مؤتمر جماهيري حاشد بقنا لدعم مرشحة الجبهة الوطنية وفاء رشاد في انتخابات الشيوخ    الصوفية تحيي الليلة الختامية للمرسى أبو العباس فى الإسكندرية (صور)    أحمد سعد: عمرو دياب نزل ألبوم مختلف وخلاني أقدم أفكار جديدة    أسعار الذهب الخميس 24 يوليو في ختام التعاملات    غدًا.. لقاء بين وزيري خارجية فرنسا وسوريا وموفد أمريكي في باريس    أمريكا: ملتزمون بوقف إطلاق النار مما يسهل الجهود الإنسانية في غزة    ماكرون: قررت أن تعترف فرنسا بدولة فلسطين    نصر سليمان: مصر تواصل دورها الريادي وهناك خطة لتكثيف الدعم الإنساني من أجل غزة    توقعات بنزوح 15 مليون شخص.. الرئيس الإيرانى: طهران لم تعد تمتلك مياهًا ونواجه أزمة خانقة    النبريصي يشارك في تدريبات الإسماعيلي    نيوكاسل يتحرك لضم بديل إيزاك    مصطفي شلبي ينتظم في معسكر البنك الأهلي ببرج العرب    لاعب ليفربول للشباب: مركزي المفضل صانع ألعاب.. وهدفي تمثيل منتخب مصر الأول    «رحيل هالك هوجان».. أسطورة المصارعة يسقط بصمت (تعرف على أسباب وفاته)    حاتم نعام يكتب: التيك توك وملحمة المشاهدات| مات الحياء من الألف إلى الياء    ذروة الموجة شديدة الحرارة| الأرصاد تحذر من طقس الجمعة    الإفتاء تعلن عدمُ ثبوتِ رؤية هلالِ شهر صفر لعام 1447ه    مصطفى كامل ل ياسمين عز: «راغب علامة لازم ييجي النقابة قبل 1-8» | فيديو    تخفيض أسعار تذاكر مهرجان صيف الأوبرا 2025 في الإسكندرية    خالد الجندي: مساعدة الناس عبادة.. والدنيا ثمَن للآخرة    هل يحاسب الإنسان على المحتوى المنشور على السوشيال ميديا؟| أمين الفتوى يجيب    «الإسكندرية» تستعد لتطبيق منظومة التأمين الصحي الشامل بتوقيع عقود اتفاق تقديم خدمة طبية مع كيانات متخصصة (صور)    "كان نفسي أقرأ في المصحف".. سيدة أسوانية تودع الأمية في ال 76 من عمرها    الزيارة الثانية خلال يوليو.. الباخرة السياحية "AROYA" ترسو بميناء الإسكندرية -صور    أول صورة للزوجة ضحية الميراث في الفيوم.. شقيق ينهي حياة أخيه وزوجته    رفع 36 مركبة متروكة ومتهالكة في شوارع القاهرة والجيزة    حبس 3 متهمين في جريمة قتل بسبب خلاف على الميراث بالفيوم    الأمن يضبط 4 ملايين جنيه من تجار العملة    موعد انطلاق المرحلة الأولى من تنسيق الجامعات 2025    إعلام فلسطيني: استشهاد 19 ألف طفل خلال الحرب على قطاع غزة    بعد فتحها مجانًا.. إقبال على المواقع الأثرية في عيد الإسكندرية (صور)    منة عرفة تتألق بعدة إطلالات جريئة في المالديف    "تناغم بين البرتقالي والأبيض".. منة فضالي بإطلالة صيفية جريئة على اليخت    الكويت الكويتي يعلن تعاقده مع سام مرسي    أبو تريكة قدوتي.. أول تعليق لإبراهيم عادل بعد انضمامه للجزيرة الإماراتي    هل لمبروك عطية حق الفتوى؟.. د. سعد الهلالي: هؤلاء هم المتخصصون فقط    "المشاط" تدعو الشركات السويسرية لاستكشاف الإصلاحات وزيادة استثماراتها في مصر    "الصحة" تتخذ خطوات للحد من التكدس في المستشفيات    جولة مفاجئة لوكيل صحة المنوفية.. ماذا وجد فى مستشفى حميات أشمون؟    الصحة تشارك في المؤتمر الدولي ال17 لمناظير المخ والعمود الفقري (INC 2025)    رفع 50 طن نواتج تطهير من ترع صنصفط والحامول بمنوف    شعبة الدواجن تتوقع ارتفاع الأسعار بسبب تخارج صغار المنتجين    وزير الخارجية يتوجه إلى السنغال في المحطة الخامسة والأخيرة من جولته في غرب إفريقيا    تشغيل كامل لمجمع مواقف بني سويف الجديد أسفل محور عدلي منصور    وزيرة التضامن تثمن جهود النيابة العامة وزياراتها لدور الرعاية بالجمهورية    المجلس الأعلى للإعلام يوافق على 21 ترخيصًا جديدًا لمواقع إلكترونية    50 عامًا على عرض «الفك المفترس».. احتفالات ضخمة بأنجح الأفلام في تاريخ السينما    عمرو الورداني: نحن لا نسابق أحدًا في الحياة ونسير في طريق الله    غدًا.. "شردي" ضيفًا على معرض بورسعيد الثامن للكتاب    27 يوليو.. غلق باب التقدم على 36 مصنعاً بمدينة الجلود بالروبيكي    انفجار لغم يشعل صراعا بين كمبوديا وتايلاند.. اشتباكات حدودية وغارات جوية    رئيس الوزراء يتابع جهود منظومة الشكاوى الحكومية خلال النصف الأول من 2025    أمين الفتوى: لا يجوز التصرف في اللقطة المحرّمة.. وتسليمها للجهات المختصة واجب شرعي    شهدت التحول من الوثنية إلى المسيحية.. الكشف عن بقايا المدينة السكنية الرئيسية بالخارجة    بنسخ خارجية لمختلف المواد.. ضبط مكتبة بدون ترخيص في الظاهر    جامعة قناة السويس تُعلن نتائج الفصل الدراسي الثاني وتُقرّ دعمًا للطلاب    منتخب جامعات مصر للتايكوندو يحقق فضية عالمية في ألمانيا    نهاية لمعاناتك.. طرق فعالة للتخلص من الأرق وقلة النوم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سيول سيناء وعادل إمام
نشر في الشروق الجديد يوم 21 - 02 - 2010

«الرزق مش فلوس.. الرزق بيت ومطر وصحة وريحة وحب.. البيت دفا والمطر خير والصحة تاج الراس والريحة هى بهجة الدنيا أما الحب فهو القانون.. قانون بيربطنا كلنا وبيربط كل واحد فينا بربه، الحب هو قانون الاستمرار». وأضاف بصوته العميق: «احنا كلنا بنلف فى فضا واسع، فى فضا واحد، فيه الناس والنبات والحيوان فى دورة واحدة، بيربطهم كلهم نسب ومعرفة، اللى بيقع يبقى علشان يمد نور الحياة لواحد تانى، كلنا ملمومين فى شبكة واحدة ربانية، كلنا فى خدمة بعض ولو مش عارفين».
كان جالسا على الأرض مستندا إلى شجرة ناصعة البياض يطلقون عليها «الحماطة» تضوى بلمعان خفى رغم حزنها الدفين، كان يضع قدمه اليسرى تحت عجيزته ويحتضن بذراعه اليمنى ساقه اليمنى. يمسك بفرع شجرة رفيع وهو يلعب به لتحريك أوراق شجر ساكنة على الأرض. بيننا استقر براد شاى هائل فوق حطب يتآكل ببطء بفعل النيران. كان شيخا تجاوز الثمانين، أسنانه تآكلت هى الأخرى من نيران سجائره التى لا يتوقف عن مص رحيقها الأسود. وكان يجلس إلى جانبه حسن وهو رجل فى الثلاثين من العمر يمتلك جنينة مجاورة يتلفح بعقال سيناوى، يتحدث نادرا.
كان البرد يتسلل بحنكته المعهودة فى نخاع العظام ويضرب بلا هوادة جهازى العصبى ونحن نجلس فى واد يرتفع أكثر من ألفى متر عن سطح البحر، على مقربة من قصر عباس. هذا القصر الذى لم يكتمل بناؤه بسبب مقتل صاحبه عباس حلمى الأول، هذا الرجل الذى أغلق ينابيع مياه التنمية والحياة فى كل أنحاء المحروسة، ولكنه قبل مقتله أكمل تمهيد الطريق الذى سلكته وأنا أصعد إلى الجبل الذى يحمل حتى الآن اسمه، كما يحمل حى العباسية اسمه أيضا، وكان قد أمر ببناء قصره هذا بعد أن نصحه الأطباء بقضاء وقت فى مكان بمواصفات منطقة كاترين علاجا لمرض الدرن الذى أصابه، أو هكذا تُروى الحكاية.
التاريخ ليس عادلا، غير منصف، لا أخلاقى وغبى أحيانا. جبل وهذا الحى العظيم فى عاصمتنا على اسم رجل لم يترك للوطن غير التخريب والتخلف والرجعية. أخذت نفسا عميقا بدلا عن عباس فسرت نشوة «الريحة» فى روحى. هذا هو رزق يومى. أشار لى الرجل إلى الحماطة وقال لى: «شايف حزينة إزاى؟ دبلانة وعروقها نشفانة.. من سنين ما اتروتش.. السنة دى وبعد أكتر من 17 سنة جات أخيرا السيول اللى احنا كلنا منتظرينها سنة ورا سنة.. خير كتير وح يعم على الجميع».
سألتهم عن ضحايا السيول فأجاب الشيخ: «لازم يموت شىء علشان يحيى شىء.. بص حواليك.. الموت لسة فى كل مكان، وفجأة بعد السيول، ظهرت الحياة أخيرا، بخشا صحيح، لكن جات السيول جامدة والحمد لله وح تنتصر الحياة أخيرا.. بص على البير ده.. ما فيهوش ميه من سنين وسنين، بص دلوقتى البير مليان على آخره. كل آبار المنطقة اتملت بالخير.. اتملت بالحياة. حفيدى داخل أولى ثانوى ماشفش البير ده مليان ميه إلا السنة دى. رزق كبير». قلت لهم إننى لم ألتق على مدار العشرة أيام التى قضيتها فى جنوب سيناء بين الطور وكاترين ونويبع واحدا من بدو سيناء إلا وكان يشكر ربه على السيول. ويتمنى تكرارها كل عام.
لا يتذكر أحد فترة جفاف فى طول ما سبق واختبروه من قسوة الجفاف خلال السنوات الماضية. كان أحد أقرباء حسن قد توفى جراء السيول ولكنه أكد لى أن الموت حق والسيل حياة. كانت البهجة تعم حقيقة على الجميع، الإنسان والحيوان والنبات فى جنوب سيناء. بدأ حسن فى صب أكواب الشاى المختلطة بأعشاب الحبق، وتفكرت أنا فى منظور أبناء وادى النيل للسيول كمصدر للخراب ومنظور أبناء الصحراء للسيول كمصدر للحياة، وعلاقة كل حضارة بالطبيعة الخاصة بالطرف الآخر، وتعجبت. وذهب الشيخ الجليل وهو يرتشف من كوبه ويسحب الدخان إلى منطقة موغلة فى جوفه إلى منطقة مجهولة، وأصبح فجأة الحاضر الغائب.
انتهز حسن الفرصة وقال لى إنه برغم بهجته غير العادية هذا العام بسبب السيول إلا أنه حزين من عادل إمام. سألته عن السبب فقال لى إنه استمع من أكثر من شخص أن عادل إمام قادر وحده على سداد ديون مصر بالكامل. ولكنه عندما التقى رئيس الجمهورية حسنى مبارك وتحادثا فى الأمر، أبدى عادل نيته فى سداد الديون المصرية، ولكنه اشترط على حسنى مبارك فى مقابل كرمه ووطنيته أن تقبل الحكومة وضع صورة عادل إمام على أوراق البنكنوت. وصمم على ذلك. اجتمع الرئيس بمعاونيه وفكروا وانتهوا إلى رفض طلب عادل. «طبعا لازم يرفضوا.. يبقى نشيل أبوالهول والقلعة ونحط صورة بنى آدم! ما يصحش برضه.. هل ممكن يكون عادل بالشكل ده.. ده أنا كنت بحبه قوى.. بس من هنا ورايح والله مانيش ح اتفرج على أفلامه».
لم يعطنى حسن الفرصة كى أرد عليه للدفاع عن عادل إمام وعن الفنانين، قام وبدأ فى جمع أعواد طويلة من البوص كانت منتشرة على أرضية الجنينة. هبت ريح سقيعية ارتجف لها قلبى وتساءلت لماذا تداخل كل الألوان الرائعة البهاء فتحيل الصورة إلى اللون الذى لا لون له؟
تهت داخل دورة العبث المجنونة التى ندور فى فلكها، وتمنيت كما تمنى الفلاسفة أن نفهم ولو لثانية واحدة حقيقتنا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.