اجتماع الطاولة المستديرة السعودي – الفرنسي يبحث الشراكة الاستثمارية وسبل تعزيزها بقطاع الطيران المدني    تراجع سعر الذهب في مصر بقيمة 20 جنيهًا    إعلام إيرانى ينفى ما نشره تليفزيون أذربيجان حول أنباء مقتل أحمدى نجاد    لقطات خاصة من مران الأهلي الأول قبل مواجهة بالميراس في مونديال الأندية (فيديو)    بيريرا: لم أختر كل شيء في وجودي بلجنة الحكام.. والمجاملات كانت معيارًا أساسيًا    تشكيل كأس العالم للأندية - مونتييل أساسي مع ريفر بليت.. ومهاجم وحيد ل أوراوا    بورسعيد: 85% نسبة النجاح في الشهادة الإعدادية.. والمحافظ يهنئ الطلاب ويشكر أولياء الأمور    نائبة التنسيقية: انتشار حفر الآبار العشوائي يهدد التربة والمحاصيل وثروات الدولة    جامعة دمياط تتقدم في تصنيف US News العالمي للعام الثاني على التوالي    مغامرة وماضي إجرامي.. أحداث برومو فيلم «أحمد وأحمد»    غدًا.. أحمد فتحي ضيف فضفضت أوي على WATCH IT مع معتز التوني    وزير الصحة يعقد اجتماعا لمتابعة الموقف التنفيذي لميكنة منظومة التأمين الشامل    براءة الفنان محمد غنيم بعد التصالح مع طليقته    هل تشتعل «حرب» عالمية ؟    القوات المسلحة الإيرانية: سيتم تنفيذ العملية العقابية قريبًا    واشنطن تحشد طائرات التزود بالوقود جوًا في الشرق الأوسط استعدادًا لتصعيد محتمل    "قصر العيني" يستقبل سفير الكونغو لتعزيز التعاون الأكاديمي في إطار تدشين البرنامج الفرنسي    بعد المطالبة بترحيلها.. طارق الشناوي يدعم هند صبري: محاولة ساذجة لاغتيالها معنويًا    الشيخ خالد الجندي يروي قصة بليغة عن مصير من ينسى الدين: "الموت لا ينتظر أحدًا"    محافظ الأقصر يوجه بصيانة صالة الألعاب المغطاة بإسنا (صور)    مبابي مهدد بالغياب عن مباراة ريال مدريد ضد الهلال.. تقرير يكشف السبب    التعليم العالى تعلن فتح باب التقدم للمنح المصرية الفرنسية لطلاب الدكتوراه للعام الجامعى 2026    مجلس النواب يوافق علي خمسة مشروعات قوانين للتنقيب عن البترول    مصرع شاب في حادث دراجة بخارية بالمنيا    الزمالك يجدد عقد الحارسة نورا عبد المجيد حتى 2026    قرار مهم من "التعليم" بشأن سداد مصروفات الصفوف الأولى للعام الدراسي 2026    "أكبر من حجمها".. محمد شريف يعلق على أزمة عدم مشاركة بنشرقي أمام إنتر ميامي    «البحوث الإسلامية»: الحفاظ على البيئة واجب شرعي وإنساني    "موقف السعيد وشيكابالا".. الغندور يكشف تقرير الرمادي لنادي الزمالك    رئيسة «القومي للبحوث»: التصدي لظاهرة العنف الأسري ضرورة وطنية | فيديو    5 فواكه يساعد تناولها على تنظيف الأمعاء.. احرص عليها    الخميس.. جمعية محبي الشيخ إمام للفنون والآداب تحتفل بالذكرى ال30 لرحيله    "الحرية المصري": نخوض الانتخابات البرلمانية بكوادر على غالبية المقاعد الفردية    في أقل من شهر.. «المشروع X» يفرض نفسه في شباك التذاكر    بدء الجلسة العامة للبرلمان لمناقشة الموازنة العامة    درة تحتفل بتكريمها من كلية إعلام الشروق    محافظ أسيوط يستقبل السفير الهندي لبحث سبل التعاون - صور    ماذا يحدث لجسمك عند التعرض لأشعة الشمس وقت الذروة؟    عرض غنوة الليل والسكين والمدسوس في ختام الموسم المسرحي لقصور الثقافة بجنوب الصعيد    مهرجان الإسكندرية الدولي للفيلم القصير يواصل تألقه بعرض خاص في القاهرة    تأجيل محاكمة متهمين بإجبار مواطن على توقيع إيصالات أمانة بعابدين    شملت افتتاح نافورة ميدان بيرتي.. جولة ميدانية لمحافظ القاهرة لمتابعة أعمال تطوير حى السلام أول    محافظ أسوان يشيد بجهود صندوق مكافحة الإدمان فى الأنشطة الوقائية    المرور تحرر 47 ألف مخالفة متنوعة خلال 24 ساعة    البحوث الفلكية: الخميس 26 يونيو غرة شهر المحرم وبداية العام الهجرى الجديد    دار الإفتاء: الصلاة بالقراءات الشاذة تبطلها لمخالفتها الرسم العثماني    زيلينسكي: روسيا هاجمتنا بالطائرات المسيرة بكثافة خلال ساعات الليل    إيران ترحب ببيان الاجتماع الاستثنائى لوزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجى    وزير الرياضة يرد على الانتقادات: دعم الأهلي والزمالك واجب وطني.. ولا تفرقة بين الأندية    التعليم الفلسطينية: استشهاد أكثر من 16 ألف طالب وتدمير 111 مدرسة منذ بداية العدوان    مستشفيات الدقهلية تتوسع في الخدمات وتستقبل 328 ألف مواطن خلال شهر    ضبط 18 متهمًا بحوزتهم أسلحة و22 كيلو مواد مخدرة في حملة أمنية بالقاهرة    أسعار الخضروات والفاكهة في سوق العبور اليوم    الجيش الإسرائيلى يعلن مقتل رئيس الأركان الجديد فى إيران على شادمانى    «أمطار في عز الحر».. الأرصاد عن حالة الطقس اليوم الثلاثاء: «احذروا الشبورة»    الغردقة.. وجهة مفضلة للعرب المهاجرين في أوروبا لقضاء إجازاتهم    مصر تبحث مع وفد مؤسسة التمويل الدولية (IFC) تعزيز التعاون ودعم أولويات الحكومة    ما هي علامات قبول فريضة الحج؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



زمن الخرافات فى العلاقات الدولية
نشر في الشروق الجديد يوم 24 - 02 - 2010

كتاب أساسى فى علم العلاقات الدولية صدر مؤخرا باللغة الفرنسية لوزير الخارجية الفرنسى السابق هوبير فيدرين والذى عمل فى قصر الإليزيه على مدى 14 عاما كمستشار للرئيس فرنسوا ميتران ثم كأمين عام للرئاسة بين 1981 و 1995، ثم وزيرا للخارجية فى حكومة ليونيل جوسبان عام 1997 حيث قاد السياسة الخارجية الفرنسية على مدى خمس سنوات فى ظل رئاسة جاك شيراك.
زمن الخرافات، هو عنوان هذا الكتاب الذى يؤكّد على سمعة فيدرين العالمية كأحد أكبر الخبراء، بل والمنظرين، للعلاقات الدولية الجديدة. وهو من السياسيين الفرنسيين القلائل الذين يقيّمون حجم ودور بلاده فى التحولات العالمية بحيادية كاملة، بل يطرح رؤية مجرّدة من أى ادعاء طارحا تفسيرات موضوعية حيث يقطع الطريق أمام كل الذين، فى فرنسا أو فى أوروبا، ما زالوا يتشدقون بتفوق وامتياز القارة العجوز، وهم كُثر. فالرؤية واقعية، بل وتشكيكية أيضا، ولكنها ليست سينيكية أبدا. وبذلك فهو يتميز عن المنظّر الآخر للعلاقات الدولية الحديثة، هنرى كيسنجر، الذى قرأه بتمعّن وتأثّر بفكره بشكل واضح. فخلف رؤيته الواقعية هذه، تظهر بوضوح مبادئ أخلاقية صلبة، وهنا تكمن أهمية الكتاب.
***
إن وصف النظام العالمى الجديد على أنه متعدد الأقطاب ليس شيئا جديدا، ولكن الجديد فى وصف فيدرين هو أن العالم قد دخل فى مرحلة زمنية طويلة الأمد تتحرّك فيها الأقطاب وكأنها صفائح تكتونية ويُعاد فيها توزيع الأوراق. وتبقى النتيجة مجهولة وكل الاحتمالات واردة، باستثناء احتمال واحد وهو استمرار هيمنة الغرب بأقطابه المختلفة، وبهذه المقولة، يكسر فيدرين الخرافة الأولى.
فإذا كانت الولايات المتحدة ما زالت القطب الرئيسى من حيث عوامل القوة المختلفة، فإنها دخلت فى مرحلة اختلفت فيها التحديات وتغيّرت هوية القوى التى تحتاج أن تصل معها إلى صيغة تعايش وتعاون. أما الغرب ككل، فالمطلوب تغيير سياساته لتصبح غربية أقل وكونية أكثر. فعليه مثلا أن يتقبل قبل كل شىء أنّه من حق الصين أن تطالب بإعادة النظر فى قواعد اللعبة الدولية ومراجعتها لأنها لم تعد تتناسب مع ميزان القوى، ولا يجوز للغرب أن يعترض على ذلك لأن العالم بحاجة إلى الصين بقدر حاجتها إليه.
الخرافة الثانية هى أن الولايات المتحدة مضطرة لمراعاة أوروبا وإعطائها الأولوية فى وضع سياساتها الخارجية لأن أوروبا هى الحليف الأول. ألا يتنبّه الأوروبيون إلى أن دورهم قد أضحى ثانويا، وأن أمريكا تتعامل مع هذه العلاقة وكأنها إرثٌ تاريخى من واجبها أن تحافظ عليه ولكنه غير قادر على مساعدتها فى مواجهة التحديات الكبرى.
فمثلا، يرى فيدرين أن القادة الأوروبيين يتصرفون كالأطفال عندما يتأثرون، حيث هم يحتجون لأن الرئيس أوباما اعتذر عن حضور قمة أوروبية أمريكية فى مايو المقبل فى مدريد بدلا عن سؤال أنفسهم عما يمكنهم أن يقدموه. فلقد فوتت أوروبا فرصة أن تفرض نفسها فى عهد الرئيس بوش الابن، وتصرفت بجبن مفرط أمام السياسات الخاطئة التى تبناها والتى أدت إلى كوارث معروفة. ونقد سياسات أمريكا ليس بالضرورة معاداة لها كما حاول البعض أن يصوّر الأمر.
وحتى إن كان هناك نوع من المعاداة لهذه السياسات فى فرنسا فإن سببها الرئيسى هو الغيرة من أمريكا لسلبها الدور التاريخى من فرنسا كمصدر أساسى للقيم الكونية، وهو الشىء الذى تعتبره فرنسا من خصوصيتها. وفى الوقت نفسه، بدأ يتبلور تيار فى المجتمع الفرنسى عند فئة من المحافظين الجدد، والذى مهّد لوصول الرئيس نيكولا ساركوزى. هذه الفئة تتبنى رؤية الرئيس بوش الذى لم يتعلّم من أخطائه، بل عاد وأكّد رؤيته فى خطاب الوداع حيث ينقسم العالم بالنسبة له إلى محورى الخير والشر، وهى رؤية تنسف أساس مفهوم الدبلوماسية وهى التى استنبطت أساسا للتعامل مع الرأى المخالف ومفاوضة الأعداء.
لقد سارع الرئيس ساركوزى لتبنى مواقف مشابهة، وأخذ قرار إعادة ضم فرنسا إلى القيادة العسكرية للحلف الأطلسى والذى كان الرئيس ديجول هو من أخرجها منها فى الستينيات من القرن الماضى. ولقد ادعى تبريرا لهذه العودة بأن ذلك سوف يعطى فرنسا ثقلا أكبر فى عملية صنع القرار ضمن الحلف. ولكن بعد عامين على هذا القرار، لا يوجد هناك أى دليل على تعزيز الدور الفرنسى، بينما هناك دلائل كثيرة على تفشى فكر المحافظين الجدد، ومن بينها تبنى رؤية خطيرة، هى فى الواقع رؤية الليكود الإسرائيلى، لقضايا العالم الإسلامى والعالم العربى.
رغم كل الانتقادات التى وجهها فيدرين للسياسات الأمريكية، وموقفه المتحفّظ من الحلف الأطلسى الذى يعتبره أداة لسياسات أمريكا قبل كل شىء، فإنه يحظى باحترام كبير فى الولايات المتحدة ويبقى على علاقة وثيقة مع مسئولين سابقين عن السياسة الخارجية الأمريكية.
ويتهمه بعض المراقبين بأنه غير معنى بقضايا حقوق الإنسان فى العالم ولا يوليها أهمية، معطيا الأولوية للاعتبارات الأمنية كعامل محدد فى العلاقات بين الدول. وفى هذا النقاش أيضا، يجد فيدرين نفسه وحيدا يعارض الفكر السائد الذى نشرته إدارة بوش وسارت خلفه أوروبا، ليس حرصا على حقوق الإنسان فى المجتمعات العربية والصينية والروسية حسب فيدرين، وإنما لسببين أساسيين
أولّهما أن سياسة الدفاع عن حقوق الإنسان هى مجرد موقف استعراضى تبنته أوروبا كبديل عن سياسة جدية تواجه بها التحديات الحقيقية المطروحة أمامها.
السبب الثانى، وهو أخطر، يتمثّل فى أن أيديولوجيا حقوق الإنسان هى امتداد للفكر والسياسات الاستعمارية القديمة، وكأن هذا الفكر داءٌ لم يستطع العالم الغربى أن يتخلص منه، فيعيد إنتاجه ويٌضفى عليه شرعية جديدة من خلال خطاب عام يدّعى التفوق المعنوى والأخلاقى.
وأخيرا، الخرافة الكبرى التى يسعى فيدرين للقضاء عليها، هى أن الغرب قادر على التأثير فى مجتمعات أخرى وعلى تغييرها بناء على مبادئه ومعتقداته. ففى أفغانستان مثلا، قدّمت البلدان التى أسهمت بقوات عسكرية فى الحرب على الطالبان حجتين، الأولى، أن الحرب ضرورة فرضت نفسها على الغرب لحماية أمنه المباشر، وهذه حجة مقبولة ويمكن تبريرها أمام الرأى العام.
أما الثانية، والتى أتت بعد قلب نظام طالبان، فيمكن تلخيصها بعبارة «محاربة الهمجية». وهذه أكذوبة خطيرة لأنه ليس لدى الغرب القدرة على فهم مجتمع معقد كهذا، ولا على التأثير فى التركيبة السياسية والاجتماعية للبلاد.
مع هذا المنطق، عادت الدول الغربية، خاصة الأوروبية منها، إلى ممارسة سياسة سبق وأثبتت عدم جدواها إبان ماضيها الاستعمارى. فلماذا تدّعى الحكومات أن جنودها مستعدون للتضحيات من أجل أن يعيش الشعب الأفغانى فى ظل الديمقراطية، وأن تذهب الفتيات الأفغانيات إلى المدارس؟ هنا تكمن الأكذوبة والادعاء الذى لم تعد الشعوب مستعدة أن تدفع ثمنا من أجله.
ينتهى فيدرين فى تحليله لدور الغرب وسياساته قائلا إن أهم تحد أمام العالم بأكمله هو أن ينجح الرئيس الأمريكى باراك أوباما فى تطبيق مقترحاته للتعامل مع التحديات الأساسية، لأنها تنطلق من رؤية ونية سليمتين، وأهم عناصر هذه الرؤية هو تصوّره للتعامل مع العالمين العربى والإسلامى، وفهمه لقضية الصراع العربى الإسرائيلى.
إن لدى فيدرين رؤية متكاملة وأفكارا محددة إزاء قضايا الشرق الأوسط سنخصص لها مقالا آخر فى موعد قريب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.