أثارت العودة القوية للمخرج داوود عبدالسيد بعد ثمانى سنوات عجاف من خلال فيلم «رسائل البحر» العديد من التساؤلات حول الأسباب الحقيقية لاستبعاد عدد كبير من مخرجينا الكبار عن شاشة السينما وهل ظروف السوق وحدها هى السبب أم أن هناك أشياء أخرى تحول دون وجودهم ودون ظهورهم الدائم. «الشروق» فتحت ملف الكبار من جديد فى هذا التحقيق المنتج والموزع هشام عبدالخالق بدأ حديثه بسؤال هو: هل تقصدون بالكبار القدامى أى «كبار السن» أم العظماء؟ وأجاب بنفسه: كل الموجودين الآن والذين تقصدهم هم كبار فى السن وليسوا عظماء، وأضاف: كل هؤلاء كانوا قيمة كبيرة، ولكنهم الآن لا يصلحون للعمل فى السوق، لأنهم توقفوا عند حقبة ومرحلة زمنية محددة لم يتخطوها، ورغم ذلك مصرون على أن يغيروا ذوق الجمهور والواقع رافضين فى الوقت نفسه أن يتجاوبوا ويعملوا بناء على متطلبات السوق، لذلك جاء بعدهم جيل من الممكن أن يكون أقل منهم كفاءة ولكنه أخذ مكانهم.. فهم برزوا فى حقبة زمنية معينة كان التوزيع والإنتاج ونوعية الأفلام التى يقدمونها مختلفة ومناسبة لهذا الزمن، ولم يكن هذا فى السينما فقط، كان فى الغناء أيضا فأم كلثوم مقدمة أغنيتها فقط تزيد على ربع الساعة، أما الآن فالأغنية كلها لا تزيد على 3 دقائق. هذا هو سبب بعدهم، لأنهم لم يستطيعوا عمل نقلة فى طبيعة الموضوعات التى يتناولوها. فنحن نريدهم أن يعملوا ويستمروا ولكن بالطريقة التى تناسب السوق وليس على مزاجهم الخاص، فعندما نعطى أحد هؤلاء المخرجين سيناريو يرفضه، لأنه يراه غير مهم بالمرة من وجهة نظره، فهو لا يهتم إلا بالموضوعات الثقيلة المعقدة التى تعتمد فقط على العلاقات بين البشر. كما أن لهم شروطا فى اختيار الممثلين الذين يعملون معهم فلا يختارون إلا نوعية معينة من الممثلين الذين يتجاوبون معهم، أما بالنسبة لنجوم الشباك فهم الذين يرفضون العمل معهم، رغم اقتناعهم بموهبتهم كمخرجين، وذلك لأنهم لا يحققون لهم النجاح المطلوب. وليس حقيقيا أبدا أنهم لا يعملون لأنهم الأغلى أجرا، لأن شباب المخرجين يحصلون على أجور أكبر منهم بكثير، فلكم أن تعلموا أن وائل إحسان وأحمد نارد جلال وعلى إدريس جميعهم يحصلون على أجر أكبر من داوود عبدالسيد وخيرى بشارة وغيرهم. وأقول لهم كمنتج يجب أن تقدموا ما يعجب الناس وليس ما يعجبكم أنتم، لأننى فى النهاية كمنتج لن أعطى فلوسى لمخرج يفعل فيها ما يشاء، وعندما أخسرها أجلس فى البيت مثله. وأنصحهم بأن ينظروا إلى المخرجين العالميين الذين يغيرون من أنفسهم ويتحركون بقيمتهم مع الزمن، فالمخرج جيمس كاميرون على سبيل المثال إخرج فيلم «تيتانك»، ثم جاء «أفاتار» فيلما تاليا له، وذلك لأنه يعلم أن هناك تحولا ما حدث للسينما فتحول معه ولم يتوقف.. وأرى أن المخرج محمد خان فقط هو الأكثر احتكاكا مع السوق ويتحول ويتغير معه بناء على متطلباته. أما المنتجة والموزعة إسعاد يونس فتقول: بالنسبة لى فأنا أنتج للمخرجين الكبار سواء كانت هناك منحة من وزارة الثقافة أم لا.. فلقد عملت من قبل مع رضوان الكاشف وأسامة فوزى وأغلب الكبار بدون دعم، كما أن الدعم فى النهاية يذهب للمخرج وليس الشركة المنتجة، وأدعى أننى كنت سأدخل مع داوود عبدالسيد فيلم «رسائل البحر» سواء كان له دعم أو لا.. لأنى بالفعل سأدخل معه فيلما آخر. وعن سبب غياب هؤلاء المخرجين وعدم وجودهم بشكل مكثف فى السينما المصرية أكدت يونس أن العمل مع هذه النوعية من المخرجين تكون مخاطرة كبيرة جدا، لأن هذه الأفلام غالبا لا تأتى بمردود مادى يغطى تكلفتها الإنتاجية. والمسألة الآن أصبحت صعبة ومعقدة جدا عكس الإنتاج زمان، لأن تكلفة الفيلم أصبحت باهظة، وخسارة هذه الأفلام تتخطى 5 ملايين جنيه فى الفيلم الواحد، لذلك هذه النوعية من الأفلام لا يمكن أن يقدم على إنتاجها إلا الكيانات الكبرى لأنها من الممكن أن تتحمل خسارة فيلم أمام أرباح فيلم آخر، فالفيلم «التجارى» ينفق على الفيلم «الفنى»، ولذلك فالمنتجون المستقلون لا يجرأ أحدهم على إنتاج مثل هذه الأفلام لأنه سيخاطر حينها بكل ما يملك.. لكن أنا مع المغامرة من أجل وجود هؤلاء المخرجين العمالقة فى السينما المصرية، حتى إذا لم يحصلوا على دعم، متمنيين أن يتعود الجمهور على وجود أعمالهم ومشاهدتها فى المستقبل القريب. كما أننى أريد فتح أسواق فى الخارج الآن، وأنا مقتنعة أن هذه الأسواق لن تفتح إلا بمثل هذه النوعية من الأفلام، وحتى الآن هذه الأفلام لا تعود على بالدخل لأن مهمتها أن تعرض فى المهرجانات وتحصل على الجوائز.. لكنها تنجح فى تسويق نفسها فى الخارج حتى الآن. المخرج داوود عبدالسيد العائد بعد 8 سنوات قال عن سبب غيابه: أرى أن ذلك دليلا على تخلف المنتجين فى مصر، لأن هذا حدث لى مرتين الأولى 5 سنوات مع فيلم «الكيت كات»؟، والثانية 8 سنوات مع «رسائل البحر»، فالمسألة ليست فى يدى على الإطلاق. وهم متخلفون لأنهم غير قادرون على معرفة الجيد من غير الجيد، كما لا يعرفون ما هو الفيلم الذى لديه مقومات النجاح من غيره. وعما إذا كانت هناك شروط يضعها تبعده عن الساحة، وأكد عبدالسيد: شرطى الوحيد أن أختار فريق عمل جيدا مناسبا للفيلم، فأنا لا أقبل أن يفرض على منتج ممثلا فى دور لا أراه صالحا له. فالأزمة ليست فى الأجور كما يعتقد البعض لأن الأجر هو آخر ما أتحدث فيه كما أن المنتجين ليس لديهم أى مشكلة فى ذلك. الأزمة هى من فعل المنتجين أنفسهم، لأنه عندما زادت قوة ونفوذ المنتج والنجم على المخرج، أصبح المخرج مطالبا دائما بأن يكون ضعيفا. فمثلا أسمع أن هناك منتجا يجلس مع المخرجين أثناء مونتاج الفيلم ويشاركون بآرائهم، كما أسمع بأن هناك نجوما يجلسون مع المؤلفين على السيناريو ويقومون بتعديل كثير من المشاهد لتكون على مقاسهم، وهذا لا أقبله، لأن ذلك يكون على حساب المخرج، ولا أعتقد أن منتجا يريد أن يصنع فيلما تجاريا سيفكر فى أن يأتى بمخرج كبير لأنه بالطبع سيرى كل ما يفعله «كلام فارغ»! أما أسامة فوزى أحد المخرجين المميزين والذى يعانى بعد كل فيلم حتى يجد منتجا يوافق على أن يقدم له فيلما قال: إذا لاحظتم ستجدون جميع المخرجين الموهوبين يجلسون فى بيوتهم، ولا يجدون عملا، والسبب أن المنتجين يختارون فقط المخرج الذى يسمع الكلام، والذى يتحرك حسب هواهم لدرجة أننى أرى وظيفة المخرج تحولت ليصبح مثل عسكرى المرور ينظم السير فى الأستوديو وفقط. وأرى أن المخرج الذى يوافق على شروط هؤلاء المنتجين إما أن يكون عديم الموهبة أو لا يثق فى موهبته أصلا. وأوضح فوزى أن من أهم الأسباب أن النجوم يخافون من أفلامى لأنهم يرونها غير نظيفة، وهم يدعون أنهم لا يقدمون سوى الأفلام النظيفة فقط. والأزمة ليست فى الممثلين وإنما فى حالة التهديد المستمر للسينما، ووصل هذا التهديد لدرجة أن الفنانين أنفسهم أصبحوا متطرفين ومعادين للفن. والخطر الأكبر ليس فى وجود أفلام سطحية فى السينما المصرية لأنها دائما موجودة، وإنما الأزمة فى فوضى فكر المسيطرين على الصناعة، فهم لا يملكون إستراتيجية لمستقبل الصناعة فى مصر، ولا يفكرون إلا تحت أقدامهم، وبناء على اعتقادهم الفاسد أصبحت الأفلام الجيدة محاصرة، ومتهمه بأنها فنية. العجيب أنهم يفعلون ذلك بدون دراسة، فهم صنفوا الأفلام بناء على ذوقهم، واجبروا الجمهور ألا يستقبل إلا نوعية أفلام معينة. وضحك فوزى قائلا أتعجب على أن فيلمى «بالألوان الطبيعية» لم تتخطى تكلفته الإنتاجية 8 ملايين جنيه جميعها ذهبت على الفيلم، وليس على أجور الممثلين، ورغم ذلك يعتبره المنتجون باهظ التكلفة، لأنهم يعتقدون أن الفيلم الذى لا يحتوى على نجوم يجب ألا تزيد ميزانيته على 4 ملايين جنيه. ورفض المخرج توفيق صالح الحديث فى الموضوع قائلا: اعفونى من الإجابة عن مثل هذه الأسئلة، مؤكدا أنه لا يريد التطرق لا للأسباب التى له أو عليه.. وناهيا حديثه سائلا: لماذا تذكرتم أن هناك مخرجين كبارا مستبعدين الآن؟ وجاء رأى المخرج محمد خان مشابها للرأى السابق حيث رفض الحديث فى الموضوع، مكتفيا بقوله إن ظروف الإنتاج سيئة جدا الآن، وتزداد سوءا مع مرور الوقت، فكان فى الزمن الماضى ينتج أكثر من 100 فيلم فى العام، أما الآن فلا ينتج أكثر من 30 فيلما، وأرجع عدم الوجود لأسباب أخرى شخصية.