شهدت الساعات القليلة الماضية تصريحات متضاربة بشأن فرص إحياء الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015، ما بين تفاؤل أوروبي فرنسي بالتوصل لاتفاق خلال أيام، ولهجة دبلوماسية أمريكية تشير لتعثر يلوح في الأفق، يقابلها إصرار إيراني على أن طهران اتبعت "نهج بناء" يهدف لاختتام مفاوضات ماراثونية غير مباشرة متقطعة بدأت قبل 16 شهرا. كانت إيران والقوى التي لا تزال منضوية في الاتفاق (فرنسا وبريطانيا وألمانيا وروسيا والصين) قد بدأوا مباحثات لإحيائه في أبريل 2021، تم تعليقها مرة أولى في يونيو من العام ذاته. وبعد استئنافها في نوفمبر الماضي، علقت مجددا منذ منتصف مارس مع تبقي نقاط تباين بين واشنطنوطهران، رغم تحقيق تقدم كبير في سبيل انجاز التفاهم. ويشكل النص النهائي المقترح في الثامن من الشهر الماضي من جانب الاتحاد الأوروبي الذي ينسّق المباحثات غير المباشرة بين طهرانوواشنطن، محور السجال الدبلوماسي الأمريكي الإيراني حاليا، إذ اقترحت إيران تعديلات علي النص الأوروبي ردت عليها الولاياتالمتحدة عبر الوسطاء، وتلي ذلك إرسال طهران ردا جديدا على واشنطن، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني، إنه "نص ذو نهج بناء" يهدف لاختتام المفاوضات، بحسب وكالة الأنباء الرسمية الإيرانية (إرنا). أما الولاياتالمتحدة فاستقبلته بتصريحات توحي بتعثر مسار المفاوضات، إذ وصف المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية فيدانت باتيل رد طهران ب "غير البناء"، كما نقلت مجلة "بوليتيكو" الأمريكية عن مسؤول في الإدارة الأمريكية (لم تسمه) قوله إن "الرد الإيراني على ملاحظاتنا يسير بنا خطوة إلى الوراء". وبحسب دبلوماسيون غربيون، يمثل مطلب إيران بإغلاق تحقيقات تجريها الوكالة الدولية للطاقة الذرية منذ فترة طويلة تتعلق بالعثور على آثار ليورانيوم مخصب في ثلاثة مواقع غير معلنة، كشرط لاستعادة الاتفاق النووي لعام 2015، عقبة كبيرة تعرقل التوصل إلى اتفاق، بحسب صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية. وكانت الوكالة الدولية للطاقة الذرية قد أعربت عن أسفها لعدم وجود ردود تتسم "بالصدقية" من جانب طهران بشأن آثار اليورانيوم. وفي يونيو الماضي، حظيت الولاياتالمتحدة وحلفاؤها الأوروبيون بتأييد ساحق في مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية لتوجيه اللوم لإيران ، وحثوا طهران على التعاون مع الوكالة بشأن تلك التحقيقات. وكانت روسيا والصين الدولتين الوحيدتين اللتين عارضتا القرار. وكررت طهران في الآونة الأخيرة مطلبها بأن تغلق الوكالة الدولية للطاقة الذرية ملف المواقع الإيرانية المشتبه فيها، قبل إحياء الاتفاق بشكل كامل، حيث أكد الرئيس الإيرانى إبراهيم رئيسى في مؤتمر صحفي الأسبوع الجاري على ضرورة حل "كافة قضايا الضمانات" التى طلبتها بلاده فى محادثات فيينا، وذلك بهدف إحياء الاتفاق النووى، بحسب ما نقل التلفزيون الرسمى الإيرانى. وفي الوقت الذى يستمر فيه السجال الدبلوماسي غير المباشر بين الولاياتالمتحدةوإيران، تبدو وتيرة التصريحات الغربية أكثر تفاؤلا ، وهو ما ظهر في تصريحات لمسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، يوم الأربعاء، أعرب فيها عن أمله بإحياء الاتفاق حول البرنامج النووي الإيراني "في الأيام المقبلة"، الأمر الذى أكد عليه أيضا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أمس الخميس، حين أعرب عن أمله في التوصل إلى اتفاق في غضون الأيام المقبلة. في المقابل، نفت وزارة الخارجية الأمريكية مرارا خلال الأيام القليلة الماضية تقارير إعلامية متعددة عن اتفاق مع إيران على العودة إلى الالتزام بالاتفاق النووي لعام 2015 خلال الأسابيع الثلاثة المقبلة. كانت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن قد اعتبرت استعادة الاتفاق النووي أحد أهداف سياستها الخارجية الرئيسية، ومع تقدم البرنامج النووي الإيراني بسرعة واقتراب انتخابات التجديد النصفي للكونجرس الأمريكي في نوفمبر المقبل، يقول المسؤولون الغربيون إن هناك حاجة لاتفاق الآن، علما بأن المفاوضات النووية واجهت انتقادات متزايدة من الجمهوريين والديمقراطيين في الكونجرس على حد سواء. ويظل الغموض يكتنف مصير إحياء الاتفاق النووي المعروف ب "خطة العمل المشتركة الشاملة" مع اقتراب مدة المحادثات الراهنة في فيينا (16 شهرا) من المدي الزمني نفسه الذى استغرقته المفاوضات الخاصة بإبرام الاتفاق (18 شهرا) والتى اختتمت بتوقيعه في مدينة لوزان السويسرية في 4 أبريل 2015، بين إيران ومجموعة (5+1) التى تشمل أمريكا والصين وروسياوفرنسا وبريطانيا وألمانيا.