وحيد» قائلا: «فى البداية يمكن وصف مراحل حياتى ب «أسامة قبل الدكتور محمد المنسى قنديل»، و«أسامة بعد المنسى قنديل» حياتى بالفعل تغيرت كثيرا ليس ككاتب فقط ولكن على المستوى الإنسانى أيضا. وأضاف: «المنسى قنديل أب حقيقى، يتمثل فيه كل معانى الجمال والطيبة والمحبة، تعلمت منه «كيف أصبح أنسانا أفضل»، و«كيف أصبح بنى آدم صالحا»، مقابلتى للمنسى قنديل غيرتنى كثيرا على عدة مستويات، كنت محظوظا بمعرفته والتقرب منه مما تسبب لى فى سعادة كبيرة. ووجه علام الشكر إلى دار الشروق، وإلى الرسام محمود عبده، الذى شاركه برسوماته المتميزة فى المجموعة، مؤكدا أن الرسومات كانت «بديعة ورائعة». «أعتبر نفسى كاتبا يهوى الكتابة لذاتها، وأرى دائما أن علاقتى بالكتب علاقة صداقة خالصة».. بهذه الكلمات كشف علام عن علاقته الوطيدة بالكتابة موضحا أنه لا يستهدف الاحترافية بقدر الهواية، مضيفا: «أنا دكتور بيطرى، فى نيوجيرسى، أعيش أغلب أيام العام بمفردى، أنهى عملى يوميا فى الساعة السابعة ثم أتجه إلى المقهى، حتى أستطيع التركيز فى الكتابة ورسم المشاهد داخل رأسى، وتابع: «كنت أكتب يوميا، ثم جاءت الكورونا، وجاءت فكرة كتابة كتاب «4 محاولات للحياة»». وعن سؤاله عن الكيفية التى يضع بها النهاية لكل قصة يكتبها، أجاب «النهايات لا تكون محددة أنا لست كاتبا تقليديا»، مضيفا أبدأ كتابة القصة دون تحديد للنهاية، ولكن فى منتصف القصة تبدأ تتشكل ملامح النهاية داخل عقلى وفى مخيلتى». من جانبه قال الكاتب والروائى محمد المنسى قنديل، «تعرفت على أسامة علام فى عام 2011، كنت أقيم فى كندا منذ 2009 ولا أتحدث مع أحد إطلاقا وكنت أعيش بمنطقة يسكنها الفرنسيون، أستيقظ يوميا، أتناول فطورى وأذهب إلى مكتبة مونتريال، كنت أول مرة أرى مكتبة بكل هذا القدر من الاتساع والعظمة؛ حيث إن القوام الأساسى بها فرنسى ولكن باقى الأقسام قوية جدا. إنهم يسمحون باستعارة عشرات الكتب فى المرة الواحدة». وأضاف: كانت حياتى تسير على هذه الوتيرة حتى قابلت أسامة علام، أسامة شخص يفكر فى غيره كثيرا أكثر من نفسه، وهو من قادنى إلى التعرف على مجموعة المصريين الموجودين فى مونتريال، ساعدنى أسامة على الاندماج والتفاعل معهم وبدأت الكلام والانطلاق وكانوا صبورين معى، وحينها تغيرت حياتى كثيرا لأننى كنت متوقفا عن الكتابة، ولكنى كتبت بعدها، وانتهيت من كتابة رواية «أنا عشقت». وتابع المنسى قنديل: «أسامة علام يكتب بشكل نهائى؛ حيث إن ما يكتبه لا يعيد مراجعته مرة أخرى، كنت أستغرب كثيرا لأننى تعودت على أن أكتب أكثر من مرة أوعيد الكتابة والمراجعة عدة مرات»، مشيرا إلى أن علام يجيد الحكى طوال الوقت ولا يتوقف عن سرد القصص والحكايات. «سمة الحياة الفراق.. لابد أن تفرقنا المسافات» هكذا عبر قنديل عن محطة فراقه لأسامة علام، مضيفا «انتقلنا من مدينة لأخرى، وتباعدنا بسبب المسافات»، مؤكدا أن علام «شخص مخلص جدا لعمله». وكشف قنديل أن علاقته بعلام لم تتأثر ببعد المسافات والتنقل من مدينة لأخرى، قائلا: «علاقتنا ظلت وطيدة وقوية»، مضيفا «تعرفت من خلاله على صورة مغايرة للكاتب»، أسامة يجيد استخدام الخيال، فهو ينجح فى استخدام قطع الخيال الشاردة ويخضعها لمنطقه العام ونجد ذلك واضحا منذ روايته الأولى. وواصل: فوجئت بالقصص القصيرة الذى ينشرها على «فيسبوك» عن رحلاته، مضيفا «أنا أيضا كاتب رحلات ولكنى لم أضعهم فى كتاب ولكنى نشرت عشرات الرحلات فى مجلة العربى وصديقى الدكتور محمد المخزنجى جمع رحلاتى ونشرها فى الشروق». واستطرد المنسى قنديل: «أسامة علام لا يكتب فقط عن الأماكن لكن عن الشخصيات، وكل شخصية يلخص فيها روح المكان والدراما الخفية والتناقضات المتعددة الذى يصادفها، يدهشنى فى كل مرة باستخدامه للخيال وبراعته فى أن يقحم الخيال على الواقع ليضفى على الشخصيات هالة غرائبية مما يجعل المكان لا ينتمى للمدينة بقدر انتمائه للشخصية التى يركز عليها. وتابع: ممتن لدار الشروق أنها استجابت لرغبتى فى أن يصدر الكتاب برسومات مصورة، مضيفا: «طريق متسع لشخص وحيد كتاب ملىء بالشعر والشجن، الكتاب مدهش وميزة الكتاب الجيد فى رأيى أنك عندما تقرأه وتنساه ومن ثم تعود لقراءته مرة أخرى يدهشك أخرى بنفس القدر وتكتشف فى كل مرة أشياء ومعانى جديدة». الكاتب الصحفى والناقد سيد محمود، استهل حديثه، قائلا: «أسامة علام كاتب مبدع لديه القدرة على أن يجعل القارئ أن يطرح على نفسه العديد من التساؤلات أثناء قراءة الكتاب»، موضحا أن كتاب «طريق متسع لشخص وحيد» كتاب تفاعلى حيث إنه ظهر فى البداية على شكل نصوص متفرقة نشرها علام على صفحته الشخصية على «فيسبوك»، وكان هناك تفاعل قوى بين النصوص والقراء مما جعلهم يطالبونه بأن يجمعهم فى كتاب مستقل. وأضاف محمود، «عند التفكير فى النوع الأدبى الذى ينتمى إليه الكتاب، أول سؤال يجول فى خاطرى، إلى أى مدى قد يكون الكتاب من الممكن تصنيفه «مجموعة قصصية أو نصوص تتعلق باليوميات أو نصوص تتعلق بأدب الرحلات»، حيث من الصعب تصنيفه بلون أدبى محدد. الناقد سيد محمود أكد فى معرض حديثه عن الكتاب، أن محتواه يعتمد على القصص حول الشخص المغترب الذى يجوب العالم وينتقل من مكان لآخر مما يخلق «العتبات الانتقالية» حيث يفرض مجموعة من التحديات نظرا لأن كل مكان يمثل مدخل لتأمل الطقوس والعلامات الثقافية على أكثر من مستوى. «فى العتبات الانتقالية، تتحول المدن إلى متاحف بشرية، ويصبح البشر مرايا وفتارين للعرض».. هكذا عبر محمود عن أن أبطال المجموعة تعرض أزمات وثقافات مختلفة، مضيفا «يجوب علام فى مؤلفه حول أكثر من مدينة من بينهم: القاهرة، ونييويورك، وباريس ومدن أخرى»، ولكن فى رأيى أكثر مدينة لها البطولة، هى المدينة التى يتصدر بها النص الأول وهى «نيويورك»؛ حيث إنها مدينة تعتبر مصنعا لثقافات مختلفة، مؤكدا أن من قرأ سيرة إدوارد سعيد، سيتذكر تعبيره عنها بأنها «فاترينا العالم» أو الوعاء التى تتفاعل فيه ثقافات متعددة. تطرق سيد محمود، إلى العنوان الفرعى للكتاب وهو «حكايات من 12 مدينة عجيبة»، مشيرا إلى أنه يدفع إلى تساؤلات عن أثر الاستلهامات الموجودة فى النص، مضيفا «العنوان يحتوى على 3 كلمات غاية فى الأهمية تتمثل فى «الحكايات، المدن، العجيبة» ومن هنا قد نتذكر شكل المدينة فى «ألف وليلة»». لفت محمود إلى الغرائبية الموجودة فى النص، موضحا أن الغربة تتحول إلى محفز للمبدعين، وتدفعهم دائما للتفكير فى وسيلة للتحايل على الغربة وتبديد آثارها فتتحول بدورها إلى إلى محفز إبداعى أكثر منها دافع سلبى، مضيفا «شيوع معانى الفقد والوحدة تولد الحاجة إلى رأسمال رمزى أو التأكيد على المكانة هو جزء من مقاومة الوحدة والاغتراب». وتابع: «أسامة يتحدث عن مكانته كطبيب، وهو مدخله إلى القصص والحكايات» فيجعلنا نتعرف دائما خلال أغلب القصص على الأدوار الذى يلعبها انطلاقا من مهنته، ونجد أن لتأكيد على المكانة هنا هو جزء من أدوات مقاومة الاغتراب، وهذا مرتبط بحالة القلق والارتياح عند الغربة وسيادة حالة الشك والارتياب وهذه الحالة نجد أن الكتاب يعبر عنها بشكل واضح». وواصل: فكرة «الوحشة» هى الفكرة الشائعة داخل النصوص، تكاد تكون معانى الوحدة والتأكيد عليها تشغل حيزا كبيرا خلال نصوص الكتاب، ونجد أن شعور الفقد يتنامى فى النصوص بشكل قوى سواء فقد الذاكرة أو اللعب مثل قصة «شجن طفولى»، فالقصص فى معظمها تؤكد معانى الاغتراب مثل قصة «عيد ميلاد قصتى القديمة». أضاف الناقد سيد محمود، أن الأبطال الذى يختارهم أسامة علام فى الأغلب من فئة «كبار السن» نظرا لأنهم دائما يشكلون الفئة الأكبر فى الافتقار إلى الونس وشعورهم المستمر للوحدة، مؤكدا أن «الوحدة» لا يتم مقاومتها إلا بشكل من أشكال المؤانسة أو المسامرة وذلك ما يحتاجه كبار السن فى هذ المرحلة العمرية، وبالفعل الكتاب يتضمن نزعة «المؤانسة والحكى بلطف» وتشعر مع كل محطات الكتاب وفصوله أن هناك شخصا يشاركك هذه اللحظات. واستطرد: بشكل شخصى أنا من محبى كتابات أسامة علام، مشيرا إلى أنه بخلاف لغته السردية التى لها قدرة عالية فى الوصف والانتقال والتأكيد على المفارقات، لافتا إلى أن النصوص الروائية يكون التركيز فيها على الحدث أو الشخصية، لكن نصوص كتاب «طريق متسع لشخص وحيد» بها تأكيد واضح على الطابع الشعرى للغة أسامة علام، مؤكدا أن هناك أكثر من نص فى الكتاب يمكن النظر إليه كأقرب إلى قصيدة النثر أكثر من السرد. واختتم الناقد سيد محمود حديثه: «بجانب الطابع الشعرى هناك حضور قوى للمنامات والرؤى والأحلام»، موضحا أن وجودهم يؤكد على الطابع الفانتازى للكتاب ويتيح ابتكار حيل سردية للانتقال من لحظة زمنية لأخرى، مضيفا «أسامة علام يتعمد فى أغلب نصوصه أن ينهى القصص بالتأكيد على معنى المفارقة، وقد يصنف ذلك من السلبيات ولكن أساتذة الفلسفة يؤكدون أن صناعة المفارقة فى الكتابة هى أرقى الألاعيب العقلية؛ حيث إن صانع المفارقة لا يستطيع التفكير فى الشىء دون نقيضه». أسامة علام طبيب وروائى مصرى كندى، حصل على الماجستير من فرنسا، والدكتوراه فى المناعة من جامعة مونتريال عن مرض الإيدز، صدرت له أربع روايات هى: «واحة الزهور السوداء» عام 2008م، و«الاختفاء العجيب لرجل مدهش» عام 2013م، و«تولوز» عام 2014م، و«الوشم الأبيض» عام 2017م، الحى العربى 2019، وقد فازت مجموعته القصصية الوحيدة: «قهوة صباحية على مقهى باريس» بجائزة غسان كنفانى عن الصالون الأندلسى بمونتريال عام 2014م.