طور الإنسان الحياة من خلال التعليم والتعلم لتشكيل مسارات متعددة للتفكير والتأمل والتجريب والمبادرة والاكتشاف ليتداولها الكبار ويتعلمها الصغار. وهنا بدأت رحلة التعليم والتعلم لتأخذ مسارات لنظم تربوية وهياكل مؤسسية ومناهج تعليمية وقوى بشرية مؤهلة بمؤسسات التعليم النظامى، كما اتسعت المسارات لتشمل تنوعا وافرا للفضاء الإنسانى من التعلم والمهارات بكل أشكاله مثل التعليم النظامى واللانظامى، وتعليم الصغار والكبار، والتعلم مدى الحياة وهو المقصود بالتعليم المستمر. وأصبح التعليم والتعلم مدى الحياة وتطوير المهارات هدفا أسمى وأعمق وأشمل يسعى إلى تحقق حياة أفضل للإنسان من خلال جميع برامج وأساليب وآليات التمكين لتطوير القرائية، وهو ما يعد امتدادا لجميع برامج تعليم وتعلم الكبار. ومع التطور الإنسانى وتكوين مجتمعات متحضرة أصبح التعليم والتعلم حقا من الحقوق الأساسية للإنسان وصالحا مشتركا حيويا ومدخلا رئيسيا لتعزيز العدالة التعليمية والاجتماعية بين أبناء المجتمع وساهم فى الحد من أوجه عدم المساواة والتمييز والتهميش. ويشهد العالم الآن تغييرا فى أنماط التعليم والتعلم واستراتيجياته والتى تستند على تشجيع الكفاءات التى تحتاج إليها المجتمعات، وترسيخ الاقتصاديات ذات النهج الإنسانى من خلال التركيز على تهيئة بيئات للتعلم ونهوج جديدة تحقق التمكين الاقتصادى والاجتماعى للانسان، كما تؤدى إلى تحقيق المساواة والإنصاف الاجتماعى فى ضوء مبادئ الاحترام المتبادل، وتكافؤ الفرص والتساوى فى الكرامة بحيث يكون «التعليم والتعلم» قادرا على إحداث تراكم فى رأس المال الاجتماعى والثقافى والاقتصادى للمجتمعات. ومن خلال رصد مراحل تاريخية حيوية وحتى الآن تم تطوير المفاهيم المعنية بالتربية والتعليم والتعلم مثل: تعليم الصغار، ومحو الأمية، ودعم تطوير القرائية، بالإضافة إلى تعلم الكبار والتعلم مدى الحياة والتى يمكن ان نرصدها من خلال 3 محطات رئيسة وهى: • مرحلة إبراز قوة وقيمة وتأثير التعليم والتعلم المرتكز على بناء وتطوير البنية الشخصية وبناء قدرات الإنسان حيث اعتمدت على المبادئ الأربعة للتربية فى القرن الحادى والعشرين من خلال طرح عدة تقارير دولية صادرة عن منظمة اليونسكو منها تقرير فور «تعلم لتكون» عالم التربية اليوم وغدا عام (1972 ) كذلك تقرير ديلور «التعليم ذلك الكنز المكنون» (1996) والذى اعتمد على تنمية الشخصية من خلال: التعلم لتعرف، التعلم لتعمل، التعلم للتعايش مع الآخرين، والتعلم لتكون. • مرحلة ترسيخ التعليم والتعلم كأساس للصالح العام والمشترك والمحقق للتنمية الاجتماعية والاقتصادية حيث يستمد التعليم مكانته وقيمته من أنه يشكل حراكا اجتماعيا واقتصاديا من خلال أبعاده الاستراتيجية لتوجيه التعليم والتعلم نحو الصالح العام المشترك على المستويات الوطنية والدولية وتحقيق التنمية المستدامة، فى عام 2015 تم إصدار وثيقة تاريخية هامة حول كيفية مواجهة المخاطر والتى تأتى من فعل الطبيعة والبشر والتى تهدد الإنسانية وعملت هذه الوثيقة على رسم خريطة طريق لمدة خمسة عشر عاما سميت بأهداف التنمية المستدامة، والتى تبلورت فى سبعة عشر هدفا تسعى إلى العمل من أجل الناس والكوكب الذى نعيش عليه، بناء عليه تم إصدار وثيقة هامة بمجال التعليم وأهداف التنمية المستدامة وهو التقرير العالمى لرصد التعليم عام 2016 بعنوان التعليم من أجل الناس والكوكب وبناء مستقبل مستدام للجميع وقد نص التقرير على أهمية إبراز المدخلات الحيوية لكل بعد من أبعاد التنمية المستدامة حيث التعليم الجيد يؤدى إلى مزيد من الرفاه والازدهار ويحسن الزراعة وينهض بالصحة ويحد من العنف ويعزز المساواة بين الجنسين ويزيد من قوة رأس المال الاجتماعى ويحسن البيئة الطبيعية ويساعد الناس على فهم مدى حيوية التنمية المستدامة لمستقبلنا المشترك، حيث يزودنا التعليم بالأدوات الأساسية الاقتصادية والاجتماعية والتكنولوجية والأخلاقية للتفاعل مع أهداف التنمية المستدامة والعمل على تحقيقها. • مرحلة الاتجاهات المتعددة للتحولات نحو المستقبل، وتعددت التوجهات والمسارات نحو المستقبل فى ظل مخاطر وتحديات خطيرة منها تأثير وتداعيات الوباء العالمى كوفيد 19 والذى لم يتعافَ العالم منه حتى الآن على كل المستويات وخاصة فى مجالات التعليم والصحة والاقتصاد، وهناك مزيد من تحديات مخاطر الحرب الروسية الأوكرانية والتى تهدد اقتصاديات العالم بكارثة إنسانية تمتد حتى انقطاع وتدهور سلة الغذاء العالمى، ويستكمل هذا المثلث من التحديات بأخطار وتداعيات التغيير المناخى والذى يهدد البشرية وحياة الإنسان فى جميع عناصر الحياة من الأرض والمياه والهواء، وتتعاظم التحديات الاجتماعية والاقتصادية من تزايد العنف والصراعات والنزاعات المسلحة واللاعدالة وتعميق الفوارق واللامساواة والتفكك الاجتماعى، مما يستدعى أن يصبح من الأهمية أن ننظر للتعليم والتربية باعتبارهما أولويات على خريطة التماسك الإنسانى والاجتماعى لأى أمة وأن يتم وضعه على أولويات خطط التنمية البشرية والاستدامة ليس فقط لأن التعليم والتعلم وتشكُّل العقول بالمعرفة وتطور الذات أمور تخلق أدوات جيدة للمعايشة مع الآخرين والنفاذ إلى سوق العمل ولكن أيضا لأنه الأخطر فى تشكيل مستقبل العالم والأمم وفى تحديد أولويات التنمية التى ترصد وتخطط للاستراتيجيات البعيدة والمتوسطة المدى، وتهيئة الرأى العام تعبئة الموارد وتخصيص الموازنات وبناء شراكات متنوعة مع جميع أصحاب المصلحة. سهام نجم خبيرة التعليم والتعلم والتنمية المستدامة للمجتمع المدنى